لقد دقق الرسول صلى الله عليه وسلم على اغتنام الوقت لثمنه الباهظ وعدم القدرة على استرداده إذا ما مضى، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"؛ لذلك قسم الإسلام اليوم إلى أوقات موزعة على الصلوات الخمسة وجعل الواحدة لا تجوز في وقت الأخرى.

فبم نستثمر أوقاتنا ؟

إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات :

- حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه: وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته، وقد حثَّ النبي ( على تعلم كتاب الله فقال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" [ رواه البخاري ] .

- طلب العلم : فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب.

واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها : حضور الدروس المهمة، والاستماع إلى المحاضرات النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وشراؤها .

- ذكر الله تعالى : فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً، وقد أوصى النبي ( أحد أصحابه فقال له : "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" [ رواه أحمد وصححه الألباني ] . فما أجمل أن يكون قلب المسلم معموراً بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن تحرك فبأمره .

- الإكثار من النوافل :

وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد " ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" [ رواه البخاري ] .

- الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين :كل هذه مجالات خصبة الاستثمار ساعات العمر .

- والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء: وقد قال الله تعالى  ( قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ ( [ يوسف : 108 ] .

- زيارة الأقارب وصلة الأرحام : فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال ( : "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه" [ رواه البخاري ] .

- اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة : مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس . وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم .

- تعلُّم الأشياء النافعة :

 مثل الحاسوب واللغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه .

وبعد أخي المسلم فهذه فرص سانحة ووسائل متوفرة ومجالات متنوعة ذكرناها لك على سبيل المثال - فأوجه الخير لا تنحصر - لتستثمر بها وقتك بجانب الواجبات الأساسية المطلوبة منك .

آفات تقتل الوقت

هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ومن هذه العوائق الآفات :

الغفلة : وهي مرض خطير ابتلي به معظم المسلمين حتى أفقدهم الحسَّ الواعي بالأوقات، وقد حذَّر القرآن من الغفلة أشد التحذير حتى إنه ليجعل أهلها حطب جنهم، يقول تعالى : ( وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنمَ كَثِيرًا منَ الجِن وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَـئِكَ كَالأنعام بَل هُم أَضَل أُولَـئِكَ هُمُ الغاَفِلُونَ (179)( [ الأعراف : 179] .

التسويف : وهو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، وللأسف فقد أصبحت كلمة "سوف" شعاراً لكثير من المسلمين وطابعاً لهم، يقول الحسن : "إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك" فإياك - أخي المسلم - من التسويف فإنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، واعلم أن لكل يوم عملاً، ولكل وقت واجباته، فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم، كما أن التسويف في فعل الطاعات يجعل النفس تعتاد تركها، وكن كما قال الشاعر:

تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري *** إن جنَّ ليــلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجـرِ

فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ

وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *** وقــد نُسجتْ أكفانُه وهــــو لا يــدري

فبادر - باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيل سوف . والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه .

وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم .