أثار قرار السلطات الفرنسية إغلاق دار نشر إسلامية بدعوى نشرها لأعمال تشرعن الجهاد ردود فعل غاضبة واستغرابا، خاصة أن من بين أسباب الغلق نشر الدار سيرة ذاتية عن الصحابي "خالد بن الوليد" رضي الله عنه.

والجمعة، أعلن وزير الداخلية الفرنسي "جيرالد دارمانيان" اتخاذ إجراءات لإغلاق مركز "النوى" للنشر والدراسات، بمنطقة أريج جنوب غربي البلاد.

وقال "دارمانيان" في تغريدة نشرها عبر "تويتر": "بدأت إجراءات إغلاق دار نشر إسلامية؛ بسبب نشرها لأعمال تشرعن الجهاد".

وأوضح وزير الداخلية أنه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجميد أصول دار النشر والقبض على الناشرين، وأشار إلى أن الدار كانت على ارتباط بـ"الجهاديين"، وتعمل على نشر أفكار تتعارض مع القيم الغربية، على حد تعبيره.

وردا على ذلك، قال مركز "النوى" للنشر والدراسات، عبر بيانين بالعربية والفرنسية، إن المركز معرض للحل الإداري وتجميد الأصول البنكية لأسباب سياسية فقط، نافيا كل الاتهامات "الباطلة" التي ساقها "دارمانيان".

وأضاف عبر "تويتر": "انحراف وتطرف النموذج السياسي الفرنسي يترجم بهذه التصرفات التعسفية من قبيل الحل الإداري للمنظمات الإنسانية، خاصة أن هذا الغلق هو الأول من نوعه في تاريخ فرنسا الحديثة: حظر دار للنشر".

ويقدم "مركز نوى للدراسات الشرقية والترجمة" نفسه، عبر موقعه الإلكتروني، على أنه دار نشر لديها "الإرادة لتعزيز العلوم الإنسانية والسياسية الناتجة عن التراث الإسلامي، والمساهمة في تجديد هذه التخصصات من خلال دراسة العالم الغربي والعلوم الغربية والتاريخ ومن الأفكار والمذاهب السياسية المعاصرة".

وعلقت كيج" (CAGE)، وهي منظمة مقرها لندن تهدف لتمكين المجتمعات المتأثرة بالحرب على الإرهاب، على قرار وزير الداخلية الفرنسي بالقول إن "دارمانيان بدأ حل دار النشر الإسلامية الفرنسية المعروفة وجُمدت روايتها وكاتبيها الرئيسيين، عصام آيت يحيى وأبوسليمان الكعبي".

وأضافت أن الأسباب المعطاة لحل الدار هو أن "الخط التحريري مناهض للعالمية ويتحدى القيم الغربية بشكل مباشر. وقد نشرت عدة مؤلفات شرعية للجهاد وهي سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه".

وتابعت في سلسلة تغريدات، أن هذا القرار "يأتي في نمط الحل بمرسوم من قبل الحكومة الفرنسية خلال العام الماضي، بما في ذلك قرارات الجمعية الخيرية (بركة سيتي) ومنظمة (CCIF)".

واختتمت بالقول: "قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل، تصعد حكومة مانويل ماكرون من استخدام سلطتها الوحشية للالتفاف على منافستها اليمينية المتطرفة الجبهة الوطنية؛ ما يجعل حياة المسلمين لا تطاق وتحرمهم من حرية ممارسة عقيدتهم".

فيما علق الداعية "محمد الحويط" عضو رابطة علماء المسلمين على القرار الفرنسي قائلا: "وزير الداخلية يريد حل مركز النوى للبحوث والدراسات الذي يُعتبر أفضل مركز للفكر الإسلامي في فرنسا منذ تأسيسه في سنة 2008".

ولفت إلى أن هذا المركز "يكتب فيه نخبة المفكرين المسلمين الفرنسيين".

كما استنكر الدكتور "محمد الصغير"، مستشار وزير الأوقاف الأسبق قرار وزير داخلية فرنسا بغلق مركز "النوى".

وقال: "حجة الغلق هي أن أبحاث المركز تناقض العولمة وتنتقد القيم الغربية، وترى شرعية مقاومة المحتلين! فأين هي حرية التعبير إذن؟".

كما رفض القرار "أحمد الحسني الشنقيطي"، ‏الأمين العام المس‏‏اعد لرابطة علماء المغرب العربي.

وفي 23 يوليو الماضي تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) مشروع قانون مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية المثير للجدل الذي جرى التعريف به أول مرة باسم مكافحة الإسلام الانفصالي.

ويواجه القانون انتقادات لاستهدافه المسلمين في فرنسا وفرضه قيودًا على كافة مناحي حياتهم. وينص القانون على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسئولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين.

كما يفرض قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، في البلاد التي يحظر فيها ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي.

وفي مارس الماضي، أعلن "دارمانان" إغلاق 17 مسجدا من أصل 89 في بلاده "للاشتباه في ارتباطها بأنشطة انفصالية"، وفق قوله.

ويأتي إعلان وزير الداخلية في وقت لا تزال فيه تداعيات أزمة فرنسا مع العالم الإسلامي متواصلة منذ أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم واستمرار حملات المقاطعة للمنتجات الفرنسية.