الإسلام في مفهوم الإخوان المسلمين

الإسلام في فهم الإخوان المسلمين دين شامل ينتظم مظاهر الحياة جميعا؛ فهو عقيدة وعبادة، وطن وجنسية، دين ودولة، روحانية وعمل، مصحف وسيف .

ويفهم الإخوان الدعوة الإسلامية، دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، كما وصفها مرشدها الأول بأنها حقيقة صوفية، وجمعية خيرية، ومؤسسة اجتماعية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وحزب سياسي، وبالأحرى هي فهم شامل ومتكامل للإسلام .

رسالة " في اجتماع رؤساء المناطق والشعب " - 1945

وهم في فهمهم، يتحرون البعد عن مواطن الخلاف الفقهي بين المسلمين؛ لأن الخلافات في فروع الدين أمر ضروري في فهم الإخوان المسلمين .

كما يجاهدون أنفسهم في التجرد لدعوتهم والحفاظ على نقائها، وصفائها، والبعد بها عن هيمنة الكبراء والأعيان، وتنافر الأحزاب والهيئات لأن دعوة الإسلام في نظرهم عامة تجمع ولا تفرق، ولا ينهض بها ويعمل لها إلا من تجرد وصار لله خالصاً .

وهم يعلمون أنهم - وسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم رائدتهم في ذلك - لابد من أن يصلوا إلى أهدافهم بالتدرج في خطواتهم، والتفهم لظروف مجتمعاتهم فـلا المنبت أرضا قطع ولا ظهراً أبقى "، يؤثرون في سيرهم المعتدل إيثار الناحية العملية والبعد عن مظاهر الدعاية والإعلان .

رسالة " المؤتمر الخامس "

جماعة الإخوان وعامة المسلمين

الحكم على جمهور المسلمين كان ومنذ أول خلاف نشأ بين الخليفة الرابع علي بن أبى طالب وبين الخوارج، من أهم نقاط الخلاف بين العاملين للإسلام والتي من المفترض أن تحسم وفقا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد عانى المسلمون خلال مراحل مهمة في تاريخهم من الخلاف حول أمر الحكم بالإسلام أم بخلاف ذلك، على عامة الناس من المسلمين، وفق بعض الشروط التي وضعتها بعض الجماعات اجتهادا منها في فهم بعض النصوص، بخلاف ما انتهى إليه إجماع الأمة .

وبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد حرصت منذ قيامها على تحديد منهاجها، الذي تعتقد أنه المنهاج الصحيح، إتباعا لسنة السلف الصالح، وما أجمعت عليه الأمة، والذي يجب أن يؤمن به كل عضو فيها . فحسمت رسالة التعاليم عام 1942 هذا الأمر وبنص واضح، هو :

" لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض - برأي أو معصية - إلا ان أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر ".

الأصل العشرون من الأصول العشرين من رسالة " التعاليم "

وبرغم صنوف المحن والإبتلاءات، وخوفا من أن يتعرض هذا المنهاج للخروج عنه نتيجة لما لاقاه أفراد الجماعة من تعذيب وقتل وتشريد، فقد أعاد المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي الـتأكيد على هذا الحكم الشرعي وتأصيله في كتابه " دعاة لا قضاة " والذي أصدره خلال سجنه عام 1969، وأصبح هذا الأمر - لخطورته - نقطة مفارقة بين الجماعة وبين من لا يؤمنون به .

الإخوان والحكم

الحكومة في فكر الإخوان المسلمين ركناً من أركان هذا الدين، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، وهو قانون وقضاء . وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم " الحكم " عروة من عرى الإسلام، وعدّه الفقهاء من العقائد والأصول لا من الفروع والفقهيات .

رسالة " المؤتمر الخامس "

والإخوان لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء، وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فهم جنوده وأنصاره وأعوانه. وهم يقفون من الحكومات على اختلاف ألوانها من هذا الشأن وغيره، موقف الناصح الشفيق الذي يتمنى لها السداد والتوفيق وأن يصلح الله بها مظاهر الابتعاد عن هذا المطلب والانحراف عنه .

ويعتقد الإخوان أن مبادئ نظام الحكم الدستوري التي تتلخص في:

المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها .

الشورى .

استمداد السلطة من الأمة .

مسئولية الحاكم أمام شعبة وضرورة محاسبته على ما يعمل من أعمال .

ضرورة بيان حدود كل سلطة من السلطات

هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام .

مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي

ويعتبر الإخوان المسلمون أنفسهم دعاة إلى الله تعالي بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستهدفون من خلال دعوتهم تطبيق شرع الله كما أمر، وذلك من خلال الوسائل السلمية المتاحة وعبر المؤسسات الدستورية القائمة، ولا بسعي الإخوان إلى الحكم طلبا له وأملا فيه كما يفعل الكثير من الناس هذه الأيام .

وليس الحكم ولن يكون هدفا للإخوان المسلمين، غير أنه إذا جاءهم عن طريق صناديق الاقتراع الحر النزيه فإنهم لا يرفضونه من منطلق أنهم أصحاب برنامج إصلاحي ذي مرجعية إسلامية، ويعتبرون ذلك مسئولية كلفوا بها من قبل الشعب والمسئولية في فهمهم أمانة وتكليف وليست وجاهة وتشريفا .

ويرى الإخوان، إن المخاوف والشكوك التي يثيرها البعض - بقصد أو بغير قصد - حول الحكومة الدينية بالشكل الذي عرفه العالم عن الكنيسة في العصور الوسطي، ليس لها وجود في الإسلام ولا في فكر الإخوان المسلمين كما أوضحوا ذلك في كثير من كتبهم ورسائلهم . فالحكومة التي تلتزم تطبيق شرع الله تعالي بكماله وشموله هي حكومة مدنية ذات مرجعية إسلامية، بمعني أن نظامها السياسي يعتمد الشورى الملزمة، ولا يتحكم فيها رجال دين، وتقيم العدل وتصون الحريات العامة، وتقر التعددية السياسية، وللشعب حق مساءلتها وتعيينها وعزلها .

بيان الإخوان بتاريخ 18 يونيو 1994

الشورى والتعددية السياسية

في فكر جماعة الإخوان المسلمين

مع عدم الخوض في التعريف المستقر لكلمة " الديموقراطية " والتي تعارف الناس الآن على أنها تعبير عن حق الشعب في حكم نفسه واختيار حكامه وأسلوب الحكم الذي يحكم به، فإن جماعة الإخوان المسلمين - تأكيدا لهذا المبدأ - تحرص على إعلان التزامها أمر الله عز وجل والذي ورد في سورة الشورى " والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون "، وتعلن أنها تحرص على إطلاق مسمى الشورى من جديد ليكون التعبير الإسلامي لأسس العلاقة في المجتمع المسلم باعتباره مسمى قرآنيا خالداً :

وتوقن جماعة الإخوان المسلمين أن الأمة هي مصدر السلطات - في إطار شرع الله وضوابطه - وأن الشعب هو الذي له الحق أن يولى باختياره الصحيح من يرتضى دينه وأمانته وعلمه وكفاءته ليقوم على ما يحدده له من أمور الدولة .

والجماعة ترى - مع التسليم بأن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الدستور الأسمى لحكم المسلمين، ولا يعتد ولا يقبل ما يخالف أيهما - فإن الأمة لابد أن يكون لها دستور مكتوب، تضعه وتتفق عليه، تأخذه من نصوص الشريعة الغراء ثم من مراميها وغاياتها وقواعدها الكلية، فيتضمن ما يحقق توازنا بين اختصاصات مختلف المؤسسات التي تدير الدولة، كما يتضمن من القواعد والأحكام ما يصوب ويحفظ الحريات العامة والخاصة لكل الناس من مسلمين وغير مسلمين، ويجعل الحكم شورى استمدادا من سلطة الأمة ويحدد مسئولية الحكام أمام الشعب، وكيفية محاسبتهم ، وتصويبهم وتقويم اعوجاجهم بطريقة سليمة ناجحة إذا ما قصروا، وإبدالهم إذا لزم الأمر، وهذا يقتضي وجود مجلس نيابي له سلطات تشريعية ورقابية ذات فعالية تتمثل فيه الإرادة الشعبية الحقيقية نتيجة انتخابات حرة نزيهة وتكون قراراته ملزمة .

كما ان الجماعة ترى - باعتبار ان رئيس الدولة ما هو إلا وكيل عن الشعب - انه يجب أن تكون رئاسة الدولة لمدة محددة ولا يجوز تجديدها إلا لأمد محدد، وذلك ضمانا لعدم الطغيان

كما أن الجماعة تؤمن بتعدد الأحزاب في المجتمع الإسلامي، وأنه لا حاجة لأن تضع السلطة قيودا من جانبها على تكوين ونشاط الجماعات والأحزاب السياسية، وإنما يترك لكل فئة ان تعلن ما تدعو إليه وتوضح منهجها مادامت الشريعة الإسلامية هي الدستور الأسمى وهى القانون الذي يطبقه القضاء المستقل المحصن بعيدا عن أي سلطة أو جهة - والمؤهل فكريا وعلميا وثقافيا - فإن في ذلك ما يكفى لضمان سلامة المجتمع واستقامته على الطريق السوي، واتخاذ الإجراء الشرعي المناسب تجاه من يخرج عن المبادئ الأساسية التي لا خلاف فيها بين علماء وفقهاء المسلمين والتي تعتبر المقومات الأساسية للمجتمع .

وعلى هذا الأساس فان الجماعة ترى أن قبول تعدد الأحزاب في المجتمع الإسلامي على النحو السالف يتضمن قبول تدوال السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية وذلك عن طريق انتخابات دورية

بيان الجماعة بتاريخ 18 يونيو 1994، بيان للناس 30 أبريل 1995

الإخوان ... وقضية العنف والإرهاب

سبق أن أوضح الإخوان موقفهم من هذه القضية بكل الصراحة والوضوح وهو :

أنهم يدينون العنف ويستنكرونه، ويرفضون كل أشكاله وصوره وأيا كانت مصادره وبواعثه، وذلك على أساس فهمهم لقيم الإسلام ومبادئه وتعاليمه. كما سبق وأكد الإخوان مرارا على ضرورة إيقاف أعمال العنف والعنف المضاد من منطلق وقاية البلاد من نزيف الدم الذي حرمه الله والحفاظ على المجتمع من الانهيار الاجتماعي والخراب الاقتصادي والذي لن يستفيد من ورائه إلا أعداء الإسلام وخصوم المسلمين .

من ناحية أخري فقد أثرت حلقات العنف والعنف المضاد على الدعوة الإسلامية وأضرت بها ضرراً بالغاً، حيث أنه من المعلوم أن الدعوة لا تنمو في ظل مناخ يسيطر عليه الهلع والفزع ولا يقبل عليها الشباب في جو يسوده التوتر . كما فتحت أعمال العنف المضاد أبوابا من المفاسد والفتن والشرور، وأتاحت الفرصة لأجهزة الاستخبار الأجنبية لمحاولات إتمام مخططاتها في إشاعة البلبلة، وضرب الوحدة الوطنية وتعريض السلام الاجتماعي للخطر . كما استغلت بعض فصائل العلمانية أعمال العنف في تسديد نيران مدافعها وقذائفها صوب الإسلام وأهله بزعم مكافحة وتحت ستار محاربة التطرف.

وبرغم هذا فقد أدي الإخوان المسلمون دورهم بالنسبة لهذه القضية على أكمل وجه ممكن، وبما تتيحه طاقاتهم وإمكاناتهم، فعقدوا لذلك العديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات واللقاءات العامة، واصدروا البيانات والنشرات والكتيبات لتوعية المواطنين ( وبخاصة الشباب ) وتنبيه الرأي العام لمخاطر العنف والعنف المضاد وأثره السلبي على أمن واستقرار البلاد الإسلامية المختلفة، فضلا عن دورها الريادي تجاه أمتها العربية والإسلامية، كما أن الإخوان حالوا - من خلال التربية المستمرة والتوجيه المباشر للشباب - دون وقوع عشرات الآلاف منهم في براثن أعمال العنف، وكم لهذا آثاره وانعكاساته البعيدة المدى على تحجيم هذه الأعمال وعدم تناميها وانتشارها .

وقد ظهر للعالم كله في شتي بقاع الأرض ما تحمله دعوة الإخوان المسلمين من حكمة واعتدال وبعد نظر وحرص على إسعاد البشر، كل البشر، ولم يحدث خلال الأزمات الماضية والحالية على كثرتها - والتي كان من الممكن أن تعصف بأمن الأوطان واستقراره - أن استغل الإخوان أية فرصة لتصفية حسابات، أو ممارسة أي عمل من أعمال العنف ( ولو على المستوي الفردي )، أو عقد اتفاقات أو تشجيع ممارسات من شأنها أن تضر بالصالح العام، بل كانوا حريصين كل الحرص على أمن وسلامة أوطانهم وهدوء واستقرار مجتمعهم، وذلك من منطلق إيمانهم بربهم، وحبهم لإسلامهم والتزامهم بأصول دعوتهم .

بيان الإخوان بتاريخ 18 يونيو 1994

وقد تعددت البيانات الصادرة عن الجماعة والتي تدين العنف وتعبر فيها عن رأيها في هذا الخصوص . وقد قامت كل الصحف في البلاد الإسلامية المختلفة، بنشرها في حينها إما كاملة أو مقتطفات منها، بحيث لم يعد أحد يجهل رأى الإخوان في هذه القضية . وكان من ابرز البيانات التي صدرت، ذلك البيان الجامع الصادر في 30 من ذي القعدة 1415 هـ /30 من أبريل 1995مـ، والذي جاء فيه :

" لقد أعلن الإخوان المسلمون عشرات المرات خلال السنوات الماضية أنهم يخوضون الحياة السياسية ملتزمين بالوسائل الشرعية والأساليب السلمية وحدها، مسلحين بالكلمة الحرة الصادقة، والبذل السخي في جميع ميادين العمل الاجتماعي ...مؤمنين بأن ضمير الأمة ووعى أبنائها هما في نهاية الأمر الحكم العادل بين التيارات الفكرية والسياسية التي تتنافس تنافسا شريفا في ظل الدستور والقانون، وهم لذلك يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الانقلابي الذي يمزق وحدة الأمة، والذي قد يتيح لأصحابه فرصة القفز على الحقائق السياسية والمجتمعية، ولكنه لا يتيح لهم أبداً فرصة التوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة ... كما أنه يمثل شرخا هائلا في جدار الاستقرار السياسي، وانقضاضا غير مقبول على الشرعية الحقيقية في المجتمع .

وإذا كان جو الكبت والقلق والاضطراب الذي يسيطر على الأمة قد ورط فريقا من أبنائها في ممارسة إرهابية روعت الأبرياء وهزت أمن البلاد، وهددت مسيرتها الاقتصادية والسلمية، فإن الإخوان المسلمين يعلنون - في غير تردد ولا مداراه - أنهم برءاء من شتى أشكال ومصادر العنف، مستنكرون لشتى أشكال ومصادر الإرهاب، وأن الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون على سفكه شركاء في الإثم، واقعون في المعصية، وأنهم مطالبون في غير حزم وبغير إبطاء أن يفيئوا إلى الحق، فإن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وليذكروا - وهم في غمرة ما هم فيه - وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة وداعه " أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى يوم القيامة كحرمة يومكم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا " .

أما الذين يخلطون الأوراق عامدين، ويتهمون الإخوان ظالمين، بالمشاركة في هذا العنف والتورط في ذلك الإرهاب، متعللين في ذلك، بإصرار الإخوان على مطالبة الحكومة بألا تقابل العنف بالعنف، وأن تلتزم بأحكام القانون والقضاء، وأن تستوعب دراستها ومعالجتها لظاهرة العنف جميع الأسباب والملابسات ولا تكتفي بالمواجهة الأمنية - فإن ادعاءاتهم مردودة عليهم بسجل الإخوان الناصع كرابعة النهار على امتداد سنين طويلة شارك الإخوان خلال بعضها في المجالس والنيابية والانتخابات التشريعية، واستبعدوا خلال بعضها الآخر عن تلك المشاركة، ولكنهم ظلوا على الدوام ملتزمين بأحكام الدستور والقانون، حريصين على أن تظل الكلمة الحرة الصادقة سلاحهم الذي لا سلاح غيره، يجاهدون به في سبيل الله ( لا يخافون لومة لائم ) .

والأمر في ذلك كله ليس أمر سياسة أو مناورة، ولكنه أمر دين وعقيدة، يلقى الإخوان المسلمون عليهما ربهم ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم "

الإخوان المسلمون - 30 من ذي القعدة 1415 ه / 30 من أبريل 1995 .

الإخوان والتنظيمات السرية

ليس لدي الإخوان المسلمين أية تنظيمات سرية أو النية لعمل تنظيمات تعمل تحت الأرض بعيدا عن الأعين . فليس هذا من منهاجهم أو توجههم فضلا عن أن العمل السري يضر بالعمل الدعوي

فأما أن التنظيمات السرية لا تتفق ومنهج الإخوان فذلك واضح من خلال حركتهم ونشاطاتهم في مجالات كثيرة ومتعددة عبر العقود الأخيرة، كما أن لافتاتهم وملصقاتهم موضوعة في كل مكان من أرض مصر شاهدة على أنهم يعملون في وضح النهار وأنهم موجودون وسط الميدان يعيشون مع الناس ويمتزجون بهم ويشاركونهم أفراحهم واتراحهم .

لقد دخل الإخوان المسلمون انتخابات المجالس النيابية والمحلية في البلاد المختلفة، هذا فضلا عن الانتخابات المتعاقبة للنقابات المهنية المختلفة .

وكان تحرك الإخوان في هذه الانتخابات جميعها علنيا وظاهرا وبارزا بشعاراتهم وهتافاتهم ولقاءاتهم وبياناتهم . وهم الآن موجودون في النقابات المهنية المختلفة ونوادي هيئة تدريس الجامعة، والجمعيات والمجالس المحلية، ومن خلال الانتخابات النزيهة الحرة .

ولا يستطيع أن ينكر أحد دورهم في المجالس النيابية، وتكوينهم لتكتلات نيابية باسم جماعة الإخوان المسلمين، وكيف أنهم اثروا الحياة النيابية بأفكارهم وآرائهم وتوجيهاتهم في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..

ولم يتخلف الإخوان المسلمون يوما ما عن الإدلاء بدلوهم وتبيان آرائهم ومواقفهم في أية قضية محلية أو إقليمية أو دولية .

فلماذا بعد كل هذا يلجأ الإخوان لعمل تنظيمات سرية ؟

وأما أن التنظيمات السرية تضر بالعمل الدعوي فهذا يرجع إلى أن التنظيمات السرية تعمل في الظلام، والظلام بطبيعته يستحيل معه - مهما كانت القيادة نشطة وواعية ومتحركة وجادة - متابعة كل الأفراد ( خاصة إذا كان عددهم عظيما ) من حيث العقيدة والأفكار والسلوكيات والأخلاق، ومدى مطابقة هذا من عدمه مع العقيدة الصحيحة، والأفكار الأصيلة للدعوة، والسلوكيات والأخلاق الأساسية للإسلام .

ولأن الإخوان المسلمين ينتمون إلى أهل السنة والجماعة ويعتبرون أنفسهم جماعة من المسلمين فإن عقيدتهم وفكرتهم من حيث النقاء والأصالة لا تشوبها شائبة، كما أن مناهجهم واضحة ومتميزة من حيث اعتمادها على الكتاب والسنة والفهم الصحيح الذي أجمع عليه أهل العلم الثقاة وبالتالي فهم حريصون على إلا تشوه دعوتهم من قبل فرد أو مجموعة، ومخافة أن تنحرف الدعوة عن مسارها الأصلي ينبذ الإخوان المسلمون العمل السري ويرونه خطرا على دعوتهم وعلى أفراد هم .

إن العمل الدعوي في وضح النهار يكشف في وقت مبكر وبدون عناء أي انحراف يصيب العقيدة أو الفكر، كما انه يفضح أي سلوك يخالف تعاليم الإسلام وهديه وحتى لو حدث هذا فإنه يمكن معالجته سريعا وبشكل ميسور، أو أن تنفي الدعوة عن نفسها الخبث فتتخلص مما يريد أن يعلق بها .

الإخوان المسلمون - 30 من ذي القعدة 1415 ه / 30 من أبريل 1995 .

الإخوان والعلم

تؤمن جماعة الإخوان المسلمين أن الاستخلاف في الأرض الذي أوكله الله سبحانه وتعالى لآدم وذريته، يقتضي أن يبذل المؤمن كل الجهد لإعمار هذا الكون، وأن من أولويات هذا الجهد، التعرف على ما أودع الله هذا الكون من علوم وطاقات وتسخيرها عن طريق العلم والعلماء لإتمام مهمة الاستخلاف واعتبار هذه المهمة عبادة

ولم يغفل الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله هذا الجانب، بل عد إهمال العلوم المعملية والمعارف الكونية وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة - في حين أن الإسلام يحث المسلمين على النظر في الكون وإكتناه أسرارالخلق والسير في الأرض ويأمرهم أن يتفكروا في ملكوت الله : " قل انظروا في ملكوت الله " - من عوامل التحلل الذي تسرب إلى كيان الدولة الإسلامية .

رسالة " بين الأمس واليوم "

وقد عني الإمام الشهيد بتأكيد هذا المعنى في أكثر من موضع من منهاج الجماعة، حيث قال :

" كما تحتاج الأمم إلى القوة تحتاج كذلك إلى العلم الذي يؤازر هذه القوة ويوجهها أفضل توجيه، ويمدها بما تحتاج إليه من مخترعات ومكتشفات، والإسلام لا يأبى العلم، بل يجعله فريضة من فرائضه كالقوة ويناصره، وحسبك أن أول آية نزلت من كتاب الله تعالى :

" اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم "

ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين، بل أوصى بهما جميعاَ، وجمع علوم الكون في آية واحدة، وحث عليها وجعل العلم بها سبيل خشيته وطريق معرفته، فذلك قول الله تعالى :

" الم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلف ألونها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء " فاطر

رسالة " نحو النور "

ويقول الإمام الشهيد : " نحن نلمس أن هذا المجتمع الإنساني لن يصلحه إلا اعتقاد روحي يبعث في النفوس مراقبة الله عز وجل والتعزى بمعرفته، ومن هنا كان لزاماً على الناس أن يعودوا إلى الإيمان بالله وبالنبوات وبالروح وبالحياة الآخرة، وبالجزاء فيها على الأعمال " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " . كل هذا في الوقت الذي يجب عليهم فيه أن يطلقوا لعقولهم العنان، لتعلم وتعرف وتخترع وتكتشف وتسخر هذه المادة الصماء وتنفع باقي الوجود من خيرات وميزات : " وقل ربى زدني علما " والى هذا اللون من التفكير الذي يجمع بين العقليتين الغيبية والعلمية ندعو الناس ".

رسالة " دعوتنا في طور جديد "

ويقول : " الإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شئ . و " الحكمة ضالة المؤمن أنَى وجدها فهو أحق الناس بها " .

ثم يضع قاعدة ذهبية لتكون ميزانا للعلم والإيمان

" وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي مالا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي . فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار " .

الأصلين الثامن عشر والتاسع عشر من الأصول العشرين

الإخوان والوحدة الوطنية

أباحت الشريعة الإسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الأحوال الشخصية وعملت على صيانة ذلك إلى ابعد مدي .

وتؤكد رسائل الإمام البنا وكتابات الإخوان عامة على هذا المفهوم كما تعمل على تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء قديما : لهم مالنا وعليهم ما علينا.

وتعتبر علاقة الإخوان بغير المسلمين قديما وحديثا نموذجا فريدا وطرازا متميزا يدل على الصلة القوية بينهم .

ويري الإخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث ..." طبقا لعقيدة كل مواطن .

وبمقتضى هذه المواطنة وحتى لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الإخوان ان للنصارى مثلا، حق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الأخرى من مستشارين ومدراء ووزراء .

الإخوان ... والمرأة

مكانة المرأة :

المرأة في فهم الإخوان المسلمين هي الأم التي ورد في شأنها الأثر الكريم أن الجنة تحت أقدام الأمهات .

وهى الابنة والأخت التي تولد كما يولد أخوها الذكر من ذات الصلب ومن نفس الرحم

وهى الزوجة التي هي سكن للرجل والرجل سكن لها

وهى نصف المجتمع ونصف الأمة والقائمة على تنشئة كل الجيل اللاحق من الرجال والنساء وتوجيهه وإصلاحه وغرس المبادئ والعقائد في النفوس .

ومسئولية المرأة الإيمانية كالرجل سواء بسواء، فهي مسئولة عن تصديقها وإيمانها بالله والرسول، وإن خالفها أقرب الناس من أب أو أخ أو زوج في ذلك .

وهى مأمورة كالرجل بالأيمان بالله واليوم الآخر والكتاب النبيين والملائكة ...، ومأمورة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله ان استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ويقع عليها واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعليها واجب الولاية العامة لجماعة المسالمين .

وعلى المرأة ما على الرجل من التفقه في أحكام الدين، لما تحتاج إليه في شئون حياتها وللنذارة والتبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

والحدود المنصوص عليها في الشريعة الغراء واحدة بالنسبة للرجل والمرأة فالسارق كالسارقة .... والمحارب لله ورسوله كالمحاربه .

ونفس المرأة في القصاص كنفس الرجل، والمرأة القاتلة كالرجل القاتل، والمرأة القتيل كالرجل القتيل .....

ولا يصح زواج في شريعة الله الا بموافقة المرأة ورضاها وإجازتها، ولا يجوز شرعا إجبارها على الزواج ممن لا ترضاه

وللمرأة ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئا عن ذمة الرجل المالية ....

فالأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة والإستثناءات ترد من لدن العليم الخبير الذي هو الخالق والأعلم بمن خلق .....

حق المرأة في المشاركة في انتخاب أعضاء المجالس النيابية وما ماثلها

ترى جماعة الإخوان المسلمين أنه ليس ثمة نص في الشريعة الغراء يحجب أن تشارك المرأة في هذا الأمر، بل إن قوله تبارك وتعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " - وغيره من الآيات الكريمة المشابهة - يتضمن تكليفا للمرأة هي تؤديه في اختيار أهل الحل والعقد على وجه شرعي .

تولى المرأة مهام عضوية المجالس النيابية وما يماثلها

ترى الجماعة أن ليس في النصوص المعتمدة ما يمنع من تولى المرأة مهام عضوية المجالس النيابية، وما ورد من نصوص تؤيد مشاركتها في الانتخاب ينطبق على انتخابها عضوا .

تولى المرأة الوظائف العامة

الولاية العامة المتفق على عدم جواز أن تليها المرأة هي الإمامة الكبرى، ويقاس على ذلك رئاسة الدولة في أوضاعنا الحالية

أما القضاء فقد اختلف الفقهاء بشأن تولى النساء له، فمنهم من أجازه على ألإطلاق ( الطبرى وابن حزم ) ومنهم من توسط فأجازه في أنواع من القضايا ومنعه في أخرى ( الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه )، ومادام الأمر موضع إجتهاد فالترجيح طبقا للأصول الشرعية أمر وارد، ثم إبتغاء مصلحة المسلمين طبق ضوابطها الشرعية وطبقا لظروف المجتمع وأحواله امر وارد أيضاً .

أما ماعدا ذلك من الوظائف العامة، فمادام أن للمرأة شرعا أن تعمل فيما هو حلال لم يرد به نص بتحريمه، ومادام ان الوظيفة العامة هي نوع من العمل، فليس ثمة ما يمنع من أن تليها . كأن تكون المرأة : طبيبة أو مدرسة أو ممرضة، إلى غير ذلك مما قد تحتاجه هي أو يحتاجه المجتمع.

ومما يجب الإشارة إليه وبإلحاح أن المثال الغربي لمعاملة المرأة ووضعها الاجتماعي والاستهانة بحياتها وعرضها، هذا المثل من هذه النواحي مرفوض جملة وتفصيلاً وهو يقوم على فلسفة إباحية تناقض مبادئ الشريعة الغراء وأخلاقها وقيمها .

رسالة " المرأة " الصادرة عن الجماعة في شوال 1414 هـ / مارس 1994 مـ

وإذا كان العالم يجتاز هذه الأيام مرحلة غير مسبوقة في تاريخه، تتمثل في السرعة الكبيرة التي تحدث بها التغيرات الكبري في الأفكار والنظم والقيم، وفي موازين القوي السياسية والإقتصادية والعسكرية، والمسلمون وهم جزء من هذا العالم لا يقفون بعيدا عن ذلك كله ... ولا يملكون أن يديروا أمورهم كما لو كانوا أصحاب جزيرة نائية يستطيع أصحابها أن يعفوا أنفسهم من تبعات هذه المرحلة التاريخية ومن مخاطرها وتحدياتها.

وإذا كان الاخوان المسلمون قد رأوا أن من حق الناس عليهم وحقهم علي أنفسهم أن يعلنوا - بنبرة عالية وصوت جهير وحسم لا تردد فيه - عن موقفهم الواضح من عدد من القضايا الكبري التي هي موضع الحوار القائم بين أصحاب الحضارات المختلفة ...:

قضية الموقف العام من الناس جميعا

مسلمين وغير مسلمين

وهنا نبادر فنقول، إن موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرد موقف انتقالي واختياري قائم علي الاستحسان، وإنما هو موقف منتسب الي الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره ... وعلي رأسها كتاب الله تعالي والسنة الصحيحة الثابته عن نبيه صلي الله عليه وسلم، والاخوان المسلمون يرون الناس جميعا حملة خير، مؤهلين لحمل الأمانة والاستقامة علي طريق الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفير أحد إنما يقبلون من الناس ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفير مسلم مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يؤتي النفوس تقواها، ويحاسبها علي مسعاها .

ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة، ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو مايدين به، ونحن نتلوا قوله تعالي : لا إكراه في الدين .

وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف ... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل ...

إن ساسة العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار " التعددية " وضرورة التسليم بإختلاف رؤي الناس ومذاهبهم في الفكر والعمل .

والاسلام، منذ بدأ الوحي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتبر إختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي علي أساس هذا الاختلاف والتنوع وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري علي يديه من حق وخير ومصلحة ... ذلك أن " الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها "

لذلك يظلم الاسلام والمسلمين أشد الظلم من يصورهم جماعة مغلقة منحازة وراء ستار يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه ... والإخوان المسلمون يؤكدون - من جديد - التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد ... ويذكرون أتباعهم والآخذين عنهم، بأن علي كل واحد منهم أن يكون - فيما يقول ويعقل - عنوانا صادقا علي هذا المنهج ... يألف ويؤلف ... ويفتح قلبه وعقله للناس جميعا ... لا يستكبر علي أحد ... ولا يمن علي أحد ... ولا يضيق بأحد ... وأن تكون يده مبسوطه الي الجميع بالخير والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام ... قولا وعملا ... فبهذا كان رسولنا صلي الله عليه وسلم إمام رحمة ومهداه الي العالمين ... وبهذا وحده يصدق الانتساب اليه صلي الله عليه وسلم والي الحق الذي جاء به .. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون .

وسبق أن أوضح الإخوان موقفهم من قضية العنف والارهاب بكل الصراحة والوضوح وهو :

أنهم يدينون العنف ويستنكرونه ويرفضون كل اشكاله وصوره وايا كانت مصادره وبواعثه، وذلك علي اساس فهمهم لقيم الاسلام ومبادئه وتعاليمه . كما سبق وأكد الاخوان مرارا علي ضرورة إيقاف أعمال العنف والعنف المضاد من منطلق وقاية البلاد من نزيف الدم الذي حرمه الله والحفاظ علي المجتمع من الإنهيار الإجتماعي والخراب الاقتصادي والذي لن يستفيد من ورائه إلا أعداء الإسلام وخصوم المسلمين .

بيان الإخوان بتاريخ 18 يونيو 1994

أما مفهوم الجماعة للمواطنة فقد حددته بالدقة التي لا تسمح بالمزايدة عليه، حيث قالت :"يري الاخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث ..." طبقا لعقيدة كل مواطن .

وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للنصاري حق في أن يتولوا - باستثناء منصب وئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء .

ويمثل النصاري مع المسلمين في مصر نسحا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا واحدا تداخلت خيوطه وتآلفت الوانه وتماسكت عناصره" .

"الإخوان وقضايا معاصرة"

وقد أعاد الإخوان التأكيد على موقفهم الثابت من إخوانهم المواطنين المسيحين في العالم العربي :

" وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف ... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل ...

"بيان للناس" إبريل 1994

بسم الله الرحمن الرحيم

الاخوان المسلمون .. و .. قبط مصر

" الاخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء القضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة، إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم .. أى انها مسجلة .. واضحة .. لا غموض فيها .. "

ونحن في السطور التالية نحاول أن تلقي الضوء على تراث الجماعة في موضوع دائما ما يستخدم ضمن الحملات المفتراه على الجماعة وهو " وضع غير المسلمين فى الدولة .

المفهوم

قضية الموقف العام من الناس جميعاً

مسلمين وغير مسلمين

وهنا نبادر فنقول إن موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرد موقف انتقالي واختياري قائم علي الاستحسان، وإنما هو موقف منتسب الي الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره ... وعلي رأسها كتاب الله تعالي والسنة الصحيحة الثابته عن نبيه صلي الله عليه وسلم، والاخوان المسلمون يرون الناس جميعا حملة خير، مؤهلين لحمل الأمانة والاستقامة علي طريق الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفير أحد إنما يقبلون من الناس ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفير مسلم مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يؤتي النفوس تقواها، ويحاسبها علي مسعاها .

ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة، ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو مايدين به، ونحن نتلوا قوله تعالي : لا إكراه في الدين .

وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف ... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل ...

إن ساسة العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار " التعددية " وضرورة التسليم بإختلاف رؤي الناس ومذاهبهم في الفكرو العمل .

والاسلام، منذ بدأ الوحي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتبر إختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي علي أساس هذا الاختلاف والتنوع وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري علي يديه من حق وخير ومصلحة ... ذلك أن " الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها "

لذلك يظلم الاسلام والمسلمين أشد الظلم من يصورهم جماعة مغلقة منحازة وراء ستار يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه ... والإخوان المسلمون يؤكدون - من جديد - التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد ... ويذكرون أتباعهم والآخذين عنهم، بأن علي كل واحد منهم أن يكون - فيما يقول ويعقل - عنوانا صادقا علي هذا المنهج ... يألف ويؤلف ... ويفتح قلبه وعقله للناس جميعا ... لا يستكبر علي أحد ... ولا يمن علي أحد ... ولا يضيق بأحد ... وأن تكون يده مبسوطه الي الجميع بالخير والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام ... قولا وعملا ... فبهذا كان رسولنا صلي الله عليه وسلم إمام رحمة ومهداه الي العالمين ... وبهذا وحده يصدق الانتساب اليه صلي الله عليه وسلم والي الحق الذي جاء به .. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون .

الإخوان المسلمون

القــــاهرة في :30 من ذي القعدة 1415 - 30 من ابــــــريل 1995

********************

الإخوان والوحدة الوطنية

أباحت الشريعة الاسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الاحوال الشخصية وعملت علي صيانة ذلك إلى أبعد مدي .

وتؤكد رسائل الإمام البنا وكتابات الاخوان عامة علي هذا المفهوم كما تعمل علي تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء قديما : لهم مالنا وعليهم ما علينا .

وتعتبر علاقة الإخوان بالنصاري قديماً وحديثاً نموذجاً فريداً وطرازاً متميزاً يدل علي الصلة القوية بينهم، ولم يحدث يوماً ما من الممارسات ما يعكر صفو هذه العلاقة، ولعلنا نذكر كيف طالب بعض القساوسة من قنا جنوب مصر في الأربعينيات رئيس وزراء مصر في هذا العهد بتطبيق الشريعة الإسلامية بعد أن استمعوا إلى محاضرة للامام البنا هناك حول مزاياها وما تتضمنه من حقوق وأمن واستقرار لغير المسلمين .

ويري الإخوان أن المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث ..." طبقا لعقيدة كل مواطن .

وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الإخوان أن للنصاري حقا في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومديرين ووزراء .

ويمثل النصاري مع المسلمين في مصر نسيجا اجتماعياً، وثقافياً، وحضارياً واحداً، تداخلت خيوطه وتآلفت ألوانه وتماسكت عناصره .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

القاهرة : 9 المحرم 1415 ه 18 يونيو 1994

********************

السيد محمد حامد ابو النصر :

مستشارون من الأقباط

س - العلاقة مع الأقباط تشغل بال كثيرين لدرجة أن عدداً من أحزاب المعارضة بدأ يتسابق للحصول على أصواتهم، هل تتصورون تعاوناً بين "الإخوان" والأقباط في الانتخابات؟

ج - علاقاتنا بالأقباط كانت ومازالت طيبة، على مدى السنوات السبعين الماضية، منذ نشأة الجماعة، لم يقع أي حادث يعكر صفوها، وكان للإمام حسن البنا مستشارون من الأقباط وكان عدد من الأقباط يحرص على حضور محافل الجماعة، وحين أبعد الإمام البنا إلى قنا كتب القساوسة هناك مذكرات إلى الحكومة تنصفه .

س - هل توافقون على إنشاء الأقباط حزبا سياسيا خاصا بهم؟

ج - الحزب السياسي أهم أهدافه الوصول إلى السلطة والحكم بمقتضى منهج، فهل تعتقد أن الأقباط وهم نحو خمسة في المائة من أبناء مصر يسعون إلى ذلك ؟ إن مثل هذه الادعاءات ظهرت في الفترة الأخيرة لتبرير محاربة الجماعة والواقع يكذب هذه الادعاءات، فمع حرية إنشاء الأحزاب لم يفكر الأقباط في إنشاء حزب في الأربعينات حين كانت الجماعة منتشرة في كل أنحاء مصر، ومع ذلك نرحب بحزب للأقباط إذا شاءوا .

الحياة 4 سبتمبر 1995

********************

الإخوان : للأقباط الحق بعدد أكبر من المقاعد

ولا نعارض مشاركة المرأة في الحياة السياسية

ورداً على سؤال حول طبيعة العمل خلال المرحلة القادمة، بعد حكم المحاكم العسكرية بالسجن على قيادات الإخوان الشابة والنشطة ، قال الهضيبي إن الإخوان المسلمين لهم برامج معروفة ومعلنة ومنشورة، وهي غير مرتبطة بالانتخابات، والعمل فيها متواصل من قبل الانتخابات ويستمر .....

.... أما القول أن وقوف الإخوان ضد النساء والأقباط فهذا كلام سخيف، والذي حدث أن الأقباط أعلنوا أن الإخوان ساعدوهم والبابا نفسه أشاد بموقف الإخوان تجاه الأقباط، أما في الانتخابات فلا نستطيع أن نكره أحد من الأقباط لقبول الترشيح على قائمة الإخوان المسلمين، فإذا وجد منهم شخص مناسب يقبل هذا فنحن نرحب به وحاولنا ذلك أكثر من مرة، ولذلك يجب مواجهة الحقائق ومعرفتها وعدم المغالطة فيها فإذا كان أعضاء مجلس نقابة الأطباء أربعة وعشرين، فإن منهم ثمانية من غير الإخوان وكذلك فإن مجلس نقابة المحامين نصفهم من غير الإخوان وأيضا عدد غير قليل من أعضاء مجلس نقابة المهندسين من غير الإخوان، فكيف يقال إن الإخوان رفضوا مشاركة الغير معهم ؟ نحن مع مبدأ الانتخاب وحق الأغلبية في الإدارة، فإذا كان هناك أعضاء من غير الأغلبية فإنه يتم سماع رأيهم ولا يهمشون، أما الالتزام بآرائهم فهذا أمر آخر ، أما المرأة فهناك أكثر من واحدة في النقابات ونرحب وندعو المرأة أن تشارك فإذا كانت الأغلبية لا تنتخبها فهذا ليس شأننا .

لقد جاء جمال أسعد ليبحث إمكانية الترشيح معي في دائرة الدقي ولقد أمددته بالمعلومات وطلبت منه بحث بعض الأمور وأبديت معاونتي له، ولقد خرج من عندي على هذا الأساس ولكنه لم يعد ولم يخطرنى بنتيجة أبحاثه، ولكنه رشح نفسه على أساس أنه عضو في حزب العمل ولكنه في أثناء الدعاية الانتخابية وجد أن الدكتورة نجلاء القليوبي، التى كانت تزامله، أن أساس دعوتها التحالف الإسلامي والفكر الإسلامي ووجد مفارقة بين دعوتها ووضعه الشخصي، ولذلك عدل عن ترشيحه، وعندما اشتكى لي قلت له " أنا مستعد للحضور إلى دائرتك وأخطب لتأييدك " وأنا لازلت أقول إن الأقباط يجب أن يمثلوا في مجلس الشعب ومن حقهم أن يكون لهم عدد مناسب من النواب، وأن أمر تهميشهم غير مقبول لأنهم شركاء الوطن ولابد من مشاركتهم في أموره .

القدس - 1995/12/13

********************

الأستاذ مصطفى مشهور :

* إذ وافقت لكم الحكومة بحزب إسلامي سيطالب الأقباط بحزب مما يرشح لوقوع فتنة طائفية؟

*** الفتنة الطائفية تعبير أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات من خياله، فليس في الواقع أي توتر طائفي بين المسلمين والأقباط، وأتذكر أن الشيخ حسن البنا ذهب ذات مرة إلى الصعيد، وألقى سلسلة محاضرات، وبعد أن عاد إلى القاهرة علمنا أن عدداً من القساوسة في محافظة قنا رفعوا مذكرة إلى رئيس الوزراء يطلبون فيها تطبيق الشريعة الإسلامية، لأن محاضرات الشيخ البنا أوضحت لهم الحقوق الكاملة التي يتحصل عليها القبطي في مجتمع إسلامي، من هنا أقول إنه لا توجد فتنة طائفية ونحن أحرص الناس على حقوق المواطن القبطي في مصر .

الأقباط والشيوعيون

* نفترض جداً أن الأقباط طالبوا بحزب، فما هو رأيكم؟

*** نحن نؤيد ذلك هنا ثلاثة عشر حزباً في مصر، فما المانع أن يكون هناك خمسة عشر أو حتى عشرون حزباً، وأن نعطي الرأي العام فرصة اختيار الحزب الذي يميل إليه، أليست هذه هي الديمقراطية التي تتحدث عنها الحكومة .

جريدة المستقلة 1995/10/23

********************

الأستاذ مصطفى مشهور :

فى حديث إلى جريدة الحياة

- العلاقة بين " الاخوان " والاقباط طيبة جدا منذ ايام البنا، وكانت هناك لجنة سياسية في عهد المرشد الاول ممثل فيها اقباط، ولم تحدث طوال تاريخ الجماعة خلافات بيننا وبينهم. والمصريون مازالوا يذكرون دور ؛ الاخوان« في احتواء الفتنة الطائفية التى تفجرت في حي الزاوية الحمراء قبل مقتل السادات.

الحياة: 24 ( يناير ) 1996

وفى حديث آخر

* هل معنى ذلك ان الحكومة لو وافقت للجماعة على انشاء حزب فإنه سينضم في تنظيمه اقباطاً؟

- إذا كان هناك اقباط يوافقون على برنامج الاخوان الإسلامي، ويتقبلون مبدأ الاسلام هو الحل فلم لانقبلهم معنا ؟!

الشرق الأوسط 16\7\96

********************

ممارسة

المسيحيون والإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون من أكثر الفصائل اعتدالا وتبسطا مع الإخوة المسيحيين من بداية تأسيس الجماعة وحتى اليوم، وتتجلى هذه المظاهر فى:

1- أدبيات الجماعة: لا تجد أى كتاب صادر عن رموز الجماعة يحمل فى طياته كراهية أو عدوانية تجاه المسيحيين أو محاولة انتقاص من حقوقهم، بل العكس تماما .. البحث عن كل الحقوق المكفولة لهم فى ظل الدولة الإسلامية.

2- تقوم الجماعة بتربية أفرادها على هذا الفكر وتدعو إلى تطبيقه حياة عملية فى العلاقات الإنسانية مع الأقباط من تهنئة وتعزية ومشاركة فى الأعمال والحوارات والمناقشات.

3- كانت الجماعة ورموزها دائما تستنكر كل حوادث الفتن الطائفية والعنف الطائفى، وتحاول دائما إطفاء هذه النيران لولا أن النظام كان فى الغالب يحول بينها وبين ذلك.. ونذكر دور المرشد الأسبق الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله تعالى فى إطفاء نيران أحداث الزاوية الحمراء.

4- فى انتخابات مجلس الشعب 1987 دخل أول مسيحى إلى البرلمان المصرى بالإنتخاب – لا بالتعيين – على قوائم حزب العمل والإخوان وتحت شعار " الإسلام هو الحل" .. هذا النائب هو الأستاذ جمال أسعد عبد الملاك.

5- دخول الإخوان النقابات وأداؤهم فيها الذى لم يتسم لحظة واحدة بأى تفرقة بين المسلمين والمسيحيين، أو يتسم بموقف خاص تجاه الأقباط... وقد عرض الإخوان على بعض الرموز المسيحية النزول على قوائم الإخوان .. لكنهم رفضوا الدخول تحت شعار الإسلام هو الحل.. وليُرجع لشهادة د/ ميلاد حنا فى صالح الإخوان من أعضاء مجالس النقابات حينما تعرضوا للمحاكمات العسكرية 1995 .

ولقد كان الإمام الشهيد حسن البنا- رحمه الله- والإخوان المسلمون منذ البداية مثالاً حيًّا للتسامح الديني، والبُعد عن التعصب الأعمى، وكانوا ينظرون إلى الأقباط- بصفة خاصة- على أنهم إخوة في الوطن، وأنهم أصحاب كتاب منزَّل من عند الله، والمسلم مطالب- حتى يكون مسلمًا حقًّا- أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقد دأب الإمام الشهيد على غرس هذه المعاني والقيم في نفوس الإخوان، وذلك في رسائله وخطبه ومحاضراته.

وهو في عرض هذه القيم الإنسانية العُليا يسترفد ويستقي المنابع النقية الأصيلة الصافية، بعيدًا عن المماحكات والخلافات الجدلية العقيمة، وما أكثر ما قدمه من نصوص وشواهد، نكتفي منها ببعض كلماته في رسالته (نحو النور)، وهي رسالة طويلة سلمها مندبون من الإخوان إلى الملك فاروق ورئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، وملوك العرب وحكامهم والكبار وذوي الحيثية:

 "إن الإسلام الذي وضعه الحكيم الخبير الذي يعلم ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها .. لم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذي لا يحتمل لبسًا ولا غموضًا في حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8)

 وإن الإسلام الذي قدَّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13)،

ثم قدَّس الوحدة الدينية العامة كذلك، فقضى على التعصب، وفرض علي أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعًا في قوله تعالي: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 136)،

ثم بعد ذلك قدَّس الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ولا عدوان، فقال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ﴾ (الحجرات: 10)..

هذا الإسلام الذي بُني على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعُه سببًا في تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس، إنه أكسبَ هذه الوحدةَ صفةَ القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتَها من نصٍّ مدني فقط".

والواقع خير شاهد

كان هذا هو التوجيه الإسلامي في التعامل مع ذوي الأديان الأخرى، وكان الإمام البنا- رحمه الله- يعرض هذا التوجيه ويلحُّ عليه كثيرًا، ويواجه به كل من يتهم الإسلام بالتعصب..

قد يقول بعضهم: ما أكثر الكلمات والمبادئ، وما أقل العمل والتطبيق!!

ولكن الواقع التاريخي يورد من المواقف والأحداث والوقائع ما يقطع بأن الإمام حسن البنا والإخوان المسلمين عاشوا على المودة والتسامح وحسن المعاملة مع المواطنين الأقباط، الذين عاشوا يبادلون المرشد والإخوان نفس الشعور، على الرغم من محاولة المغرضين والنوايا السيئة تعكير الصفو، وإفساد هذه العلائق الطيبة.

 ونورد في السطور الآتية بعض الوقائع شاهدًا على صدق هذا الحكم:

في الإسماعيلية

أراد بعضهم أن يُحدث فتنةً بين الإخوان والمسيحيين في مطلع الدعوة- والإمام البنا مدرس في الإسماعيلية- فكتب عريضةً بتوقيع "مسيحي"، ذكر فيها أن "المدرس المسلم المتعصِّب" حسن البنا يرأس جماعةً متعصبةً اسمها (الإخوان المسلمون)، وأنه يهين ويضطهد التلاميذ المسيحيين، ويفضل التلاميذ المسلمين عليهم، وطالب كاتب العريضة المسئولين بنقل هذا المدرس المتعصب بعيدًا عن الإسماعيلية حتى لا تكون فتنة.

 وحُوِّلت هذه العريضة على ناظر المدرسة، فاستاء المسيحيون منها جدًا، وجاء وفد منهم إلى المدرسة معلنًا استنكاره، على رأس هذا الوفد راعي الكنيسة الأرثوذكسية، وكتب كثيرٌ من أعيان الأقباط- وكذلك الكنيسة "بختمها" وتوقيع راعيها- عرائضَ وخطابات استنكار، وأرفقها الناظر بتقريره الذي ختمه بقوله: أرجو وزارة المعارف ألا ترهقنا بمثل هذه المجهولات، وأن تحقق فيها بمعرفتها، بعد أن ثبت أنها جميعًا أمورٌ كيديةٌ لا يُراد من ورائها خير.

في قنا بالصعيد

وحينما نُقل حسن البنا سنة 1941م إلى "قنا" بصعيد مصر؛ نتيجة ضغط الإنجليز على حسين سري باشا- رئيس الوزراء- تسابَق كثير من المنافقين ودعاة الفتنة إلى نشر إشاعة بين الأقباط في قنا، تصور حسن البنا والإخوان المسلمين مبغضين للأقباط.. عاملين على الإضرار بهم.. فكيف قضى الإمام البنا على هذه الفرية؟!

 إن الجواب نجده في السطور الآتية من رسالة بعث بها حسن البنا من قنا إلى والده- رحمه الله- بالقاهرة: ".. جمعية الإخوان بقنا تسير بخطًى موفقةٍ، وكانت عندنا بالأمس حفلةٌ كبيرةٌ دعونا إليها كل الطائفة القبطية وعلى رأسها المطران، وأقبلوا جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وكانت صفعةً قويةً لمنافقي المسلمين الذين يتزلفون إلى هؤلاء بالفتنة، ولقد كنت صريحًا جدًا- في لباقة- وأنا أبسط فكرة الإخوان بصورة حازت إعجاب الجميع، والحمد لله، وكل شيء على ما يرام".

"خريستو".. وكيل حسن البنا

حينما رشَّح الإمام الشهيد نفسه في الانتخابات النيابية سنة 1944م في عهد وزارة أحمد ماهر باشا عن دائرة الإسماعيلية كان وكيله في لجنة "الطور"- التابعة لدائرة الإسماعيلية- يوناني مسيحي متمصِّر يُدعى "الخواجة باولو خريستو" وكانت هذه اللفتة مثارَ سخريةِ قادة الحزب السعدي الحاكم، وخصوصًا أحمد ماهر باشا، ومحمود فهمي النقراشي باشا.

زيارات حب موسمية

وكان المسيحيون- على مستوى مصر كلها- يَشعرون بروح الودِّ والسماحة المتبادلة بينهم وبين الإخوان، وخصوصًا في المناسبات الدينية، وحرص الإخوان على أن ينشروا في صحفهم أخبار هذه الزيارات، ومثال ذلك الخبر التالي المنشور في صحيفة (الإخوان) بتاريخ 10/11/1946م.

 "زار نيافة مطران الشرقية والمحافظات دار الإخوان المسلمين بالزقازيق يوم عيد الأضحى (سنة 1365هـ) للتهنئة بالعيد، وأذاع نيافته نشرةً مطولةً بعنوان (هدية العيد) تدور حول معنى (الاتحاد رمز الانتصار)، وقال في آخرها: أشكر جمعية الإخوان؛ لأنهم إخوان في الشعور.. إخوان في التضامن.. إخوان في العمل".

البنا في مجمع الأديان

وأطرف هذه الوقائع كلها، وكانت أواخر سنة 1927م ننقلها بالنص من مذكراته ".. بعد أربعين يومًا من نزولنا إلى الإسماعيلية، لم نسترِحْ للإقامة في البنسيونات، فعوَّلنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة أن نجد دورًا أعلى في منزل استؤجر دوره الأوسط لمجموعة من المواطنين المسيحيين اتخذوا منه ناديًا وكنيسةً ودوره الأسفل (الأرضي) لمجموعة من اليهود اتخذوه ناديًا وكنيسةً، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلًّى.. فكأنما كان هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة، ولست أنسى "أم شالوم" سادنة الكنيسة، وهي تدعونا كل ليلة سبت لنضيء لها النور، ونساعدها في "توليع وابور الجاز"، وكنا نداعبها بقولنا: إلى متى تستخدمون هذه الحِيَل التي لا تنطلي على الله؟! وإن كان الله قد حرم عليكم النور والنار يوم السبت- كما تدَّعون- فهل حرَّم عليكم الانتفاع أو الرؤية؟ ..‍ فتعتذر وتنتهي المناقشة بسلام".

ولكن لا تهاون ولا تفريط

نعم.. إنه تسامح حقيقي، ومودة صادقة.. ولكن بلا هوان، ولا تهاون، ولا تفريط في قيمة من القيم الدينية أو الوطنية.. فحينما رأى الإخوان أحد كبار رجال الدين المسيحي وهو القمص "سرجيوس" يتصرف بما يسيء إلى الدين والوطنية هاجموه بشدة في صحيفة (الإخوان)، ومما جاء فيها (13/5/1947م):

".. علمنا أن القمص سرجيوس يجتمع بمواطنينا الأقباط في "التل الكبير"، وأن هذا الاجتماع يتم في كنيسة داخل أحد المعسكرات البريطانية.. فماذا وراء هذه الاجتماعات؟ وهل هناك تدبير مبيَّت للاعتداء على كنيسة أخرى مثل كنيسة الزقازيق؟ إن إصبع المستعمر في إثارة الفتنة باديةٌ وملموسةٌ، وإن كان للإنجليز أن يطبقوا سياستهم التي استعمروا بها العالم- وهي التفريق بين أبناء الوطن- فكيف يسمح رجل من رجال الدين لنفسه أن يكون مطيةً لأعداء الوطن والدين..؟".

ويظهر أن "سرجيوس"- بتصرفاته هذه وبمقالات نشرَها ينال فيها من المرشد العام ودعوة الإخوان- قد أساء إلى شعور عقلاء المسيحيين، فكتب أحدهم- واسمه "أمين برسوم"- موجِّهًا خطابه للإخوان ومرشدهم: ".. إخواني في الوطن: مما يأسف له جميع الأقباط ما اطَّلعنا عليه من مقالات "القمص سرجيوس" المُخزية التي لا يصحُّ أن تصدر عن رجال الدين الأطهار الذين هم فخرنا وهي تسيء إلى المرشد العام للإخوان المسلمين.. إننا نستنكر تلك المقالات؛ لأننا نشعر بالأخوَّة التي بيننا، وبين إخواننا المسلمين؛ لأن الوطن للجميع، والدين للدَّيَّان..".

********************

إلى صاحب الغبطة الأنبا يؤنس ( بطريرك الأقباط الارثوذكس بمصر ) رئيس لجنة مساعدة الحبشة .

بكل احترام، يتشرف رئيس لجنة مساعدة فلسطين بجمعية الإخوان المسلمين بأن يرفع الى غبطتكم هذا الرجاء الحار، يحفزه اليه ما يعهده فى غبطتكم من أسمى عواطف الرحمة النبيلة والبر والإنسانية المعذبة، تلك العواطف التى حدت بكم الى تجشم المتاعب فى سبيل مساعدة الحبشة .

وتعلمون ياصاحب الغبطة أن فلسطين الشقيقة العزيزة مهد الشرائع والأنبياء، قد بطشت بها القوة الغاشمة، فانسالت دماء ابنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء، وخربت ديارهم، وعطلت مصالحهم وقضت على موارد ارزاقهم، وأن بيت المقدس هو بيت القصيد من هذا العدوان الصارخ . ويحاول اليهود بعملهم هذا أن يستولوا عليه، وعلى غيره من الاماكن المقدسة، التى أجمع المسلمون والمسيحيون على تقديسها وإكبارها والذود عنها .

ونحن فى مصر مع الاسف الشديد لا نملك الا أن نقدم ما تسخو به الأكف من مال لمساعدة هؤلاء الابطال الذين المت بهم الفاقة ....

ومن أجل ذلك توجهنا الى غبطتكم، راجين أن تشملوا هؤلاء المجاهدين بعطفكم الأبوى، فتأمروا بامداد ابناء فلسطين بإرسال ما تبقى من اموال لجنة مساعدة الاحباش الى اللجنة العربية العليا بالقدس ...

وإذا رأيتم فضلاً عن ذلك أن تتكرموا بدعوة المحسنين من المصريين بالتبرع لهذا الغرض النبيل، فهو العهد بكم والمأمول فيكم، وكان لكم الشكر مضاعفاً .

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

المخلص

حسن البنا

شهادة

شكل مكتب إرشاد الجماعة لجنة سياسية عليا برئاسة وكيل الجماعة وعضوية سكرتير الجماعة وعضو من أعضاء مكتب الإرشاد، 9 أعضاء آخرون منهم ثلاثة من كبار الاقباط هم الأستاذ وهيب بك دوس المحامى والأستاذ لويس فانوس عضو مجلس النواب والأستاذ كريم ثابت الصحفى الكبير "

وثانية

رد توفيق غالى من أقباط مصر على مقالات لسلامة موسى فى عهد الإمام حسن البنا، اتهم فيها موسى الإخوان بأنهم يثيرون الفتن الطائفية .

وقد أكد توفيق غالى فى رده : " إنى أعترف بأنهم " الإخوان المسلمون " أشرف الجماعات مقصداً، وأنبلهم خلقا، ولن أقدم دليلا إلا أن شعبتهم يجاورها المسيحيون من كل جانب، ومع ذلك لم نر منهم إلا كل أدب وتقدير لإخوانهم المسيحيين، وأن شعبتهم بقسم الصيادين الزقازيق تجاور الكنيسة ولا ينظرون اليها إلا بكل احترام " .

********************

ولم تتوقف هذه السياسة بعد استشهاد الامام حسن البنا، بل التزم بها الإخوان المسلمون دينا وأصلاً، فكان مرشدونا الامناء حسن الهضيبى وعمر التلمسانى ومحمد حامد أبو النصر على نفس السياسة ونفس المنوال ...

ففى كتاب " حسن الهضيبى الامام الممتحن " ذكر الاستاذ جابر رزق رحمه الله تحت عنوان " مع خلطائه المسيحيين " :

" وكانت باكورة ولايته القضاء فى مدينة جرجا من صعيد مصر، حيث تعلو فى الطبقة المثقفة نسبة المسيحيين الذين تهىء لهم مراكزهم وثقافتهم الإختلاط بقاضى المدينة ونظرائه من كبار الموظفين ...

فإذا بهم يلتفون حوله، ويحيطونه بفيض من مشاعر الحب والتقدير، ويعلنون أنهم يحسدون عليه إخوانهم المسلمين، ويتمنون لو كان فى طائفتهم مثله "

********************

نشرت مجلة " الدعوة " فى عددها الرابع عشر الصادر فى شعبان 1397 هـ، تحت عنوان : " وأين نصيبنا من هذا الحب " السطور التالية لمرشدنا الراحل عمر التلمسانى رحمه الله :

" إن القول بأن الإخوان يقوم تشكيلهم على أساس دينى يسبب الفرقة، قول يرده الواقع، ويدحضه الكثير من الحجج والبراهين :

- الأمة المصرية تتكون من ديانتين أساسيتين، الإسلام والمسيحية، وبلغ التسامح الدينى بالأغلبية المسلمة أن كان من رؤسائها ووزرائها مسيحيون، كان يرأس مجلس النواب مسيحى ..."

- قامت جماعة الإخوان عام 1928 م، فلم يثبت فى تاريخها يوما من الأيام أنها دعت الى فرقة، أو هتفت بعنصرية دينية، أو نادت بحرمان غير المسلمين مما يستمتع به المسلمون، بل كان القسس يحضرون احتفالاتها، ويلقون فيها كلماتهم من وجهة نظرهم لا من وجهة نظر الإخوان المسلمين، ولم يعترض عليهم أو يقاطعهم أحد .

- كيف يكون التشكيل الرسمى للإخوان مدعاة إلى التفريق بين أفراد الامة وهم لا يحرمون على مسيحى أن يبتنى كنيسة، أو أن يشتغل بوظيفة، أو أن يؤدى شعائره الدينينة آمناً مطمئناً، وإذا طالب المسيحيون بحزب مسيحى، فما الخوف من ذلك ؟ اليس هذا واقع الأمة فعلاً : مسلمون ومسيحيون، وكل ينادى بصلاحية دينيه وإصلاح المجتمع ؟ ... "

وبعد كانت هذه جولة قصيرة مع فهم الإخوان المسلمين لعلاقة المسلم بغير المسلم عامة وبالنصارى منهم خاصة، استمدوها من فهمهم لكتاب ربهم ولسنة نبيهم، فوقفوا عندها وعملوا بمقتضاها بلا زيادة او نقصان .. كعهدهم دائما مع اصول دعوتهم ...

قضية حقوق الإنسان

وإذا كان البعض يرفع راية حقوق الإنسان في الوقت الحاضر مدعيا أنه المدافع عنها وحامل لوائها الأول .. فإن جماعة الإخوان المسلمين قبل هؤلاء جميعا قد ارتقت بهذا الحق ورفعته إلى مصاف الفريضة الدينية معلنه " أن الإسلام كان ولا يزال النموذج الفكري والسياسي الوحيد الذي كرم الانسان والانسانية مرتفعا بهذا التكريم فوق اختلاف الألسنة والألوان والأجناس، وأنه منذ اللحظة الأولي لمجيئه قد عصم الدماء والحرمات والأموال والأعراض وجعلها حراما، جاعلا من الالتزام المطلق بهذه الحرمات فريضة دينية وشعيرة إسلامية لا يسقطها عن المسلمين إخلال الآخرين "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوي " ..

" وبقي - هنا كذلك - أن نقول لأنفسنا ولكل الأخذين عنا وللدنيا من حولنا، أننا في مقدمة ركب الداعين إلى احترام حقوق الإنسان وتأمين تلك الحقوق للناس جميعا، وتيسير سبل ممارسة الحرية في إطار النظم الأخلاقية والقانونية، إيمانا بأن حرية الانسان هي سبيله الي كل خير، والي كل نهضة وكل إبداع ...

إن العدوان علي حقوق والحريات تحت أي شعار ولو كان شعار الاسلام نفسه يمتهن إنسانية الانسان، ويرده الي مقام دون المقام الذي وضعه الله فيه، ويحول بين طاقاته ومواهبه وبين النضج والازدهار، ولكننا ونحن نعلن هذا كله نسجل أمام الضمير العالمي، أن المظالم الكبري التي يشهدها هذا العصر إنما تقع علي المسلمين ولا تقع من المسلمين، وأن علي العقلاء والمؤمنين في كل مكان أن يرفعوا أصواتهم بالدعوة الي المساواة في التمتع بالحرية وحقوق الانسان، فهذه المساواة هي الطريق الحقيقي إلى السلام الدولي والاجتماعي وإلى نظام عالمي جديد يقوم الظلم والأذي والعدوان " .

القــــاهرة في : 30 من ذي القعدة 1415 ه -30 من ابــــــريل 1995 م

وتقدم الجماعة برنامجا كليا لصيانة حقوق الإنسان الأساسية تلتقي عليه كافة القوى الحريصة على مصلحة بني الإنسان وفقا للمفاهيم التالية :

- حق الحياة

(أ‌) حياة الإنسان فى الإسلام مقدسة... لا يجوز لأحد حتى ولو كان الشخص نفسه أن يعتدي عليها: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) ولا تسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة وبالإجراءات التي تقرها.

(ب‌) كيان الإنسان المادي والمعنوي حمىً، تحميه الشريعة في حياته، وبعد مماته، ومن حقه الترفق والتكريم، في التعامل مع جثمانه: "إذا كفَّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه". ويجب ستر سوءاته وعيوبه الشخصية: "ولا تسبّوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدّموا".
2- حق الحرية

(أ‌) حرية الإنسان مقدسة ـ كحياته سواء ـ وهي الصفة الطبيعية الأولى التي بها يولد الإنسان: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة".

وهي مستصحبة ومستمرة، ليس لأحد أن يعتدي عليها: "متى اسْتَعْبَدْتُمُ الناسَ وقد وَلَدَتْهُم أمهاتهم أحراراً".

ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرّها.

(ب‌) لا يجوز لشعب أن يعتدي على حرية شعب آخر، وللشعب المعتدي عليه أن يردّ العدوان ويسترد حريته بكل السبل الممكنة: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل).

وعلى المجتمع الدولي مساندة كل شعب يجاهد من أجل حريته، ويتحمل المسلمون في هذا واجباً لا ترخص فيه: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
3- حق المساواة

(أ‌) الناس جميعاً سواسية أمام الشريعة: "لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلاَّ بالتقوى"، ... ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ... ولا في حمايتها إياهم: "أَلاّ إنّ أضعفكم عندي القويّ حتى آخذ الحقّ له، وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق منه".

(ب‌) الناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء: "كلُّكم لآدم وآدمُ من تراب"، وإنما يتفاضلون بحسب عملهم: (ولكل درجات مما عملوا).

ولا يجوز تعريض شخص لخطر أو ضرر بأكثر مما يتعرض له غيره: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" .. وكل فكرة وكل تشريع وكل وضع يسوغ التفرقة بين الأفراد على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الدين هو مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي العام.

(ج) لكل فرد حق في الانتفاع بالموارد المادية للمجتمع من خلال فرصة عمل مكافئة لفرصة غيره: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) .. ولا يجوز التفرقة بين الأفراد في الأجر ما دام الجهد المبذول واحداً، والعمل المؤدَّى واحداً كمّاً وكيفاً: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
4- حق العدالة

(أ‌) من حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يحاكم إليها دون سواها: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) ... (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم).

(ب‌) من حق الفرد أن يدفع عن نفسه ما يلحقه من ظلم: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) ... ومن واجبه أن يدفع الظلم عن غيره بما يملك: " لينصر الرجلُ أخاه ظَالِماً أو مظلوماً : إنْ كان ظالماً فلْيَنْهَهُ وإنْ كان مظلوماً فلينصره".

ومن حق الفرد أن يلجأ إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه وتدفع عنه ما لحقه من ضرر أو ظلم .. وعلى الحاكم المسلم أن يقيم هذه السلطة، ويوفر لها الضمانات الكفيلة بحيدتها واستقلالها: "إنما الإمام جُنَّةٌ يقاتلَ مِنْ ورائه، ويُحْتَمَى به".

(ج) من حق الفرد ـ ومن واجبه ـ أن يدافع عن حق أي فرد آخر، وعن حق الجماعة "حسبة": "أَلاَ أُخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي قبل أن يُسْأَلها" (يتطوع بها حسبة دون طلب من أحد).

(د‌) لا تجوز مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه تحت أي مسوِّغ: "إن لصاحب الحق مقالاً". "إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضِيَن حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبيّن لك القضاء".

(ه‍( ليس لأحد أن يُلْزِم مسلماً بأن يطيع أمراً يخالف الشريعة، وعلى الفرد المسلم أن يقول "لا" في وجه من يأمره بمعصية، أيّاً كان الأمر: "إذا أُمَرِ بمعصيةٍ فلا سمعٌ ولا طاعةٌ". ومن حقه على الجماعة أن تحمي رفضه تضامناً مع الحق: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه".

5- حق الفرد في محاكمة عادلة

(أ‌) البراءة هي الأصل: "كُلُّ أُمَّتي معافى إلا المجاهرين"، وهو مستصحب ومستمر حتى مع اتهام الشخص ما لم تثبت إدانته أمام محكمة عادلة إدانة نهائية.

(ب‌) لا تجريم إلا بنص شرعي: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ... ولا يُعْذَر مسلم بالجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولكن يُنظَر إلى جهله ـ متى ثبت ـ على أنه شبهة تُدْرأ بها الحدود فحسب: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم).

(ج) لا يُحْكَم بتجريم شخص ولا يُعَاقَب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تَقْبل المراجعة، أمام محكمة ذات طبيعة قضائية كاملة: (إن جاءكم فاسق بنبإِ فتبينوا) (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً).

(د) لا يجوز ـ بحال ـ تجاوز العقوبة التي قدرتها الشريعة للجريمة: (تلك حدود الله فلا تعتدوها).

ومن مبادئ الشريعة مراعاة الظروف والملابسات التي ارتكبت فيها الجريمة درءاً للحدود: "ادْرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله".

(ه‍( لا يؤخذ إنسان بجريرة غيره: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).

وكل إنسان مستقل بمسئوليته عن أفعاله: (كل أمرئ بما كسب رهين) .

ولا يجوز بحال أن تمتد المُسَاءلة إلى ذويه من أهل وأقارب، أو أتباع وأصدقاء: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون).

6- حق الحماية من تعسف السلطة

لكل فرد الحق في الحماية من تعسف السلطات معه، ولا يجوز مطالبته بتقديم تفسير لعمل من أعماله أو وضع من أوضاعه ولا توجيه اتهام له إلا بناءً على قرائن قوية، تدل على تورطه فيما يوجه إليه: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما مبيناً).
7- حق الحماية من التعذيب

(أ‌) لا يجوز تعذيب المجرم فضلاً عن المتهم: "إن الله يعذِّب الذين يعذِّبون الناس في الدنيا".

كما لا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما يُنتزع بوسائل الإكراه باطل: "إن الله وضع عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

(ب‌) مهما كانت جريمة الفرد، وكيفما كانت عقوبتها المقدَّرة شرعاً، فإن إنسانيته، وكرامته الآدمية تظل مصونة.
8- حق الفرد في حماية عرضه وسمعته

عرض الفرد وسمعته حرمة لا يجوز انتهاكها: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" ... ويحرم تتبع عوراته، ومحاولة النيل من شخصيته وكيانه الأدبي: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً)، (ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب).

9- حق اللجوء

(أ‌) من حق مسلم مُضطهَد أو مظلوم أن يلجأ إلى حيث يأمن في نطاق دار الإسلام، وهو حق يكفله الإسلام لكل مضطهَد، أيّاً كانت جنسيته أو عقيدته أو لونه، ويحمل المسلمين واجب توفير الأمن له متى لجأ إليهم: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه).

(ب‌) بيت الله الحرام ـ بمكة المشرفة ـ هو مثابة وأمن الناس جميعاً لا يصدّ عنه مسلم: (ومن دخله كان آمناً)، (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً)، (سواء العاكف فيه والباد).
10- حقوق الأقليات

(أ‌) الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني العام: (لا إكراه في الدين).

(ب‌) الأوضاع المدنية، والأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شريعة الإسلام إنْ هم تحاكموا إلينا: (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً، وإن حكمت فاحكم بينهم فالقسط) .. فإن لم يتحاكموا إلينا كان عليهم أن يتحاكموا إلى شرائعهم ما دامت تنتمي ـ عندهم ـ لأصل إلهي: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك) .. (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه).

ويؤكد فقهاء الإسلام أن غير المسلمين (الذميين) من أهل دار الإسلام يعدون من رعايا الدولة فهم يرتبطون بالدولة الإسلامية برابط الجنسية لأن الأساس لاكتساب الذمي الجنسية هو عقد الذمة عن طريق العقد الصريح .. إذ يتمتع غير المسلمين من رعايا الدولة الإسلامية بكافة الحقوق العامة التي يتمتع بها المسلمون والتي يمكن إيجازها في التعبير عن الرأي والاعتقاد والعمل والمسكن والانتقال والتملك، ويتمتع الذميون كذلك بالعديد من الحقوق السياسية لعل أهمها الأمان، ويستند في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: " من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة" .. وأوصى ا لفاروق عمر بن الخطاب خيراً بأهل الذمة فقال: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، أن يوفي بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفهم فوق طاقتهم".

وأعلن علي بن أبي طالب مساواة الذميين للمسلمين في حرمة المال والدم. كما صرح الفقهاء من مختلف المذاهب بأن على المسلمين دفع الظلم عنهم والمحافظة على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، ولا يجوز إلقاء القبض على الذمي وسجنه إلا بمقتضى القانون.

ومن الحقوق العامة لرعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين كذلك حق الانتقال في دار الإسلام والإقامة حيث شاءوا، عدا الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وارتياد الأماكن العامة والاستفادة منها، ويسمح لهم بالسفر إلى خارج الدولة الإسلامية والعودة إليها متى شاءوا.

ويتمتع غير المسلمين أسوة بالمسلمين، بحرية المسكن والاعتقاد، وإقامة معابدهم وكنائسهم فيها باستثناء جزيرة العرب التي قال عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

كما يتمتعون كذلك بحق التعليم المجاني وإقامة مدارسهم الخاصة إن رغبوا في ذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التعليم يشكل أحد المجالات الأساسية التي يجب على الدولة توفيره وهو حق مكتسب لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم العقدية.

وتكمن أهمية التعليم في الإسلام في كون أول آية نزلت في القرآن الكريم هي اقرأ. وقد كرم الله العلماء ورفع من مكانتهم في قوله تعالى "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وقد شبههم بالأعمى والبصير. ووصف العلماء بأنهم ورثة الأنبياء وأنهم أكثر خشية لله في قوله تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء".

ولا يستثني الإسلام غير المسلمين من هذا الحق، إضافة لكونه أحد وسائل الدعوة إلى الله وبذلك يصبح تعليم غير المسلمين من مسئولية الحكومة. وعليه فإن الحكومة الإسلامية ملزمة بسن قوانين التعليم الإلزامي إلى مرحلة معينة يحددها المشرعون في الدولة وبفتح المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ومراكز الأبحاث وتشجيع الأبحاث العلمية وإعطاء المنح والبعثات الدراسية وتشجيع معارض الكتب والمؤتمرات العلمية التي يتمتع بها كافة أفراد المجتمع دون استثناء.

ويرى علماء الإسلام أن من مسئولية الدولة الإسلامية كذلك توفير الرعاية الصحية المجانية لكافة المواطنين والمقيمين فيها دون استثناء، وعليه فإن الحكومة ملزمة ببناء المستشفيات والمصحات الطبية والعيادات والمراكز الصحية وتوفير فريق الأطباء من المتخصصين وكادر الممرضين وغيرهم ممن يشرفون على علاج المرضى إضافة إلى الأجهزة الطبية المتقدمة وجميع لوازم العلاج من أدوات طبية وأسرة وأدوية ...الخ.

ويثير البعض العديد من التساؤلات حول الضريبة التي يدفعها غير المسلمين للحكومة الإسلامية أو ما يعرف بالجزية على أنها تمييز بين المسلمين وغير المسلمين، وتعرف الجزية على أنها ضريبة مفروضة على غير المسلمين من رعايا الدولة الإسلامية وتدفع للحكومة الإسلامية، ويعفى من دفعها رجال الدين والنساء والأطفال والكهول وأصحاب العاهات والمرضى.

وإذا كان غير المسلم قد ألزم بدفع هذه الضريبة فإن ما أوجب على المسلم دفعه يساوي أضعاف ما يدفعه غير المسلم، ففي حين حددت النسب المئوية لما ينبغي للمسلم دفعه على كل ما يملك من رءوس أموال سواء كان ذلك سيولة مالية أو ممتلكات بهدف الاستثمار فإن ما يدفعه غير المسلم يتم تحديده في ضوء الوضع الاقتصادي العام للدولة الإسلامية والوضع الاقتصادي للمرء.

ويتضح للمتتبع أن النسبة التي فرضت على غير المسلم لم تكن ثابتة إذ فرض النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً واحداً على كل ذمي سنوياً واستمر الأمر كذلك حتى عهد عمر رضي الله عنه الذي وضع نظاماً جديداً يعتمد على الدخل الشخصي للذمي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك إجماعًا بجواز عدم دفعها نقداً فمن الجائز أخذها من منتجات الحرفيين العينية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك. ويتضح من ذلك أن الإسلام لم يكلف غير المسلمين فوق طاقتهم ولم يعاملهم معاملة دونية تقوم على أساس التفرقة وإنما التمييز كان بهدف التنظيم الإداري والمالي لدخول الدولة من ناحية ولحفظ حقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية من ناحية ثانية.

كما أن ما يدفعه غير المسلم ينتفع به بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال استغلال حقوقه في التعليم والرعاية الصحية والإسكان والضمان الاجتماعي إلى غير ذلك.

ولأهل الكتاب مطلق الحرية في المعاملات الاقتصادية أسوة بالمسلمين بل يذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك إذ يجيز لغير المسلمين ممارسة الإعمال الاقتصادية التي يحرمها الإسلام وتبيحها شرائعهم بشرط ألا ينعكس ذلك سلباً على مصالح الأمة. كما يتمتع غير المسلمين بنفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون بما فيها التملك والاستثمار والعمل إلى آخره.

وبالإضافة إلى الحقوق الآنفة الذكر يتمتع أهل الذمة من رعايا الدولة الإسلامية بكافة الحقوق التي تكفل لهم الحياة الكريمة بما فيها حقهم في الضمان الاجتماعي ... فقد فرض الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه لهم هذا الحق بعد أن رأى رجلاً يهودياً طاعن في السن وأعمى يسأل الناس فسأله عمر عن السبب الذي ألجاءه إلى هذا فقال له الحاجة والجزية، فأخذ عمر بيده واقتاده إلى منزله وأعطاه شيئاً ثم استدعى أمين بيت المال وطلب منه أن يسقط عن هذا الذمي وأمثاله الجزية وأن يخصص لهم مكافأة شهرية تكفل لهم حياةً كريمة .. فقال لأمين بيت المال "انظر هذا وأمثاله فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم " ... وقرأ قوله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ... وقال الفقراء هم المسلمون وهذا من مساكين أهل الكتاب.

11- حق المشاركة في الحياة العامة

(أ‌) من حق كل فرد في الأمة أن يعلم بما يجري في حياتها، من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة، وعليه أن يسهم فيها بقدر ما تتيح له قدراته ومواهبه أعمالاً لمبدأ الشورى: (وأمرهم شورى بينهم).

وكل فرد في الأمة أهل لتولّي المناصب والوظائف العامة متى توافرت فيه شرائطها الشرعية، ولا تسقط هذه الأهلية أو تنقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم.

(ب‌) الشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها، فإرادتها الحرة، تطبيقاً لهذا المبدأ، ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذا حادوا عن شريعة: "إني وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم فإنْ رأيتموني على حقّ فأعينوني، وإنْ رأيتموني على باطل فَقَوِّموني، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسولَه، فإنْ عصيتُ فلا طاعة لي عليكم".
12- حق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير

(أ‌) لكل شخص أن يفكر، ويعتقد، ويعبر عن فكره ومعتقده، دون تدخل أو مصادرة من أحد ما دام يلتزم الحدود العامة التي أقرَّتها الشريعة، ولا يجوز إذاعة الباطل، ولا نشر ما فيه ترويجاً للفاحشة أو تخذيلاً للأمة: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً).

(ب‌) التفكير الحر ـ بحثاً عن الحق ـ ليس مجرد حق فحسب، بل هو واجب كذلك: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا).

(ج‌) من حق كل فرد ومن واجبه: أن يعلن رفضه للظلم، وإنكاره له، وأن يقاومه، دون تهيُّب من مواجهة سلطة متعسفة، أو حاكم جائر، أو نظام طاغ .. وهذا أفضل الجهاد: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الجهاد أفضل؟ .. قال: كلمة حق عند سلطان جائر".

(د) لا حظر على نشر المعلومات والحقائق الصحيحة، إلا ما يكون في نشره خطر على أمن المجتمع والدولة: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).

(ه‍( احترام مشاعر المخالفين في الدين من خُلُق المسلم، فلا يجوز لأحد أن يسخر من معتقدات غيره، ولا أن يستعدي المجتمع عليه: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم).
13- حق الحرية الدينية

لكل شخص: حرية الاعتقاد، وحرية العبادة وفقاً لمعتقده: (لكم دينكم ولي دين).
14- حق الدعوة والبلاغ

(أ‌) لكل فرد الحق أن يشارك ـ منفرداً ومع غيره ـ في حياة الجماعة: دينياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، الخ ... وأن ينشئ من المؤسسات ويصطنع من الوسائل ما هو ضروري لممارسة هذا الحق: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله، على بصيرة أنا ومن اتبعني).

(ب‌) من حق كل الفرد ومن واجبه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن يطالب المجتمع بإقامة المؤسسات التي تهيئ للأفراد الوفاء بهذه المسؤولية، تعاوناً على البر والتقوى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، (وتعاونوا على البر والتقوى) ... "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوْشَكَ أن يعمّهم الله بعقاب".

15- الحقوق الاقتصادية

(أ‌) الطبيعة ـ بثرواتها جميعاً ـ ملك الله تعالى (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن) .. وهي عطاء منه للبشر، منحهم حق الانتفاع بها: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه) .. وحرَّم عليهم إفسادها وتدميرها: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) .. ولا يجوز لأحد أن يحرم آخر أو يعتدي على حقه في الانتفاع بما في الطبيعة من مصادر الرزق (وما كان عطاء ربك محظوراً).

(ب‌) لكل إنسان أن يعمل وينتج، تحصيلاً للرزق من وجوهه المشروعة: (وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها)، (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).

(ج) الملكية الخاصة مشروعة ـ على انفراد ومشاركة ـ ولكل إنسان أن يقتني ما اكتسبه بجهده وعمله: (وأنه هو أغنى وأقنى) .. والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).

(د) لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) .. وهو حق لا يحوز تعطيله، ولا منعه، ولا الترخيص فيه، من قبل الحاكم ولو أدى به الموقف إلى قتال مانعي الزكاة: "والله لو منعوني عقالاً، كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه".

(ه) توظيف مصادر الثروة ووسائل الإنتاج لمصلحة الأمة واجب، فلا يجوز إهمالها ولا تعطيلها: "ما من عبد استرعاه الله رعيّة فلم يُحِطْها بالنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنّة". كذلك لا يجوز استثمارها فيما حرمته الشريعة، ولا فيما يضر بمصلحة الجماعة.

(و) ترشيداً للنشاط الاقتصادي، وضماناً لسلامته، حرَّم الإسلام:

1- الغش بكل صورة: "ليس مِنَّا مَنْ غَشّ".

2- الغرر والجهالة، وكل ما يفضني إلى منازعات لا يمكن إخضاعها لمعايير موضوعية: "نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر" ... "نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يَسْوَدَّ وعن بيع الحَبِّ حتى يشتدّ".

3- الاستغلال والتغابن في عمليّات التبادل: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون).
4- الاحتكار، وكل ما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة: "لا يحتكر إلا خاطئ".

5- الربا، وكل كسب طفيلي يستغل ضوائق الناس: (وأحل الله البيع وحرم الربا).

6- الدعايات الكاذبة والخادعة: "البيعان بالخيار ما لم يتفرّفا، فإن صدَقَا وبينَّا بورك لهما في بيعهما، وإنْ غَشَّا وكذبا مُحِقت بَرَكة بيْعهما".

(ز) رعاية مصلحة الأمة، والتزام قيم الإسلام العامة، هما القيد الوحيد على النشاط الاقتصادي في مجتمع المسلمين.

16- حق حماية الملكية

لا يجوز انتزاع ملكية، نشأت عن كسب حلال، إلا للمصلحة العامة: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) .. ومع تعويض عادل لصاحبها: "مَن أخذ مِن الأرض شيئاً بغير حقّه خُسِفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين".

وحرمة الملكية العامة أعظم، وعقوبة الاعتداء عليها أشدّ لأنه عدوان على المجتمع كله، وخيانة للأمة بأسرها: "ومن استعملناه منكم على عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة" ... "قيل يا رسول الله: إن فلاناً قد استشهد! قال: كلا! لقد رأيته في النار بعباءة قد غلّها ... ثم قال: يا عمر: قُمْ فنِاد: إنه لا يدخل الجنّة إلا المؤمنون ـ ثلاثاً ـ".


17- حق العامل وواجبه

العمل شعار رفعه الإسلام لمجتمعه: (وقل اعملوا) .. وإذا كان حق العمل الإتقان: "إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ... فإن حق العامل:

1- أن يوفى أجره المكافئ لجهده دون حيف عليه أو مماطلة له: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه".

2- أن توفر له حياة كريمة تتناسب مع ما يبذله من جهد وعرق: (ولكل درجات مما عملوا).

3- أن يمنح ما هو جدير به من تكريم المجتمع كله له: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). "إن الله يحب المؤمن المحترف".

4- أن يجد الحماية، التي تحول دون غبنه واستغلال ظروفه. قال الله تعالى: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره".


18- حق الفرد في كفايته من مقومات الحياة

من حق الفرد أن ينال كفايته من ضروريات الحياة: من طعام وشراب وملبس ومسكن، ومما يلزم لصحة بدنه من رعاية، وما يلزم لصحة روحه وعقله من علم ومعرفة وثقافة في نطاق ما تسمح به موارد الأمة .. ويمتد واجب الأمة في هذا ليشمل ما لا يستطيع الفرد أن يستقل بتوفيره لنفسه من ذلك: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم).


19- حق بناء الأسرة

(أ‌) الزواج ـ بإطاره الإسلامي ـ حق لكل إنسان. وهو الطريق الشرعي لبناء الأسرة وإنجاب الذرية، وإعفاف النفس: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منهما زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً).

ولكل من الزوجين قِبَلَ الآخر ـ وعليه له ـ حقوق وواجبات متكافئة قررتها الشريعة: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة). وللأب تربية أولاده بدنياً وخلقياً ودينياً، وفقاً لعقيدته وشريعته، وهو مسؤول عن اختياره الوجهة التي يوليهم إياها: "كلُّكم راعٍ وكلًّكم مسؤول عن رعيته".

(ب‌) لكل من الزوجين قِبَلَ الآخر حق احترامه، وتقدير مشاعره وظروفه، في إطار من التواد والتراحم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

(ج) على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده دون تقتير عليهم: (لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).

(د) لكل طفل على أبويه حق إحسان تربيته، وتعليمه، وتأديبه: (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً). ولا يجوز تشغيل الأطفال في سن باكرة، ولا تحميلهم من الأعمال ما يرهقهم أو يعوق نموهم أو يحول بينهم وبين حقهم في اللعب والتعلم.

(ه‍( إذا عجز والدا الطفل عن الوفاء بمسؤوليتهما نحوه، انتقلت هذه المسؤولية إلى المجتمع، وتكون نفقات الطفل في بيت مال المسلمين ـ الخزانة العامة للدولة ـ : "أنا أوْلَى بكلّ مؤمن من نفسه، فمن ترك دَيْناً أو ضيعة فَعَليَّ، ومن ترك مالاً فلِوَرَثَته".

(و‌) لكل فرد في الأسرة أن ينال منها ما هو في حاجة إليه: من كفاية مادية، ومن رعاية وحنان، في طفولته وشيخوخته وعجزه، وللوالدين على أولادهما حق كفالتهما مادياً، ورعايتهما بدنياً ونفسياً: "أنت ومالُك لِوالِدِك".

(ز) للأمومة حق في رعاية خاصة من الأسرة: "يا رسول الله: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك: قال ـ السائل ـ: ثم من؟ قال: أمّك. قال: ثم من؟ قال: أمّك. قال: ثم من؟ قال: أبوك".

(ح) مسئولية الأسرة شركة بين أفرادها، كل بحسب طاقته وطبيعة فطرته، وهي مسؤولية تتجاوز دائرة الآباء والأولاد لتعمّ الأقارب وذوي الأرحام: "يا رسول الله: مَن أبر؟ قال: أمّك! ثم أمّك! ثم أمّك! ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب".

(ط) لا يُجْبَر الفتى أو الفتاة على الزواج ممن لا يرغب فيه: "جاءت جاريةٌ بِكْر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زَوَّجها وهي كارهة فخَّيرها النبيّ صلى الله عليه وسلم.


20- حقوق الزوجة

(أ‌) أن تعيش مع زوجها حيث يعيش: (أسكنوهن من حيث سكنتم).

(ب‌) أن ينفق عليها بالمعروف طوال زواجهما، وخلال فترة عدتها إنْ هو طلقها: (الرجال قوامون عل النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم). (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن). وأن تأخذ من مطلقها نفقة من تحضنهن من أولاده منها، بما يتناسب مع كسب أبيهم: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن).

(ج) تستحق الزوجة هذه النفقات أَيّاً كان وضعها المالي وأيّاً كانت ثروتها الخاصة.

(د) للزوجة أن تطلب من زوجها: إنهاء عقد الزواج ـ ودِّيّاً ـ عن طريق الخلع: (فإن خفتم ألا يقيما ـ (الزوجان) ـ حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به). كما أن لها أن تطلب التطليق قضائياً في نطاق أحكام الشريعة.

(ه‍( للزوجة حق الميراث من زوجها، كما ترث من أبويها وأولادها وذوي قرابتها: (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم).

(و) على كلا الزوجين أن يحفظ غيب صاحبه، وألاَّ يفشي شيئاً من أسراره، وألاَّ يكشف عما قد يكون به من نقص خِلْقِيّ أو خُلُقِيّ، ويتأكد هذا الحق عند الطلاق وبعده: (ولا تنسوا الفضل بينكم).

21- حق التربية

(أ‌) التربية الصالحة حق الأولاد على الآباء، كما أن البّر وإحسان المعاملة حق الآباء على الأولاد: (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً).

(ب‌) التعليم حق للجميع .. وطلب العلم واجب على الجميع ذكوراً وإناثاً على السواء: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة".

والتعليم حق لغير المتعلم على المتعلم: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون) .. "ليبلغ الشاهدُ الغائب".

(ج) على المجتمع أن يوفر لكل فرد فرصة متكافئة ليتعلَّم ويستنير: "مَنْ يُرِد اللهُ به خيراً يفقِّهه في الدَّين. وإنما أنا قاسم والله ـ عزّ وجل ـ يعطي" .. ولكل فرد أن يختار ما يلائم مواهبه وقدراته: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له".

22- حق الفرد في حماية خصوصياته

سرائر البشر إلى خالقهم وحده: "أفلا شققت عن قلبه". وخصوصياتهم حمى، لا يحل التسور عليهم: (ولا تجسسوا). "يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يُفْضِ الإيمان إلى قلبه: لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتَّبعوا عوراتهم، فإنه من تتَبَّع عورةَ أخيه المسلم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رَحْلِهِ".
23- حق حرية الارتحال والإقامة

(أ‌) من حق كل فرد أن تكون له حرية الحركة، والتنقل من مكان إقامته وإليه، وله حق الرحلة والهجرة من موطنه والعودة إليه دون ما تضييق عليه أو تعويق له: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه). (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين). (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).

(ب‌) لا يجوز إجبار شخص على ترك موطنه ولا إبعاده عنه تعسفاً أو دون سبب شرعي: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله).

(ج) دار الإسلام واحدة، وهي موطن لكل مسلم، لا يجوز أن تقيَّد حركته فيها بحواجز جغرافية أو حدود سياسية. وعلى كل بلد أن يستقبل من يهاجر إليه أو يدخله من المسلمين استقبال الأخ لأخيه: (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).

الوحدة الإنسانية

في مفهوم الإخوان المسلمين

ان الإسلام في نظرته التوحيدية وحقيقة وحدة الأديان في مصدرها وفي جوهرها، وإلى الإيمان بجميع الرسل بلا تفريق بينهم ولا تعصب، إنما يدعو جميع الشعوب إلى وحدتها الإنسانية الكبرى، على أساس عقيدة موضوعية جامعة، إنسانية عالمية، تتوحد فيها وتتساوى على قاعدة وحدة القيم الأساسية والأخوة الإنسانية والتعاون على البر ... فهي دعوة إلى الوحدة العالمية والأخوة الإنسانية تستمد حيويتها من عقيدة إلهية ذات شريعة عالمية متوازنة القيم، لا تتجزأ فيها الحرية والعدالة ولا تتنافران .. فلا حرية بلا عدالة، ولا عدالة بلا حرية .. ولا يستعبد فيها الأفراد باسم الجماعة، ولا المجموع لصالح بعض الأفراد .. فلا حرية ولا كرامة لجماعة أفرادها عبيد لحكام غير مسؤولين، ولا سلام لشعوب تفصل بينها هوة في مستوى المعيشة أو تمزقها صراعات عنصرية أو طبقية أو مذهبية.

وهذه الدعوة إلى وحدة الإنسانية وحدة عقيدة ومصير، كانت جوهر وأساس التصور الإسلامي للمجتمع الدولي.

وفي هذا يقول الإمام حسن البنا " إن الإسلام الذى قدس الوحدة الإنسانية العامة فى قوله تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) ..

ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعا فى قوله تعالى ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنول إلى إبراهيم ... ) الآية .

هذا الإسلام الذى بنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببا فى تمزيق وحدة متصلة بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدنى فقط وقد حدد الإسلام تحديدا دقيقا من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم فقال تعالى بعد الآية السابقة ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين ...) الآية .

ومع هذه الروابط فإن الإخوان المسلمين يريدون الخير للعالم كله فهم ينادون بالوحدة العالمية، لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ومعنى قول الله تبارك وتعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .

"ودعوتنا عالمية .. فهي موجهة للناس كافة .. والناس فى حكمها أخوة أصلهم واحد وأبوهم واحد ونسبهم واحد لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ..

فنحن لانؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ولكنا ندعوإلى الأخوة العادلة بين بنى الأنسان .. يقول الله تعالى ( ياأيها إنا خلقناكم من ذكر وأنثى .. ) الآية .. ويقول نبيه عليه الصلاة والسلام ( ليس منا من دعا إلى عصبية وليس من من مات على عصبية ) رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم

وتعتبر " العالمية " الحلقة الأخيرة فى المشروع الحضاري للإسلام الذي تحمل واجب تقديمه للبشرية، الجماعة ..

وتحدد الجماعة " غايتها العظمى " من مفهومها للعالمية في:

" أما العالمية أو الإنسانية فهى هدفنا الأسمى وغايتنا العظمى وختام الحلقات فى سلسلة الإصلاح والدنيا صائرة إلى ذلك لامحالة فهذا التجمع فى الأمم والتكتل فى الأجناس والشعوب وتداخل الضعفاء بعضهم فى بعض ليكتسبوا بهذا التداخل قوة وانضمام المفترقين ليجدوا فى هذا الانضمام أنس الوحدة كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية التى آمن بها الناس من قبل

وكان لابد أن يؤمنوا هذا الإيمان لتتجمع الخلايا الأصلية ثم كان لابد أن يتخللوا عنها لتتألف المجموعات الكبيرة ولتتحقق بهذا التآلف الوحدة الأخيرة وهى خطوات إن أبطأ بها الزمن فلابد أن تكون وحسبنا أن نتخذ منها هدفا وأن نضعها نصب أعيننا مثلا وأن نقيم فى هذا البناء الإنسانى لبنته وليس علينا أن يتم البناء فلكل أجل كتاب " .

الجماعة وقضية الحوار مع الغرب

علاقة الإخوان بالغرب، تحكمها العديد من العناصر المتداخلة والمتشابكة في آن واحد، وهذه الإشكالية يجب أن نتجاوزها بتوفير الأجواء الايجابية المناسبة لبدء الحوار.

وقد احتلت العلاقات بين الشعوب والصلات بين الامم في نظم الإسلام المكانة اللائقة .. وقد أدركت جماعة الإخوان المسلمين أهمية هذه الحقيقة الخالدة وهذا الركن الحيوي من أركان الفهم الصحبح للإسلام فنصت عليه مبكرا في كتابات مؤسسها الأول الإمام حسن البنا ـ حيث قال:

" إن نظم الإسلام فيما يتعلق بالفرد أو الأسرة أو الأمة حكومتها وشعبها، أو صلة الأمم بعضها ببعض، نظم الإسلام في ذلك كله قد جمعت بين الاستيعاب والدقة وإيثار المصلحة وإيضاحها، وإنها أكمل وأنفع ما عرف الناس من النظم قديما أو حديثا . هذا حكم يؤيده لتاريخ ويثبته البحث الدقيق في كل مظاهر حياة الأمة .

ولقد كان هذا الحكم يشهد به كل منصف، وكلما تغلغل الباحثون في بحوثهم كشفوا من نواحي الجمال في هذه النظم الخالدة ما لم يكن قد خطر ببال سلفهم، وصدق الله القائل :(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53) .

رسالة نحو النور

ومن هنا حرص الإمام على التأكيد في البناء الفكري للجماعة على المعالم الرئيسية المحددة لفهم أبنائها في هذا الخصوص.

فالإخوان المسلمون يعتبرون الناس في حكم دعوتهم ( إخوة : أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى و بما يقدم أحدهم المجموع من خير سابغ وفضل شامل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .

فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية، ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان، ولكن ندعو إلى الأخوة العادلة بين بنى الإنسان .

كما أنهم يعدون ما عدا ذاك من مقاييس تفاضل تقوم على عنصرية بغيضة أو تمايز مصطنع بين يني البشر " مزاعم باطلة " و " نزوات من غرور الإنسان وطيش الوجدان لا يمكن أن تستقر علي أساسها نهضات أو تقوم على قاعدتها مدنيات، وما دام في الناس من يشعر بمثل هذا الشعور لأخيه الإنسان فلا أمن ولا سلام ولا اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الأخوة فيرفعونه خفاقاً، ويستظلون بظله الوارف الأمين، ولن يجدوا طريقاً معبدة إلى ذلك كطريق الإسلام الذي يقول كتابه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13) . ويقول نبيه r : (ليس منا من دعا إلى عصيبة، وليس منا من مات علي عصيبة) رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم . ولهذا كانت دعوة الإخوان المسلمين ربانية إنسانية " .

رسالة " دعوتنا في طور جديد "

ونحن أصحاب مشروع ينشد الخير للبشرية كافة ، ومشروعنا يسعى إلى توسيع دوائر الحوار الحضاري مع جميع شرائح المجتمع غير المسلم.

وكذلك حسن إعداد الأجيال المسلمة الجديدة وتفعيل دورها فى التعريف بالاسلام والدعوة اليه، والمساهمة الايجابية فى جوانب حياة المجتمع المختلفة بالحكمة والموعظة الحسنة مع المحافظة على هويتهم .

ولم تقف الجماعة عند حد تقرير هذه المبادئ العامة الجامعة فقط بل فصلت في مواضع كثيرة وعبر سنين طويلة موقفها الواضح والصريح من كثير من القضايا التي تتصل بهذه المبادي الجامعة وتلك الأسس الكلية .

فحول " موقف الإسلام من الأقليات والأجانب يقول الإمام البنا:

" يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافي وجود أقليات غير مسلمة في الأمة المسلمة، وينافي الوحدة بين عناصر الأمة، وهي دعامة قوية من دعائم النهوض في هذا العصر، ولكن الحق غير ذلك تماماً، فإن الإسلام الذي وضعه الحكيم الخبير الذي يعلم ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الذي لا يحتمل لبساً ولا غموضاً في حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) ... فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم " .

ولم يقف فهم الجماعة كما حدده الإمام البنا عند هذا الحد، بل امتد ليشمل تقديس الوحدة الإنسانية .

وفي هذا يقول الإمام البنا رحمه الله : " إن الإسلام الذي قدّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13) .

ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعا في قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:136-138) .

ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ولا عدوان؛ فقال تبارك وتعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10) .

هذا الإسلام الذي بني على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببا في تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط .

وقد حدد الإسلام تحديدا دقيقا من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم فقال تعالى بعد الآية السابقة :(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9) .

أما موقف الجماعة من الأجانب عموما فقد بينه الإمام البنا بقوله :

" وموقفنا من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا، فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقوله :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران:118-119) .

وبذلك يكون الإسلام قد عالج هذه النواحي جميعا أدق العلاج وأنجحه وأصفاه .

رسالة " نحو النور "

وفي خضم الحرب العالمية الثانية، حيث ادعى كل طرف فى هذه الحرب المأساوية أن له رؤاه وتصوره للحياة على هذه الأرض التي يسعى لتحقيقها بخوضه لغمار هذه المأساة البشرية .. كان لجماعة الإخوان المسلمين رؤيتها الخاصة وتصورها المحدد تجاه ما يجري، لاعتبارها حاملة قارورة الشفاء لآلام الإنسانية المعذبة، والذى حدده الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر السادس ( يناير 1941 ) ..

تقول رسالة المؤتمر السادس :

" لقد ردد الساسة جميعا كلمة " النظام الجديد " ... فهتلر يريد أن يتقدم للناس بنظام جديد، وتشرشل يقول إن إنجلترا المنتصرة ستحمل الناس على نظام جديد، وروزفلت يتنبأ ويشيد بهذا النظام الجديد، والجميع يشيرون الى أن هذا النظام الجديد سينظم أوروبا ويعيد اليها الأمن والطمأنينة والسلام، فأين حظ الشرق والمسلمين من هذا النظام المنشود ؟

نريد هنا أن نلفت أنظار الساسة الغربيين الى أن الفكرة الاستعمارية إن كانت قد أفلست فى الماضى مرة، فهى فى المستقبل أشد فشلاً لا محالة، وقد تنبهت المشاعر وتيقظت حواس الشعوب، وان سياسة القهر والضغط والجبروت لم تات فى الماضى إلا بعكس المقصود منه، وقد عجزت عن قيادة القلوب والشعوب، وهى فى المستقبل أشد عجزاً .

وأن سياسة الخداع والدهاء والمرونة السياسية إن هدأ بها الجو حينا فلا تلبث أن تهب العاصفة قوية عنيفة . وقد تكشفت هذه السياسة عن كثير من الأخطاء والمشكلات والمنازعات، وهى فى المستقبل أضعف من أن توصل الى المقصود .

وإذن فلا بد من سياسة جديدة، وهى سياسة التعاون والتحالف الصادق البرىء، المبنى على التآخى والتقدير، وتبادل المنافع والمصالح المادية والأدبية بين أفراد الأسرة الإنسانية فى الشرق والغرب، لابين دول أوروبا فقط، وبهذه السياسة وحدها يستقر النظام الجديد وينتشر فى ظله الأمن والسلام .

ان حكم الجبروت والقهر قد فات، ولن تستطيع أوروبا بعد اليوم أن تحكم الشرق بالحديد والنار . وأن هذه النظريات السياسية البالية لن تتفق مع تطور الحوادث ورقى الشعوب ونهضة الأمم الإسلامية، ولا مع المبادىء والمشاعر التى ستطلع بها هذه الحرب الضروس على الناس .

ولسنا وحدنا الذين نقول هذا، بل هم الساسة الأوروبيون أنفسهم، ونحن نضع هذه النظريات أمام أعين الساسة البريطانيين والساسة الفرنسيين وغيرهم من ساسة الدول الاستعمارية، على أنها نصائح تنفعهم أكثر مما هى مطالب تنفعنا، فليأخذوا أو ليدعوا، وقد وطَنًا أنفسنا على ان نعيش أحراراً عظماء أو نموت أطهاراً كرماء .

ونحن لا نطمع فى حق سوانا، ولا يستطيع أحد أن ينكر علينا حقنا. وان خيراً لكل أمة أن تعيش متعاونة مع غيرها، من أن تعيش متنافسة مع سواها حينا من الدهر، يندلع بعده لهيب الثورة فى البلاد المغصوبة، وجحيم الحرب بين الدول المتنافسة " .

رسالة المؤتمر السادس

وبعد أن وضعت هذه الحرب المأساوية أوزارها، وقبل أن تبرد نيرانها التي اكتوت بها البشرية عامة والشعوب الأوروبية خاصة، خاطب الإمام الشهيد في إبريل من عام 1945 المؤتمر العالمي الذي انعقد في واشنطن وسان فرنسيسكو وضم الفحول من أقطاب الأمم وزعماء العالم للبحث في شئون أمم العالم المختلفة بمقال تحت عنوان " الإسلام شريعة الحضارة الإنسانية "، قال فيه:

" ... إن عدة آلاف من من زعماء الشعوب والدول قد احتشدت في هذه البقاع الآن تفكر في مستقبل الإنسانية وتتلمس سبل السلام والهداية والخير والطمأنينه للناس .

.. هذه فرصة لنا نحن العرب، ونحن المصريين لنقول للعالم : هاؤم أقرءوا كتابيه .. إننا لسنا كما يظن الناس همجا ولا متأخرين، ولكنا منذ القديم وقبل أن تتفتح عين أوروبا على النور، أو تكتشف أمريكا في العالم المتمدين المعروف .. كنا نتعامل بشريعة سامية المبادئ عالية المقاصد خصبة فصيحة تماشي العصور والأجيال وتسد حاجة من شاء من الأمم والشعوب.

.. هذه فرصة لنا وللعالم، نريد أن نقول فيها للناس عامة وللمؤتمربن خاصة بملء أفواهنا .. إنكم تنشدون السلام وقد اجتمعتم هنا للناس، وهذه الأمم كلها ترقب على أيديكم الطمأنينه والسلام .

ونحن العرب، ونحن المسلمين ونحن الشرقيين قد ورثنا السلام في فلسفاتنا وفي أدياننا وفي كتنبا وفي تاريخنا الطويل العريض الزاهي المشرق، حتى صار قطعة من أرواحنا ومعنى من معاني وجودنا وكياننا فقرآننا هدى ورجمة ونور وشفاء يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .. وإنجيلنا يعلن في الناس ´المسرة وعلى الأرض السلام ..

وليس في الدنيا كلها دين ولا نظام اجتماعي جعل السلام تدريبا عمليا يطبع به أنصاره ومعتنقيه كما جعل ذلك الإسلام في شريعته " الحج " وهي شريعة السلام .. فمنذ يحرم الحاج فقد صار سلاما لنفسه، فلا يقص ظفرا ولا يحلق شعرال .. وصار يلاما لغيره من بني الإنسان فلا يجادل أدا ولا يعلن حربا ولا يثأر من خصم حتى ولو لقي قاتل أبيه لما استطاع أن يبسط له بالقول لسانا ولا بالأذى يدا " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " .. بل إنه ليكون سلاما لغيره من من الحيوان والنبات فلا يصطاد حيوانا ولا يعلم طائرا ولا يعضد شجرا ولا يقطع نباتا .

وهكذا يظل الحاج في هذا الميدان من السلام ختى يتحلل .. فهل في الدنيا شريعة فرضت على أبنائها السلام كما فرضه على الحاج، الإسلام ؟.

نريد أن نقول للناس في هذه الفرصة، ونصيح في أذن الدول القوية والشعوب القادرة المتحكمة .. هذه عناوين حياتنا ... سلام في سلام، فمم تحافون !!؟ .

لا تقفوا في طريق حريتنا ولا تحولوا بيننا وبين أن نستكمل قوتنا ولا تتهيبوا العدوان في وحدتنا بل ساعدونا على ذلك وإعينونا عليه، وسترون من هذه النفوس التي طبعت بالسلام سدا منيعا يقف دون المبادئ الهدامة والأفكار المدمرة والثورات المخربة والمطامع الفاسدة، ويشيع في الدنيا كلها معنى الطمأنينة الحقة والسلام الدائم الصحيح .

نريد أن نقول لهؤلاء المؤتمرين ولغيرهم .. إنكم تريدون أن تعلنوا فكرة الإخاء والمساواة، وهذه من مواريثنا وذخائر كنوزنا نحن المسلمين.. فإنما جاء ديننا ليقضي على نعرة الأجناس والألوان، ويعلن المساواة بين بني الإنسانية " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " .

.. نريد أن نقول لهؤلاء المؤتمرين ولغيرهم إنكم اجتمعتم هنا لتقروا فكرة العدل لتكون دعامة السلام ومبدأ العقوبة لمن أبي إلا سبيل الإجرام، وهذا بعض ما يحفظه صبياننا في المكاتب ويدرسه علماؤنا في المساجد، ونعلنه في مجتمعاتنا في الصباح وفي المساء، لأن القرآن يقول :

في العدل المقرون بالرحمة " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " .

وفي العدل في الحكومة " وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل ".

وفي العدل مع الخصوم " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى " .

وفي العدل مع الأقارب والأصدقاء " كزنوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا "

ثم يقول في حماية العدل بالقوة حين لا يجدي إلا العقاب " فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت فاصلحوا بينهم بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " .

... نريد أن نقول كل هذا، وأن نؤدي بهذا القول واجبنا نحو أنفسنا وميراثنا وديننا ووطننا، ونحو العالم كله .. فنحن مطالبون ولا شك بأن نضع لبنة في هذا البناء الإنساني الجديد، والعجيب أن عندنا نحن أفضل اللبنات .. بل إننا لنستطيع أن نقيم على دعائم حضارتنا، للناس لو أرادوا، بناء على أمتن القواعد وأحدث النظم والمبتكرات وصدق الله العظيم : " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم " .

فإلى الذين يستطيعون القول ويكون لقولهم أثره وخطره، وإلى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة .. نتقدم بهذه الكلمات .

السياسة الخارجية

(العلاقات الخارجية)

خلق الله الناس وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى وعلى ما فيه خير الإنسان ومصلحته العاجلة والآجلة، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير) الحجرات – 13 ..، وقال جل من قائل: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) آل عمران – 64 ....

وبذلك قرر الإسلام أن التعددية سمة من سمات المجتمعات البشرية، يجب التعامل معها بإيجابية لا تفرق بين الناس حسب أعراقهم وألوانهم لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم.

وأن التنوع العرقي واللغوي مدعاة تعارف بين الشعوب والأقوام وليس مدعاة تنابذ، والتعارف تواصل حضاري بين الشعوب فيه اعتراف بالآخر وتواصل معه يقوم على البر والتقوى والكلمة السواء والمجادلة بالتي هي أحسن.

والجماعة تتطلع إلى عالم يسوده التعاون البنّاء بين الأمم والشعوب، فإنه يدعو إلى مجتمع دولي متسامح تتجسد فيه معاني الأخوة الإنسانية وتسود فيه روح التكافل والتعاون والتراحم والتعايش السلمي بين شعوبه وأممه، وتقوم العلاقات بين دوله على العدل وتبادل المنافع والمصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام التمايزات الحضارية والثقافية وحرية اختيارات الشعوب والوفاء بالعقود والعهود الدولية .

مفهوم السياسة الخارجية:

ويرى الإخوان أن: "العلاقات الدولية تحظى بأهمية كبيرة في عالمنا المعاصر، إذ لم يعد ممكناً لأي شعب أن يعيش بمعزل عمن حوله في عصر أصبح فيه الاعتماد المتبادل بين الدول ضرورة حيوية، ومدخلاً مؤثراً في العلاقات الدولية في مختلف جوانبها الثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية.

والجماعة ترى أن على الدول العربية والإسلامية أن تبذل المزيد من الجهد في تطوير صيغ التنسيق والتعاون الصادق من خلال توثيق الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية دفعاً نحو الاستقرار والتنمية وحماية المصالح المشتركة والمشروعة، وتلبية طموحات وآمال شعوبها العربية والإسلامية، مستفيدة من التجارب الناجحة التي شهدتها وتشهدها مناطق إقليمية متعددة من العالم.

وعليه، يرى الإخوان أن العلاقات الخارجية في مفهوم الجماعة يجب أن تقوم على عدد من المبادئ، من أهمها ما يلي:

المحافظة على استقلال وسيادة الأمة.

إعادة الأمة إلى مكانتها الكريمة بين الأمم.

تخليص الأمة من استبداد غيرها بها وتدخله في شئونها.

تحديد الصلة بين الأمة وبين سواها تحديداً يفصل حقوقها جميعاً.

تقوية الروابط بين الأقطار الإسلامية جميعاً، وبخاصة العربية منها تمهيداً للتفكير الجدي العملي في شأن الخلافة الضائعة.

الكفالة التامة لحقوق غير المسلمين، سواء أكانت حقوقاً دولية أم كانت حقوقاً وطنية للأقليات غير المسلمة .

(رسالة الطلبة ورسالة نحو النور).

اعتبار السلم أساسًا للعلاقات الدولية، وعدم الاعتداء على الآخرين، مع احترام خصوصياتهم الثقافية والسياسية، والإيمان أن اختلاف الثقافات والأجناس ليس ذريعة لعدوان جنس على جنس أوثقافة على أخرى، بل هومدعاة للحوار والتعارف، مصداقا لقوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) الحجرات – 13 .. خاصة وأن التطور الهائل في الاتصالات يتيح فرصا للحوار والتفاهم بين الشعوب لم تكن متاحة من قبل .

احترام العهود والمواثيق، وديننا الحنيف هو الذي شرع لنا منذ فجر الإسلام الوقوف عند التعهدات والالتزامات التي نرتبط بها مهما بدا لنا من مصلحة ظاهرة في نقضها أوالتخلي عنها ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) الإسراء – 34 . .

حوار الحضارات

تعتبر الجماعة حوار الحضارات أفضل السبل للتعرف على الأفراد وأنجع وسيلة للاتصال بين الأمم بدل العنف والصدام الذي تدفع إليه بعض القوى في العالم ونسجل في هذا الإطار ما يلي :

ـ تعميق الحوار الإيجابي بين الحضارات واعتباره خيارا استراتيجيا بالنسبة للحركة.

ـ تثمين حوار الحضارات بإبراز الصورة الصحيحة للإسلام المعتدل وتنزيه الدين الحنيف مما ألصق به من تهم التطرف والإرهاب ورفض الآخرين.

ـ توسيع قواعد التعايش مع مختلف الحضارات ضمن الأسس الإسلامية وخصائصه العليا.

سياسات وبرامج

في مجال العلاقات الخارجية

- الاقرار بمبدأ المساواة الانسانية، والكرامة البشرية وبسط قانون العدل الالهي على كل امم الارض. (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) .

- الإسهام في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وكرامته أياً كان لونه أو عرقه أو عقيدته أو جنسيته ومساندة كل المنظمات الدولية والعربية المدافعة عن حقوق الإنسان .

- رفض كافة أشكال التمييز العنصري، والعرقي، والحضاري والوقوف إلى جانب الشعوب والأقليات المضطهدة في أي مكان من العالم.

- محاربة كل أشكال التطرف والغلو بما في ذلك الدعوات إلى حروب الحضارات والتزام السياسة الشرعية في العلاقات الدولية التي تقوم على أساس التعارف والتعاون والتعايش السلمي بين مختلف الأمم والشعوب واعتماد مبدأ الحوار والتفاهم والمجادلة بالحسنى سبيلاً في التعاطي مع قضايا الخلاف والاختلاف والوصول إلى كلمة سواء تعزز مبادئ العدل وتقيم قواعد الحق وتنصف وتصون الحقوق والحريات للأمم والشعوب والجماعات والأفراد.

- العمل من خلال المنظمات الدولية والإقليمية وعبر الحوار الموضوعي لوضع ميثاق جديد لهيئة الأمم المتحدة يتجاوز آثار الحرب الباردة ويعيد بناء الشرعية الدولية على أسس من الحق والعدل ويحقق إقامة نظام دولي عادل تتاح فيه فرص متكافئة للحضارات العالمية والثقافات الإنسانية في المشاركة فيه، والإسهام في صياغة معايير السلوك الدولي، وبلورة المبادئ والأعراف الدولية.

- تطوير الحوار بين دول الشمال ودول الجنوب ليعكس حوار الحضارات لا صراع المصالح، وإعادة النظر في التقسيم الدولي للعمل بما يحقق المنفعة المشتركة لكل شعوب العالم، وحتى يقوم الاقتصاد الدولي على أسس وشرعة العدل .

- إتاحة الفرص المتكافئة لجميع الحضارات والأمم لتشارك في بناء النظام الدولي ولتسهم ثقافاتها في صياغة معايير السلوك الدولي وبلورة المبادئ والأعراف الدولية .

- تعزيز سياسة الانفراج الدولي ونبذ استخدام العنف والقوة لحل المنازعات الدولية .

- تشجيع التعاون الدولي سياسياً وثقافياً واقتصادياً وتشجيع انتقال الخبرات وكسر الاحتكار التقني وتشجيع البحث العلمي في الفضاء للأغراض السلمية .

- الحد من سياق التسلح وبناء القواعد المنتشرة في بقاع شتى من العالم وتوجيه هذه الأموال الهائلة إلى إنقاذ الإنسان من المجاعة والموت في الشعوب الفقيرة .

- تطوير الحوار بين دول الشمال ودول الجنوب ليعكس حوار الحضارات لا صراع المصالح، وإعادة النظر في التقسيم الدولي للعمل بما يحقق المنفعة المشتركة لكل شعوب العالم، وحتى يقوم الاقتصاد الدولي على أسس وشرعة العدل .

- التعاون مع كافة دول العالم ومع المنظمات الدولية والإقليمية والجمعيات والأحزاب من أجل المحافظة على البيئة من أخطار التلوث وإيقاف كل السياسات الخاطئة التي تؤثر سلبياً على الأرض والإنسان حالاً ومستقبلاً .

- الحفاظ على الكرامة الإنسانية أياً كان لون صاحبها، أو عرقه، أو انتماؤه الحضاري ومد جسور الحوار البناء المتكافئ بين الحضارات والشعوب والأمم والأفراد : (( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا )) .

- الدعوة إلى احترام الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، وتشجيع الحوار والتفاهم بين الحضارات المختلفة لمصلحة الإنسانية بدون وصاية أوإملاء.

رسالة "الإخوان المسلمون"

للناس كافة

نهج الجماعة الثابت .. لا استخدام للسلاح ولا استهداف للأرواح

منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين علي يد الامام الشهيد حسن البنا وإخوانه الكرام رحمهم الله جميعا، والأجيال التي تتالت بعدهم وهي تؤكد على خطها الثابت في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتحملت في سبيل ذلك كل ما قد وقع عليها من عنت أو إيذاء، من أنظمة أو أفراد، محتسبة ذلك كله عند الله سبحانه وتعالى، دون أن تحيد أو تتخلى عن فكرها الإسلامي الوسطي المعتدل ولا عن نهجها السلمي في العمل.

ولقد انطلقت الجماعة وهي تعمل في كل مجالات الحياة ترشد الناس إلى الإسلام الصحيح دينا ومنهجا للحياة وتجمعهم على تنفيذ شعائره وشرائعه وتحميهم من الغلو والتطرف وترفض فكرة تكفير المسلمين وترفض استخدام العنف، وتعتمد الجدال بالحسنى مع المخالفين, القائم على الحجة والبرهان

وأمام صور التجاوزات في حق الجماعة وأفرادها وهي تجاوزات لم تلتزم بأية مبادئ إنسانية او قواعد قانونية، فقد حسمت الجماعة موقفها برفض اللجوء أو استخدام العنف، والتزمت الخط المستقيم والمنهج السلمي والنضال المدني والتدافع السياسي, والتمست بآليات الديمقراطية وخيارات الشعب في العمل الوطني.

ومع انقلاب العسكر في الثالث من يوليو - تموز 2013 الذي أقصى شرعية منتخبة انتخابا حرا شفافا, وحل مجالس نيابية جاءت عبر انتخابات شعبية حرة وأنقى دستور اعدته لجنة منتخبة وأفراد الشعب المصري بنسبة تقارب الثلثين.

وأمام كل هذه الإجراءات التي قابلتها الجماعة برفض شعبي عام وبحراك ثوري سلمي في مواجهة تجاوزات النظام غير المسبوق في التاريخ، فقد استمرت الجماعة في السير علي نفس نهجها في مقاومة الانقلاب تحت الشعار الذي أعلنه فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ الدكتور محمد بديع "سلميتنا أقوى من الرصاص".

ومع تواصل إجرام سلطة الانقلاب العسكري وفساد قضائه واستمرار الحملات الإعلامية على الجماعة بسبب فشله في إيقاف ثورة الشعب المصري بالرغم من كل ما تقوم به أجهزته القمعية من اعتقال وقتل للمشاركين فيها وإصدار أحكام جائرة بالإعدام علي قادة الجماعة وفي مقدمتهم رئيس البلاد الشرعي المنتخب وفضيلة المرشد العام - فقد أصدر فضيلته نداء لجموع الإخوان وللشعب المصري وللعالم كله من محبسه يؤكد فيه:

نهج الجماعة الثابت أنه لا استخدام للسلاح و لا استهداف للأرواح

إن قادة الانقلاب الذين يتحملون وزر ما يفعلون لا يمكن أن يغيب عن أذهانهم أنهم لن يفروا من حساب شعبهم علي ما اقترفت أيديهم من جرائم, فالحساب والقصاص قادم حتما من شعبكم, ولكن نقول لهم أيضا ألا تخشون من حساب ربكم وعقوبته في الدنيا والآخرة

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .

- اننا أحرص الناس علي وطننا وأهلنا ولن ننجر أبدا إلى العنف وسوف نستمر في ثورتنا السلمية المبدعة مع كل شرفاء الوطن حتي تتحقق أهداف ثورتنا من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بإذن الله-

وندعو الله أن يتقبل شهداء ثورة الشعب المصري المبهرة وأن يربط على قلوب الأمهات الثكالى والأرامل المحتسبات والصغار اليتامى وأن يتنزل برحماته علي قلوب الأسرى الصامدين في سجون سلطة الانقلاب الدموي الغاشم والقائمين علي الحق وأن يأتينا شهر رمضان المعظم وقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا

"ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون"

"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد".