وائل قنديل

لا تفتش عن العروبة في شوارع العرب أو ميادينهم الآن، فالعروبة الحقيقية استقرّت في الشمال، هناك في اسكتلندا، حيث أقوامٌ لا يزالون يرفعون علم فلسطين، ويحرقون العلم الصهيوني، ويطلقون صيحات الاستهجان رفضًا لوجود الصهاينة في ملاعبهم الرياضية.

العروبة الآن مطاردةٌ وموضوعةٌ على لوائح الممنوعات في عديد من عواصم العرب، تلك العروبة التي عاصمتها التي لا تتغيّر هي فلسطين، وهي أيضًا إطارها الحضاري والإنساني والأخلاقي، والتي يتحدّد جوهرها بمكانة فلسطين عند معتنقيها.

وفق هذه المحدّدات، تكون اسكتلندا هي الأكثر عروبة من عواصم تتكلم لغة الضاد، وترتدي الزي العربي التقليدي، وتدير علاقاتها فيما بينها بقيم القبيلة العربية القديمة، لكنها، وعلى الرغم من ذلك كله، تعبس في وجه فلسطين، وتدير ظهرها لها، وتقبل بكل جوارحها على العدو الذي سرق فلسطين، وتتبارى في خدمته، والحصول على شهادات الصلاحية منه.

في اللحظة ذاتها التي تقطع فيها كل من المنامة وأبو ظبي مسافاتٍ أبعد على درب التحالف الكامل مع العدو الصهيوني، كانت أدنبرا عاصمة اسكتلندا تعطي درسًا جديدًا في كيف تكون عربيًا حقًا، بمعنى أن تكون فلسطين حاضرةً في تفكيرك وفي سلوكك.

كانت المناسبة هذه المرّة، أيضًا، مباراةً في كرة القدم، فرض فيها الاتحاد الدولي على الاسكتلنديين استقبال منتخب الكيان الصهيوني ضمن المنافسات المؤهلة لكأس العالم، في ملعب هامدن بارك بالعاصمة إدنبرا، لتحضر فلسطين بكامل رونقها في مدرّجات الملعب والساحات المحيطة به، ويصبّ الجمهور الغفير غضبه على فريق الصهاينة، ومندّدًا بقرار السماح له باللعب في بلادهم.

بقية المشاهد رآها المشاهدون أو قرأوا عنها في الصحف، حيث ثورة عارمة في المدرّجات وهتافات لفلسطين تندّد بالاحتلال والتطبيع مع دولة الاحتلال، والتعاطي معها بوصفها دولةً، بينما هي كيان مغتصب، ويحيا خارج القانون الدولي.

بالطبع، لم تكن هذه  المرّة الأولى، بل حصلت عشرات المرّات مع الفرق الاسكتلندية التي فرضت عليها مواجهات مع فرق إسرائيلية ضمن المسابقات الأوروبية، والحديث عن جماهير نادي سيلتيك يطول، وخصوصًا تحدّيها العقوبات المتكرّرة التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي عشر سنواتٍ مضت.

اترك اسكتلندا واذهب إلى أي عاصمةٍ عربية، حيث تتقاطر الوفود الرياضية الصهيونية، لخوض منافساتٍ في ألعابٍ فرديةٍ وجماعية، من دون أن تستطيع الجماهير التعبير عن مشاعرها تجاه فلسطين، ومن يفعل يُساق إلى السجون والمعتقلات، أحيانًا، مثل ذلك الشاب المصري الذي تمرّد على واقعٍ متصهينٍ في منافسات أمم أفريقيا بالقاهرة قبل ثلاث سنوات، ورفع علم فلسطين في مباراةٍ للمنتخب المصري، فامتدت يد باطشة لتنتزعه من بين الجماهير  التي هتفت "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، واقتادته إلى غرف التحقيق والمساءلة، ليجد  نفسه، في نهاية المطاف، محبوسًا ، متهمًا بالعبث بالأمن القومي، ومدرجًا في قضية إرهاب. 

أو قد يسمح للجمهور العربي في مناسباتٍ أخرى بإبداء بعض الامتعاض إلكترونيًا في الغالب، لكن في كل الأحوال غير مسموح بالتظاهر أو رفع أعلام فلسطين مقابل حرق أعلام الاحتلال، كما أن من غير الوارد على الإطلاق وضع مشاعر الجماهير في الاعتبار.

وحدها اسكتلندا، تبقى مكانًا يصلح للهتاف لفلسطين والتنديد بجرائم إسرائيل .. وحدها تبقى جديرةً بأن تبيت العروبة فوق أغصانها، وتغرّد من دون أن تكون متهمة بالإرهاب.

نقلا عن "العربي الجديد"