فتحي السيد 

بينما كنت مهموماً أتابع أخبار المسلمين وما أصابهم من مصائب، خاطبتني نفسي قائلة:  يا هـذا، أنت من يؤخـر النصر عن هذه الأمة، بل وأنت سبب رئيسي في كل البلاء الذي نحن فيه!
قلت لها: أيا نفس كيف ذاك وأنا عبد ضعيف لا أملك سلطة ولا قوة، لو أمرت المسلمين ما ائتمروا ولو نصحتهم ما انتصحوا
فقاطعتني مسرعة: إنها ذنوبـك ومعاصيك، إنها معاصيك التي بارزت بها الله ليلاً ونهارا… إنه زهدك عن الواجبات وتساهلك في المحرمات…

قلت لها: وماذا فعلت أنا حتى تلقين علىّ اللوم في تأخير النصر؟
قالت: يا عبد الله والله لو جلست أعـدُّ لك ما تفعل الآن لمضى وقت طويل، … فهل أنت ممن يصلون الفجر في جماعة؟
قلت: نعم أحيانا، ويفوتني في بعض المرات
قالــت مقاطعة: هذا هو التناقض بعينه، كيف تدّعي قدرتك على الجهاد ضد عدوّك، وقد فشلت في جهاد نفسك أولاً، في أمر لا يكلفك دما ولا مالاً، لا يعدو كونه دقائق قليلة تبذلها في ركعتيـن مفروضتين من الله الواحـــد القهار, …كيف تطلب الجهاد، وأنت الذي تَخَبّط في أداء الصلوات المفروضة، وتَرَك صلاة الجماعة، وضيّع السنن الراتبة، ولم يقرأ ورده من القرآن، ونسي أذكار الصباح والمساء، ولم يترك الْغِيبـة، ولم يكن بارّاً بوالديه، ولا واصلاً لرحمه؟ وأهمل عمله, واستمـرأ النظـر إلى محرمات في صحف أو شاشات، وأدخل المفسدات، وتلهى بالطـرب, وقصَّـر في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر والدعـوة إلى الله، وانشغــل بالتُـرَّهَـات.

واستطـردت: كيف تطلب تحكيم شريعة الله في بلادك، وأنت نفسك لم تحكمها في نفسك وبين أهل بيتك، فلم تتقِ الله فيهم، ولم تدعهم إلى الهدى، وتبعدهـم عن المحرمات، ولم تحرص على إطعامهم من حلال، فبعـت ما فيه منكرات، وكذبت وغششت وأخلفـت الوعد فاستحققت الوعيد
قلت لها مقاطعاً: وما لهذا وتأخير النصر؟ أيتأخر النصر في الأمة كلها بسبب واحد في المليار؟
قالـت: آهٍ ثم آهٍ ثم آه، فقد استنسخت الدنيا مئات الملايين من أمثالك إلا من رحم الله… كلهم ينتهجون نهجك فلا يعبؤون بطاعة ولا يخافون معصية وتعلل الجميع أنهم يطلبون النصر لأن بالأمة من هو أفضل منهم، لكن الحقيقة المؤلمة أن الجميع سواء إلا من رحم رب السماء…أما علمــت يا عبد الله أن الصحابة إذا استعجلوا النصر ولم يأتهم علموا أن بالجيش من أذنـب ذنبا..

فما بالك بأمة واقعة في الذنوب مــن كبيرها إلى صغيـرها ومــن حقيرها إلى عظيمها… ألا ترى ما يحيق بها في مشارق الأرض ومغاربها؟؟؟
بـدأت قطـرات الدمع تنساب على وجهي، فلم أكن أتصور ولو ليوم واحد وأنا ذاك الرجل الذي أحببت الله ورسوله وأحببت الإسلام وأهله أنني قد أكون سبباً من أسباب هزيمة المسلمين…وأنني قد أكـون شريكاً في أنهار الدماء المسلمة البريئة المنهمرة في كثير من بقاع الأرض…

لقد كان من السهل عليّ إلقاء اللوم على هذا أو ذاك… لكنني لم أفكر في عيبي وخطئي أولاً…ولم أتدبر قول الله تعالى:( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فقلت لنفسي: الحمد لله الذي جعل لي نفساً لوامةً، يقسم الله بمثلها في القرآن إلى يوم القيامة… فبماذا تنصحيـن؟
فقالـت: ابدأ بنفسك، قم بالفروض فصلِّ الصلوات الخمس في أوقاتها في الجماعــة، وادفع الزكاة, وإياك وعقوق الوالدين، تحبّب إلى الله بالسنن، لا تترك فرصة تتقرّب فيها إلى الله -ولو كانت صغيرة- إلا وفعلتها، ولا تتــرك سنة نبيك عليه الصلاة والسلام وهديه في أي أمر, وتذكر أن تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأخلص في عملك وأتقنه, ولا تدع إلى شيء وتأتـي بخلافه، ولا تطالــب برفع راية الجهـاد وأنت الذي فشل في جهاد نفسه، ولا تلقِ اللوم على الآخرين تهرّبـاً من المسئولية، بـل أصلح نفسك وسينصلح حال غيرك، كـــــن قدوةً في كل مكان تذهب فيه,…واجتهـد في دعــوة الغير ونشــر وسائل الخير,...…وبعدها اسأل الله بصـدق أن يؤتيك النصر أنت ومن معك وكل من سار على نهجك، فتكون ممن قال الله فيهم: (إن تنصـروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)....واعلـم أن كـل معصية تعصي الله بها وكــل طاعة تفرّط فيها هي دليـــــل إدانـة ضدّك في محكمـة دمــاء المسلمين الأبرياء…

فرفعت رأسي مستغفراً الله على ما كان مني ومسحت الدمـع عن وجهي… وقلت يا رب…إنهـا التوبة إليك…لقد تبت إليك.
ولنفتح صفحـة حياة جديـدة…بدأتها . بركعتين في جوف الليل…أسأل الله أن يديم عليّ نعمتها.

كان أجدادنا المسلمون إذا وقعت عليهم هزيمة من قبل الأعداء .. كانوا يفتشون في أنفسهـم ويبحثون عن سبب هـذه الهزيمة التي حلت عليهم، فإذا وجدوا في أنفسهم مخالفة لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في شأن من شئونهم سارعوا بتغييرها والتحول عنها إلى متابعة السنة وتربية الأمة ..
ومـع أنهم كانوا أقل من أعدائهم عدداً وعدة إلا أنهم بعــــــد تنفيذ هذه الخطوة كان الله سبحانه وتعالى ينصرهم.. تحقيقا لما ذكره في كتابه: ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )..

وهــــذه خطوات عملية من أجل استجلاب النصر للأمة المسلمة إن شاء الله :

1- حاول جاهــدا الآن وفـورا الإقلاع عن المعاصي التي ترتكبها وتداوم عليها، واسأل الله عز وجل أن يعينك على الإقلاع عنها...

2- حافـــظ على الصلاة جماعــة في المسجد خمس مرات في اليوم .. وخاصة صلاة الفجـر.. ( إن الصلاة كانـــت على المؤمنيــن كتابا موقوتا )...

3- حاول أن تتصدق على الفقراء والمساكين، ولو بشيء بسيط جدا، من مالك.فإن: « صدقة السر تطفئ غضب الرب«.

4- احـــرص على تربيــــة أولادك تربية إيمانية حقة ليكونوا مثل أولاد الصحابة ويكونوا جيلا أفضـل من جيلنا.
5- أكثـر من صلاة النافلة كل يوم.
6- مُــرْ أصحابك وأهلك بالمعروف بطريقة حسنة جميلة, وذكرهم أن الأمة في حاجــــــة إليهم, وذكرهــــم بأن تكون أنت ويكونوا هم مثـل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إتباعاً وعملا..
7- افعل ما أمرك الله به من إعداد نفسك وولدك نفسيا وبدنيا وعلميا ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )..

8- احرص على الإخلاص في عملك.. سواء كان دراسةً أو صناعةً أو زراعة, وتعلـم فقه أي شيء تعمله؛ فليتعلم الزارع فقه الزراعة، وليتعلم التاجر فقه التجارة وليتعلم الطالب فقه طلب العلم .
9- ذكّـر إمام مسجدك أن يلقي كل يوم كلمة تعيــــن الناس على ما يرضي الله, وأن يقـــرأ درسا من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كل أسبوع .

10- ساعــــــد في نشـر الخيـر ووسائل الدعـوة وغيرها .

11- أكثــر من الدعاء أن يثبتك الله على هذا الطريق وأن يصلح الأمة وتضرع إلى الله عز وجل..

12- ثـق في نصرة الله عز وجل لعباده المؤمنيــن الصادقيــــن ..

13- لا تيـــأس، ولا تقنط من طول الطريق ومشقته فإن الفسـاد قد عم الأمة؛ منذ سنيـن طويلة ويحتــاج تغييـره لوقــت.

وفي النهايــــــة.. إذا وجدت أن المسلمين يجتمعون للصلاة مع كل أذان في المسجـــد كما يجتمعون لصلاة الجمعة, وأنه قد فشـــا فيهم العلم وســـــاد الدين.. فاعلـم أن النصر قاب قوسين أو أدنى إن شـاء الله.