من هنا يبدأ الحل

طالعت مقالاً للأستاذ الدكتور جمال عبد الستار بعنوان: (الألواح هي الحل) ((1))، بدأه بتساؤلات عن الحركة الإسلامية ثم تناول أمر موسى عليه السلام مع قومه وأخيه هارون- عليهما السلام- حين رجع من ميقات ربه وعرض الكاتب وجهة نظره في معالجة موسى عليه السلام للموقف وكذلك أخيه هارون، واستنبط من ذلك تصوراً حاكم من خلاله الحركة الإسلامية والتي يرى الكاتب أنها تخلت عن الألواح وتحاكمت للوائح أكثر من تحاكمها للألواح و(انحرفت في سيرها) على حد وصفه، إلى آخر ما ورد في مقاله.

وينقسم تناولنا مقال الكاتب إلى:

  • استعراض قصة موسى عليه السلام من خلال القرآن والسنة والمفسرين الثقات
  •  مناقشة ما طرحه الكاتب من تساؤلات وردود حول الحركة الإسلامية.

 أما ما يتعلق بقصة موسى وأخيه هارون عليهما السلام فأقول مستعيناً بالله:

  • إن نعم الله توالت على بني إسرائيل رغم الجحود والنكران: {قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ (140) وَإِذۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ (141)} (الأعراف).
  • إن الله قد اصطفى موسى برسالاته وبكلامه وأعطاه الألواح: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ (145)} (الأعراف).
  • أخبر الله موسى بفتنة قومه وأن السامري أضلهم: {قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ}، وقال أيضا: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ...} (من الأعراف: 150)، رجع الكليم ومعه ألواح الرحمة والهداية فسمع أصوات قومه.
  • قال ابن عباس: "لما رجع موسى إلى قومه، وكان قريبًا منهم، سمع أصواتهم، فقال: إني لأسمع أصواتَ قومٍ لاهين: فلما عاينهم وقد عكفوا على العجل، ألقى الألواح فكسرها، وأخذ برأس أخيه يجره إليه" ((2))، قال ابن عباس: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَة ِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ مُوسَى بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي الْعِجْلِ، فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا، أَلْقَى الْأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ" ((3)).

 فكان هذا إلقاء الغاضب الغيور المتمعر وجهه من سوء فعال قومه وتلقيهم الدائم نعمَ ربهم بالجحود والنكران والارتكاس في حمأة الشرك وعبادة عجل، فلم يكن إلقاء الألواح إلقاء مستبعدٍ للمرجعية أو ناسٍ للقدسية! فالألواح كما قال ربنا: {وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ}، والذين عبدوا العجل لم يكونوا لربهم يرهبون، ورأوا كل آية فلم يؤمنوا، ورأوا سبيل الرشد فلم يتخذوه سبيلاً، ورأوا سبيل الغي فاتخذوه سبيلاً، فالذين عبدوا العجل غير مؤهلين لتلقي الألواح، والذين استضعفوا هارون وأرادوا قتله لا يصلحون لتسلم الألواح، فالألواح لها أهلها الجديرون بها وهناك آخرون مصروفون عنها: {سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (الأعراف: 146).

وننتقل إلى مناقشة تفسيرات وإسقاطات الكاتب:

أولًا: يقول الكاتب: "ولكن هذا الغضب حمله على أن يفعل شيئاً عظيماً، حمله الغضب على إلقاء الألواح، وسجلها القرآن ليدلنا على بيت الداء: (وألقى الألواح) - والألواح هي المرجعية الربانية، والألواح هي حمل الرسالة وإقامة الدين، ".

وهنا لابد من وقفة لازمة تليق بجلال النبوة والاصطفاء وتتناسب مع قدر رسول من أولي العزم من الرسل، موسى كليم الله المخاطب من ربه جل وعلا: {قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ (144)}" (الأعراف).

هل موسى حين ألقي الألواح قد ولج بيت الداء؟

هل أهدر موسى المرجعية وعطلها وصار يتعامل مع أخيه منطلقاً من وجهات النظر؟

قول جمهور العلماء سلفا وخلفا أنه إنما ألقى الألواح غضبًا على قومه، قال ابن العربي: "وفيها دليل على أن الغضب لا يغير الأحكام كما زعم بعض الناس، فإن موسى عليه السلام لم يغير غضبه شيئا من أفعاله، بل اطردت على مجراها من إلقاء لوح وعتاب أخ وصك ملك. وقال المهدوي: لأن غضبه كان لله عز وجل" ((4)).

ومن المفيد هنا مراجعة كلام العلماء فيما يتعلق بعصمة الأنبياء

 

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

"إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف.. وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول" ((5)).

 
ثانيًا: يقول الكاتب: "فلما ألقى الألواح أصبح يتعامل مع أخيه منطلقاً من وجهات النظر، فأضحى يتناقش مع أخيه على مرجعية الاتفاقات واللوائح والقوانين التنظيمية، وليس على أرضية الإخوة الإيمانية، فالألواح ملقاة، ومرجعيتها معطلة حالة الغضب!!! فأوصله هذا الطريق إلى سلوك غير معهود في حياة الأنبياء، حيث تنازع مع أخيه حتى جذبه من رأسه ولحيته يجره إليه".

ولا أدري إن كان النبي الرسول كليم الله المطالب بالتبليغ لا ينطلق من مرجعية الشرع ويعمل من وجهة النظر بل صار معطلاً للمرجعية والشريعة بإلقائه الألواح وهو النبي المعصوم!

وهنا أتساءل: هل مرجعية الاتفاقات واللوائح والقوانين التنظيمية مرجعية تتنافى مع مرجعية الألواح؟

أقول: إن المرجعية لا تتجزأ، فالمسلمون مرجعيتهم ودستورهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، والاتفاقات واللوائح والقوانين التنظيمية المعتبرة مشتقة من المصادر الأصلية لأننا نتعبد إلى الله ربنا بكل حركاتنا وسكناتنا فما بالك باللوائح والقواعد المنظمة لدعوتنا التي هي من صميم ديننا والتي نراها فريضة شرعية وضرورة بشرية.

بل إنه في إطار القوانين الوضعية يتحاكم الأفراد والهيئات إلى المحاكم الإدارية إذا أصدرت الجهات الإدارية قرارات تخالف القوانين المعمول بها، ويتحاكمون إلى المحاكم الدستورية إذا أصدرت الجهات التشريعية قانوناً يتعارض مع الدستور الذي هو أبو القوانين.

وفي الإسلام تأتي السنة النبوية بمثابة اللوائح والقواعد المنظمة للعبادات والمعاملات، فالقرآن أمرنا بالصلاة والصيام والزكاة ولكن جاءت السنة مبينة موضحة لقواعد الصلاة شروطاً وأركاناً وسنناً وتنظيماً وضبطاً لأداء الإمام والمأمومين وقواعد أداء الزكاة حولاً ونصاباً وقدراً في الأموال والأنعام والزروع والثمار فلا يستسيغ المرء فهماً وديناً أن يتصور أن تكون مرجعية الاتفاقات واللوائح والقوانين التنظيمية عند الراسخين في العلم والدين تتنافى مع مرجعية الألواح فضلاً إذا كان الحديث يتعلق بالمصطفى الكليم موسى عليه السلام.

 ثالثاً :

هل كان موسى في حالة تنازع مع أخيه هارون؟

هل مقتضيات الأخوة الإيمانية تتنافى مع القواعد التنظيمية؟

هل كان هارون هو ضابط البوصلة؟

ماذا كان دور هارون بالتحديد الذي غضب موسى من تقصيره فيه فأخذ برأسه يجره إليه؟

الإجابات في الآية الكريمة: {وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (الأعراف: 142)، وبمراجعتها يتبين الآتي:

أن موسى عليه السلام قد ذهب لميقات ربه بمواعدة ثلاثين ليلة تممت بعشر فكانت أربعين ليلة

    أن موسى أعلم قومه وواعدهم بالانتظار لما سيأتي به من أمر ربه.

    أن موسى استخلف أخاه هارون في قومه في مهمة محددة وهي الاستخلاف القائم على الإصلاح وعدم اتباع سبيل المفسدين.

والحديث هنا يقتضي تحرير الألفاظ وضبط المصطلحات، فقد كان موسى هو الرسول لبني إسرائيل، وما هارون إلاّ من جملة قومه بهذا الاعتبار، وإنما كان هارون رسولاً مع موسى لفرعون خاصة.

وبناء على هذا الوصف فقد حدد موسى الرسول المهمة لأخيه النبي هارون: {ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ}.

ومعني اخلفني: كُنْ خلَفاً عني وخليفة، وهو الذي يتولى عمل غيره عند فقده فتنتهي تلك الخلافة عند حضور المستخلَف، فالخلافة وكالة. ((6)).

"وجمع موسى في وصيته ملاك السياسة بقوله: {وَأَصۡلِحۡ}؛ فإن سياسة الأمة تدور حول مِحور الإصلاح، وهو جعل الشيء صالحاً، فجميعُ تصرفات الأمة وأحوالها يجب أن تكون صالحة، وذلك بأن تكون الأعمال عائدة بالخير والصلاح لفاعلها ولغيره، فإن عادت بالصلاح عليه وبضده على غيره لم تعتبر صلاحاً، ولا تلبث أن تؤول فساداً على مَن لاحت عنده صلاحاً، {وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} تحذير من الفساد بأبلغ صيغة لأنها جامعة بين النهي عن فعل تنصرف صيغته أول وهلة إلى فساد المنهي عنه وبينَ تعليق النهي باتباع سبيل المفسدين.

وقد أجرى الله على لسان رسوله موسى، أو أعلمه، ما يقتضي أن في رعية هارون مفسدين، وإنه يوشك إن سلكوا سبيل الفساد أن يسايرهم عليه لما يعلم في نفس هارون من اللين في سياسته، والاحتياط من حدوث العصيان في قومه، فتوجه موسى بالخطاب لهارون ووجوه قومه قائلاً: {بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي}، وهذا خطاب لهارون ووجوه القوم، فأما هارون فلأنه لم يُحسن الخلافة بسياسة الأمة كما كان يسوسها موسى، وأما القوم فلأنهم عبدوا العجل بعد غيبة موسى، ومن لوازم الخلافة فعل ما كان يفعله المخلُوف عنه، فهم لما تركوا ما كان يفعله موسى من عبادة الله وصاروا إلى عبادة العجل فقد انحرفوا عن سيرته فلم يخلفوه في سيرته.

وأما أخذه برأس أخيه هارون يجره إليه، أي إمساكه بشعر رأسه، وذلك يؤلمه، فذلك تأنيب لهارون على عدم أخذه بالشدة على عَبدَة العجل، واقتصاره على تغيير ذلك عليهم بالقول، وذلك دليل على أنه غير معذور في اجتهاده الذي أفصح عنه بقوله: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 94] لأن ضعف مستنده جعله بحيث يستحق التأديب، ولم يكن له عذر، وكان موسى هو الرسول لبني إسرائيل، وما هارون إلاّ من جملة قومه بهذا الاعتبار، لذا لم يسَعْه إلا الاعتذارُ والاستصفاح.

وفي هذا دليل على أن الخطأ في الاجتهاد مع وضوح الأدلة غير معذور فيه صاحبه في إجراء الأحكام عليه، وهو ما يسميه الفقهاء بالتأويل البَعيد". ((7)).

فيتضح من استعراض ما سبق:

أن العلاقة بين موسى وهارون كانت علاقة استخلاف ووكالة من موسى لهارون في قوم موسى على الإصلاح وعدم اتباع سبيل المفسدين وأن هارون كان في موقف المعتذر والمبرر، ومن تبرير هارون تلمح منه احتكامه إلى القواعد واللوائح في قوله:

  • {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}،
  • {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} أي: حسبوني ضعيفاً لا ناصر لي،
  • {وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي} يدل على أنه عارضهم معارضة شديدة ثم سلّم خشيةَ القتل،
  • {فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} تفريع على تبين عذره في إقرارهم على ذلك، فطلب من أخيه الكف عن عقابه الذي يَشْمت به الأعداء لأجله، ويجعله مع عداد الظالمين فطلبُ ذلك كنايةٌ عن طلب الإعراض عن العقاب.

رابعاً: يقول الكاتب: "اتخذ موسى عليه السلام خطوتين للتصحيح:

الأولى: أنه لم يُطل التدقيق في البحث عمن هو المخطئ ومن المصيب، ولكنه تعالى على الخلاف، وأعلنها منهجية تغافر لا تفاضح وتراحم لا تقاطع: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين" (الأعراف: 151).

الثانية: عاد إلى الألواح: "وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ" (الأعراف: 154)، فلا توفيق ولا هداية ولا رحمة بعيداً عن الألواح".

فهل كان توصيف الكاتب صحيحاً؟

أقول: في كلمة التصحيح ما يوحي بارتكاب الخطأ وهذا متماشٍ مع ما رآه الكاتب وفق تصوره من تعطيل المرجعية وتحكيم الآراء والرؤى الشخصية، وأما عن تعبير الكاتب أن موسى عاد إلى الألواح فهذا يؤكد رأيه في أن مرجعية الألواح كانت متروكة ومعطلة وهذا ما ناقشناه آنفاً، والصواب الالتزام بالتعبير القرآني: {أَخَذَ الأَلْوَاحَ}.

 خامساً :هل اقتصر موسى على ما ذكره الكاتب أم اتخذ إجراءات وقرارات خلا منها المقال؟

اتخذ موسى عليه السلام عدداً من الإجراءات و القرارات تمثلت فيما يلي :

  • تبرئة هارون من تهمة التقصير التي قد يتخيلها المتابعون للمشهد فقد استبان لموسى اجتهاد هارون في نهيهم والتصدي لهم حتى أنهم أرادوا قتله، فكان دعاء موسى لنفسه ولأخيه هارون: { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .
  •  التحقيق مع رأس الفتنة السامري وإنزال العقوبة المناسبة لجرمه .
  •  إزالة المنكر (العجل) ونسفه في اليم نسفاً .
  • إعادة الأمور إلى نصابها ورفع راية التوحيد عالية .
  • إنزال العقوبة بالمفسدين عبدة العجل .
  •  أخذ الألواح بقوة كما أمره ربه .
  •  اختيار وفد التوبة والاعتذار: {وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ قَالَ رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّـٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهۡدِي مَن تَشَآءُۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ} (155)

 

وبهذا تتكامل الإجراءات والقرارات التي اتخذها موسى عليه السلام في الحفاظ على وحدة قومه تحت راية التوحيد بعد فتح باب التوبة للتائبين وعقاب المفسدين.

"فقد كان اجتهاد هارون عليه السلام مرجوحاً؛ لأن حفظ الأصل الأصيل للشريعة أهم من حفظ الأصول المتفرعة عليه، لأنّ مصلحة صلاح الاعتقاد هي أم المصالح التي بها صلاح الاجتماع، ولذلك لم يكن موسى خَافياً عليه أن هارون كان من واجبه أن يتركهم وضلالهم وأن يلتحق بأخيه مع علمه بما يفضي إلى ذلك من الاختلاف بينهم، فإن حرمة الشريعة بحفظ أصولها وعدم التساهل فيها، وبحرمة الشريعة يبقى نفوذها في الأمة والعملُ بها" ((8)).

سادساً: يقول الكاتب: "الألواح تتمثل في العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين"، فهل الأمر كذلك؟

أقول إن الفارق كبير بين المرجعية ومن يحملها ويتكلم بها أو يعمل بها، فقد ورد في صحيح الإمام مسلم بسنده عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي أمراءه وقادة جيوشه فيقول: "وإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لهمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فلا تَجْعَلْ لهمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لهمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فإنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِن أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسولِهِ، وإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ علَى حُكْمِ اللهِ، فلا تُنْزِلْهُمْ علَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ علَى حُكْمِكَ، فإنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فيهم أَمْ لَا". ((9)).

فهنا يظهر الفارق جلياً في حديث النبي صلى الله عليه وسلم بين المرجعية ومن يحمل لواءها ويعمل في سبيلها حتى وإن كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما أورده البخاري: "قال ابن عباس ومجاهد: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم" ((10)).

وأكرر قولاً مشهوراً يتداوله أهل السنة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: "من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" ((11)).

وفي رواية أخرى، أنه قال: "أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر؛ وإن كنتم لا بدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة" ((12)).

وفي الحقيقة أن هذا القول يمثل عصمة من الزلل لعموم الأمة، خصوصاً حال انحراف بعض أهل العلم عن جادة الصواب.

أما عن الاتهامات التي ساقها الكاتب للحركة الإسلامية فإن كان مقصده جماعة الإخوان المسلمين فأقول:

  • إن جماعة الإخوان منذ نشأتها هي جماعة رائدة علمائية بمؤسسها الأستاذ الشيخ حسن البنا والذي عده الشيخ محمد الحامد من مجتهدي الأمة.
  • شارك الشيخان الكريمان الأزهريان حامد عسكرية وأحمد محمود الشيخ حسن البنا هم وعبء تأسيس جماعة الإخوان المسلمين.
  • كان الإمام البنا والإخوان من الذين يقدرون للأزهر وأهل العلم قدرهم؛ فمنذ مكتب الإرشاد الأول للإخوان المسلمين عام 1931م وكان به ثلاثة من علماء الأزهر مروراً بكوكبة كريمة في إدارة الإخوان الشيخ حامد شريت والشيخ أبو الحمد ربيع والشيخ محمد عبد الله الخطيب والعالم الرباني المجاهد الشيخ الدكتور عبد الرحمن البر.
  • إن مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين والذي يضم اثني عشر أستاذاً جامعياً وسبعة من الأطباء والمهندسين والباحثين حاملي العديد من المؤهلات العلمية والدرجات الجامعية والخبرات العملية في شتى العلوم والمجالات دليل على مكانة العلم والعلماء في جماعة الإخوان المسلمين.
  • وقد جعل الإخوان المسلمون في سلم أولوياتهم رعاية آلاف من طلاب العلم والأزهر وكليات العلوم الشرعية في العالم شرقاً وغرباً ولولا ظروف العنت والتضييق لأحصينا، ولكن كفى بالله شاهداً مطلعاً عليماً خبيراً.
  • ولقد اهتم الإخوان بآلاف الطلاب النابهين في شتى العلوم والمجالات والذين تفاجأ بهم نظام مبارك أساتذة في الجامعات وسائر المجالات فما كان من النظام الجائر إلا أن أوصد أمامهم أبواب تولي عمادة الكليات ورئاسة الجامعات ومجالس الإدارات وحال دون ترقيتهم أو تعيينهم ابتداءً ، واعتمد نظام الندب وألغى الإنتخابات وأمم النقابات؛ لمنع تقلد هؤلاء النابهين مكانتهم اللائقة المستحقة في صدارة الهيئات والمؤسسات.
  • وإن العلماء الذين تخرجوا من جماعة الإخوان المسلمين ونشأوا في رحابها أكثر من أن تحصيهم الأوراق أو يشملهم الحصر، وإنه ليعوزنا معجم مفهرس لعلماء الإخوان وخريجي مدرستهم ومحبيهم لتعلم الدنيا ماذا خسرت بالحرب على جماعة الإخوان المسلمين، أو كما قال عزيز صدقي- رئيس وزراء مصر الأسبق-: "علينا أن نعتذر لشعب مصر لأننا حرمناه من الإخوان المسلمين".

 و أقول ما حيلة الإخوان مع نابهين ودعاة شغلهم صفق الأسواق والمشروعات، وسعهم حديث أبي هريرة رضي الله: (إنَّ إخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ، وإنَّ إخْوَانَنَا مِنَ الأنْصَارِ كانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ في أمْوَالِهِمْ، وإنَّ أبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَلْزَمُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشِبَعِ بَطْنِهِ، ويَحْضُرُ ما لا يَحْضُرُونَ، ويَحْفَظُ ما لا يَحْفَظُونَ) ((13)).

وما حيلة الإخوان مع زمرة صالحة يرون أنفسهم جديرين بالإدارة والصدارة، وإن التجارب لتشهد وتقرر أن أساتذة للإدارة والإقتصاد يتخرج من تحت أيديهم آلاف النجباء، ولكنهم عند إدارتهم الوزارات والهيئات يكون البون شاسعاً بين درجاتهم العلمية ومحاضراتهم التدريسية وبين أدائهم الإداري.

وليس كل دارس للعلوم الشرعية مؤهلاً للإفتاء؛ فالفارق معلوم بين الحكم الشرعي الذي هو: "خطاب الله تعالى، المتعلق بأفعال المكلفين، اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً" ((14))، وبين الفتوى والتي هي: "بيان الحكم الشرعي عند السؤال عنه، وقد يكون بغير سؤال ببيان حكم النازلة لتصحيح أوضاع الناس وتصرفاتهم" ((15)).

وكم من مفت هلك وأهلك وأضل وقتل ويصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قتَلوه، قتَلَهم اللهُ، ألَا سألوا إذ لم يَعْلَموا؛ فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السؤالُ" ((16)).

وكان المفتي القاتل والمستفتي المقتول من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكم أورد مفتون شباباً متحمساً في المشارق والمغارب موارد الهلكة بفتاوى لم تراع المآل ولم توازن بين المصالح والمضار وتعاملت مع الأمر كأنه حلال وحرام، وغاب عنهم أن الفقه ليس بيان الحكم فحسب بل مراعاة فقه المآلات وفقه الموازنة بين المصالح، والموازنة بين المفاسد، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والشواهد حاضرة ماثلة.

إن دعوة الإخوان ترى الإسلام ديناً ينتظم مظاهر الحياة جميعاً امتثالاً لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: من الآية 3)، وكما أرشدنا الإمام حسن البنا رحمه الله في رسالته بين الأمس واليوم: "أيها الإخوان إذا قيل لكم إلام تدعون فقولوا ندعو إلى الإسلام والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه، فإذا قيل لكم هذه سياسة، فقولوا هذا هو الإسلام ولا نعرف هذه التقسيمات" ((17)).

لم يفارق الإخوان المسلمون دعوتهم يوماً في أحلك الظروف والأوقات، ولكن دعوتنا وديننا كما قال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ" ((18)).

حقيقة وواقعاً... الإخوان المسلمون القرآن دستورهم والرسول قدوتهم وفق مبادئهم الخمسة، ودفع الإخوان المسلمون ثمناً غالياً عبر السنين وفي شتى الأمصار حفاظاً على الدين وهوية الأمة ولو تخلوا عن قرآنهم لفتحت لهم مغاليق الأبواب.

ما حيلة الإخوان مع نابهين يرون ممارسة الدعوة بلا سياسة وممارسة السياسة بلا دعوة، ويرون حل الجماعة، وتحويل الجماعة إلى تنظيم اجتماعي، ويرون المواءمة والتماهي مع أصحاب الجاه والنفوذ والمال؟!

ولمن أراد أن يعرف كيف ينظر العالم إلى الإخوان فليقرأ ما كتبه هنري كيسنجر- مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق ووزير الخارجية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد- عن الحركات الإسلامية، قال: "إن النظام العالمي الجديد لا يمكن أن يقف في وجه أي أيدلوجية إلا الإسلام، فالإسلام هو العدو الوحيد للنظام العالمي الجديد".

وقال: ومن دراستنا للإسلام يمكن أن نقسم الأمر إلى حطب وشرارات، فالحطب هو المجتمعات المسلمة والشرارات هي الجماعات العاملة للإسلام.

وقال أيضا: "مهمتنا الأولى الحيلولة بين الحطب والشرارات حتى لا يتم التواصل، ومهمتنا الثانية وضع مسطرة الخطورة للشرارات حتى نستعين ببعض على بعض وإننا بنظرة إلى الشرارات وجدنا أنها خمس درجات في الخطورة، أقلها خطورة: أصحاب الجانب العقدي في الإسلام وهؤلاء يمكن الاستفادة منهم، بعدهم في الخطورة: الذين يهتمون بالجانب الأخلاقي في الإسلام وهؤلاء لهم قيم، والنظام العالمي الجديد ليس له قيم مشتركة ولكنه يقول يمكن الاستفادة منهم لأنهم يأخذون قيادي المجتمع ويحشرونه في زاوية ضيقة في الحياة.

المستوى الثالث: من الجماعات التي تهتم بالجانب الثقافي ونشر الكتب وتحقيق المخططات، المستوى الرابع: الجماعات القتالية، وهؤلاء ربما يبني أحدهم تنظيما في ثلاث سنوات ثم يدخل معركة ويخسر التنظيم في ثلاث دقائق.

أخطر المجموعات هي المجموعة الخامسة: الذين يأخذون بالإسلام شموليا فيغطون به جوانب الحياة، يقول إذا رفعنا شعارا رفعوه معنا ولكن بمفهومهم، إذا قلنا حقوق الإنسان يقولون نعم ولكن بمفهومهم، ديمقراطية يقولون نعم ولكن بمفهومهم، يقول خطورتهم تكمن في أمرين، صعوبة كشفهم حتى ربما يكونون في أروقة الكونجرس الأمريكي ونحن لا نعرفهم، والأمر الثاني في خطورتهم أن لديهم تصورًا كاملًا للدولة ويريدون تنفيذه متى أتيحت الفرصة" ((19)).

فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" ((20)).

وقد لخّص هذا الحال؛ ابن عمر رضي الله عنه لمّا قال: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَثَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ" ((21)).

فهل تكون الألواح حلاً كما يرى كاتب المقال؟

ومع أن الله قد أبدلنا خيراً من الألواح، ألا وهو القرآن الكريم؛ فإن القرآن وحده لا يكون حلاً بغير فهم رشيد، وإخلاص أكيد وعمل سديد.

 ويمكن تلخيص ما سبق فيما يلي:

  1. أن إلقاء موسى- عليه السلام- الألواح وكسرها لم يفسره أحد من العلماء بالتعطيل أو الترك، بل بالغضب الناتج من جحود قومه نعمَ الله عليهم ورجوعهم للضلال.
  2. ثنائية (تعارض اللوائح مع الألواح) مغلوطة؛ لأن المرجعية لا تتجزأ، والمسلمون مرجعيتهم ودستورهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والاتفاقات واللوائح والقوانين التنظيمية المعتبرة مشتقة من المصادر الأصلية، لأننا نتعبد إلى الله ربنا بكل حركاتنا وسكناتنا فما بالك باللوائح والقواعد المنظمة لدعوتنا التي هي من صميم ديننا والتي نراها فريضة شرعية وضرورة بشرية.
  3. كان هارون- عليه السلام- من جملة قوم موسى- عليه السلام-، واستُخلف في مهمة محددة وهي الاستخلاف القائم على الإصلاح وعدم اتباع سبيل المفسدين، والخلافة وكالة وتنتهي الخلافة عند حضور المستخلَف، ومن لوازم الخلافة فعل ما كان يفعله المخلُوف عنه.
  4. غضِب موسى- عليه السلام- من الحال الذي وصل إليه قومه بعدما استخلف أخاه هارون فيهم، وظهر غضبه هذا في إلقائه الألواح وأخذِه برأس أخيه، وليس في ذلك اتهام بالتعطيل أو تنازع أخوي! بدليل أنه لما هدأت غضبته- عليه السلام- أعلن تبرئة أخيه مما قد يتبادر للأذهان من اتهام: {قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ (151)} ثم بدأ بالإجراءات التي تؤكد التزامه بالألواح: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ سَيَنَالُهُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُفۡتَرِينَ (152)} (الأعراف).
  5.  الفارق كبير بين المرجعية وبين من يحملها ويتكلم بها أو يعمل بها، والألواح لا تتمثل في أشخاص، ومن كان مستنًّا فليستن بمن قد مات؛ فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، وقد استدللنا على ذلك من سيرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم-.
  6. من أهم قواعد وأصول إصدار الحكم الشرعي في مسألةٍ ما، قاعدة تحرير المفاهيم التي تتضمنها المسألة، وتعريفها تعريفًا واضحًا .
  7. وبمراجعة ما سبق أرى أن الحل يبدأ من:
    - الإنطلاق من الفهم الأصيل للإسلام ديناً ينتظم مظاهر الحياة جميعاً. - قراءة المرحلة الراهنة قراءة عميقة في إطار الفقه الصحيح للكتاب والسنة.
    - الالتزام الكامل بأصول الدعوة وأركانها وواجباتها وأدبياتها ولوائحها ونظمها.
    - إدراك طبيعة الحرب على جماعة الإخوان المسلمين والنظر إليها نظرة منصفة من خلال إنجازاتها طيلة ثلاثة وتسعين عاماً. 
    - الوفاء ببيعتنا مع ربنا نصرة لديننا.
  8. وأخيرا.. إن جماعة الإخوان المسلمون جماعة من المسلمين يعتريها ما يعتري البشر من نقص وقصور وما نبرئ أنفسنا ولكننا نعمل ما وسعنا الجهد ونرحب بكل جهد مضاف وتجديد أصيل ونصيحة منصفة.

 وصل اللهم وسلم على عبدك ونبيك ورسولك محمد.

 

 

المراجع:

  1. المقالة منشورة على موقع عربي 21: https://arabi21.com/story/1394091
  2. تفسير الطبري: (الأعراف: 150) - 15129 https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura7-aya150.html#tabary
  3. حديث صحيح، أخرجه الحاكم 2/321 من طريق العباس بن محمد الدوري، عن سريج بن النعمان، بهذا الإسناد. وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن حبان (6213) عن الحسن بن سفيان، وابن عدي في "الكامل" 7/2596 عن إبراهيم بن أسباط، وأبو الشيخ في "الأمثال" (5) عن حامد بن شعيب البلخي، ثلاثتهم عن سريج بن يونس، عن هشيم، به.
  4. من تفسير القرطبي: (الأعراف: 150) https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qortobi/sura7-aya150.html
  5. ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (4/319).
  6. التحرير والتنوير لابن عاشور: https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&ID=996&idfrom=986&idto=986&flag=0&bk_no=61&ayano=0&bookhad=0
  7. التحرير والتنوير لابن عاشور - من تفسير سورة الأعراف
  8. التحرير والتنوير لابن عاشور - من تفسير سورة طه - الآية 94
  9. صحيح مسلم: https://www.dorar.net/hadith/sharh/123912
  10. جزء (القراءة خلف الإمام)، البخاري، ص: 213
  11. أثر رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/947 ـ رقم 1810)، وفي إسناده ضعف.
  12. رواه الطَّبراني في (9/152) (8764)، قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/185): رجاله رجال الصحيح.
  13. الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 118
  14. أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة، ص: 29، دار الفكر العربي، طبعة: 2006م.
  15. مجمع الفقه الإسلامي - قرار رقم 153، الدورة السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24 – 28 حزيران (يونيو) 2006م.
  16. الراوي: جابر بن عبدالله | المحدث: أبو داود | المصدر: سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 336
  17. الإمام حسن البنا - رسالة (بين الأمس واليوم): https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D8%A7%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85_%D9%81%D9%8A_%D8%B6%D9%88%D8%A1_%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%80%D8%A9_(%D8%A8%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B3_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85)
  18. الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 35
  19. منقول من فيديو للشيخ العلامة الددو: https://www.youtube.com/watch?v=Yx-h0qE9Rao
  20. الراوي: جندب بن عبدالله | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم: 52
  21. رواه الحاكم في "المستدرك" (1 / 35)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً"، ووافقه الذهبي