فتحي السيد 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

إن من دلائل كمال الإيمان وحسن الإسلام عفة اللسان، وأن ينطق العبد بالحق والخير، ويمسك عن الباطل والشر، وأن يُحسن اختيار الألفاظ، وأن يهجر فحش الأقوال، ويصون اللسان عن رذائل الكلام، كالكذب والغيبة والنميمة والسخرية وقول الزور والسباب واللعان .
حيث إن خطر اللسان على الفرد والمجتمع عظيم، ولا يُكِبّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم، ولا ينجو من خطره إلا من لزم الصمت والسكوت عن الشر.
قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء:114), وقال سبحانه: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (النساء: 148) وقال تعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) البخاري ومسلم)، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)البخاري ومسلم.
إن الفحش والبَذَاء، من معاول هدم البناء الإيماني والأخلاقي للفرد والمجتمع، ومما يهدد أمننا، ووحدتنا, وكرامتنا، وعزتنا.
                فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت          فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء؛ فعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنهما قال: كنتُ جالسًا في مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سمرة جالس أمامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء, وإن خير الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا) رواه البخاري وأحمد.
فحش القول دليل على ضعف الإيمان:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)الترمذي وأحمد. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر) متفق عليه.
البَذاءُ, وإفشاء الأسرار, وفضح الناس شعبة من النفاق: فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياءُ والعِيُ شُعبتان من الإيمان والبَذاءُ والبَيَان شعبتان من شعب النفاق)رواه الحاكم، والمراد بالعي سكون اللسان تحرزًا عن الوقوع في البهتان والمراد بالبيان: كشف ما لا يجوز كشفه, أو المراد به المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف.
البذاءُ من الجفاء, والجفاء في النار؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان, والإيمان في الجنة, والبَذاءُ من الجَفاءِ, والجفاءُ في النار)رواه الترمذي والحاكم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله: إن فلانة تكثر من صلاتها، وصدقتها، وصيامها؛ غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: (هي في النار). قال: يا رسول الله, فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأَقِط , ولا تؤذي جيرانها قال (هي في الجنة)رواه المنذري في الترغيب وأحمد في مسنده
الاستطالة في أعراض المسلمين بغير حق من أربى الربا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير الحق)رواه أبو داود وأحمد، والاستطالة في عرضه: أي التعرض لعرضه بما لا يليق من قول أو فعل .
أتدرون مَنْ شر الناس، وأبغض الناس؟ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له، بئس العشيرة أو ابنُ العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام، قال: (أي عائشة: إن شر الناس من تركه الناس – أو ودَعَه االناس – اتقاء فحشه) البخاري ومسلم.

قال ابن عمر رضي الله عنهما (إن أبغض الناس إلى الله كل طعان لعان) (أخرجه ابن المبارك في “الزهد)
احذر أن تكون ممن يبغضهم الله:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما شيءٌ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن, وإن الله ليبغض الفاحش البذيء) الترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والفحش والتفحش, فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش)رواه الحاكم وابن حبان والبخاري، فحش القول دليل على قلة الحياء, ولا دواء لمن لا حياء له:
وربَ قبيحة ما حال بيني         وبين ركوُبها إلا الحياءُ
فكان هو الدواءَ لها ولكن         إذا ذهب الحياءُ فلا دواء
اللعانون لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة) مسلم.

وتكون عفة اللسان في أمور كثيرة منها:

أ‌- حفظ اللسان عن الكلام في الأمور التي تعنيه، لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - :

" إن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه "

ب‌- حفظ اللسان عن الفحشالسب والبذاءة في القول، لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم- :

" ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء ".

جـ- حفظ اللسان عن الخوض في الباطل كالكلام في المعاصي والفسق.

د- حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، لقول الله تعالى:

" وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا "

من جوانب العظمة والإبهار في سيرة الإمام البخاري رحمه الله: عفة لسانه، وورعه الشديد في الكلام على الناس، وبعده التام عن الغيبة، مع أنه إمام كبير في الجرح والتعديل، وهو علم بطبيعته يقتضي إصدار الأحكام على الرواة، وذكر ما فيهم مما يخل بالضبط أو العدالة، وإن كان جرح الرواة ليس بغيبة أصلا، بل هو نصيحة للأمة، وذب عن السنة، وذود عن حماها. لكن انظر ماذا يقول هذا الإمام الجليل: " أرجو أن ألقى الله، ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا " سير أعلام النبلاء 12 / 439.

- وقال أيضا: " لا يكون لي خصم في الآخرة " السير 12 / 441. - وقال أيضا: " ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها " السير 12 / 441.  

 ومن العجيب أن البخاري نفسه قد نقل عن شيخه الإمام المحدث الكبير أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني أنه قال: " منذ عقلت أن الغيبة حرام، ما اغتبت أحدا قط " السير 9 / 482. وهكذا يورث الشيخ تلميذه الورع وعفة اللسان!!

. حفظ اللسان هو: "الامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعاً، مما لا حاجة للمتكلم به"، فالضَّابط الذي يحفظ اللِّسان عن اللغو هو الشَّرع .