الصورة غير متاحة

 د. عبد الحميد الغزالي

متى يكف بعض كُتَّابنا عن الاستخفاف، بل الاستهانة بعقولنا؟ متى يتوقف هؤلاء الكُتَّاب عن أسلوب الافتراء والإساءةِ والتجريح والتحريض؟ متى يُشخِّص هؤلاء الكُتَّاب الأحداث تشخيصًا دقيقًا وأمينًا وموضوعيًّا؟ متى يُسمِّي هؤلاء الكُتَّاب الأشياء والوقائع والتنظيمات بمسمياتها الحقيقية؟

 

وأخيرًا متى يكفُّ هؤلاء الكُتَّاب عن الإصرارِ على وضع الإخوان في قوالب مغلوطة تمامًا، من صُنعهم لأسباب شخصية ومحلية وإقليمية ودولية معروفة، لا تخدم أحدًا سوى من يتربص بنا وبأمتنا! فيزجون بالإخوان قواعد وقيادات قسرًا وعدوانًا في خانات لا تمت لهم بصلة، ويصمونهم زورًا وبهتانًا بما ليس بالقطعِ فيهم؟! أسوق هذه التساؤلات المُرَّة والحزينة بمناسبةِ أحداث جامعة الأزهر الأخيرة، وما ارتبط بها من هجمةٍ إعلاميةٍ شرسةٍ من وسائلِ الإعلام شبه الحكومية ولا أقول القومية، وما يدور في فلكها، على الإخوان فكرًا وسلوكًا وتنظيمًا أو جماعةً.

 

والمثال الصارخ على هذه الهجمة ما كتبه السيد/ رئيس تحرير الأهرام أمس الجمعة (15/12/2006م)، العدد (43838) تحت عنوان: "وقفة مع الجماعة المحظورة" حزنتُ حقيقةً وأنا أقرأ ما كتبه تحت هذا العنوان، والذي استغرق مساحةً كبيرةً من صحيفة مملوكة للشعب، كان الأجدر أن تُوجَّه إلى تحليلٍ أمينٍ ومسئولٍ لهذه المشكلة، أو لغيرها من المشكلاتِ الكثيرة، التي يعاني منها، أو يئنُّ تحت وطأتها وطننا الحبيب، داخليًّا وخارجيًّا، بدلاً من هذا الغُثاء الذي لا يخدم أحدًا أو هدفًا بما في ذلك الأهداف الشخصية لكاتبه.

 

بدايةً.. أودُّ أن أُذكِّر السيد رئيس التحرير، ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى (9)﴾ (الأعلى)، بمشروع الجماعةِ الحضاري لنهضةِ الأمة، متى تهب شعوبنا، وعلى رأسها شعبنا العزيز، للمطالبةِ بالأخذ به، والمناداة بتطبيقه ليحكم حركة حياتها، تكوينًا وتربيةً وتنميةً وتقدمًا الذي لا تدعي الجماعةُ أبدًا احتكار حقيقته.. هذا المشروع يستند إلى إسلامنا العظيم، دينًا ونظامَ حياةِ شاملاً وكاملاً؛ لإخراج البشرية مرةً أخرى- كما أخرجها من قبل- من ظلماتٍ تعيشها، ومن تخبط حياة "ضنك" تحياها، مليئةً بكلِّ شرورِ الضلالِ وضروبِ الفساد، وصنوفِ الظلم، وألوانِ الشقاء، فيُقدِّم بقواعده العامة المتكاملة، العقيدية والأخلاقية والتعبدية والتعاملية، تطهيرًا حقيقيًّا للحياة البشرية، في حياةِ البشر وبقدراتِ البشر، بالعمل الدائب على استئصال هذه الشرور، وبالتصحيح الدائم لهذه الانحرافات، من خلال التربيةِ وضوابط ومنظمات ذاتية حاكمة لحركة هذه الحياة، وبوسطية أو قوام واعتدال بعيدًا عن أي "عنف".

 

ويتم ذلك على أساس تحريرٍ فعليٍّ للإنسان من أي شيء ومن أي مخلوق، بتحديدٍ واضحٍ ووفقًا لمركزه وغايته في هذه الحياة، وفي ظلِّ "كرامةٍ" ينعم بها، تليقُ به كإنسانٍ كما أراد له خالقه سبحانه وتعالى.

 

فالجماعةُ لا تدعو إلى مشروعٍ حضاريٍّ مقيدٍ ببلدٍ أو بشخصٍ أو بمذهبٍ أو بعصر، إنها تدعو وتُذكر بمشروعٍ حضاري قائم على القرآن الكريم والسنة المطهرة موصولاً بالواقع ومتصلاً بالزمان والمكان والإنسان، مشروعًا بلغة العصر، منفتحًا للتجديد، ومفتوحًا للاجتهاد ومن أهله في محله، مستلهمًا الماضي، ومعايشًا الحاضر ومستشرفًا المستقبل، جامعًا بين الأصالةِ والمعاصرة، محافظًا على الأهداف، ومتطورًا في الوسائل، ثابتًا في الكليات ومرنًا في الجزيئات، مشددًا في الأصول وميسرًا في الفروع، رابطًا بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية منتفع بكل قديمٍ، صالحًا ومرحبًا بكلِّ جديدٍ نافع، موفقًا بين النقل الصحيح، والعقل الصريح، وملتمسَ الحكمة من أي وعاءٍ خرجت، ومستفيدًا من العلوم من أي جهةٍ جاءت في غير تعصبٍ لرأي قديم، ولا عبودية لفكرٍ جديدٍ على أساسٍ راسخٍ من الكتاب والسنة، وتنظيميًّا من خلال حكومة مدنية ذا