فتحي السيد 

مساعدة الأبناء في اختيار الصديق...لماذا ؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أبوداود والترمذي.

الرفقة من الأمور المهمة في حياة الأبناء، فهي تشعرهم بالتوافق والتكيف مع البيئة المحيطة، وتلبي احتياجا نفسيا واجتماعيا مهما لديهم؛ فهي ساحة غنية للخبرات والتجارب وصقل القدرات وإخراج كثير من الطاقات الكامنة بهم، والتماس مع كثير من المفاهيم التي نحرص جميعا على بثها في أطفالنا، كالانتماء للجماعة، ومشاركة الآخرين، والانسجام معهم، وهو الذي يبدأ من شعور الأبناء بالأمن والاطمئنان داخل الأسرة، ويحفزهم عليها؛ فهي أساس الانتماء للجماعة والصاحب ساحب لصاحبه، يقلده ويحاكي أخلاقه.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن كثيرا من أطفالنا قد تواجههم مشكلات في تكوين تلك العلاقات، أو يجانبهم الصواب في تخير الرفقة المناسبة؛ لذا كانت تهيئة الأطفال لهذه الرفقة أمرا ضروريا ومطلوبا.

وتعد المدرسة من أكثر الأماكن التي يحتك فيها الطفل بكثير من الأقران بشكل يومي ومنتظم؛ وبالتالي فهي تعد مجالا ممتازا لتدريب الأبناء على تكوين الصداقات وانتقاء الرفقة والأصحاب، فضلا عن النوادي وأماكن تحفيظ القرآن والجيران والأقارب وغيرها.

لماذا نصادق؟

من الطبيعي قبل البدء في تدريب أطفالنا على مهارات اختيار الأصدقاء أن نوعيهم بأسس الصداقة وأهميتها في حياتهم، عبر بث مجموعة من المعاني في نفوسهم، مثل:

- أن الأطفال الأنانيين الذين لا يحبون مشاركة الآخرين الأنشطة الجماعية هم غالبا غير محبوبين، وعلى العكس فإن الأطفال المتعاونين والذين يتسمون بالمرح وروح الود والتعاون ويشعرون من حولهم بالاستئناس معهم يكونون محبوبين وثقتهم بأنفسهم كبيرة.

- وأن السعادة تزيد كلما زاد المشتركون فيها، والأعمال الجماعية (كأنشطة الكشافة، الرياضة ومجموعات الصحافة والمكتبة والمسرح والتمثيل وغيرها) تمد الطفل بالكثير من الخبرات والمهارات، وتوفر فرصة التعرف على كثير من الأشخاص، وبالتالي تكوين الكثير من الصداقات.

- أن حب الآخرين من تمام الإيمان، ويقرب الإنسان من الله، بينما كثرة الشكوى والتذمر ومعاملة الآخرين بشكل غير لطيف.. كلها أمور غير مقبولة من الله تعالى، كما أنها تنفر الناس من الإنسان.

- وأن صديق الإنسان مرآته، فحسبما يختار من أصدقاء سيكون، وهو ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله".

من نصادق؟

" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه....... " [الكهف 28] وبعد أن وعى أطفالنا أهمية الصداقة فإن الخطوة التالية هي تمكينهم من مهارات اختيار الصديق الجيد، ومعرفة الفرق بين الصداقة والزمالة أو غيرها من العلاقات الإنسانية العابرة. وترسيخ هذه المواصفات في ذهن الطفل لا يكون بمجرد السرد، بل بالكثير من الوسائل غير المباشرة أحيانا، فتارة من خلال القصص وأخرى من خلال الذكريات أو الحديث المباشر عن السلوك الطيب والخلق الحسن، كالتعليق على السلوكيات الحميدة والخاطئة التي تصدر من أطفال آخرين في محيط الطفل (كطفل يشتم مثلا) بأن هذا سلوك غير مناسب وينفر الآخرين،

والابتهاج من تصرف طفل آخر يمسك بيد أخيه مثلا أو يطعمه من حلواه أو يبتسم لأمه... إلخ؛ فهذا يساعد الطفل على تكوين صورة واضحة المعالم تقريبا للنموذج المناسب الذي يجب أن يحاول عليه اتباعه تدريجيا، فإذا ترسخ في ذهنه ووجدانه مع الوقت فسيجد الطفل نفسه تلقائيا لا ينسجم مع مَن دونه مِن الأطفال في السلوكيات بل سيستشعر نشوزه واختلافه عنهم.

التعامل مع النفور

هذا النفور هو جزء من بناء شخصية الطفل وقدرته على اختيار الأصدقاء، لكنه يتكامل مع وجود مهارات التعامل مع هذا النفور، عن طريق نصح هذا الزميل بشكل مهذب وهادئ بضرورة الابتعاد عن مثل هذا السلوك، مع اجتناب تقليده وعدم التمادي في التقرب منه حتى يكف عن معاودة مثل هذا السلوك.

وتدريجيا سيتكون لدى الابن القدرة على تحديد الأشخاص الملائمين من الأصدقاء من نفس ما أَحَب وآلف.

ويتكامل مع هذا خلق الوالدين أمام الطفل لممارسة عملية الاختيار عمليا بلقاء الأسر مثلا ليتعرف الوالدان على أصدقاء أبنائهما -وأسرهم- بشكل مباشر ويتعرفون على أفكارهم وسلوكياتهم ومدى التقارب بينهم في الأخلاقيات والعادات، وغير ذلك مما يساهم في نجاح تلك العلاقة ويضمن للأبناء توجيها سليما من الآباء يعتمد على معرفة حقيقية بأصدقائهم وذويهم.

كيف نصادق؟

إنها المرحلة الأصعب في مسألة الصداقة خصوصا في بداية تعامل الأبناء مع الجو المدرسي أو أي بيئة جديدة يكونون عليها ضيوفا جددا أو وافدين، إذ يكون عبء تكوين الصداقات أحد أثقال التأقلم مع تلك البيئة والمطلوب منهم حملها بنجاح، وتكوين الصداقات يحتاج مهارات وخطوات لا بد من تسليح الطفل بها، ومنها:

أولا: البسمة الودود والاستبشار هما بداية تكوين الصداقات وجذب القلوب.

ثانيا: استخدام الهدايا البسيطة من حلوى أو تذكارات من أعمال فنية لطيفة أو غيرها هي رسل أخرى للود بين الطفل ومن حوله.

ثالثا: لا بد من توعية الطفل بعدم الحديث مع الأطفال بشكل مباشر عن الرغبة في مصادقتهم لئلا يسبب ذلك لهم تعاليا أو نفورا أو كلمات قد تجرح الطفل إن كانت تحمل معنى الرفض، بمعنى أن يكون طلبه لتكوين الصداقة مع من اختار من الأطفال وفقا للمعايير السابقة ضمنيا، فمثلا يقترح على مشروع الصديق لعبة قبل نزول الأطفال للفسحة المدرسية أو يدعوه لمشاركته تناول وجبة أو حلوى أو اللعب بلعبة اصطحبها من المنزل... إلخ دون أن يصرح له مباشرة (هل نتصادق؟).

أما لو سأله أحدهم نفس السؤال.. فعليه التجاوب بوجه بسام والقبول، ويكون لهذا المبادر الواضح السبق في تكوين الصداقة.

الصداقة ليست أسراً

رابعا: لا بد من تعليم الطفل مبادئ التعامل الناجح مع الأقران بحيث لا يسمح بأن يعتدي أحد عليه، ولا يبادر بالعنف في الوقت ذاته.

خامسا: حينما يشكو الطفل من خصام أحد الأصدقاء -وهي شكوى تتكرر كثيرا وربما يوميا- خصوصا إن كان بدون سبب واضح سوى الإغاظة والمضايقة، فلا بد من احتواء الطفل وتوجيهه مسبقا أو عند حدوث هذا الموقف، على أن الأمر طبيعي ومحتمل، ومقاطعة الصديق دون سبب هو تصرف خطأ، وأن من لا يحب أن يصادقه فهو الخاسر لأنه يقلل أصحابه واحدا، وأن هناك بدائل كثيرة من الأصدقاء يمكن الاستعاضة بها عن مثل هذا الصديق الذي يستخدم صداقته للضغط على الطفل أو لإغاظته.

خلاصة ذلك: يجب أن يفهم الطفل أن الصداقة ليست أسرا أو أمنية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لقضاء وقت لطيف وتبادل الخبرات، وأن من يرفضها أو يعبث بها هو الخاسر، وينبغي ألا نحزن عليه، ولكن نبحث عن بديل، وهو الذي سيحاول الصلح حين يجدنا سعداء بشكل آخر وفي رفقة أخرى.

سادسا: لا بد من تعليم الطفل ردود الأفعال المناسبة.. لو أخطأ كيف يعتذر، ولو أخطأ أحد في حقه كيف يدافع عن حقه، وكيف يتعامل بلا عدوان ولا ضعف، وإلى من يلجأ لفض المشكلات في التعاملات اليومية... وهكذا.

وللآباء.. انتبهوا

لا بد أن يتأكد الوالدان أن قلة الاتصال بالأصدقاء والتعامل مع الآخرين يعيق النمو الشخصي للأبناء ويفقدهم التوافق مع من حولهم؛ لأن العلاقات هي أساس النجاح في الانتماء للجماعة والقيام بالأدوار الاجتماعية الفعالة التي تزيد من اكتساب الأطفال السلوكيات الاجتماعية والثقة بالنفس.

ويؤكد الأستاذ محمد عبد الرحيم عدس في كتاب "الآباء وتربية الأبناء" أن "الأطفال يتأثرون بالنجاح الذي يحققونه في حياتهم المدرسية ومحيطهم الاجتماعي؛ فقد أوضحت الدراسات أن درجة أكبر من النجاح تجعل الطفل أكثر حظا عند زملائه، وبما أن الأعمال الناجحة تحدث غالبا في مجموعات فإن أولئك الذين ينضمون إلى جماعة الأتراب يزداد احتمال اكتسابهم للثقة بالنفس والسلوكيات الاجتماعية أكثر ممن ينسحبون وينعزلون عن أترابهم".

وأخيرا فإن تجربة الصغار مع الصداقة لأول مرة تدربهم وتدرب آباءهم معهم على التعامل مع البيئة، وتبلور تدريجيا لديهم المشاعر والمفاهيم فتتحكم في انتقاء المقربين لهم ومن ثم جماعة الرفاق التي تكون يوما ما في سن المراهقة أحد مصادر التوجيه للابن.. وهو ما يتطلب غرس النبتة القوية لدى الطفل منذ صغره وتعهدها بالرعاية.. وهي نبتة الاصطفاء والقدرة على التمييز والتخير لتكون دليلا وقائدا جيدا للطفل في علاقاته في كل مرحلة من حياته.