يختلف الدور التربوي للأسرة قبل ظهور شبكة الإنترنت وبعد ظهورها، حيث يمثل هذا الحدث فاصلًا بين نظامين أو مرحلتين تربويتين، تميزت كل واحدة منهما بخصائص منفردة، هذا وإن كان احتكاك الأسرة بتقنيات الإعلام والاتصال ليس وليد التكنولوجيا الحديثة، فهو يمتدّ إلى مراحل سابقة، تعود إلى ظهور وسيلتي الراديو والتلفزيون، اللتين أثّرتا على التوازن الاتصالي للأسرة.

وفي بحثٍ للدكتور إيكوفان شفيق، الأستاذ بجامعة مولود معمري تيزي وزو بالجزائر، رأى من خلاله أنّ انتشار شبكة الإنترنت في الدول العربية أثر على دور الأُسَر في التربية الموجهة للنشء خلال المراحل المختلفة.

الدور التربوي للأسرة قبل انتشار الإنترنت

ويمكن الوقوف على الدور التربوي للأسرة قبل انتشار شبكة الإنترنت، من خلال النظر إلى التربية بمختلف إجراءاتها ووسائطها، فهي تُعد إحدى المصادر الأساسية للقوة بالنسبة للفرد والمجتمع، وهذا ينطبق على المجتمعات القديمة والمعاصرة، والمتقدمة والنامية، وإن تفاوتت درجة الاعتماد على عمليات التربية باعتبارها مصدرًا للقوة.

ومن هنا كان الاهتمام واسعًا جدًّا في توفير فرصة للتربية بشتى صورها، وذلك من منطلق الإيمان بأنّه كلما نمت قدرات الفرد وإمكانيته، أدى ذلك إلى تقدم المجتمعات وقوتها. وتمتاز العلاقات الأسرية داخل الأسرة التقليدية بما يلي:

  • الشؤون والأعمال المنزلية اليومية: ارتبطت مسؤولية القيام بهذه الأشغال بالزوجة، إلا أنه نظرًا لخروج المرأة للعمل، أصبحت هذه الأخيرة تنتظر من الزوج أن يقوم بدور المساعد في هذه الأعمال.
  • المسؤول عن اقتصاديات الأسرة: هنا يقودنا الحديث عن المسؤول عن تلبية الحاجيات المادية للأسرة، وهو عادة الأب أو الأخ الأكبر، أو حتى الجدّ. وهو من خلال هذا الدور، يُمارس سلطة على الأبناء، مصدر القوامة.

وسنسرد خصائص النظام التربوي الذي كان سائدًا في الأسرة العربية في النقاط التالية:

  • تقسيم الواجب التربوي بين الأم والأب: بحيث تتولى الأولى عملية التربية والتعليم فيما يتحمّل الأب، مسؤولية توفير الحاجات المادية.
  • التقليد في الأسلوب التربوي: يكاد يكون أسلوب تنشئة الأطفال في الأسرة العربية التقليدية، تكرار الأسلوب الجيل السابق، الذي يكون بالنسبة لها، مرجعية مقدسة، لا يجوز مخالفته.
  • اعتماد أسلوب العقاب الجسدي كوسيلة من وسائل التنشئة.
  • محدودية المراجع والمصادر التربوية للطفل.
  • الانزواء الثقافي في إطار الثقافة المحلية.
  • ربط الطفل اجتماعيًّا وذلك من خلال إشعاره بمكانته في المجتمع من جهة، وحق هذا المجتمع عليه من جهة أخرى.
  • هيمنة القيم الروحية والأخلاقية على القيم المادية.
  • التعرض المحدود لوسائل الإعلام والاتصال.
  • التكافل والضبط الاجتماعي.
  • قلّة الصراعات داخل الأسرة.
  • النظام الأهلي للأسرة في ربط علاقة الطفل بالمجتمع.

الدور التربوي للأسرة في ظلّ استخدام الإنترنت

غيّرت التكنولوجيا الحديثة، الدور التربوي للأسرة بشكل ملحوظ، بحيث ساهمت إلى جانب عوامل أخرى بإعادة ترتيب الأولويات التربوية، فضلًا عن القائمين عليها، وسط صراع في الأدوار، ما زال محتدمًا إلى وقتنا هذا.

فشبكة الإنترنت زاحمت الأسرة في وظيفتها التربوية، وهو ما يظهر في العديد من الجوانب الاجتماعية فالطفل يتأثر بشكل أو بآخر بما تحمله ثقافة الكمبيوتر، غير أنّ هذا التأثير يتحدد اتجاهه وقوته بحسب تدخل الأولياء في توجيه هذا الطفل، ومنحه الاستعدادات الأولية لمواجهة هذه المضامين، فهناك العديد من التحديات التي تواجه الأسرة في استخدام الطفل للإنترنت، على رأسها مخاطر التحصيل الزائد للمعلومات، الإدمان، العوائق اللغوية.

وما زاد من خطورة الموقف، الهوة الشاسعة بين الطفل وأوليائه في مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الإنترنت. فبعض الأسر، لا يكلفون أنفسهم عناء التعرف إلى مكتسبات التكنولوجيا الحديثة، أو على الأقل مواكبة أبنائهم، المتعلقين بها، وتوجيههم فهناك بعض الأطفال، الذين لم يتجاوزوا عقدهم الثاني، ومع ذلك يتفاعلون مع الإنترنت بكل سهولة، مقابل جهل مطبق من طرف الأولياء بالمبادئ الأساسية لاستخدام التكنولوجيا، ما يعطي فرصة للأطفال لتجاوز دور الأولياء في توجيههم للاستخدام السليم لهذه الأخيرة.

هذا الوضع يضعف دور الأسرة في التربية، وبخاصة في مجال التوجيه والإرشاد. فالشرخ الحاصل بين الأولياء وأطفالهم، في مسألة الاستخدام التكنولوجي، لا يخدم على الإطلاق البناء الاجتماعي والأسري. بل يعطي للإنترنت- كمؤسسة تنشئة دخيلة- فرصة كبيرة لاستقطاب الأطفال إلى عالمها.

ومن أهم خصائص النظام التربوي الحديث:

  • تغير نظام السلطة الأبوية داخل الأسرة العربية، وتراجع الدور الريادي الأب في عملية القيادة داخل الأسرة لأسباب متعددة، من بينها مقاسمة المرأة الدور الاقتصادي، من خلال خروجها للعمل.
  • تفكك العائلات إلى أسر نووية تقتصر على الزوج والزوجة وأولادهما، تسكن في منزل مستقل خاص بها.
  • محدودية النسل: فالأسرة الحديثة أصبحت تتجه نحو تحديد النسل، وذلك راجع لأسباب متعددة، منها اقتصادية وثقافية وأخرى اجتماعية.
  • تأثير النموذج الأسري الغربي على العائلات العربية.

ومن التحولات الأسرية في ظل التكنولوجيا الحديثة:

1- التفكك الأسري: من الواضح أن التفكك الأسري هو صورة مصغرة عن تفكك اجتماعي قائم، يظهر بشكل جليّ من خلال التركيز على العلاقات الاجتماعية التي أصبحت عليها في عصر التكنولوجيا. فهذا التفكك الاجتماعي هو مؤشر عن صراع بين المعايير الثقافية في المجتمع، وعلى ضعف قواعد السلوك ومعاييره.

وهو مؤشر على سوء التوافق، الذي يعوزه الانسجام مع بيئته فالأسرة باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع المعرض للتغير والتطور، هي أيضًا معرّضة لذلك بمعية أفرادها، بحيث يكون ضعف أداء الأدوار التقليدية والمقبولة سابقًا، حاصلًا بسبب تأثير الاختراعات والابتكارات التكنولوجية، التي ولّدت أدوار جديدة.

2- حرية العلاقات الشخصية: إن المفارقة المدهشة في ثورة الاتصالات أنها قربت المتباعدين وأبعدت المتقاربين، هذا الانفصال، والاستقلالية، جلب معها نوعًا من الحرية في اختيار العلاقات الشخصية التي قد يربطها الطفل مع أقرانه، دون تقييد من الأولياء، ودون معرفتهم أحيانًا بشخصية هؤلاء الأقران، مادامت هذه العلاقات تتم في إطار افتراضي، لن تطال أخطارها الطفل، حسب اعتقاد الأولياء.

3- تراجع سيطرة الأولياء لتوجيه سلوك الطفل: إن تراجع السلطة الأبوية في العملية التربوية أفرزت نتائج تربوية غير مرغوب فيها، جعلت من العلاقة الأبوية علاقة صراع محتدم، يوجهه الطفل بما يعتقده متماشيًا مع مقتضيات العصر الراهن.

4- تراجع دور الأسرة كمصدر للمعرفة والمعلومات لدى الطفل.

5- سيطرة الطابع الذاتي على العلاقات داخل الأسرة: تزداد العلاقات الشخصية والذاتية داخل الأسرة أهميةً ووضوحًا، بحيث تتفوق في أهميتها على العلاقات الموضوعية أو الرسمية.

فوائد وأضرار

والإنترنت ليس في جميع أوقاته مضرًّا للأطفال، حيث إن الكثير من العلماء النفسيين والتربويين رصدوا العديد من إيجابياته التي يجب أن تستثمرها الأسر والمجتمعات وتغذيها لدى الأطفال، وهذا يعد من مهام الدور التربوي للأسرة، ومن هذه الإيجابيات:

  • المحور التربوي: حيث يسهم الإنترنت في تنمية شخصية الطفل، وتوسيع أفكاره ومداركه، وتطوير إمكاناته وقدراته المعرفية والفكرية والتعبيرية واللغوية.
  • المحور التثقيفي والتعليمي؛ فقد شكل الإنترنت وسيلة هامة لتطوير ثقافة الطفل، وأتاح له التعرف على أحدث المعارف والاكتشافات، والاستفادة من خدمات المواقع الثقافية والمكتبات الإلكترونية. كما أدى دورا إيجابيا في عملية التعليم.
  • المحور الانفعالي: إذ اضطلع الإنترنت بدور فعال في تهذيب انفعالات الطفل، ومعالجة بعض المشكلات النفسية، يضاف إلى ذلك فضائل الحوار والتفاعل، وتبادل الأفكار والآراء مع الأقران، وإشاعة أجواء البهجة والمتعة والتشويق، كونه يجمع بين المادة المسموعة والمرئية والمقروءة.
  • المحور الاجتماعي: فالإنترنت ينمي مفهوم الحياة الاجتماعية لدى الطفل، ويساعده في عملية التكيف مع البيئة المحيطة به، واكتساب السلوكيات التي ترسخ علاقات اجتماعية سليمة، واكتساب القواعد الأساسية التي تنظم تلك العلاقات. 

غير أن السلبيات التي يخلفها الإنترنت على سلوكيات وشخصية الطفل زادت مع مرور الأيام والتطور التكنولوجي الهائل الذي حققته في الفترات الأخيرة مما يستوجب رقابة أسرية دقيقة على استخدام الأطفال لهذه الخدمة. ولقد رصد بعض التربويين العديد من السلبيات التي يخلفها كثرة استخدام الإنترنت:

  • التعرض للانحراف: حيث أصبح الكثير من الأطفال يدخلون إلى عالم الإنترنت، وبعض الأسر قد تتجاهل تلك المشكلة ظنا منها بأن الإنترنت له فوائد عظيمة للأطفال كونه مصدرا متميزا للحصول على المعلومات والتثقيف، إلا أن قضاء الأطفال ساعات طويلة دون وعي أو رقابة يجعلهم عرضة للانحراف.
  • فقدان الثقة بالنفس: حيث يعمل على فقدان ثقة الطفل بنفسه وإضعاف شخصيته، كما أنه يعرّض الطفل للتعرف على الكثير من الأفكار بعضها يكون مغلوطا وخاصة المعتقدات الغريبة والثقافات التي لا تتوافق مع مجتمعه وبيئته.
  • متلازمة الإنهاك المعلوماتي: فمن المشكلات التي يتعرض لها الطفل بسبب استخدامه الإنترنت دون رقابة هي كثرة المعلومات التي يتعرف عليها دون التأكد من صحتها، وبالتالي تعرضه لما يسمى بمتلازمة الإنهاك المعلوماتي.
  • تغيير سلوكيات الطفل: يؤثر الإنترنت على سلوك الطفل تأثيرًا سلبيًّا، وبخاصة عند ممارسته للألعاب العنيفة، كما قد يتعرض لمشاهدة بعض المواد الإباحية مما يؤثر على استواء أخلاقه ونفسه.
  • الوحدة والانطواء: كثرة جلوس الأطفال أمام الكمبيوتر أو كثرة تصفحهم للهاتف المحمول تجعلهم أشخاصا غير اجتماعيين، وتشعرهم بالوحدة والانطواء.

المصادر:

  • تأثير الإنترنت: كيف يؤثر الإنترنت سلبًا على أفراد الأسرة؟ https://bit.ly/30WdwhB.
  • إلهام العويضي: أثر استخدام الإنترنت على العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة، ص 65 و66.
  • موقف الأسرة من مخاطر الإنترنت  https://bit.ly/3ek6giR.
  • المنتدى الإسلامي العالمي للتربية