هالة– مصر:

ابنتي في مدرسة مختلطة في الصف الأول الإعدادي، وتشعر بميل الحب تجاه زميل لها وصرحت لي بذلك، وفي البداية كانت تشعر هي بأهمية أن تكتم مشاعرها أما الآن فقد طلبت مني أن أوافق على أن تتحدث معه في المدرسة أحيانًا..

وقد تناقشتُ معها عن حرمانية التحدث مع الذكور، ولكن تبريرها الدائم أن هذا هو الأمر الطبيعي في زماننا، وأنها لا ترغب أن تفعل شيئًا دون علمي، وفي النهاية وافقت أن تتحدث معه في تحفظ وأنا أعلم أنها لم تتحدث معه حتى الآن، لكنها عادت تطلب مني أن تضيف زملاء ذكور على "الفيس بوك" حتى تستطيع إضافة ذلك الولد للتحدث معه عبر الفيس بوك!!

وأنا لا أعلم هل أوافق حتى أظل صديقتها التي تحكي لها مكنون صدرها أم ارفض وربما تفعل ما لا أعلمه وأفقد رغبتها في مصارحتي بكل شيء، فهي تؤكد أنها لن تفعل من وراء ظهري شيئًا إلا أنها غير سعيدة لرفضي أن تكون جزءًا من نسيج المجتمع كما تراه؟

 أعلم أني سوف أكون في محل اللوم على وجودها في مدرسة مشتركة، ولكن الحقيقة أن دخولها مدرسة تجريبية كان بسبب ضيق ذات اليد إلا إنني أفكر جديًّا في نقلها لمدرسة خاصة للإناث فقط رغم أنها مدارس قليلة ومُكلِّفة، لكني أفكر أحيانًا في نماذج من البنات عرفتهم في الماضي لم يكنَّ ملتزمات.

 رجاء- بعيد عن موضوع المدرسة- أريد أن أعرف هل يجب أن نساير توجهات المجتمع على أن نكون قريبين من أبنائنا للنصح عند الحاجة أم يجب أن نرفض أي درجة من درجات التغيير؟!!

أجابت عليها: أسماء صقر الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين)

بدايةً  أحب أن أبدأ فأخبرك أنك أحسنتِ في تنشئتها على الصراحة وعدم المراوغة وحسن التعبير عن المشاعر؛ وذلك أمر متميز وليس سهلاً.

لقد أنشأتِ معها صداقة جيدة، وهي تؤتي ثمارها الآن.. إلا أن هناك دائمًا معضلة حتى بين الأصدقاء وهي هل أخبره الحقيقة؟ هل أخبره أنه مخطئ وأغامر بأن يغضب مني أو يبتعد عني؟؟ أو حتى أن يحزن؟؟

إن المراهق يعاني مما نعاني جميعًا دائمًا ولكن بشكل أكبر وأوسع.. إنه يعاني من صراعات كبيرة وضخمة وعلى كل المستويات.. وصراعات المراهقين تكون بين أن يفعلوا الصواب ويلتزموا القيم التي يغلب عليهم الظن أنها الأفضل والأرقى والأصلح أو أن يتبعوا تمردهم ورغبتهم الجامحة في الاكتشاف والتميز والتمرد والحب.

إن صغيرتك الصادقة تحاول أن تجعلك تقررين صحة وصواب ما تريد هي تجربته واكتشافه ومعايشته وتحتاج لموافقتك لأنها تربت على أنه خطأ!! لذا فهو ليس سهلاً عليها.. وفي نفس الوقت لقد وجدت المجتمع كله يتبنى قيمًا مغايرة عن تلك التي تعرفها، فتحدث نفسها "التي تريد بشدة" أنه لا بد أن الأمر بسيط لو كان الجميع يفعله.

إن مسايرة المجتمع تعني أننا سنوافق على قيمه وسنتغاضى حين يلتزمها أبناؤنا ويتبعونها، وإن ذلك القرار قرارك وحدك ولكن إن قررت أن تختاري الأسهل فتتنازلين للمجتمع فلا تنسي أنك لن تقرري القيم التي ستقبلينها وتلك التي لن تستطيعين قبولها.

الآن سيدتي هو وقت صناعة القيم التي ستحيا بها صغيرتك العمر كله.. قيم تميز الصواب من الخطأ.. قيم أنه مهما بدا الخطأ متداولاً فهذا لا يجعله صوابًا.. قيم أن الحق يجعل صاحبه واثقًا دائمًا والباطل يجعله واثقًا فقط أمام أصحابه.. قيم عواقب الأمور.. قيم أن أي شخص يستطيع أن يفعل ما يريد ولكن الأقوياء فقط يفعلون الصواب.. ما الذي يجعل الخطأ خطأ والصواب صوابًا؟.. الحق ليس سهلاً غالبًا! ولكن أصحابه أبطال..

والتمسي في ذلك وسائل متنوعة في الإقناع من قراءة في الكتب والقصص المختلفة والمثيرة والمناقشات المفتوحة، وإثارة التساؤلات وعرض مواقف وطلب رؤيتها بخصوصها والتنزه معها والحديث عما ترونه في الشارع وعن خلفياته واستعيني بصديقاتها وأمهاتهن ممن تثقين فيهن لفتح حوارات واسعة ومناقشات تبدو تلقائية وسط نزهة ما أو في السيارة.

عليكِ كذلك التركيز بشكل غير مباشر تمامًا على 3 قيم، وهي مراقبة الله لنا وكيف يرانا؟، وعلاقتنا به عز وجل وكيف ننميها؟، ولِمَ خلقنا؟.
اجعلي مناقشاتكما تدور حول الأسباب وما الذي تتوقعه بعد أن تحصل على ما تريد.. أكثري من إثارة التساؤل ".. ثم ماذا بعد؟" وسؤال "ولماذا؟"، وارفضي إجابة "لأن الكل يفعل ذلك"، واطلبي منها إجابات خاصة بها لا بالآخرين..

(المراهقة) المرحلة التي تمر بها من المهم جدًّا أن تعلميها عنها وعن خصائصها وعن التغيرات التي تحدث لها بيولوجيًّا ونفسيًّا وعاطفيًّا وعن مفهوم الحب ورغبتها في التعرف عليه.. اجعليها تقرأ معك كتابًا تنتقيه بعناية ثم تناقشا فيه واسأليها عن رأيها فيما قرأت.. ثم أخبريها عن خبراتك الخاصة من مشاعر ورغبات وعن رؤيتك الآن لهذه المرحلة الجميلة الحماسية والقوية والحالمة.

كما على والدها أن يظهر فورًا وبشكل مكثف وواضح في حياتها.. حتى ولو فضلت ألا تخبريه عن الوضع الراهن لتوقعك لردود فعل عنيفة منه وغير متوافقة مع ما تفعلي إلا أن عليه أن يبدأ في مصادقتها وصحبتها وأن يأخذها كل فترة مثلاً لنزهة قصيرة هو وهي وحدهما، وأن يفتح معها مناقشات متنوعة ومتعددة، ويعبر لها كثيرًا عن حبه وفخره بها وعن توقعاته منها، وأن يهاديها ويشاركها في هوايتها، وغير ذلك من وسائل التقرب الخاصة.

نقطة مهمة جدًّا أود أن أطرحها عليكِ كذلك؛ وهي "حرمانية الحديث مع الأولاد" وتلك ليست جملة صحيحة تمامًا.. إن توضيح الخطأ وأبعاده وأسبابه وآثاره مهم جدًّا، ولكن من المهم أيضًا تحري الدقة وعدم المبالغة.. فحديثها معه في الفصل وحديثها مع البائع ومع المدرس ومع.... إلخ، ليس حرامًا، وإنما سيكون صحته وصوابه بصواب الهدف والطريقة التي نتواصل بها ونتحرى بها ما نريد من الحديث وكيف نتحدث، وتلك نقطة مهمة غاية في الأهمية.. الدقة تصنع مصداقية وقناعة أكثر تماسكًا وقوة أمام القيم المغايرة.

الكل يربي سيدتي الفاضلة.. أنت تربين والتلفاز والنت والنادي والشارع والمول والمدرسة والأصدقاء وغيرهم يربون أيضًا.. وتلك أكبر وأقسى معارك التربية على الإطلاق فاستعيني بالله وتذكري الصورة التي تريدين صغيرتك عليها في المستقبل متميزة راقية وترضي ربها.. فلا تستسلمي وأحبيها الحب الحقيقي، وهو أن تحبي لها أن تكون من أهل الجنة في النهاية لأنه لا شيء أهم ولا عطاء يعطيه والد لابنه بحسن تربيته خير له من أن يربيه التربية التي تعينه على دخول الجنة بغير سابقة عذاب ولا حساب.

أسأل الله أن يقر عينيك بها، وأن يسعدكم في الدنيا والآخرة.