ننقل بتصرف كلام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحديث عن أولويات الحركة الإسلامية  في خصائص فكر الحركة فيقول:

الحركةالإسلامية  وقضايا التحرر في العالم

ولا ينبغي أن يكون هم الحركة في قضايا التحرر مقصورا على أوطان الإسلام، وإن كان لها وضعها الخاص، بحكم ما توجبه العقيدة الإسلامية على أهلها من التناصر والتضامن. بل عليها أن تقف مساندة ومعضدة لكل قضايا التحرر من الاستعباد والاضطهاد والظلم في أنحاء العالم، سواء كان المستعبدون والمضطهدون مسلمين أم غير مسلمين.

فقد جاء الإسلام دعوة تحريرية كبرى للإنسان من حيث هو إنسان كرمه الله واستخلفه في الأرض، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه.

جاء الإسلام ليحرر الإنسان من العبودية لكل طاغوت، وليقف بقوة ضد كل الطواغيت.

وإذا كانت رسالة موسى عليه السلام رسالة تحرير لبني إسرائيل من جبروت فرعون وهامان وقارون، فإن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تحرير للبشرية كلها من كل الفراعين والهوامين والقوارين، المستكبرين في الأرض بغير الحق، المتعالين على عباد الله بالباطل، الذين أرادوا أن ينازعوا الألوهية رداء عزها وعظمتها، فتألهوا على الناس، واستذلوهم.

لقد أعلنها القرآن صيحة مدوية بالحرية، وبعث بها الرسول الكريم إلى الأباطرة والقياصرة: (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) (آل عمران:64).

وأعلنها ربعي بن عامر أمام رستم قائد قواد الفرس: إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

إن الله تعالى إنما أنزل كتبه وبعث رسوله، لإقامة العدل في الأرض، كما بين ذلك القرآن الكريم:

(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) (الحديد:25).

لهذا كان كل ظلم يقع من فرد على فرد، أو من طائفة على أخرى، أو من شعب على شعب، ضد رسالات السماء جميعا. وخصوصا ما يقع من الجبابرة والأقوياء على المسحوقين والمستضعفين.

من هنا كانت حملة القرآن على الجبابرة المتكبرين، وتنديده بهم، ووعيده لهم: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد. من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) (إبراهيم: 15،16).

(كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (غافر:35).

(فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فلبئس مثوى المتكبرين) (النحل:29).

وكذلك شدد القرآن حملته على الظالمين، في سوره المكية والمدنية: (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (المائدة: 51).

(إنه لا يفلح الظالمون) (يوسف: 23).

(وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا) (الكهف: 59)

(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) (النمل: 52).

(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) (هود: 102).

(فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين) (الأنعام: 45).

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) (هود: 113).

والإسلام لا يكتفي بتحريم الظلم وتحريمه أشد التحريم، بل يحرض على مقاومته بكل سبيل، ويعتبر السكوت عن الظلم نوعا من المشاركة لهم، توجب الإثم في الدنيا والعقوبة في الآخرة.

بل هو يعتبر الأمة التي يتمادى فيها الظالمون في ظلمهم، ولا يوجد فيها من يتصدى للظلم، أو ينكر عليه، أمة مستحقة لعقوبة السماء، بل محكوما عليها بالفناء. وحين تنزل بها العقوبة تأخذ الجميع: الظالمين لظلمهم، والساكتين لسكوتهم.

يقول الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب) (الأنفال: 25).

وفي الحديث النبوي: "إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده".

"إذا رأيت أمتي تهاب، فلا تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم".

وهذه النصوص بعمومها وإطلاقها تشمل كل ظالم، سواء كان ظلمه للمسلمين أم لغيرهم. فالظلم كله شر.

ولا غرو أن يبارك الإسلام كل خطوة إيجابية فيها مقاومة للظالمين، وانتصار للمظلومين، ومساندة للمستضعفين. ويعتبر ذلك ضربا من العبادة، ولونا من الجهاد في سبيل الله.

بل وجدنا القرآن الكريم يحرض المؤمنين على قتال الظالمين، واستنفاذ المستضعفين من بين براثنهم، فيقول: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) (النساء: 75).

صحيح أن المستضعفين هنا مؤمنون، بدليل دعائهم المذكور في الآية، ولكن الإسلام لا يرضى أن يظلم أي إنسان، ولو كان كافرا. حيث في الحديث: "اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب".

وسمع النبي صلى الله عليه وسلم قصة امرأة ضعيفة ظلمت في أرض الحبشة من أحد الأقوياء القساة، فكان تعقيبه صلى الله عليه وسلم على هذا الحادث أن قال: "كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟!"

وفي لفظ: "كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها، وهو غير متعتع؟!".

والفتح الإسلامي لم يكن في حقيقته، إلا استنقاذا للشعوب المقهورة المظلومة من قهر الظالمين، وظلم القاهرين، وتحريرا لها من قبضة الطغاة المتسلطين، من أكاسرة الفرس، أو قياصرة الروم، ولذا رحبت هذه الشعوب بالإسلام ودخلت فيه طوعا واختيارا.

والواجب على أهل الإيمان والخلق أن يتنادوا فيما بينهم لمقاومة كل ظلم يقع على مستضعف، ومناصرته حتى يأخذ حقه من ظالمه، غير متعتع.

وقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تجربة من هذا النوع حدثت في عصر الجاهلية، وشارك فيها الرسول الكريم، وهو شاب، وهي تجربة حلف الفضول، وقد كان حلفا من مجموعة من ذوي المروءات والهمم، مهمته أن يقف مع الضعفاء في وجه الأقوياء، حتى يرد إليهم حقوقهم، ويصون كرامتهم.

وفيه قال عليه الصلاة والسلام: "لقد شهدت مع عمومتي في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت".

وكيف لا ينتصر الإسلام للإنسان إذا ظلم أو أهين أو اضطهد، أو أكره على غير ما يريد، بالنار والحديد، وهو ينتصر للحيوان الأعجم إذا ظلم أو عذب، أو حمل ما لا يطيق؟.