ننقل بتصرف كلام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحديث عن أولويات الحركة الإسلامية  فيقول:

الحركة الإسلامية والأقليات المسلمة في العالم

ومما يجب على الحركة الإسلامية أن توجه الاهتمام إليه: الأقليات المسلمة في أقطار شتى من العالم.

وينبغي أن نضع أمام أعيننا هنا جملة حقائق:

.1 أن هذه الأقليات في مجموعها تكون نحو ربع المسلمين، أو أكثر. كما تدل على ذلك الدراسات التي تمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

.2 أن بعض هذه الأقليات يمثل ـ من الناحية العددية ـ التجمع الثاني للمسلمين في العالم، وتلك هي الأقلية الهندية، التي تفوق المائة مليون والتي لها تاريخها وأثرها العلمي والحضاري في شبه القارة الهندية وفي الحضارة الإسلامية بصفة عامة.

.3 أن بعض ما يعتبر أقليات ليس إلا أقطارا إسلامية خالصة، ضمت قسرا إلى كيان أكبر منها، لتذوب فيه، وتغدو أقلية مسحوقة في دولة كبرى، وذلك مثل (الجمهوريات الإسلامية) في الاتحاد السوفييتي السابق وروسيا حاليا: طشقند، وأزبكستان، وتركستان وأذربيجان.. فهي عند التحقيق من صميم العالم الإسلامي.

.4أن بعض ما يعد في الإحصاءات العالمية المتحيزة أقلية إسلامية هو كذب على الواقع، والأرقام الحقيقية تقول: إن المسلمين هم الأكثرية الساحقة، رغم التزييف الإحصائي الذي يتعمد أبدا تقليل أعداد المسلمين، وخصوصا في مناطق معينة، لخدمة أهداف سياسية لأعداء المسلمين.

وأبرز مثل على ذلك: المسلمون في الحبشة، فهم أغلبية عددية، ولكنها أغلبية مقهورة، محرومة من أبسط حقوق الإنسان.

إن هذه الأقليات تحتاج من المسلمين في داخل العالم الإسلامي الكبير إلى أشياء كثيرة:

. تحتاج إلى دعم المؤسسات الدينية عندها، وخصوصا التعليمية منها؛ حتى تحافظ على بقاء الشخصية الإسلامية، ولا سيما في مواجهة الحملات المركزة التي يقوم بها دعاة التنصير ومؤسساته، والتي تريد أن تقتلع الوجود الإسلامي من جذوره.

ب. تحتاج إلى الكتب الإسلامية الأصيلة التي تعرف بالإسلام عقيدة وعبادة، وأخلاقا وتشريعا، مكتوبة بلغاتها الأصلية، حتى تبين لهم، وبخاصة تفسير القرآن الكريم، وبعض ما لا بد منه من صحاح السنة.

ج. تحتاج إلى قبول عدد من أبنائها في الجامعات الإسلامية في العالم العربي، ليعودوا إليها دعاة ومعلمين ومفقهين في الدين، لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.

وللأسف نجد هذه الجامعات في السنوات الأخيرة طفقت تسد أبواب القبول أمام طلاب العلم من أبناء تلك البلاد، مع خطورة ذلك على مستقبل تلك الأقليات ومستقبل الدعاة فيها، ومستقبل الأمة كلها.

د. تحتاج إلى دعم تعليم اللغة العربية ومعاهدها ومعلميها، وهو ما قصر فيه العرب كل التقصير، مع أن الأمم الراقية تبذل عشرات الملايين ومئاتها من أجل نشر لغاتها التي هي ترجمان ثقافتها، ووعاء حضارتها. والعرب يبخلون بأقل القليل في سبيل نشر لغتهم. ولولا أن المسلمين بدافع حبهم لدينهم ونبيهم وكتابهم، أقدموا من تلقاء أنفسهم على تعلم العربية، وتأسيس المدارس، والكليات لتعلمها ثم التعليم بها، باعتبارها لغة القرآن والسنة ولغة العبادة، ووعاء الثقافة والحضارة الإسلامية، ولسان التفاهم المشترك بين أبناء الأمة الإسلامية لولا ذلك ما وجدنا خارج العالم العربي من يعرف العربية، أو يشير إليها.

هـ. تحتاج إلى دعاة ومعلمين، يعرفون لغاتها، ويتكلمون بألسنتها، ويقيمون بينهم، ويتعايشون معهم، يعلمون الجاهل، وينبهون الغافل، ويفتون المستفتي ويثبتون المتردد، ويردون الشارد، ويجمعون الكلمة على الهدى، والقلوب على التقى، والمشاعر على الحب، والعزائم على الخير.

وليحذر من الدعاة الهدامين، الذين لا يحملون معهم غير المعول للهدم، والكبريت لإشعال النار، والجدل لتفريق الصفوف، وإيغار الصدور.

قد يكون بعض هؤلاء مخلصين، ولكن الإخلاص مع الحمق يضر أكثر مما ينفع: ويبني أكثر مما يهدم، ورب عدو عاقل، أهون خطرا من صديق أحمق. وصدق الشاعر:

لكل داء دواء يستطب به   إلا الحماقة أعيت من يداويها!
و. تحتاج إلى حضور متتابع من كبار الدعاة والمفكرين والمربين، الذين تتفتح العقول، وتنتعش الأنفس بوجودهم، زائرين، ما بين الحين والحين، في الندوات والمؤتمرات والمناسبات، وكلما أتت الفرصة، حتى لا يشعر هؤلاء الأخوة الذين قدر لهم أن يكونوا بعيدا عن قلب الأمة ـ أنهم منسيون من ذاكرة الأمة الكبرى، أو معزولون عن بؤرة التفكير والإحساس من قادة الرأي والحركة فيها.

ومن أهم ما تجب العناية به مع الأقليات المسلمة: العمل على توحيد كلمتهم، ولم شملهم، وتكتلهم في جبهة واحدة، حتى يمكنهم المحافظة على كيانهم المعنوي، ووجودهم الديني.

ومن المؤسف أن تجد الأقليات في العالم كله تتضام وتتكتل وتتعاون فيما بينها لتجعل من اتحادها قوة، تواجه به قوة الأكثرية… إلا الأقليات الإسلامية، التي نراها مختلفة فيما بينها مبعثرة القوى بسبب خلافات كثيرة منها لا معنى له، وبخاصة الخلافات الدينية حول مسائل الفقه أو الكلام.

والواجب أن يقف الجميع صفا واحدا، كما أمرهم الله، وحسبهم أنهم مجتمعون على ما يصير به المسلم مسلما، وأنهم يؤمنون بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

أقول هذا، وأنا أعلم أن المسلمين يشكون في أوطانهم الأم في قلب الإسلام أي داخل العالم الإسلامي، ذاته، فكيف لا تشكو الأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي، وخارج دار الإسلام؟

وإذا كان المسلمون في قلب أوطانهم يشكون الظلم والاضطهاد والتضييق والتنكيل من حكام يفترض فيهم أنهم مسلمون، فكيف لا يشكو الذين يعيشون بعيدا عن أوطان الإسلام، ويحكمهم أناس غير مسلمين، نصارى أو شيوعيون أو وثنيون؟‍!

مشكلة المسلمين الكبرى، وأقلياتهم المتناثرة في العالم، أن أمتنا المسلمة ـ على ضخامتها وسعتها ـ ليست لها قيادة تملك أن تقول لها: تحركي أو توقفي، اصرخي أو اصمتي، سيري إلى اليمين أو إلى اليسار.

فقد كان لنا خلافة تجمع المسلمين تحت راية العقيدة الإسلامية، وكان لنا خليفة يمثل القيادة المركزية للأمة الواحدة، فلما كاد الكائدون للخلافة، ونجحوا في تحطيم هذه القلعة العظيمة، التي تجسد وحدة الأمة المسلمة، لم يعد لنا كيان واحد، ولا راية واحدة يمكن أن نتلاقى تحت ظلها.

لقد فقدنا الخلافة، وليس عندنا بديل لها، فعشنا بغير قيادة من أي نوع.

إن المسيحية لها قيادتها المعترف بها لدى أتباعها، وهي قيادة دينية منظمة لها مؤسساتها ورجالها وماليتها التي تلي مالية أمريكا وروسيا، ولها مبشروها المنتشرون في أنحاء العالم ومنها العالم الإسلامي نفسه.

أما نحن المسلمين فليس لنا (خليفة) يأمر فيطاع، ولا (بابا) يقول فيسمع! إننا ـ كما قال

المثل ـ أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام!

في وقت من الأوقات كان هناك من يسميه الناس(شيخ الإسلام) وإن لم يكن في الإسلام منصب رسمي بهذا المعنى، ولكن بعض العلماء بعلمهم وعملهم، وورعهم وجهادهم استحقوا هذا اللقب من الجمهور المسلم. واليوم ـ بعد أن مشى العلماء في ركاب الحكام، ولم يكتفوا بالسكوت عن الحق، حتى نطقوا بالباطل ـ فقد الناس الثقة بكبار الشيوخ، ولم يعد بينهم من يشار إليه بالبنان أنه (شيخ الإسلام)! ومن استعصى من العلماء عليهم حاولوا بوسائلهم الكبيرة، ووسائل سادتهم الذين يوجهونهم، أن يعزلوه أو يشوهوه، أو يورطوه في مسايرتهم حتى يضربوا حجابا بينه وبين الشعب.

وعلى الحركة الإسلامية أن تقوم هي مقام القيادة المركزية المفقودة للأمة المسلمة، بمختلف تياراتها وفصائلها، وأن تستعين بشيوخ الإسلام الحقيقيين حتى يبرز من بينهم (شيخ الإسلام) الحق، الذي يدين له العلماء بالفضل والذي يمكنه أن ينادي الأمة الإسلامية الكبرى في الشدائد والملمات فتلبي النداء، وتستجيب الدعاء.