خبر أول: رفض دعوى عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية والمرشّح الرئاسي السابق، والمحبوس احتياطيًا منذ سنوات، التي يطالب فيها بتحسين ظروف سجنه، بنقله من الحبس الانفرادي إلى زنزانة عادية، مع السماح له بالعلاج.
خبر ثانٍ: اعتقال أربعة من حرّاس العمارات بتهمة الاستماع لأغنية عن جنون ارتفاع الأسعار، وتقليد حركات الفرقة التي أدّت الأغنية التي قدّمها مذيع وممثل كوميدي حالي، كان ضابط شرطة في السابق.
خبر ثالث: اعتقال الإعلامية صفاء الكوربيجي من منزلها واقتيادها إلى جهة غير معلومة، ما يجعلها في حكم المختفية قسريًا، بعد ظهورها في فيديو على حسابها الشخصي في موقع فيسبوك تنتقد فيه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يشكو منها المصريون، وفي الخبر نفسه، كلام عن اختفاء الإعلامية هالة فهمي، وانقطاع الأخبار عنها، بعد ظهورها في اعتصام ماسبيرو.
في وسط هذه الأخبار، ينشر عدد من الأفراد خبرًا موحدًا، بصياغة موحدة، عن انفراجةٍ كبيرة في ملف الحريات والمعتقلين، مع توجيه الشكر للزعيم الإنسان عبد الفتاح السيسي، على إخلاء سبيل نحو عشرة أسماء من المحبوسين احتياطيًا، استباقًا لعيد الفطر.
المشهد يتكرّر بتفاصيله، كل عام تقريبًا، إخلاء سبيل حفنة معتقلين بعد اعتقال عدد مماثل لهم، مقابل استمرار التنكيل بنحو مائة ألف سجين ومعتقل، يقبعون في الزنازين، منذ سنوات، حتى فقدوا الأمل، وكذا أهاليهم، في خروجهم.
بالقطع، استعادة شخص واحد، أو بضعة أشخاص، الحرّية خبر سار، يستوجب التهنئة، لكنه بالتأكيد لا يستحقّ شكر الذين يقتلون قيمة الحرية ويحتقرونها ويسحقونها بالأحذية، على مدار العام، ثم يطلقون سراح بضعة محبوسين، من أجل التقاط صورة مكبّرة لهم وهم يسقون شجرة الحرية، وينامون تحتها، وكأنهم حكموا فعدلوا فأمنوا، ثم استيقظوا يمنحون البلاد والعباد مزيدًا من الحرية.
أكرّر هنا ما قلته مرارًا إن كل معتقل أو سجين سياسي في زنازين نظام عبد الفتاح السيسي، منذ العام 2013، هو مستحقّ للحرية وجدير بها، بل وبريء من كل ما يُكال له من تهم، بصرف النظر عن لون بشرته الأيديولوجية، يستوي في ذلك الذين يتذكّرهم ويطلبهم بالاسم زعماء العالم الصفيق، أو الذين لا يأتي على ذكرهم أحد.
بالعودة إلى المشهد الماثل الآن، فإننا أمام حفلة خليعة ومبتذلة، يتراقص فيها على موسيقى الحرية المزيفة قتلة أيمن هدهود، ومعهم المتواطئون على قتله، وهو الباحث الاقتصادي الذي اختُطف من بيته واغتيل غدرًا في مقار التعذيب، ثم ألقيت جثته في مستشفى أمراض عقلية، ثم اغتيل مجدّدًا بعد إعلان موته، باتهامه رسميًا بالخلل النفسي والاهتزاز العقلي.
في طليعة فرقة الاستعراض المشاركة في أوبريت "الحرية من السيسي"، والذي يقدّم الآن بأسلوب الإخراج في مسلسلات الجنرال، تجد محمد السادات، زميل الشهيد أيمن هدهود وشريكه في حزب سياسي، وصاحب دكان الانفراجات الحقوقية ومستلزمات حقوق الإنسان، المكلف بتصدير هذه الحالة الكاذبة إلى الدوائر الغربية.
هذا الرجل سكت وتواطأ على جريمة اغتيال أيمن هدهود، بل إنه شارك بدور أساس في صناعة الرواية الأمنية، التي تبنتها النيابة العامة، واستخدمتها في إغلاق ملف الجريمة، حين بادر بترويج أكذوبة الاهتزاز النفسي والعقلي.
في ردّات الفعل على خبر إخلاء سبيل المجموعة المعلن عنها أمس، تجد تشكّرات هائلة وإشادات بالجنرال عبد الفتاح السيسي، على هذه اللفتة الإنسانية العظيمة، وهذا يعني باختصار تأكيد المؤكّد أن السيسي هو السجّان، وأن كل من في السجون والمعتقلات موجودون بناء على رغبة السيسي، وبقرارات منه، وأن استرداد الحرية أمرٌ لا علاقة له بالقوانين واللوائح، وإنما مرهونٌ بإرادة الزعيم الذي يمنح الحرية لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، وأن القضاء ليس أكثر من فاترينة للقرار السياسي، الفردي بالطبع. 
الحرية قيمة محترمة وحقٌّ لجميع المظلومين، لكن هناك من يبتذلها حين يتعاطى معها باعتبارها منحة من قاتل أو سجّان، تجعله في لحظة رسولًا لها.

المصدر: العربي الجديد