طارق عبد الرحمن
في قرية "القلمون" كان مولد "محمد رشيد بن علي رضا" في 27 من جمادى الأولى 1282هـ= 23 من سبتمبر 1865م، وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان، وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، وهو ينتمي إلى أسرة شريفة؛ حيث يتصل نسبها بآل "الحسين بن علي" رضي الله عنهم.
كان أبوه قويَّ الذاكرة، طلق اللسان، ومن قوة ذاكرته أنه كان يحفظ كل ما مرَّ به في سفره، وكل ماله عند الناس، أو لهم عنده من الحقوق المالية وإن طال عليها الزمن، وكان حسن المجاملة، عظيم التساهل في معاشرة المخالفين في الدين، مع الغيرة الشديدة على الإسلام، والمناضلة عنه بما يقنع المناظر ولا يؤذيه، كما كان يتمتع بهيبة في نفوس أبنائه؛ حيث لجأ إلى الحزم والترهيب أحيانًا في التربية، ولقيت هذه التربية استجابةً من نفس محمد رشيد رضا، وورث عنه الكثير من الخصال الخلقية والعلمية.
وكان أبوه "علي رضا" شيخًا للقلمون وإمامًا لمسجدها، فعُني بتربية ولده وتعليمه، فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، وكانت تابعةً للدولة العثمانية، وتعلَّم النحو والصرف ومبادئ الجغرافيا والحساب، وكان التدريس فيها باللغة التركية، وظل بها رشيد رضا عامًا، ثم تركها إلى المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس سنة (1299هـ= 1882م)، وكانت أرقى من المدرسة السابقة، والتعليم فيها بالعربية، وتهتم بتدريس العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة، وقد أسَّس هذه المدرسة وأدارها الشيخ "حسين الجسر" أحد علماء الشام الأفذاذ ومن رواد النهضة الثقافية العربية، وكان يرى أن الأمة لا يصلح حالُها أو ترتقي بين الأمم إلا بالجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة العصرية الأوروبية مع التربية الإسلامية الوطنية.
ولم تطُل الحياة بتلك المدرسة، فسرعان ما أُغلقت أبوابها، وتفرَّق طلابُها في المدارس الأخرى، غير أن رشيد رضا توثَّقت صلتُه بالشيخ الجسر، واتصل بحلقاته ودروسه، ووجد الشيخ الجسر في تلميذه نباهةً وفهمًا، فآثره برعايته وأولاه عنايته، فأجازه سنة (1314هـ= 1897م) بتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية، وهي التي كان يتلقَّاها عليه طالبه النابه، وفي الوقت نفسه درس "رشيد رضا" الحديث على يد الشيخ "محمود نشابة" وأجازه أيضًا برواية الحديث، كما واظب على حضور دروس نفر من علماء طرابلس، مثل: الشيخ عبد الغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، وغيرهم.
كان رشيد رضا يفضِّل صلاة التهجُّد تحت الأشجار في بساتينهم الخالية؛ حيث وجد في البكاء من خشية الله وتدبُّر كتاب الله في صلاة الليل لذةً روحيةً قويةً، وقرأ كتاب (إحياء علوم الدين) لأبي حامد الغزالي، وتعلَّق به، وحُبِّب إليه التصوف، وهو في هذه السن المبكرة من الشباب، فسلَك محمد رشيد طريقه إلى التصوف على يد رجل من النقشبندية، لكنه استطاع أن يقف على أسرار هذه الرياضة الروحية بمحاسنها ومساوئها، وهو الأمر الذي هيَّأه في المستقبل للمناداة بإصلاح الطرق الصوفية؛ حيث وجد بعضها طيبًا والآخر لا يقبله العقل، بل يكون أحياناً مدخلاً إلى البدع ومثارًا إلى الفتن.
وصف أحد العلماء محمد رشيد في مرحلة تلقِّيه العلم وما أفاده من دراسته بأن علمه لدنيٌّ أي "من لدن حكيم عليم"، فيقول إني أغيب عنه سنةً فأجد عنده من العلم ما لا يمكن اكتسابه إلا في السنين الطوال.
في قريته
اتخذ الشيخ رشيد رضا من قريته الصغيرة ميدانًا لدعوته الإصلاحية بعد أن تزوَّد بالعلم وتسلَّح بالمعرفة، وصفَت نفسُه بالمجاهدات والرياضيات الروحية ومحاسبة نفسه وتخليص قلبه من الغفلة وحب الدنيا، فكان يلقي الدروس والخطب في المسجد بطريقة سهلة بعيدة عن السجع الذي كان يشيع في الخطب المنبرية آنذاك، ويختار آياتٍ من القرآن يُحسِنُ عرضَها على جمهوره، ويبسط لهم مسائل الفقه، ويحارب البدع التي كانت شائعة بين أهل قريته.
ولم يكتفِ الشيخ رضا بمَن يحضر دروسه في المسجد، فذهب هو إلى الناس في تجمعاتهم في المقاهي التي اعتادوا على الجلوس فيها لشرب القهوة والنارجيلة، ولم يخجل من جلوسه معهم، يعظهم ويحثهم على الصلاة، وقد أثمرت هذه السياسة المبتكرة، فأقبل كثيرٌ منهم على أداء الفروض والالتزام بالشرع والتوبة والإقبال على الله، وبعث إلى نساء القرية مَن دعاهن إلى درسٍ خاصٍّ بهن، وجعل مقرَّ التدريس في دار الأسرة، وألقى عليهن دروسًا في الطهارة والعبادات والأخلاق، وشيئًا من العقائد في أسلوب سهل يسير.
الاتصال بالشيخ محمد عبده
في الفترة التي كان يتلقَّى فيها رشيد رضا دروسَه في طرابلس كان الشيخ محمد عبده قد نزل بيروت للإقامة بها، وكان محكومًا عليه بالنفي بتهمة الاشتراك في الثورة العرابية، وقام بالتدريس في المدرسة السلطانية ببيروت، وإلقاء دروسه التي جذبت طلبة العلم بأفكاره الجديدة ولمحاته الذكية، وكان الشيخ محمد عبده قد أعرض عن السياسة، ورأى في التربية والتعليم سبيل الإصلاح وطريق الرقيّ، فركَّز جهده في هذا الميدان.
وعلى الرغم من طول المدة التي مكثَها الشيخ محمد عبده في بيروت فإن الظروف لم تسمح لرشيد رضا بالانتقال إلى المدرسة السلطانية والاتصال به مباشرةً، والتلمذة على يديه، وكان التلميذ النابه شديدَ الإعجاب بشيخه، حريصًا على اقتفاء أثره في طريق الإصلاح، غير أن الفرصة سنحت له على استحياء، فالتقى به مرتَين في طرابلس حين جاء إلى زيارتها؛ تلبيةً لدعوة كبار رجالها، وتوثَّقت الصلة بين الرجلين، وازداد تعلُّق رشيد رضا بأستاذه.
وحاول رشيد رضا الاتصال بجمال الدين الأفغاني والالتقاء به، لكنَّ جهوده توقَّفت عند حدود تبادل الرسائل وإبداء الإعجاب، وكان الأفغاني في الأستانة يعيش بها كالطائر الذي فقَد جناحيه، فلا يستطيع الطيران والتحليق، وظل تحت رقابة الدولة وبصرها حتى لقِيَ ربه سنة (1314هـ= 1897م) دون أن تتحقق أمنية رشيد رضا في رؤيته والتلمذة على يديه.
الهجرة إلى القاهرة
لم يجد رشيد رضا مخرجًا له في العمل في ميدان أفسح للإصلاح سوى الهجرة إلى مصر والعمل مع محمد عبده تلميذ الأفغاني حكيم الشرق، فنزل الإسكندرية في مساء الجمعة (8 من رجب 1315 هـ= 3 من يناير 1898م)، وبعد أيام قضاها في زيارة بعض مدن الوجه البحري نزل القاهرة واتصل على الفور بالأستاذ الإمام، وبدأت رحلة جديدة لرشيد رضا كانت أكثر إنتاجًا وتأثيرًا في تفكيره ومنهجه الإصلاحي.
ولم يكَد يمضي شهرٌ على نزوله القاهرة حتى صارح شيخه بأنه ينوي أن يجعل من الصحافة ميدانًا للعمل الإصلاحي، ودارت مناقشاتٌ طويلةٌ بين الشيخين حول سياسة الصحف وأثرها في المجتمع، وأقنع التلميذ النجيب شيخَه بأن الهدف من إنشائه صحيفة هو التربية والتعليم، ونقل الأفكار الصحيحة لمقاومة الجهل والخرافات والبِدَع، وأنه مستعدٌّ للإنفاق عليها سنةً أو سنتين دون انتظار ربح منها.
مجلة المنار
صدر العدد الأول من مجلة المنار في (22 من شوال 1315هـ= من مارس 1898م)، وحرص الشيخ رشيد على تأكيد أن هدفه من المنار هو الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، وبيان أن الإسلام يتفق والعقل والعلم ومصالح البشر، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام، وتفنيد ما يُعزَى إليه من الخرافات.
وأفردت المجلة إلى جانب المقالات التي تعالج الإصلاح في ميادينه المختلفة بابًا لنشر تفسير الشيخ محمد عبده، إلى جانب باب لنشر الفتاوى والإجابة على ما يرِدُ للمجلة من أسئلة في أمور اعتقادية وفقهية، وأفردت المنار أقسامًا لأخبار الأمم الإسلامية، والتعريف بأعلام الفكر والحكم والسياسة في العالم العربي والإسلامي، وتناول قضايا الحرية في المغرب والجزائر والشام والهند.
ولم تمضِ خمس سنوات على صدور المجلة حتى أقبل عليها الناس، وانتشرت انتشارًا واسعًا في العالم الإسلامي، واشتهر اسم صاحبها حتى عُرِف باسم رشيد رضا صاحب المنار، وعرف الناس قدره وعلمه، وصار مرجعًا فيما يعرض لهم من مشكلات، كما جاء العلماء يستزيدون من علمه، وأصبحت مجلته هي المجلة الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي.
وكان الشيخ رشيد يحرِّر معظم مادة مجلته على مدى عمرها المديد، يمده زاد واسع من العلم، فهو عالمٌ موسوعيٌّ ملمٌّ بالتراث الإسلامي، محيط بعلوم القرآن، على دراية واسعة بالفقه الإسلامي والسنة النبوية، عارف بأحوال المجتمع والأدوار التي مرَّ بها التاريخ الإسلامي، شديد الإحاطة بما في العصر الذي يعيش فيه، خبير بأحوال المسلمين في الأقطار الإسلامية.
منهجه في الإصلاح
كتب رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأمة وتقويتها، وخصّ العلماء والحكام بتوجيهاته، لأنهم بمنزلة العقل المدبِّر والروح المفكِّر من الإنسان، وأن في صلاح حالهم صلاح حال الأمة، وغير ذلك بقوله: "إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمة، فاحكم على أمرائها وحكامها بالظلم والاستبداد، وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس".
واقترح رشيد رضا لإزالة أسباب الفُرقة بين المسلمين تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكل فرقهم، في المسائل التي تتعلق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وإحسان العمل، والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى كالشيعة، وتُرسَل نسخٌ بعد ذلك من هذا الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية، ونحثّ الناس على دراستها والاعتماد عليها.
وطالب بتأليف كتب تهدف إلى توحيد الأحكام، فيقوم العلماء بوضع هذه الكتب على الأسس المتفق عليها في جميع المذاهب الإسلامية وتتفق مع مطالب العصر، ثم تُعرَض على سائر علماء المسلمين للاتفاق عليها والتعاون في نشرها وتطبيق أحكامها.
اهتمامه بالتربية والتعليم
كان الشيخ رشيد رضا من أشدِّ المنادين بأن يكون الإصلاح عن طريق التربية والتعليم، وهو في ذلك يتفق مع شيخه محمد عبده في أهمية هذا الميدان، "فسعادة الأمم بأعمالها، وكمال أعمالها منوطٌ بانتشار العلوم والمعارف فيها".
وحدَّد "رشيد رضا" العلوم التي يجب إدخالها في ميدان التربية والتعليم لإصلاح شئون الناس، ودفعهم إلى مسايرة ركب العلم والمعرفة، مثل: علم أصول الدين، علم فقه الحلال والحرام والعبادات، التاريخ، الجغرافيا، الاجتماع، الاقتصاد، التدبير المنزلي، حفظ الصحة، لغة البلاد، والخط.
ولم يكتفِ بدور الموجِّه والناصح، وإنما نزل ميدان التعليم بنفسه، وحاول تطبيق ما يراه محقِّقًا للآمال، فأنشأ مدرسة دار الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة المدرَّبين لنشر الدين الإسلامي، وجاء في مشروع تأسيس المدرسة أنها تختار طلابَها من طلاب العلم الصالحين من الأقطار الإسلامية، ويُفضَّل من كانوا في حاجة شديدة إلى العلم كأهل جاوة والصين، وأن المدرسة ستكفل لطلابها جميع ما يحتاجون إليه من مسكن وغذاء، وأنها ستعتني بتدريب طلابها على التمسك بآداب الإسلام وأخلاقه وعبادته، كما تُعنى بتعليم التفسير والفقه والحديث، فلا خير في علم لا يصحبه خلق وسلوك رفيع، وأن المدرسة لا تشتغل بالسياسة، وسيُرسل الدعاة المتخرجون إلى أشد البلاد حاجةً إلى الدعوة الإسلامية.
وقد افتُتحت المدرسة في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي سنة (1330هـ= 1912م) في مقرها بجزيرة الروضة بالقاهرة، وبدأت الدراسة في اليوم التالي للاحتفال، وكانت المدرسة تقبَل في عداد طلابها شباب المسلمين ممن تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والخامسة والعشرين، على أن يكونوا قد حصَّلوا قدرًا من التعليم يمكِّنهم من مواصلة الدراسة.
غير أن المدرسة كانت في حاجة إلى إعانات كبيرة ودعم قوي، وحاول رشيد رضا أن يستعين بالدولة العثمانية في إقامة مشروعه واستمراره، لكنه لم يفلح، ثم جاءت الحرب العالمية لتقضي على هذا المشروع، فتعطَّلت الدراسة في المدرسة، ولم تفتح أبوابها مرةً أخرى.
نقده لكتاب (في الشعر الجاهلي) لطه حسين
في أواخر عام 1925م أثيرت ضجةٌ كبيرةٌ بعد نشْر كتاب (في الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين، وذلك بسبب كمِّ المغالطات التي جاءت فيه، حتى وصل الأمر إلى قول الملاحدة: إن علماء الأزهر أرادوا أن يثبتوا كُفر الدكتور طه حسين فأثبت هو كفرهم!! وذلك بعد اجتماعه معهم لمناقشته في هذا الكتاب.
وقد كان لعالمنا الجليل رشيد رضا بعض المقالات التي تم نشرها في مجلة (المنار) حول هذا الكتاب، منها قوله: "ظهر بمصر في أواخر السنة الماضية كتابٌ بهذا الاسم من وضْع الدكتور طه حسين مدرس الآداب في الجامعة المصرية وأحد أركان جمعية دعاية الإلحاد بمصر، بنى بحثه فيه على منهج البحث في الآداب وغيرها، غريبٌ هو أن يُبنى على الشك في كل ما روي عن المتقدمين أو تكذيبه، وإن أجمعوا عليه وعلى التجرد من الدين والجنسية والوطنية وجميع الروابط القومية والملية، وهو بناءً على هذه القاعدة يطعن فيما ثبت بنص القرآن المجيد وفي جميع ما صح عند علماء الملة الإسلامية من الروايات الدينية والتاريخية والأدبية، دع ما ليس له أسانيد تصل إلى درجة الصحة، كتواريخ سائر الأمم ومروياتها، حتى إنه تجرَّأ على التصريح بتكذيب القرآن المجيد فيما أثبته من بناء إبراهيم وإسماعيل لبيت الله الحرام بمكة المكرمة، وشكَّك في آيات أخرى وفي أحاديث وروايات كثيرة، مَن صدقه فيها من تلاميذ الجامعة أو غيرها من الدهماء ينبذ الدين وراء ظهره ويمشي عاريًا مجردًا من الوازع النفسي الذي ينهَى عن الفواحش والمنكرات، فيستحل جميع ما قدر عليه من أموال الناس وأعراضهم.
إن قاعدة الدكتور طه حسين التي جرى عليها في كتابة هذا، وفي غيره هي أن الفلسفة العليا التي يتوقف عليها وصول الإنسان إلى العلم الصحيح في الآداب والتاريخ وغير ذلك هي أن يكذب الله ورسله وأفضل البشر بعد الرسل كالخلفاء الراشدين وأئمة العلم والدين، أو يشكك في أقوالهم على الأقل، ويأخذ بالقبول والتسليم بما فيه طعن في الإسلام وفي سلفه الصالح وكبار أئمته، وإن لم يقله إلا بعض فسَّاق المسلمين ومَن لا ثقة بصدقه منهم ومن غيرهم، ثم ماذا؟
ثم يستبدل بها نظريات بل ضلالات اخترعتها مخيلات ملاحدة الإفرنج، وكذا دعاة النصرانية، الذين تعلموا وتربَّوا على الطعن في الإسلام، وجعل مدار معيشتهم من جمعياتهم الدينية على تشكيك المسلمين بدينهم إن لم يقدروا على تحويلهم عنه وجعلهم أعداءً له، ويزين ذلك بخلابة اللفظ وشقشقة اللسان والقلم، وسفسطة الجدل ولماذا؟ لأجل أن تنحلَّ روابطهم المليَّة وتزول عقيدتهم الدينية وتفسد ملكاتهم الأدبية، فيقبلوا بارتياح أن يكونوا تابعين لدول الاستعمار الأجنبية، فإن لم تكن هذه اللام لام العلة والغاية فلا بد أن تكون لام الصيرورة والعاقبة.
إن موضوعات هذا الكتاب هي من دروس للدكتور طه الأدبية التي يلقيها على تلاميذ الجامعة المصرية؛ لأجل أن ينسلخوا من الإسلام الذي صار قديمًا رثًّا باليًا في نظره، ويصيروا أمةً جديدةً لا يدينون بدين ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يأبون الخنوع لكل حاكم وإن كان أجنبيًّا".
كما قال أيضًا: "إن الدكتور طه حسين ما ألف هذا الكتاب لتحقيق ما يمكن الوصول إليه من الشعر الجاهلي يقينًا أو ظنًّا أو شكًّا.. بل ألفه لأجل الطعن في الإسلام والصد عن سبيل الإيمان والدعوة إلى الزندقة والإلحاد، هذا هو المقصد، والشعر الجاهلي والأدب العربي وسيلة إليه".
مؤلفاته
بارك الله في عمر الشيخ الجليل وفي وقته رغم انشغاله بالمجلة التي أخذت معظم وقته، وهي بلا شك أعظم أعماله، فقد استمرت من سنة (1316هـ= 1899م) إلى سنة (1354= 1935م)، واستغرقت ثلاثة وثلاثين مجلدًا ضمَّت 160 ألف صفحة، فضلاً عن رحلاته التي قام بها إلى أوروبا والأستانة والهند والحجاز، ومشاركته في ميادين أخرى من ميادين العمل الإسلامي.
ومن أهم مؤلفاته "تفسير المنار" الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده الذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاته دون إتمام تفسيره، وهو من أجلِّ التفاسير، وله أيضًا:
1- مؤلفه الأول الذي دوَّنه أثناء طلبه للعلم في الشام "الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية".
2- مجلة المنار: وهي المعلمة الإسلامية الكبرى، والكنز الذي احتوى ثمار تجارب رشيد رضا وآرائه في الإصلاح الديني والسياسي.
3- تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وما جرى بمصر في عصره.
4- حقوق النساء في الإسلام.
5- الوحي المحمدي.
6- المنار والأزهر.
7- ذكر المولد النبوي.
8- الوحدة الإسلامية.
9- يسر الإسلام وأصول التشريع العام.
10- الخلافة أو الإمامة العظمى.
11- الوهابيون والحجازيون.
12- السنة والشيعة.
13- مناسك الحج، أحكامه وحكمه.
14- حقيقة الربا.
15- مساواة الرجل بالمرأة.
16- رسالة في حجة الإسلام الغزالي.
وفاة الشيخ
كان للشيخ رشيد روابط قوية بالمملكة العربية السعودية، فسافر بالسيارة إلى السويس لتوديع الأمير سعود بن عبد العزيز، وزوَّده بنصائحه، وعاد في اليوم نفسه، وكان قد سهر أكثر الليل، فلم يتحمَّل جسده الواهن مشقة الطريق، ورفض المبيت في السويس للراحة، وأصرَّ على الرجوع، وكان طول الطريق يقرأ القرآن كعادته، ثم أصابه دوارٌ من ارتجاج السيارة، وطلب من رفيقَيه أن يستريح داخل السيارة، ثم لم يلبث أن صعَدت روحُه الطاهرة في يوم الخميس الموافق (23 من جمادى الأولى 1354هـ= 22 من أغسطس 1935م)، وكانت آخر عبارة قالها في تفسيره: "فنسأله تعالى أن يجعل لنا خير حظٍّ منه بالموت على الإسلام".
المصادر
* رشيد رضا صاحب المنار- أحمد الشرباصي.
* رشيد رضا الإمام المجاهد- إبراهيم العدوي.
* أعلام وأصحاب أقلام- أنور الجندي.
* مجلة المنار.