ونكمل مع كتاب زاد على الطريق لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه حيث يقول:

والجهاد فريضة ماضية إلى يوم القيامة ، فقد قال الله تعالى: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } ، كما قال تعالى :{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ، وهو ذروة سنام الأمر؛ إذ لابد للحق من قوة تحميه، وصدق الله العظيم: { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع  وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز } والآيات والأحاديث الخاصة بالجهاد كثيرة .

والمجاهد يحتاج إلى زاد من الإيمان وتقوى الله تعينه فى كل مراحل الجهاد، زاد يدفعه إلى المسارعة في الاستجابة إلى داعي الجهاد دون تردد فلا يثاقل إلى الأرض وزاد يعينه على الثبات والإقدام  عند الزحف ومجالدة الأعداء دون تفكير فى أن يوليهم دبره ، وزاد تخلص به نيته من كل شائبة أو أغراض دنيوية  كى يفوز بالشهادة الصادقة فتكون نيته أن تكون كلمة الله هي العليا .

ومع ذلك فالجهاد في سبيل الله أيضاً مصدر للزاد؛ فالمسلم حينما يعيش في جو الجهاد والتهيؤ والإعداد له يرتفع ويسمو عن دنايا الأرض ومطالب الجسد و الشهوات ومغريات الدنيا، وتسمو روحه، ويشرئب بعنقه يتنسم ريح الجنة وما فيها من نعيم، وفي هذا السمو والترقي والتخلص من جواذب الأرض زاد أي زاد .

المجاهد يقدم على الجهاد لتحقيق النصر و التمكين لدين الله لتسعد البشرية كلها بما يحققه هذا الدين لها من كل أسباب الخير وليجنبها شرور الشرك والضلال ... وهذه الاهتمامات الكبيرة تجعل من صاحبها  شخصية لها شأنها ودورها بالمقارنة بأولئك الذين يشغلون أنفسهم ومطالب أجسادهم ولا يفكرون إلا في سفاسف الأمور وفي ذلك ارتقاء وبناء لشخصية المسلم .

الذى يقدم على الجهاد يطمع في رضوان الله والفوز بالنصر أو الشهادة، ولا يعقل لمن كان هذا هو حاله أن يبقى في قلبه بغض أو حقد لإخوانه المسلمين، ولا يفكر في أن يرتكب إثماً، أو يؤذي أحداً، أو يغتصب حقوق غيره، أو أي شيء يغضب الله تعالى، كيف ذلك وهو على موعد في ساحة القتال والاستشهاد في سبيل الله، وفي هذا التطهر والمجاهدة زاد ينفع ويسمو به ، ولو لم يفز بالشهادة في عاجل أمره .

الذى يقدم على الجهاد في سبيل الله يقاوم نزغات الشيطان الذى يريد أن يقعده ويثبط همته؛ حيث يزين له الراحة والدعة والزوج والأولاد وما قد يتعرضون له من متاعب ومن يخلفه فيهم بعده إلى غير ذلك من وساوس الشيطان، وفي هذه المقاومة والمجالدة لنزغات الشيطان تقوية للإرادة وحصانة؛ فإيثار ما عند الله على كل هذه الأغراض الدنيوية والتوكل على الله والاعتماد عليه وأنه الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل و المال و الولد ، كل ذلك ترويض للنفس، وتقوية للإرادة وبناء للشخصية المسلمة على أساس من التقوى، وفي ذلك زاد كبير .

لابد للمجاهد أن يأخذ بأسباب القوة: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } والقوة لا تقتصر على قوة السلاح و العتاد ولكنها تشمل أيضاً قوة العقيدة، والإيمان وقوة الوحدة والرابطة، وقوة العلم والمال، وكل أسباب القوة، وفى تحقيق ذلك زاد للمؤمن، وكما يأخذ بأسباب القوة  عليه أن يتخلص من كل أسباب الضعف أو الشعور به ،كضعف الإرادة بالهم و الحزن، وضعف الإنتاج بالعجز والكسل، وضعف القلب والمال بالجبن و البخل ، وضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يرشدنا بهذا الدعاء الجامع للتخلص من هذه الأسباب: ( اللهم إنى أعوذ بك من الهم و الحزن، وأعوذ بك من العجز و الكسل، وأعوذ بك من الجبن و البخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) وفي التخلص من أسباب الضعف زاد .

ما أجدر كل أخ مسلم عقد النية على الجهاد أن يخلو إلى كتاب الله تعالى، ويقرؤه، ويقف عند الآيات التى تتصل بالجهاد من قريب أو بعيد ، فإن التهيؤ النفسيّ للجهاد سيجعله يتذوق هذه الآيات تذوقاً جديداً عميقاً، وسيخرج من هذه التلاوة بزاد كبير وعبر ودروس كلمات يسترشد بها في كل مراحل الجهاد ، وسنذكر بعض هذه الآيات على سبيل المثال لنرى كيف يعالج الأمور فى دقة ووضوح :

{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً * وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله  و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا * الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله و الذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً * ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة  وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب  * قل متاع الدنيا قليل والآخرة  خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }.

ثم انظر إلى هذه الآيات التى تتناول أخطر اللحظات التى يتعرض لها المؤمن حين يتحدد حاله بين موقفين أحدهما ينال فيه الثواب و الأجر العظيم والآخر يتعرض فيه لعذاب الله و غضبه: { يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم الى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً  والله على كل شىء قدير  } { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذٍ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً الى فئةٍ فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير  } .

وفي قصة طالوت و الملأ من بني إسرائيل في سورة البقرة والمراحل التى مروا بها والتصفيات التى تعرضوا لها  حتى وصلت تلك الفئة التى صبرت وثبتت ولجأت إلى الله تسأله الثبات و النصر ، وتحقق لها النصر بإذن الله: { فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده * قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين * ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين  فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك و الحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض  ولكن الله ذو فضل على العالمين } .

الشعور النفسى الذى يخامر المجاهد حينما يرى انتفاش الباطل واستعلائه وتترسه بأسباب القوة الأرضية، وتفوقه في العدد والعدة، وتهديده ووعيده لأهل الحق مما يرهب الناس ، أما المؤمنون الذين يعلمون أن النصر من عند الله، وأن القوة لله جميعاً فيزيدهم هذا الوعيد إيماناً مصداقاً لقول الله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل  * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء  واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } .