محمد عبد الفتاح رزق الشرف من مواليد 5 يناير 1909م الموافق 12 من ذي الحجة 1326هـ بقرية كنيسة الضهرية مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة حيث التحق بالتعليم، وحصل على دبلوم المساحة ليعمل بعد ذلك مهندسا مساحا في هيئة المساحة بدمنهور، ثم نقل إلى المنصورة مديرا لهيئة نزع الملكية في محافظة الدقهلية، ثم أصبح وكيل تفتيش نزع الملكية بطنطا.

قائدا لتنظيم 1965

تعرف الشريف على الإخوان المسلمين في وقت مبكر حتى أنه تم اعتقاله عام 1954م غير أنه لم يمكث في السجن سوى عامين ليخرج بعدها عام 1956م بقلب مملوء بالحماسة وهمة عالية جعلته يبحث عمن يشاركه في إحياء مسيرة الجماعة مرة أخرى، (خاصة بعدما تنامت أخبار المذبحة المروعة التي وقعت للمعتقلين الإخوان في طره يونيو 1956)

وقد وجد ضالته في بعض إخوانه معه بالسجن أمثال عبد الفتاح إسماعيل وعوض عبد المتعال، ويصف المشهد المهندس محمد الصروي بقوله: "كان رحمه الله أحد المؤسسين لتنظيم (65)، ومعه الشيخ عبدالفتاح إسماعيل (رحمه الله) من دمياط ،الطالب الأزهري الذي كان دون الثلاثين من عمره ، ويتمتع بهمة عظيمة وروحانية عالية".

والأستاذ عوض عبد المتعال عوض من المنصورة، مدرس الإبتدائي الذي كان دون العشرين من عمره، وفي الوقت نفسه كان طالبا منتسبا بكلية التجارة جامعة القاهرة . و كانت السمة الواضحة لهؤلاء الثلاثة المؤسسين للتنظيم هي الهمة العالية والنشاط الدءوب بلا ملل.

ويضيف الصروي عنهم قائلا في ذلك: "فهم أصحاب عزيمة لا تعرف إلا النوم القليل الذي يريح الأبدان فقط من التعب والكلل حتى يمكنهم استئناف الحركة). وكان طعامهم قليلا، وتعلقهم بمباهج الحياة محدود جدا إن لم يكن منعدما، وكان لقاؤهم في السجن الحربي عام 1955م ، و كانوا يتساءلون فيما بينهم وماذا بعد الإفراج؟

ويتناقشون في الإجابة كثيرا حتى قرروا أن يرصدوا من حولهم من الإخوان ، فمن وجدوا فيه رغبة في الاستمرار في دعوة الإخوان تعرفوا على كيفية الاتصال به بعد الإفراج، وذلك في خفية حتى لا يلفتوا الأنظار نحوهم.

ويقول الأستاذ عوض عبد المتعال:

    وكانت المفاجأة السعيدة بعد خروجنا من المعتقل في يونيو (1956) هي نقل المهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف إلى المنصورة مديرا لهيئة نزع الملكية في محافظة الدقهلية.. وتوثقت صلته بإخوان المنصورة ومنهم الأستاذ محمد هلال والأستاذ على موسى.

وبدأنا نتكلم كيف نبدأ والإخوان الموجودون في المحافظات ليسوا مرتاحين لأية فكرة لتجميع للإخوان ، فقلنا أولا : لابد أن نضع هدفا قريبا وهدفا بعيدا ، الهدف القريب أن نوقظ الإخوان بعيدا عن الإخوان المسئولين، والهدف البعيد أن نتخلص من عبد الناصر".

ولقد تحقق الهدف الأول بنجاح ولله الحمد، لكن الهدف الثاني تم إلغاؤه بعد المشورة ،بالرغم من عدم موافقة الأخ عبد الفتاح شريف الذي كان يرى أنه لابد من فعل شئ مع عبد الناصر .. كان عبد الفتاح شريف يجوب البلاد شرقا و غربا باحثا عن بقية الإخوان ليطلب منهم النصرة والمؤازرة، ولقد كان هو الأمير الفعلي للتنظيم الذي كان يقوده ظاهريا الأستاذ الوزير عبد العزيز علي .

وظل يقود التنظيم فترة من الزمن بجد ونشاط، ثم صدر تفويض من المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي للشيخ عبد الفتاح إسماعيل بتعيين قائد آخر للتنظيم، فلم يعد المهندس عبد الفتاح شريف قائدا للتنظيم، واكتفى برئاسة إخوان دمنهور، واستمر يعمل بكل تفان لخدمة الدعوة. وفي عام 1960م تغيرت أهداف النظام بعدما درس الأفراد الواقع وقرروا أن يكون هدفه بناء القاعدة الأخلاقية والتفكير في التربية.

محنته

اعتقل عبد الفتاح الشريف أكثر من مرة كانت أولها في عام 1954م حينما اعتقل لمدة عامين في السجن حيث أفرج عنه في يونيو 1956م. لكنه كان ذا همّة ونشاط؛ فلم يستسلم للدعة، فسعى إلى لم شمل الإخوان وتنظيمهم تربويا حيث كان أحد قادة المؤسسين لما عرف بتنظيم 1965م وتم اعتقاله مع من اعتقل في أغسطس 1965م وفيها رأى رؤيا في أول أيام دخوله السجن الحربي .. حيث رأى أنه يجلس في ركن بزنزانته، يجلس القرفصاء ، والزنزانة كلها مرصوصة بالخبز رصّا محكما حتى السقف ولا يوجد سوى الفراغ الذي يجلس منكمشا فيه .

أما ما عدا ذلك من حجم الزنزانة فهو مملوء بالخبز.. وبالفعل تحركت حاسة الهندسة المساحية عنده وظل يحسب حجم الزنزانة وحجم الرغيف أو بعملية حسابية قام بقسمة حجم الزنزانة على حجم الرغيف؛ فوجد الرقم مهولا وكبيرا ، ومنه علم أنه سيمكث في هذه الزنزانة حتى يأكل كل هذا الخبز سنين طويلة وقد كان حيث حكم عليه في القضية بالمؤبد ولم يخرج إلا عام 1975م.

وكالة أبشروا

تعرض عبد الفتاح الشريف للتعذيب الشديد على يدي حمزة البسيوني وصفوت الروبي خاصة حينما اشتهر بمسمى وكالة أبشروا حيث كان يفسر أحلام إخوانه بالبشرى والفرج وزوال الغمة حتى أنه كان ينكل به يوما كل أسبوع بصفة مستمرة.

يقول الأستاذ عباس السيسي رحمه الله:

    الرؤيا في السجون هي أبرز ما يتحدث به النزلاء ... وهي شغلهم الشاغل يؤملون فيها كثيرا، كما أن هناك بعضا من الإخوة قد اجتهدوا في تأويل ما يعرض عليهم من مثل ذلك، وفي مقدمتهم الأخ الكبير الأستاذ محمد عبد الفتاح الشريف، وهو من إخوان مدينة دمنهور وكان جزاه الله خيرا بعد أن يستمع إلى صاحب الرؤيا .. يبتسم ويقول ما يكون فيه الأمل والفرج والبشري.

    وكان كلما تقابل مع إخوة في طريقه إلى الزنزانة يقول لهم: أبشروا ... فأطلق الإخوان عليه اسم (وكالة أبشروا) ولقد كان لوكالة أبشروا أثر طيب في تهدئة النفوس وترطيب القلوب، وكان كل من يصله من الإخوان خبر طيب يبعث به الأستاذ محمد عبد الفتاح الشريف ثم يتولي هو إذاعته على الإخوان . كما كانت له تنبؤات وتأويلات صادقة جعلت الإخوان يستبشرون:.

ويضيف:

"  عرف عن الأخ الأستاذ محمد عبد الفتاح الشريف منذ محنة 1954 هوايته بتفسير الأحلام وتفسير الأحلام في السجون أمر ينشغل به المساجين كما عرفناه منذ دخل سيدنا يوسف بن يعقوب السجن وكان بعض الإخوة يعرضون عليه ما يظهر لهم من رؤيا حتي يطمئنوا فبعد أن يستمع إلى مشاهدهم يقول لهم (أبشروا) وطبعا أبشروا عندنا معناها الإفراج، وعند الظالمين معناها زوال طغيانهم وعهدهم، ولا ندري كيف وصل إلى إدارة السجن نبأ وكالة أبشروا. إن انتشار روح أبشروا في محيط الإخوان معناه مضاد حيوي ضد الخوف واليأس والضعف وهو الهدف الذي يرمي إليه أعداء الدعوة الإسلامية .

    وفي صباح أول شهر رمضان المعظم والجميع صائمون - دخل الصول صفوت الروبي غاضبا ينادي – فين الشريف ؟ فخرج من الطابور يمشي بصعوبة فهو فوق الستين عاما ووقف أمامه فسأله صفوت الروبي أنت بتاع أبشروا ؟ فلم يرد عليه – فسأله النهاردة إيه ؟ فقال الشريف أول أيام شهر رمضان المبارك فإذا بصفوت الروبي يصفعه على وجهه صفعة واحدة . فيسقط الشريف على الأرض كتلة جامدة لا ينطق بكلمة !! ومئات الإخوان جامدون.

ويقول الصروي:

"    وكانت تحية أول رمضان من الجلاد صفوت الروبي لنا أن استدعى المهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف (56 سنة آنذاك) وقام صفوت الروبي بركله ركلة شديدة أوقعته على الأرض وهو صائم هزيل الجسم ضعيف البنية كبير السن."

ويضيف جابر رزق بعض ما حدث بقوله:

" وبدأنا نجري ونحن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. وأثناء الجري رأينا الأستاذ عبد الفتاح رزق الشريف يخرج من المستشفي وكأنه خارج من القبر شاحب الوجه مجهدا يجر رجليه وخلفه أحد الحراس يلهب ظهره بالكرابيج ليسرع.. وأراد صفوت أن يدخل عبد الفتاح رزق الشريف طابور السريع ليجري ولكن كيف لشيخ في الستين مريض "بعرق النساء" صفع صفعة ألقت به على الأرض فأغمى عليه ثم أفاقوه في المستشفى . . كيف لإنسان في مثل هذه الحالة أن يجري .. اكتفى صفوت أن يسير الشيخ عبد الفتاح الشريف خلف الطابور السريع والحارس يلهب ظهره بالكرباج !!"

ورغم هذه الحادثة المروعة للأستاذ عبد الفتاح شريف إلا أنه استمر صاحب "وكالة أبشروا" للإخوان يتعقب رؤى الإخوان ويصر على أن يسمعها بنفسه ويفسرها بما يبشر الإخوان بنهاية المحن.. ومجيء الفرج وكان للأستاذ شريف نفسه رؤيا رأى فيها بطانية من بطاطين السجن كتب عليها .. 17 و 9 .. فقط وانتظر الأستاذ شريف تفسير تلك الرؤيا فإذا بالأحداث تتلاحق وتقع هزيمة يونيو وتحقق رؤى الإخوان ونخرج من السجن الحربي يوم 17 يونيو الموافق 9 في الشهر العربي ! !

على التليفزيون

قام نظام عبد الناصر بعمل لقاءات تليفزيونية مع بعض قادة الإخوان أجراها المذيع حمدي قنديل بهدف تشويه الإخوان، وكان أول ضيف في هذه اللقاءات هو الأستاذ محمد عبدالفتاح الشريف، وهو ما وصفه الأستاذ عباس السيسي بقوله: "وكان يؤتي بالأخ قبل عرضه على الشاشة فيلقن الإجابات التي تفيد التحقيق فإذا دخل على المذيع وكان (حمدي قنديل) وخالف الكلام المتفق عليه – يعودون به ويلقنونه درسا في التعذيب ويعود إلى المذيع مرة أخري وهكذا حتي يقول الكلام الذي يملونه عليه."

ورغم أن كل أخ تحدث على الشاشة كان يعيش في خوف ورعب لما يترقبه بعد ذلك من محاسبة على كل كلمة . فقد كانت مواقف رائعة أحسها الشعب المصري بفطرته فكان الناس في المقاهي والمنتديات يصفقون إعجابا وتقدير كلما شاهدوا وسمعوا لأحد هؤلاء الأخوة وهم يتكلمون بشجاعة وقوة على أن غايتهم من هذه الحركة هو تحكيم كتاب الله تعالي في الأرض وكانت نتيجة استطلاع الرأي لتأثير هذا العرض – هو زيادة إعجاب غالبية الشعب بجماعة الإخوان لهذا أسرعت الحكومة بإلغاء هذا العرض – رغم ما ألبسوه من تزوير وتضليل.

اعتقالات في عهد السادات

اعتقل الشريف عامي 1954 و 1965م ثم عاود النظام الحاكم اعتقاله في أحداث سبتمبر 1981م رغم كبر سنه ليظل في السجن ما يزيد عن العام

ويحكي الأستاذ علي أبو شعيشع ذكرياته مع الشريف في هذه المحنة بقوله:

"    لازمت الحاج عبد الفتاح الشريف في الصباح بعد فتح الزنازين نسير في جولة دائرية عشرات المرات، أحدثه ويحدثني عن التوقعات المرتقبة وعن ذكريات الماضي وكان عذب اللسان محببا إلى الجميع على اختلاف أفكارهم يحيي الجميع، ويبتسم للجميع حتى القطط كان يحدثها في كل صباح لما كانت تسرق طعامه، وأخذ يحدثني عما مضي من تاريخ الدعوة بعد سنة 54 وهي المدة التي لم يكن لى فيها نشاط مع الإخوان لوجودى في أبي المطامير.

كما يضيف جانب من حكمة الشريف بقوله:

"    في الشهر السادس لنا في السجن تقرر (تكدير) واحد من جماعة (التكفير والهجرة) لاعتدائه على جاويش العنبر وتوسط الدكتور فؤاد عبد المجيد لدي المأمور فاتهمه بعض شباب الجهاد بالتواطؤ مع المأمور ووجهوا إليه ألفاظا خارجة، وبدأت إشاعات تنطلق بأن الإخوان يخططون ضد المعتقلين من التكفير والجهاد، وتدخل الحاج عبد الفتاح الشريف وانتهت الفتنة، كما كان الشريف دائما ما يعلق بتعليقات جميلة على المحاضرات وكأنها خواطر حكيم، حتى تقرر نقل الشيخ لتأثيره في الشباب إلى سجن طرة بالقاهرة."

محنة 1995 ومبارك

اضطربت العلاقة بين الإخوان ونظام مبارك والذي قرر أن يوجه ضربة لهم على مشارف انتخابات مجلس الشعب عام 1995، وأيضا بعد اجتماع مجلس شورى الإخوان عام 1995م.

حيث تم القبض على 45 من قيادات الإخوان في 2 يناير عام 1995 وذلك عقب اجتماع لمجلس شوري الجماعة بمركزها العام بالتوفيقية، وبعد عدة أشهر تم إحالة المجموعة إلى القضاء العسكري المصري، وهي القضية التي عرفت (برقم 8/ 1995 جنايات عسكرية) وكانت التهمة إعادة إحياء جماعة محظورة وكان منهم الحاج عبدالفتاح الشريف الذي تجاوز عمره الثمانين عاما، ثم أفرج عنه لاحقا بسبب ضعف صحته وكبر سنه "إفراج صحي"، وحكمت له المحكمة بالبراءة ضمن 15 شخص أخذوا براءة.

وفاته

كان عبد الفتاح الشريف أحد أركان الدعوة في البحيرة خاصة بعدما خرج الإخوان من السجون في عهد السادات، وظل يجوب البلاد شرقا وغربا يدعو إلى الله، وينشر دعوته رغم كبر سنه حيث كان أحد أعضاء مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين، وظل كذلك حتى توفاه الله في 14 مايو 2002، الموافق 2 ربيع الأول 1423هـ عن 91 عاما حيث شيعته جموع الناس والإخوان وقادة الإخوان المسلمين.

قالوا عنه

وصفه المهندس محمد الصروي بالصوام القوام حيث يقول:

"    كان كثير الصلاة بالليل.. ولقد جاورته في غرفة رقم (5) في مزرعة طرة عنبر رقم (2) فكان يصلي العشاء، وينام بعد الصلاة مباشرة، ثم يقوم في حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا ... صيفا شتاءً ويظل يصلى حتى صلاة الفجر .. ولم يكن أحد من الشباب يستطيع أن ينافسه في هذا الخير، رغم أن عمره كان قد تجاوز الستين وأغلب من معه في الحجرة شباب بين الثلاثين والأربعين.

يقول جابر رزق:

"  وأذكر أن الأستاذ عبد الفتاح الشريف وكان في العقد السادس من عمره وكان مريضا بعرق النساء كان يصوم ليوفر للأخ حمدي صالح وللأخ سيد نزيلي العيش ليأكلانه لأنهما كان يجريان في الطابور السريع أما هو فكان يسير في طابور العواجيز!!"

ومن مواقفه التي يذكرها الأستاذ محمود عبد الحليم أن المحامي شمس الدين الشناوي لقى من التعذيب الشديد حتى كان يوم 21 ديسمبر 1965م علم بالإفراج عنه، لكن عند البوابة رأه شمس بدران ورفض أن يخرج حتى يقول في حق الشيخ الأودن كلاما يدينه فرفض، فجاء بمحمد عبد الفتاح الشريف ليقول كلاما في حق الأودن والشناوي يدينهما فقال له: إن ذلك لم يحصل، قال: أنا لم أسألك إن كان حصل أم لا إنما أطلب منك أن تقول ذلك وإلا أعدنا عليك كرة التعذيب؛ فرفض الشريف التجني على أحد، فقال شمس بدران: أتظن أن التعذيب انتهي ؟ ! هات يا صفوت عدة التعذيب ونصبت الفلكة.