بمجرد الإعلان عن فوز المرشح الإسلامي الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية في انتخابات يونيو 2012م، وثقت الصحف الصهيونية دعوات صريحة للعمل على إسقاط حكم مرسي عبر إفشاله. فقد دعا المستشرق الصهيوني زيسير في صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى إفشال مرسي، على اعتبار أن "هذا " ما تقتضيه مصلحة "إسرائيل" الإستراتيجية، لأن التخلص من حكمه يوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي”.

وحذر المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" رون بن يشاي من أن مرسي قد غير قواعد اللعبة في المنطقة بما لا يخدم مصالح إسرائيل، وهذا ما يفرض على الولايات المتحدة التدخل. ولفت البرفسور إفرام كام نائب مدير "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى حقيقة أن مرسي أضر بمصالح إسرائيل والغرب، لأنه تمكن من نسف التصور الغربي لموازين القوى داخل مصر بشكل واضح.

ولم تكتف النخبة الصهيونية بالتحريض على مرسي وحكمه، بل بالغت في تحريضها على جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص. فقد نقلت "معاريف" فحوى تقرير أصدره معهد "فيزنتال" (أهم مركز أبحاث يهودي في العالم) والذي اعتبر د. محمد بديع -مرشد "الإخوان المسلمين"- أكثر شخص حرض على اليهود في العالم، حيث اعتبر التقرير أن بديع هو أخطر شخص على اليهود في العالم.[[1]]

الإجراء الأول الذي اتخذته حكومة الاحتلال بمجرد فوز مرسي صاحب الخلفية الإسلامية، هو وضع  جميع مؤسسات وأجهزة الاحتلال في حالة تأهب قصوى؛ وكانت مجلة «الدفاع الإسرائيلي» المتخصصة في شئون الأمن،  قد كشفت عن استهداف حكومة الاحتلال لنظام الرئيس مرسي بمجرد انتخابه مباشرة؛ وأكدت تورط «الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية في التجسس على مصر عام 2012 وجمع معلومات استخبارية عنها»، وأوضحت أن وحدة الاستخبارات الإلكترونية (الإسرائيلية) المعروفة بـ «وحدة 8200» ووكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)، قد تعاونتا في التجسس على مصر، خلال عام 2012، بعد انتخاب «محمد مرسي».

وأفادت المجلة بأن قيادة الاستخبارات الوطنية الأمريكية (ODNI) أمرت، في يوليو 2012، وكالة الأمن القومي بتوسيع التعاون مع «وحدة 8200» في مجال جمع المعلومات الاستخبارية عن مصر، حيث تم التشاور بين الجانبين في اختيار أهداف استراتيجية، لجمع المعلومات عنها، بحسب تسريبات «ويكيليكس».[[2]]

تفاصيل المعلومات التي سعى الموساد للحصول عليها كشف عنها «كلايتون سويشر»، كبير المحققين في الجزيرة الإنجليزية؛ بناء على برقية سرية تم تسريبها للجزيرة.

    أولا: الموساد سعى للحصول على معلومات مفصلة من أجهزة مخابرات متعاونة، حول مرسي وشخصيات مهمة في جماعة الإخوان المسلمين. ومعرفة تفاصيل مهمة عن هوية أشخاص داخل المؤسسة الأمنية والقضائية والبيروقراطية ممن ينظر إليهم على أنهم موالون للإخوان المسلمين، أو مقربون منهم، وكذلك الأشخاص الذين يعرف عنهم أو يشك في أن لهم ارتباطات بالإخوان المسلمين داخل أجهزة الدولة الحساسة.

    ثانيا: طلب الموساد معلومات عن التحركات المحتملة للإخوان لتقويض وإضعاف الجيش والمحاكم والدولة العميقة في مصر. وخطوات الإخوان المحتملة لتحقيق إنجازات سريعة للفوز بإعجاب الرأي العام. ومخططاات الإخوان لاختراق جهاز الأمن (الجيش وآليات الدفاع والشرطة)، والنظام القضائي ونظام الخدمة المدنية.

    ثالثا: معلومات حول عملية اتخاذ القرار داخل القيادة المصرية. وطبيعة وتفاصيل العلاقة بين مرسي والجماعة، وإجراءات صناعة القرار في النظام الجديد. وتفاصيل دائرة مستشاري مرسي: الأسماء، الوظائف داخل الرئاسة، والارتباطات بالإخوان المسلمين، والارتباطات بمرسي شخصيا.

    رابعا: معلومات محددة حول قضايا محلية.

ويفسر "سويشر" هذه التحركات والمعلومات بأنها تعطي صناع القرار "الإسرائيلي" صورة مفصلة عن الدينامية السياسية في القاهرة، وهي معلومات جيدة لأي طرف يقوم بتفريخ خطة لإجهاض حكم الإخوان بمصر والتخلص من الحكومة المنتخبة.[[3]] في إشارة إلى تورط "إسرائيل" مبكرا في التخطيط للانقلاب بمجرد الإعلان عن فوز مرسي.

فما حدود هذا الدور؟ وما مداه؟ وما أهم التصريحات التي صدرت عن قادة الاحتلال بهذا الشأن؟ وما خلاصة ما دونته مراكز البحث والدراسات العبرية؟ وما العواصم التي تحالفت مع الكيان الصهيوني في وضع مخططات الانقلاب والإشراف عليه وتأمين الشرعية له بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب؟ وما دور الكيان ونخبته السياسية والثقافية في الدفاع عن نظام الانقلاب الدموي ضد الانتقادات التي طالته بشأن الانقلاب والمذابح الجماعية الوحشية ضد أنصار الرئيس المنتخب؟

موقف مرسي من العدوان على غزة

يعتبر موقف الرئيس مرسي من العدوان الصهيوني على غزة في نوفمبر 2012م، أحد أهم المحطات التي  أزعجت الصهاينة بشدة؛ حيث اتخذ الرئيس مرسي عدة إجراءات علنية بخلاف التدابير السرية التي رصدتها أجهزة مخابرات الاحتلال ونوافذه الإعلامية.

وقد اتخذ الرئيس ستة تدابير مباشرة هي: استدعاء السفير المصري بتل أبيب، وطرد السفير الصهيوني من القاهرة، وفتح معبر رفح لمدة أربعة وعشرين ساعة يومياً، إرسال وفد رسمي يترأسه رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل إلى غزة كرسالة دعم ومساندة ضد العدوان، كما عقد اجتماعاً طارئاً للجامعة العربية، وطالب بعقد اجتماع عاجل للأمم المتحدة ليوضح تأثيرات العدوان الصهيوني.

أما التدابير الخفية فقد تحدثت صحيفة “إسرائيل هيوم» عن تأثيراتها وكتبت «لقد مُنعنا من شن حرب برية على قطاع غزة بعد تهديد مرسى بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد». والأكثر من هذا فان السفير الصهيوني السابق في مصر «زيفى مازيل» اعترف أن طريقة تعامل الرئيس مرسى مع الهجمات الأخيرة على قطاع غزة توضح أنه "عدو صعب لإسرائيل".

ومما ذكره المُعلق رون بن يشع أن «الرئيس مرسى قام بتغيير قواعد اللعبة والحل الآن أن يتخذ الأمريكان إجراءات» في تحرض مباشر للتدخل الأمريكي لإعادة المعادلة التي كانت قائمة في عهد مبارك.

وانتهت تقديرات الموقف داخل مؤسسات الاحتلال ومراكز البحث إلى عدة خلاصات: [[4]]

أولا، مصر بعد الثورة وتحت حكم مرسي الذي لا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية مختلفة كليا عن مصر ما قبل الثورة، وأن النفوذ الأمريكي الإسرائيلي في القاهرة بدأ يتلاشى؛ يقول نعوم تشومسكي في مقاله بصحيفة “الجارديان” البريطانية «إن الاختلافات بين مرسى وأوباما أثبتت لأمريكا أن مصر لم تعد منطقة تحت النفوذ الأمريكي أو على الأقل مختلفة عما كانت عليه في عهد مبارك». كما ذكر تشومسكى، أن مرسي الذي لم يكن فردا في المؤسسة العسكرية لم يوافق أن ينطق بجملة اُقترحت عليه من إدارة أوباما وهي "أن مصر وأمريكا سيعملان على إيجاد حلول من أجل توفير أمان دائم وسلام موضوعي لكلا الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي». كان الهدف "انتزاع إقرار من مرسي بدولة إسرائيل"، لكن رفضه كان كافيا لإقناع واشنطن بموقف حلفائها العرب بأن جماعة الإخوان مصدر تهديد لأمن واستقرار المنطقة.[[5]]  في إشارة إلى "إسرائيل".

وكتب السفير الصهيوني السابق بالقاهرة “تسفي مزال”، في مقاله بصحيفة "معاريف" يقول: «إن الحرب على غزة كشفت أن مصر الجديدة متكأ واه بالنسبة لإسرائيل”. ويعتبر مزال أن "مشاعر الكراهية لإسرائيل تحرك الرئيس محمد مرسي" الذي اتهمه بـ”بخرق كامب ديفيد».

ثانيا: الخوف الشديد من الرئيس مرسي وسياساته وحرص قادة الاحتلال على عدم إغضاب الرئيس مرسي وأنهم كانوا يعملون له ألف حساب لعدم إغضابه؛ وقد اعترف بذلك دان مرجليت ـ كبير معلقي صحيفة “إسرائيل هيوم” الأربعاء 21 أغسطس 2013- حيث يؤكد أن "إسرائيل خلال حكم مرسي كانت في مأزق كبير،  وأنها اضطرت للتعامل بحذر شديد من أجل عدم إغضاب مرسي؛ وكانت مجبرة على السير على أطراف أصابعها من أجل عدم إغضاب مرسي وإثاره عدائه لإسرائيل.[[6]]

ثالثا: دخول الرأي العام المصري كطرف أصيل في معادلة صناعة القرار السياسي ورسم السياسات العليا للدولة لأول مرة منذ سنوات طويلة؛ يقر المحلل تسفي بار إيل، بالتحريض الإسرائيلي المتواصل على الثورة المصرية، لكنه سلط الضوء على أخطر ما في الأمر وهو ارتهان مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل بمدى التطورات داخل الشارع المصري الذي بات رقما مهما لأول مرة في المعادلة، بينما كانت هذه العلاقات قبل مرسي ترتهن بموقف الولايات المتحدة فحسب.

رابعا: مصر الجديدة بعد الثورة وتحت حكم  الإسلاميين تناصب "إسرائيل" العداء وتضع قيودا صارمة على تحركاتها ضد الفلسطينيين، وتنحاز للمقاومة الفلسطينية انحيازا كليا، والتزام مرسي بكامب ديفيد هو مجرد سلوك تكتيكي. يقول رئيس مركز “هرتسوج” لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية بجامعة بئر السبع “يورام ميتال”، إن نجاح التحركات المصرية في وقف الحرب لن ترمم العلاقات الهشة بين القاهرة وتل أبيب، عازيا ذلك إلى أن مرسي يقود خطا مختلفا تماما عن سابقه حسني مبارك، وأن مصر مرسي قد نجحت في منع الحملة البرية على غزة بفضل تحرك صارم وسريع بعدة مستويات دبلوماسية وميدانية، ومصر الجديدة غيرّت موقفها حيال الصراع "الإسرائيلي الفلسطيني" وفرضت قيودا على حرية تحرك "إسرائيل" ضد الفلسطينيين”.

ويرى "دوف فايسجلاس"، مدير ديوان رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، في مقاله "بوليصة تأمين"، نشرته "يديعوت أحرونوت" أن « مصر الجديدة مختلفة تماما في تعاملها مع إسرائيل اليوم وغدا، ومصر بقيادة الإخوان المسلمين ستظل تناصب إسرائيل العداء، وإن عدم إلغائها كامب ديفيد ينم عن اعتبارات تكتيكية راهنة”. ويدلل على الاختلاف في التعامل المصري المستقبلي مع إسرائيل بالقول إن القاهرة منحت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "بوليصة تأمين" تردع جيش الاحتلال عن اجتياح بري لقطاع غزة ، مضيفا “مصر اليوم وغدا ملتزمة أكثر بحماس من التزامها بعلاقات مع إسرائيل".

خامسا: بقاء الإسلاميين في الحكم مصدر تهديد كبير للمشروع الصهيوني ويمثل أكبر فرصة للمقاومة الفلسطينية لتعزيز قدرتها القتالية والتسليحية والسياسية، بما يهدد  أي خطط مستقبلية للاحتلال لإخضاع الفلسطينين وحركات المقاومة. فقد أدى الموقف المصري القوي في دعمه للمقاومة إلى تراجع حاد في قدرة تل أبيب على مواجهة المقاومة واعترفت تقديرات الموقف الصهيونية بأن الظروف التي شنت فيها "إسرائيل" حربها على غزة في 2012 أثناء حكم  مرسي كانت أصعب بكثير من ظروف حربي 2008 في عهد مبارك و2014 في عهد انقلاب السيسي.

تورط في المؤامرة

في أعقاب الانقلاب،  قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية في 20 أغسطس 2013، إن لديه وثائق تؤكد وقوف "إسرائيل" وراء الانقلاب في مصر، وانتقد بشدة الدعم الكبير الذي تقدمه دول الخليج لما سماه النظم الدكتاتورية، والموقف "المخزي" للغرب تجاه المشهد الدموي في مصر. وقال أردوغان إن "إسرائيل" تقف وراء ما يقال في مصر من أن "الديمقراطية لا تقوم على صناديق الاقتراع". 

ونقل رئيس الوزراء التركي تصريحات لوزير العدل الصهيوني ومثقف يهودي قبل الانتخابات الرئاسية في مصر قالا فيها: "حتى وإن فاز الإخوان المسلمون في الانتخابات فلن يخرجوا منها منتصرين، لأن الديمقراطية لا تقوم على صناديق الاقتراع”.[[7]]

بالطبع اتهام أردوغان للكيان الصهيوني بالتورط في الانقلاب على الرئيس مرسي لا يأتي من فراغ، وقد أكد أنه يملك الوثائق التي تثبت ذلك.

ورغم أن المعلومات عن الدور الصهيوني في الانقلاب تبدو شحيحة؛ لأن الاحتلال وأجهزته كانوا حريصين أشد الحرص على أن يبقى هذا الدور خفيا لا سيما فيما يتعلق بالتخطيط والتواصل الإقليمي والدولي، وكذلك الدور الذي لعبه الجناح الصهيوني داخل منظومة الدولة العميقة في الجيش والأجهزة الأمنية المصرية. لكن قيادات الاحتلال لم تملك نفسها بمجرد نجاح الانقلاب وراحت تعترف بهذا الدور دون ذكر التفاصيل، كما كشفت وسائل الإعلام الصهيوني مقتطفات مهمة للغاية تبرهن على أن الدور الصهيوني في الانقلاب كان مركزيا ومحوريا.

أولا: بعد دور الرئيس مرسي في وقف العدوان على غزة، وانتصاره للمقاومة وحقها في تحرير بلادها ورد  العدوان الإسرائيلي اتساقا مع القانون الدولي، خرجت تقديرات الموقف الصهيونية من هذه الحرب التي استمرت أسبوعا واحدا بخلاصة واحدة هي ضرورة الإطاحة بحكم مرسي والقضاء تماما على ثورة 25يناير ونسف المسار الديمقراطي في مصر والمنطقة، وعودة الجنرالات إلى حكم البلاد من جديد. وقد ألقت وزير الخارجية بحكومة الاحتلال وقتها تسيبي ليفني محاضرة في 17 نوفمبر 2012، نظمها "معهد الأمن القومي الإسرائيلي" هددت فيه نظام الرئيس مرسي وكل نظام عربي أو إسلامي يقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية وقالت نصا:”كل قائد ودولة في المنطقة، يجب أن يقرروا أن يكونوا جزءا من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراجماتية والاعتدال، وإذا قرر قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا".

وبخصوص الرئيس مرسي تحديدا شددت ليفني: "لدينا متطرفون أكثر في المنطقة، وقادة يريدون أن يختاروا مسارهم وطريقهم، لدينا في مصر مرسي الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، ويجب أن نتكاتف سويا، ونتحد ضد هؤلاء، الذين يعادوننا، وأن نفعل شيئا، فمسئولية أي حكومة إسرائيلية هي العثور على طريقة علنية أو غير علنية، للسيطرة على التغيير الحادث في المنطقة، والتأثير في تشكيل مستقبلها".[[8]]

ثانيا: شرعت حكومة الاحتلال وأجهزته الأمنية  في التخطيط والعمل على نطاق واسع من أجل إجهاض المسار الديمقراطي في مصر ووأد الروح الثورية التي جددت الحياة في عروق المصريين بعد عقود من التهميش والقمع تحت حكم نظام 23 يوليو العسكري؛ وعلى رأس قادة الاحتلال الذين اعترفوا بهذا الدور بنيامين نتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال؛ الذي أقر بالدور الكبير الذي لعبته حكومته وجهاز الموساد التابع لها في الانقلاب الذي نفذه السيسي في 30 يونيو 2013م، وكيف وضعت حكومة الاحتلال إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي والمسار الديمقراطي كله ونسف جميع مكتسبات ثورة يناير كأولوية قصوى على رأس أجندة حكومة الإحتلال، يقول نتنياهو في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي: «لقد حاولنا مرارا أن نتواصل مع السلطة الحاكمة في مصر عام 2012، ولكننا فوجئنا أن هذه السلطة ترانا كأعداء لها، وأن (إسرائيل) احتل بلدا عربيا شقيق؛ ولذلك كان لا بد لنا من التخلص من هذه السلطة التي لا تريد سلاما، خصوصا بعدما أعلنه الرئيس مرسي وأوضح لنا نيته في أنه يريد أن يتخلص من دولة (إسرائيل)».[[9]]

ثالثا: وفقا لصحيفة "هآرتس" فقد وعدت حكومة العدو الصهيوني قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بتواصل الدعم الأمريكي حال الإطاحة بمرسي. وذكرت القناة العاشرة العبرية أن رئيس الموساد لعب ورا بارزا في الإعداد للانقلاب وقضى الكثير من الوقت في إحدى العواصم الخليجية لهذا الغرض.[[10]] وهو ما يؤكد تواصل السيسي مع الصهاينة في مرحلة التخطيط للانقلاب وأن تل أبيب شجعته وحرضته وطمأنته بخصوص الموقف الأمريكي.

كما يبرهن ذلك على أن الإعداد للانقلاب كان إقليميا وبترتيب وتآمر صهيوني خليجي، وعلى الأرجح فإن العاصمة التي احتضنت مرحلة التخطيط والإشراف على مراحل الانقلاب وربط الخيوط والجهات المشاركة فيه هي "أبو ظبي". التي تعتبر أهم الدول التي دعمت الانقلاب وساندته حتى اليوم. كما اعترف الجنرال في الجيش الصهيوني آرييه إلداد في مقاله بصحيفة "معاريف" في إبريل 2019م، أن "إسرائيل سارعت إلى تفعيل أدواتها الدبلوماسية، وربما وسائل أكبر من ذلك، من أجل إيصال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر، وإقناع الإدارة الأمريكية آنذاك برئاسة الرئيس باراك أوباما بعدم معارضة هذه الخطوة”.[[11]]  عبارة “وربما وسائل أكبر من ذلك” تعني أن الدور الصهيوني كان مركزيا للغاية ولم يتوقف عند الأدوات الدبلوماسية فقط.

الحفاوة الصهيونية بالانقلاب

أملت  المخاوف الصهيونية على دوائر صنع القرار في تل أبيب الاستنفار لدعم الانقلاب الذي قاده السيسي، إذ لعب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو دوراً رئيسياً في تأمين شرعية دولية لنظام انقلاب 30 يونيو، من خلال الضغط على إدارة أوباما لعدم التعاطي معه كانقلاب، وعدم المس بالمساعدات التي تقدمها واشنطن للجيش المصري. ويمكن الافتراض بأن استعداد نظام السيسي لتطوير الشراكات مع تل أبيب قد فاجأ قادة حكومة اليمين المتطرف في الكيان، وتجاوز أكثر رهاناتهم المسبقة. فقد تعاون نظام السيسي مع الصهاينة في مواجهة المقاومة الفلسطينية، كما عكس ذلك السلوك المصري أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 2014.

وعبرت الأوساط الصهيونية عن فرحتها العارمة بنجاح الانقلاب الذي قاده السيسي ضد الرئيس مرسي وعدته انقلابا على ثورة يناير والمسار الديمقرطي كله؛ وأبدت حفاوة منقطعة النظير بإجهاض المسار الديمقراطي  وعودة مصر مجددا إلى الحكم العسكري الشمولي وبات الجنرال عبدالفتاح السيسي ينظر إليه في (إسرائيل) باعتباره بطلا قوميا وعبقريا وزعيما يتمتع برباطة جأش منقطعة النظير؛ بحسب وصف “عمير روبوبورت” المحلل العسكري الصهيوني والباحث في معهد “بيجن ــ السادات” للأبحاث الإستراتيجية. والمثير للدهشة في مقال "روبوبورت” في اليوم التالي للانقلاب مباشرة أنه "أكد أن ثورة 25يناير مثلت مفاجأة مدوية للأوساط المخابراتية الإسرائيلية على عكس 30 يونيو".([12]) في إشارة واضحة إلى أن "تل أبيب" كانت ضالعة في كل خطوات الانقلاب وعلى علم مسبق بكل تفاصيله.

واعتبر معظم قادة الاحتلال أن انقلاب السيسي مثَّل معجزة لهم وعلى رأسهم عاموس جلعاد الذي ظل على مدى عشر سنوات مسئولاً عن إدارة ملف العلاقات الإسرائيلية مع مصر، وقاد "لواء الأبحاث" في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" ورأس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن، حيث بالغ بشدة في الإشادة بانقلاب السيسي ووصفه بأكبر معجزة حدثت لإسرائيل في العقود الأخيرة. هذه الإشادة الواسعة من جلعاد انطلقت من تقدير موقف مفاده أن أن ثورة 25 يناير 2011، كانت تحمل في طياتها مصادر تهديد وجودي واستراتيجي على إسرائيل. فقد أظهرت الأدبيات الصهيونية التي تناولت ثورة 25 يناير، والتي صدرت عن مراكز التفكير ودور النشر ووسائل الإعلام، بوضوح أن تل أبيب خشيت خصوصاً أن تفضي ثورة 25 يناير إلى تكريس واقع سياسي واجتماعي في مصر يصبح من المستحيل معه الحفاظ على اتفاقية “كامب ديفيد”، التي تعد أحد ركائز الأمن القومي الصهيوني.([13])

وفي نبرة ابتهاج، كتب معلق الشئون السياسية في صحيفة "هآرتس" آرييه شافيت: “إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو بطل إسرائيل، فلا يحتاج المرء أن تكون لديه عين ثاقبة بشكل خاص حتى يكتشف حجم التشجيع العميق والإعجاب الخفي الذي تكنه النخبة الإسرائيلية تجاه قائد قوات الجارة الكبرى من الجنوب، الذي قام للتو بسجن الرئيس المنتخب الذي قام بتعيينه في منصبه”.

وواصل شفيت توصيفه لحجم السعادة التي غمرت إسرائيل في أعقاب الانقلاب، قائلا: “وفي الوقت الذي يحتدم الجدل في الولايات المتحدة بشأن الموقف من التنوير غير الديمقراطي الذي يمثله الجنرال السيسي والديمقراطية غير المتنورة للرئيس مرسي، فإنه في إسرائيل لا يوجد ثمة جدل حول هذه المسألة، فكلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري، كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى، الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم في إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح، مع أنه أيضا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ومع أن هؤلاء الجنرالات كان يتوجب أن يكونوا خاضعين لتعليماته، كما هو الحال في النظم الديمقراطية “.

تأمين شرعية الانقلاب

أولا: أثناء الانقلاب (30 يونيو إلى 03 يوليو 2013 وما تلاها من أسابيع)، وجَّه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وزراءه وسفراءه بالصمت وعدم الحديث عن الشأن المصري أمام وسائل الإعلام، لكن ذلك لم يكن يعني وقوف تل أبيب على الحياد؛ فقد شهدت هذه الفترة مناقشات إسرائيلية مكثفة مع أعضاء الكونجرس الرافضين لانقلاب السيسي كما كثفت إسرائيل من دعمها للسيسي وحرضت المسئولين الأمريكيين في البيت الأبيض والبنتاجون والخارجية بالإضافة إلى دبلوماسيين غربيين من أجل تبني رواية الجيش وتقديم الدعم للسيسي. وسعت تل أبيب بكل إصرار لإقناع الأجنحة الرافضة للوضع في مصر داخل الحكومات الغربية.

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في أغسطس 2013م، عن تحركات دبلوماسية مكثفة لمسئولين صهاينة لدفع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لمساندة الانقلاب في مصر، ونظم سفراء الاحتلال في عدد من العواصم العالمية في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وبروكسل وعواصم أخرى للضغط على وزراء الخارجية في هذه الدول لتبني سياسات انفتاحية مع نظام الانقلاب في مصر.

كما نظمت حكومة الاحتلال حملات أخرى مع دبلوماسيين أجانب لترويج وجهة نظر مفادها أن الجيش هو الأمل الوحيد للحيلولة دون حدوث مزيد من الفوضى في مصر. ولخص مسئول صهيوني هذه السياسيات تحت عبارة "الجيش أو الفوضى". [[14]]

وكان النائب في برلمان (2015 ـ2020) عماد جاد، والمعروف بقربه من رأس الكنيسة الأرثوذوكسية قد اعترف بأن الكيان الصهيوني ساهم بقوة في دعم أحداث 30 يونيو التي قادت لانقلاب الجيش في  يوليو 2013م، ودافع في مقال بصحيفة "الوطن" المحسوبة على جهاز المخابرات عن لقاء السيسي أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2017م برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنناهيو.

وكتب جاد: «البعض منا لم يتوقف إلا أمام لقاء الرئيس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهناك من اعتبر اللقاء في حد ذاته مصيبة وتطبيعاً ولقاءً مع العدو، إلى غير ذلك من ألفاظ ومصطلحات، وقد تجاهل هؤلاء أننا وقّعنا معاهدة سلام مع الدولة العبرية عام 1979”. ويضيف جاد الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، وعضو بالمكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار: ” ولكن علينا في الوقت نفسه أن نضع المصلحة الوطنية المصرية في المقدمة ونتحلى بالموضوعية، ونعترف بأن إسرائيل لعبت دوراً مهماً في دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو”.

وأضاف جاد: “مارست الوفود التي أرسلها بنيامين نتنياهو ضغوطاً كبيرة على أعضاء في الكونجرس من أجل تبنى رؤى موضوعية تجاه الأحداث في مصر”.[[15]] وفى ليلة 29 يوليو 2013، أعلنت القناة العاشرة الإسرائيلية أن نتنياهو طلب من أوباما الضغط على الزعماء العرب لتكثيف زياراتهم لمصر من أجل تكريس شرعية الانقلابيين.[[16]]

ثانيا: جمد نتنياهو مؤقتاً الاهتمام بمسألة المشروع النووي الإيراني، وبات أهم ما يعنيه هو الحرص على ضمان نجاح الانقلاب في مصر”، هذا ما ذكرته الإذاعة العبرية – المحطة الثانية، المعروفة بـ “ريشت بيت”. وضمن تفاصيل الخبر أشارت الإذاعة إلى إن رئيس الحكومة (الإسرائيلية) تحدث إلى كل من الرئيس الأمريكي أوباما ورئيس الحكومة البريطانية كاميرون، والرئيس الفرنسي هولاند، أكثر من مرة خلال أسبوعين لحثهم على عدم التردد في إبراز الدعم للانقلابيين.  ونوهت الإذاعة إلى أنه في أحد المرات اضطر نتنياهو لإجراء خمس مكالمات مع قصر الإليزيه لكي يتسنى له الحديث مع هولاند، الذي كان مشغول بقضايا أخرى. وحسب الإذاعة، فإن نتنياهو أصدر تعليماته لكل من رئيس الموساد تامير باردو ورئيس الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي بأن يثيروا قضية دعم الانقلابيين في مصر في المحادثات التي يجرونها مع نظرائهم في الغرب، وهذا ما قام به باردو وكوخافي بالفعل. [[17]]

 

ثالثا: حذرت ورقة بحثية أعدها السفير الصهيوني الأسبق في مصر تسفي مزال، في أغسطس 2013، من أن الغرب سيبكي لأجيال في حال سمح بإفشال الانقلاب الذي قاده السيسي.

وتوقعت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "مصر في مواجهة لامبالاة الغرب" أن تؤدي "الضربة القوية" التي تلقتها جماعة الإخوان المسلمين بعد عزل مرسي إلى المس بأنشطة الجمعيات والمنظمات الإسلامية العاملة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا. [[18]] وهاجم الجنرال رؤفين بيركو -الذي شغل في الماضي مواقع مهمة في الاستخبارات العسكرية الصهيونية- الغرب لتوجيهه انتقادات للجيش المصري في أعقاب الانقلاب على مرسي وعمليات القتل التي يأمر بها الفريق السيسي. وفي مقال نشره الأربعاء 21 أغسطس 2012 في صحيفة "إسرائيل اليوم" -وهي أوسع الصحف الصهيونية انتشارا- قال بيركو إن السيسي حقق أهم حلم للغرب والذي يتمثل في تصفية جماعة "الإخوان المسلمين" وشروعه في حرب لا هوادة فيها ضد التنظيمات الجهادية في سيناء.

رابعا: مباركة المذابح بحق الإسلاميين وأنصار ثورة يناير؛ فعندما استنكر أوباما الفض الدموي لاعتصام رابعة، رغم انه امتنع عن وصفه بالانقلاب، نقلت رويترز عن مسئول صهيوني وصفته بأنه "رفيع المستوى" أنه منزعج من استنكار أوباما لإراقة الدماء في مصر وإلغائه لمناورات عسكرية مشتركة مع القاهرة.

وقال المسئول إن موقف أوباما "يثير الدهشة". في هذه الأثناء كشفت "هآرتس" نقلا عن نيويورك تايمز أن "إسرائيل بعثت برسائل طمأنة إلى السيسي بأن المساعدات الأمريكية لن تتوقف وأن إسرائيل تدعمه في الخطوات التي اتخذها لمحاربة جماعة الإخوان المسلمين.[[19]] هذه التسريبات أزعجت الإدارة الأمريكية التي وبخت تل أبيب لكشف هذه الحقائق، الأمر الذي دفع نتنياهو ـ حسب صحيفة معاريف العبرية ـ إلى توجيه الجنرال يعكوف عامي درور -رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي- إلى واشنطن لمطالبة الأمريكيين بالتحقيق في مصدر التسريبات في وسائل الإعلام الأمريكية والتي أكدت أن "إسرائيل" طمأنت قيادة الجيش المصري بتواصل المساعدات الأمريكية للجيش وأن التهديدات الأمريكية بهذا الشأن "فارغة".[[20]] وهي التسريبات  التي وضعت حكومة الاحتلال في حرج أمام الأمريكان بشأن التدخل الصهيوني لمنع اتخاذ قرار أمريكي بقطع المساعدات عن الجيش المصري. وهو ما حدث تماما وكشف التواطؤ الأمريكي وأن التظاهر الأمريكي بالاعتراض على الانقلاب والمذابح كان شكليا ولا جدوى.

خامسا: تعاظم الدعوات الصهيونية الرامية إلى توفير الدعم المالي اللازم لتثبيت أركان انقلاب السيسي، ففي مقال نشره في موقع "واي نت" الإخباري الصهيوني، دعا المعلق العسكري رون بن يشاي الغرب إلى تنفيذ “خطة مارشال” لدعم حكم السيسي، محذراً من عواقب فشل الانقلاب. وحث يشاي على دعم قائد الانقلاب بدون تحفظ على اعتبار أنه “يقود المعركة ضد الذين يحاولون إعادة الإسلام للصدارة مجدداً” محذراً الغرب من الركون لفكرة نشر الديمقراطية على حساب الاستقرار. كما حذر يشاي من أن فشل الانقلاب يعني حرمان الجيوش الغربية من المزايا التي تقدمها لها مصر حاليا، سيما الحق في التحليق في الأجواء المصرية ومنح حاملات الطائرات الأمريكية الأفضلية لدى إبحارها في قناة السويس، مشيدا بدور السيسي في الحرب ضد “جماعات الجهاد العالمي” التي قال إنها تهدد المصالح الغربية.[[21]]

مكاسب هائلة للصهاينة

بانقلاب 03 يوليو حقق الاحتلال الصهيوني عدة مكاسب هائلة:

أولا، تخلصت (إسرائيل) من كابوس التهديدات التي صنعتها ثورة يناير،  والتي كانت ستفضي إلى مشاركة الشعب في صنع القرار السياسي المصري؛ وهو ما يعني استقلال القرار الوطني الذي بات مرهونا بأمزجة ومصالح القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها ضمان أمن “إسرائيل” ومصالح الأمريكان والأوروبيين. فمصر الديمقراطية هي أكبر تهديد للوجود الإسرائيلي، وعندما تكون هذه الديمقراطية بنكهة إسلامية فإن ذلك أشد خطورة على الاحتلال؛ ولهذه الأسباب فإن الكيان الصهيوني يفضل أن يكون على رأس مصر والدول  العربية حكومة عسكرية أو ملكية مستبدة تكرس الطغيان وتهمش دور الشعوب في صناعة القرار.

وبرأي شادي حميد، الزميل البارز في معهد “بروكينجز”، فإن «إسرائيل، ــ وهي التي تدعي إنها إحدى الديمقراطيات القليلة في المنطقة ــ تفضل ألا يكون جيرانها العرب ديمقراطيين». ويضيف حميد أن كلمة "يفضل" قد لا تكون كافية لوصف ولع إسرائيل بالحكام المستبدين والديكتاتوريين بدلًا من الديمقراطيات، فهذه الكلمة لا تعكس بشكل كامل كيف تدعم (إسرائيل) القوى المناهضة للديمقراطية وتقوض الحركات الديمقراطية الناشئة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والوصف الأدق لإسرائيل هو أنها الداعم الرئيسي للديكتاتورية في المنطقة.[[22]] فنسف المسار الديمقراطي في مصر والمنطقة كليا وإلى الأبد هو أهم أهداف الصهاينة.

 وكان أستاذ الدراسات الأمريكية في جامعة “بارإيلان” أبراهام بن بتسفي، قد حث الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التوقف عن مطالبة السيسي بالشروع في عملية ديمقراطية عبر إجراء انتخابات عامة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني.

وحذر في مقال نشره موقع صحيفة "إسرائيل اليوم" في أغسطس 2013 من أن أية دعوة لإعادة مصر إلى الخيار الديمقراطي ستشكل مصدر قوة لمؤيدي مرسي. كما حذر من عودة أوباما إلى نفس الخطأ الذي أقدم عليه بعيد اندلاع ثورة 25 يناير، حيث طالب بتنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك. ودعا بن تسفي الإدارة الأمريكية إلى التخلي عما سماه وهم إمكانية خلق نظام ديمقراطي في مصر، مشددا على ضرورة تركيز الولايات المتحدة جهدها من أجل “بلورة شرق أوسط جديد، أقل راديكالية وأكثر ولاءً للغرب”.[[23]]

كما حذر الناطق السابق بلسان الجيش الصهيوني الجنرال آبي بنياهو من مخاطر التحول الديمقراطي في العالم العربي. 

وفي مقال نشره بالنسخة العبرية لموقع صحيفة بوست الصهيونية في أغسطس 2013، اعتبر بنياهو أن تحقيق التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وصفة للمس باستقرار المنطقة، مشددا على ضرورة اختيار الاستقرار عند المفاضلة بينه وبين التحول الديمقراطي.[[24]] والعجيب حقا هو التطابق الكامل بين منطق آبي بنياهو وجنرالات مصر وعلى رأسهم السيسي نفسه الذي دائما ما يضع الاستقرار في مقابل الديمقراطية وكأنهما ضدان!

ثانيا: تحقيق أكبر أهداف العدو الصهيوني، وهو عودة مصر تحت الحكم  العسكري من جديد. وقد راهن قادة الصهاينة ونخبتهم السياسية والثقافية والعسكرية على جنرالات الجيش  المصري من أجل إخراج "إسرائيل" من هذه الورطة الكبرى، مؤكدين أن مصلحة "إسرائيل" تقتضي  أن يكون نظام الحكم في مصر عسكريا تحت وصاية الجيش لا سيما في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية وقضايا الأمن القومي.

وقد نقلت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية عن وزير الدفاع الصهيوني الأسبق بنيامين بن إليعاز قوله إن احتفاظ العسكر في مصر بصلاحياتهم وعدم نقلها للمؤسسات المدنية يمثل مصلحة إستراتيجية لإسرائيل. وقد نقلت “يديعوت أحرنوت” عن محافل أمنية كبيرة قولها إن "الأمن القومي الإسرائيلي بات يتوقف على تعاون قادة الجيش المصري.[[25]]

 

ثالثا: تهميش الإسلام، والحد من تعاظم الهوية الإسلامية من خلال سحق الحركات الإسلامية المنظمة ذات الحاضنة الشعبية الكبيرة مثل الإخوان المسلمين، والحركات الأخرى، والتي تمثل مركز المناعة داخل المجتمع المصري ضد المخططات الإسرائيلية والغربية المتصادمة مع الأمن القومي المصري والعربي. يقول المستشرق الصهيوني آفي ميدا: «جهد عظيم يقوم به عسكر مصر عبر سعيهم تغيير البيئة الثقافية بما يضعف التطرف الإسلامي».

ويقصد ميدا بالضبط عملية إعادة كتابة الدستور ومحاولات إدخال تعديلات تقلل من قيمة الشريعة الإسلامية فيه. ويعتبر ميدا أنه كلما تقلصت قيمة الإسلام في الحيز الثقافي العربي، كلما كان ذلك أفضل لـ(إسرائيل)، على اعتبار أن قيم الإسلام تحول دون التسليم بوجود (إسرائيل).[[26]] وقد عمل السيسي لاحقا على تدمير الهوية الإسلامية داخل المجتمع المصري بالتدريج؛ وذلك ليكون متصالحا مع مفاهيم التطبيع والقبول بالتعايش مع الاحتلال تحت لافتة “السلام”؛ وذلك بعد أن تمكن جنرالات العسكر من تغيير العقيدة القتالية للجيش ليكون العدو هو من يرفض دمج “إسرائيل” في التركيبة الإقليمية برعاية أمريكية خالصة. وقد رصد ذلك «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» في دراسة له في 28 يناير 2019م، أعدها الباحثان عوفر فنتور وأساف شيلوح، بعنوان «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد»، يشيدان فيه بهذه الخطوات غير المسبوقة؛ حيث تناولت الدراسة مظاهر ومآلات الحملة الواسعة التي يشنها نظام السيسي من أجل إعادة صياغة الهوية الوطنية لمصر؛ من خلال السعي أولا: لتقليص مركّبها الإسلامي والعربي، وثانيا: احتواء سماتها الثورية، وثالثا: العمل على بناء جيل مصري جديد يكون أكثر استعداداً للاصطفاف حول الأجندة التي يفرضها النظام، إلى جانب أنها ترمي رابعا: إلى تحسين صورة النظام في الخارج. 

وتقول الدراسة، إن الخطاب الحاكم لجدل الهوية الذي فجره نظام السيسي، يقوم على مبدأين أساسيين:  أولاً؛ الإنسان المصري يمثل النقيض للإسلامي.  ثانياً؛ الهوية المصرية تمثل فسيفساء من 8 مركّبات: الفرعونية، اليونانية، الرومانية، القبطية، الشرق أوسطية، والأفريقية، إلى جانب المركّبين الإسلامي والعربي. وتلفت الدراسة إلى حقيقة أن النظم الشمولية هي التي عادة ما تنشغل في شنّ حملات، تهدف إلى التأثير على مركّبات الهوية الوطنية أو تسعى إلى بناء توازنات جديدة فيها؛ من أجل إيجاد متطلبات تضمن بقاء نظامه وضمان استمراره واستقراره، من خلال إثارة جدل الهوية أملا في أن يسهم ذلك في صياغة بيئة داخلية وبناء نخبة شبابية، تكون أكثر استعداداً لاستخدام كل الأدوات والوسائل التي تخدم النظام وتعمل على تحقيق أهدافه.([27]) .

واتساقا مع عملية التلاعب في الهوية المصرية، فإن من أبرز وأخطر أشكال التطبيع هو ما يبدأ بإعادة تشكيل  الوعي على أسس خاطئة مشوشة ومشوهة؛ تتعلق بالصورة الذهنية التي ترسمها مناهج التعليم للعدو الصهيوني، فـ"المناهج الجديدة  تؤكد شرعية إسرائيل كدولة ترتبط بعلاقات صداقة مع مصر، ولا تتطرق لحروب مصر ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولا للقضية الفلسطينية كما كانت عليه المناهج سابقا. فكتاب دراسي في عام 2002 كان يضم 32 صفحة عن الحروب العربية الإسرائيلية وثلاث صفحات للسلام مع إسرائيل، أما كتاب عام 2015 فخصص فقط 12 صفحة للحروب العربية الإسرائيلية، و4 صفحات للسلام مع إسرائيل". 

هذه التحولات أصابت أولياء الأمور بصدمة؛ لأنه أصبح يفرض عليهم زيادة وعي أبنائهم بالصراع العربي الإسلامي مع الصهاينة والتأكيد بأن "إسرائيل" عدو.. فالفضائية التي تدعو إلى التطبيع مع الصهاينة يمكن عدم مشاهدتها لكن ماذا نفعل بمناهج التعليم التي تعتبر العدو صديقا ويجب على التلاميذ الإجابة على ذلك في الامتحانات؟! فما قام به نظام انقلاب 30 يونيو لم  يجرؤ عليه أي نظام سابق، حتى نظام الرئيس الراحل أنور السادات أو الرئيس الأسبق حسني مبارك، لأن "السيسي يريد من مناهج التعليم أن تدشن لجيل جديد يعتبر إسرائيل هي الصديق، والإسلاميون هم الأعداء". هذه التحولات احتفت بها دوائر وصحف إسرائيلية مشيدة بتعديلات المناهج المصرية، فصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" ثمنّت تدريس اتفاق السلام للمرة الأولى بما وصفته بـ”شكل واقعي دون تحيز أو أي محاولة لإظهار إسرائيل بصورة سلبية". بينما أكدت صحيفة “إسرائيل ناشيونال نيوز” أن أحدث خطوة في تعزيز العلاقات بين مصر وإسرائيل هي “تحديث نظام التعليم المصري ليتضمن معاهدة السلام بين البلدين”.([28])

رابعا: إضعاف شوكة المقاومة وفرض المزيد من الحصار عليها، عبر تطوير نظام السيسي علاقاته بالاحتلال والانتقال من دائرة التعاون الأمني والاستخباري  إلى تطوير نسق من التكامل الميداني في مواجهة ما يوصف بأنه «تهديدات مشتركة»؛ وقد أقر كل من السيسي ونتنياهو بأن مصر سمحت لسلاح الجو الصهيوني بتنفيذ غارات في قلب سيناء بهدف المس بـ"الإرهابيين".

وعلى الرغم من أن الهدف المعلن من شن هذه الغارات هو المس بتنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش" إلا أن موقع "والا" الصهيوني كشف أن إسرائيل لا تستهدف هذا التنظيم بشكل خاص، بل قوافل السلاح الذي يتم تهريبه إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ([29]) ويمثل التعاون الأمني والتنسيق المخابراتي بين مصر والصهاينة أكثر  صور  التطبيع تأثيرا؛ وهو ما اعترف به السيسي في مقابلته مع برنامج “60 دقيقة” على قناة ” سي بي أس” الأمريكية.

خامسا: ومن أكثر النتائج المترتبة على انقلاب السيسي هو المزيد من توريط الجيش في مستنقع السياسة الآسن؛ وبالانقلاب على المسار الديمقراطي وثورة يناير تحول الجيش إلى حزب سياسي وليس جيشا وطنيا وفق المعايير المعترف بها دوليا للجيوش، وقد أشار الجنرال الصهيونى رؤفين بيدهتسور إلى ذلك في تصريحات له في في أعقاب الانقلاب قائلا: «إن تورط الجيش المصرى فى السياسة على هذا النحو سيضمن استمرار تفوقنا النوعى والكاسح على العرب لسنين طويلة»، «أما دان حالوتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الأسبق فقال فى حوار لإذاعة الجيش الإسرائيلى «أهم نتيجة لخطوات السيسى الأخيرة(الانقلاب) هى إضعاف الجيش المصرى على المدى البعيد»، أما إفرايم هاليفى رئيس الموساد الأسبق فقال «نجاح الانقلاب على مرسى  سيعزز مكانة أمريكا وهذا بدوره سيعزز مكانتنا الأقليمية».([30]) .

والأكثر خطورة أن جلعاد أثنى على السياسة التسليحية ونمط وأهداف بناء القوة العسكرية في مصر واعتبر ذلك برهانا على أن الجيش المصري لا يمكن أن يشكل تهديدا لإسرائيل، وبخاصة في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط بين قادة الجيش الإسرائيلي وقادة الجيش المصري.([31])

سادسا: تغيير العقيدة القتالية للجيش، ومن أكثر المكاسب الإستراتيجية للكيان الصهيوني تغيير العقيدة القتالية للجيش المصري، والتي ظلت منذ إقامة دولة للاحتلال في 15 مايو 1948م ترى في (إسرائيل) العدو؛ وسعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ اتفاقية كامب ديفيد 1979م إلى إجراء تحولات ضخمة على بنية المؤسسة العسكرية المصرية وعقيدتها القتالية؛ وفي ديسمبر 2010، نشر موقع ويكليكس وثائق دبلوماسية أمريكية، أشارت إلى: “أن الولايات المتحدة منزعجة من استمرار الجيش المصري اعتباره إسرائيل (العدو الأساسي)، رغم توقيع اتفاقية سلام معها منذ أكثر من 3 عقود”. لكن هذه العقيدة تزعزت في أعقاب نجاح انقلاب 30 يونيو، وتحولت إسرائيل إلى حليف حميم، وتحت لافتة الحرب على «الإرهاب»؛ بات الإسلاميون وحركات المقاومة الفلسطينية وكل من يرفض المشروع الصهيوني في المنطقة هم العدو لهذا النظام الانقلابي؛ وبدا هذا التحول الكبير في عقيدة الجيش القتالية في 20 يوليو 2016، أثناء حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية العسكرية، بحضور السيسي، ووزير الدفاع السابق صدقي صبحي، حيث نفذ الجنود تدريبا على اقتحام مجسم لمسجد وتدميره وإطلاق الرصاص عليه. في إشارة غير خافية على هذه التحولات الكبرى على عقيدة الجيش الذي ارتكب من قبل عشرات المذابح المروعة مقتل فيها آلاف المصريين. وفي يوليو 2018 كلف قائد الانقلاب القوات المسلحة بتنبي ما أسماه بمشروع “الهوية المصرية” وذلك لأن عقيدة الجيش المصري تغيرت بالفعل، فبات الإسلاميون والثوار والديمقراطيون والمدافعون عن حقوق الإنسان هم "الآخر العدو" وأضحت "إسرائيل" هي الصديق الحميم الذي يجب حمايته وضمان أمنه واستقراره.

سابعا: ضمان الاستسلام المصري أمام المشروع الصهيوني وإذعانها للسياسات والإملاءات الأمريكية بهذا الشأن، والتحكم في قرراتها العليا بشأن جميع القضايا المحلية والإقليمية حتى تبقى مصر بجيشها ومقدراتها أسيرة للموقف الأمريكي الغربي؛ وقد برهن السيسي على ذلك بمواقفه المنحازة لإسرائيل والمعادية للمقاومة الفلسطينية وكل من يعارض المشروع الصهيوني. ويمكن التدليل على ذلك بالمواقف الآتية:

    تصريحات السيسي في 16 مايو 2018؛ تعليقاً على القرار الأمريكي بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة، وما تلاه من مذابح الاحتلال  للفلسطينيين على حدود قطاع غزة، قائلاً: إن "مصر لا تستطيع أن تفعل شيئاً، لأنها صغيرة، وضعيفة، وبلا تأثير"، مضيفاً خلال فعاليات المؤتمر الخامس للشباب، أن "قرار نقل السفارة سيؤدي إلى شيء من عدم الرضا والاستقرار، وإحنا بنتحرك في حدود قدرتنا، وحطوا خط تحت حدود قدرتنا". وتابع: "على الفلسطينيين أن يحتجوا بطرق لا تؤدي إلى سقوط ضحايا، وعلى الإسرائيليين أن يكونوا أكثر حرصاً في عدم إسقاط ضحايا. ولا يمكن لمصر أن تفعل شيئاً، وعلينا أن نعمل ونكبر لكي يكون لنا تأثير في المستقبل”.([32])

    تنازل السيسي عن جزيرتي "تيران وصنافير" للجانب السعودي، وهو ما يحول مضيق "تيران" من ممر مائي مصري خالص من حقها التحكم فيه إلى ممر مائي دولي وهو ما يتيح لأول مرة للكيان الصهيوني مرورا آمنا عبر البحر الأحمر ويحرم مصر من موقع عسكري شديد الأهمية من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية.

    تحسين بيئة الكيان الصهيونيل الإقليمية؛ حيث انخرطت مصر في (تحالف الثوارت المضادة الذي يضم السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب الصهاينة) وهو التحالف الذي يتبنى أجندة المصالح الصهيونية كليا، ولم يرصد لحكومات هذه الدول أي موقف يتصادم ولو قليلا مع المصالح الصهيونية والأمريكية والغربية بشكل عام.

كما انخرط في تحالفات آخرى ضمت العدو الصهيوني مثل  منتدى غاز شرق المتوسط (‏EMGF‏)،  وفي فبراير 2018 وقَّع السيسي مع حكومة الاحتلال صفقة لاستيراد الغاز بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات؛ وهي الصفقة التي وصفتها نتنياهو بــ«يوم عيد لإسرائيل»؛ وفي أكتوبر 2019 جرى تعديل على الصفقة لتمتد إلى 15 سنة وترفع القيمة إلى 19.5 مليار دولار، رغم إعلان وزارة البترول التابعة للسيسي إعلان الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد اكتشاف حقل ظهر الذي يوصف في إعلان النظم بأنه أكبر حقل غاز في البحر المتوسط والعالم. وفي يونيو 2022م، عقد السيسي اتفاقا  يضمن تصدير الغاز المنهوب من جانب إسرائيل في معامل التسييل المصرية وتصديره إلى أوروبا، الأمر الذي يعزز الأوضاع الاقتصادية للاحتلال ويمكنه من استمرار الاحتلال وإطالته وتعزيز قوته أمام المقاومة.

ثامنا: تعزيز الموقف الصهيوني إقليميا واقتصاديا؛ فانقلاب السيسي يضمن استمرار الشراكة الإستراتيجية التي أرساها نظام مبارك على مدار عقود مع الكيان الصهيوني؛ الأمر الذي يوفر مليارات الدولارات للعدو الصهيوني كان سينفقها على النواحي العسكرية والأمنية. وكانت الصحف الصهيونية قد تناولت الكلفة المالية للجهد الحربي الصهيوني في عهد الرئيس مرسي، حيث كشفت صحيفة "معاريف" النقاب عن أن هيئة أركان الجيش قد طالبت بإضافة 15 مليار شيكل (أربعة مليارات دولار) لموازنة الأمن من أجل إعادة تأهيل قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش لتصبح قادرة على مواجهة التحولات بعد الانتخابات الرئاسية في مصر. إن إحدى الوقائع التي تعكس طابع تأثير التحول الذي حدث في مصر بعد انتخاب مرسي على إسرائيل -كما وثقته صحف الاحتلال- هي زيادة عدد الضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية، حيث ارتفع عددهم بنسبة 25% لمواجهة التحديات الناجمة عن هذا التحول.

كما كانت تل أبيب تخشى بشدة  انهيار "كامب ديفيد"، وقد اهتمت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية بإيضاح العوائد الاقتصادية الهائلة التي حصلت عليها إسرائيل في أعقاب اتفاقية "كامب دفيد"، وإبراز حجم "الكارثة" التي ستحل بتل أبيب في حال تم إلغاؤها.

وأشارت الصحيفة إلى أن موازنة الأمن الصهيونية كانت قبل التوقيع على "كامب ديفيد" تشكل 47% من الموازنة العامة للدولة، في حين أنها أصبحت بعد التوقيع على الاتفاقية تشكل 16% من الموازنة، وهذا يعني أن الاتفاقية أتاحت لصناع القرار في إسرائيل توجيه موارد الدولة لمجالات أخرى بما يمنح إسرائيل القدرة على توسيع مجال الخدمات للجمهور الإسرائيلي من جهة، وفتح المجال أمام مرافق الإنتاج لتكثيف التصدير، مما يعزز النمو الاقتصادي من جهة أخرى. وكان من الواضح أن الأزمة الاقتصادية -في نظر الكثير من المعلقين- ستؤدي إلى تقليص هامش المناورة أمام القيادة الإسرائيلية، ولن يكون بإمكان دوائر صنع القرار في تل أبيب أن تتخذ قرارات بشكل مستقل عن الإدارة الأميركية، لحاجتها الكبيرة لدعم واشنطن. وحسب وزير الدفاع السابق إيهود براك، فإن تأمين النفقات الأمنية الناجمة عن تفجر الثورة المصرية يستدعي أن تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل عشرين مليار دولار إضافية لموازنة الأمن.

ويرى الباحث في الشئون الإستراتيجية عومر جندلر أن طلب مساعدات أمريكية يعني زيادة ارتباط "إسرائيل" بالولايات المتحدة بشكل يقلص من هامش المناورة السياسية لدى النخب الحاكمة في تل أبيب، مع العلم أن "إسرائيل" سعت قبل ثورات الربيع العربي إلى تقليص اعتمادها المادي على الولايات المتحدة.  كل هذه النفقات وفرها انقلاب السيسي على "إسرائيل" لتعزيز موقفها وتعزيز قدرتها على استمرار احتلال بلادنا وإهانة مقدساتنا.

الخلاصة والتوصيات

برهنت الثورة المصرية في 25 يناير2011، ثم الانقلاب عليها في 03 يوليو2013م، على أن «إسرائيل» ومن وارئها الغرب،  يعادون بكل غل أربعة قيم أسياسية في بلادنا العربية والإسلامية ويسعى هذا التحالف بكل إصرار لحرماننا من هذه القيم، وهي: الإسلام والديمقراطية والمقاومة.

وإذا كانت الثورة طريقا إلى هذه القيم فإنها أيضا تبقى قيمة محظورة؛ فـ"إسرائيل" ومن ورائها الغرب كله وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، يرون هذه القيم مصدر تهديد  للمشروع الغربي والإسرائيلي ونفوذهم الواسع الذي  شيدوه منذ عهود الاحتلال في القرنين الماضيين؛ لذلك تحالفت هذه القوى مع النظم العربية المستبدة وشنوا ــ ولا يزالون ــ حربا ضارية على كل ما يتعلق بهذه القيم تحت غطاء كثيف من الحرب ضد الإرهاب، وهي الحرب المفتعلة والتي يراد بقاؤها واستمرارها وتضخيمها من أجل أن تكون غطاء كثيفا للحرب الحقيقية التي تشنها إسرائيل والولايات المتحدة والنظم العربية المستبدة على هذه القيم، الإسلام والديمقراطية والمقاومة والثورة.

لكل هذه الأسباب كان الدور الصهيوني في وأد الثورة المصرية والانقلاب عليها محوريا؛ لم تقف  تل ابيب موقف المتفرج الذي يراقب الأحداث في بلاد النيل عن  بعد؛ بل كانت تملك الأدوات التي مكنتها من قيادة مشروع الانقلاب على الثورة والديمقراطية وسحق الإسلاميين بوصفهم التيار الشعبي المنظم الذي حمل مشروع الثورة وبرهنت التجربة أنهم المؤمنون حقا بالديمقراطية المدافعين عنها والباذلين الغالي والنفيس من أجل حماية مؤسسات الدولة المنتخبة بإرادة الشعب الحرة في الوقت الذي تحالف فيه معظم العلمانيين مع الجنرالات مباركين انقلابهم ومذابحهم ومبررين استبدادهم وطغيانهم.

[1] صالح النعامي/ إسرائيل.. فزع من الربيع العربي واحتفاء بالثورات المضادة (ج1)/ الجزيرة نت 18 يونيو 2014

[2] فيديو.. «نتنياهو»: شاركنا في الانقلاب على «مرسي»/ الخليج الجديد الاثنين 3 يوليو 2017

[3] كلايتون سويشر/ أسئلة الموساد المريبة حول مرسي/ الجزيرة نت ــ 25 فبراير 2015م// كلايتون سويشر: لماذا طلب الموساد معلومات مفصلة عن مرسي؟/  “عربي 21” ــ الأربعاء، 25 فبراير 2015

[4] مصر وإسرائيل.. علاقات ملغومة/ الجزيرة نت ـ 26 نوفمبر 2012م

[5] بدر محمد بدر/ لماذا دعم الكيان الصهيوني الانقلاب في مصر؟!/ مجلة البيان مترجم عن ميدل إيست مونيتور ــ 26 أكتوبر 2013م

[6] صالح النعامي/نتنياهو يوجه سفراءه لتبرير الوقوف مع السيسي/ الجزيرة نت ــ 21 أغسطس 2013م

[7] أردوغان: إسرائيل تقف وراء الانقلاب بمصر/ الجزيرة نت ــ 20 أغسطس 2013م

[8] وجدت حلمها في السيسي.. هذه مكاسب إسرائيل من الانقلاب على مرسي/ صحيفة الاستقلال 19 يونيو 2020

[9] نتنياهو يقر بأن إسرائيل شاركت بالانقلاب على مرسي (شاهد)/ “عربي 21” ــالثلاثاء، 04 يوليو 2017

[10] بدر محمد بدر/ لماذا دعم الكيان الصهيوني الانقلاب في مصر؟!/ مجلة البيان مترجم عن ميدل إيست مونيتور ــ 26 أكتوبر 2013م

[11] عدنان أبو عامر /اعتراف إسرائيلي خطير عن الانقلاب على مرسي.. تفاصيل/ عربي “21” الثلاثاء، 02 أبريل 2019

[12] معتز بالله محمد/ معاريف: الإسرائيليون يعتبرون السيسي بطلاً وزعيمًا عبقريًا/ مصر العربية  06 يوليو 2013

[13] صالح النعامي/8 سنوات على ثورة يناير: مخاوف إسرائيلية بددها السيسي/ العربي الجديد 4 فبراير 2019

[14] جهود إسرائيلية لدى الغرب لتأييد الانقلاب بمصر/ الجزيرة نت ــ 19 أغسطس 2013م

[15] نائب بالبرلمان المصري: إسرائيل دعمت 30 يونيو/ الجزيرة نت ــ 22 سبتمبر 2017م

[16] أحمد منصور/ موقف إسرائيل من الانقلاب العسكرى/ بوابة الشروق الأربعاء 31 يوليه 2013

[17] د. صالح النعامي/ العصف الذهني الصهيوني لدعم الانقلاب على مرسي/ الرسالة نت ــ 01 اغسطس 2013

[18] صالح النعامي/ إسرائيلي يحذر الغرب من فشل انقلاب السيسي/ الجزيرة نت ــ 26 أغسطس 2013م

[19] جهود إسرائيلية لدى الغرب لتأييد الانقلاب بمصر/ الجزيرة نت ــ 19 أغسطس 2013م

[20] صالح النعامي/نتنياهو يوجه سفراءه لتبرير الوقوف مع السيسي/ الجزيرة نت ــ 21 أغسطس 2013م

[21] صالح النعامي/ دعوات إسرائيلية لدعم السيسي اقتصاديا/ الجزيرة نت ــ 22 أغسطس 2013م

[22] آخرهم حفتر.. لماذا تدعم إسرائيل القادة المستبدين؟/ الخليج الجديد ــ الأحد 21 نوفمبر 2021

[23] صالح النعامي/وفد أمني إسرائيلي زار القاهرة/ الجزيرة نت ــ 24 أغسطس 2013م

[24] صالح النعامي/ إسرائيلي يحذر الغرب من فشل انقلاب السيسي/ الجزيرة نت ــ 26 أغسطس 2013م

[25] صالح النعامي/ إسرائيل.. فزع من الربيع العربي واحتفاء بالثورات المضادة (ج1)/ الجزيرة نت 18 يونيو 2014

[26] د. صالح النعامي/ العصف الذهني الصهيوني لدعم الانقلاب على مرسي/ الرسالة نت ــ 01 اغسطس 2013

[27] «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد».. قراءة في دراسة إسرائيلية /  الشارع السياسي 24 فبراير 2019

[28] عبد الله حامد /تطوير المناهج بمصر.. تعليم بنكهة التطبيع/ الجزيرة نت 10 أكتوبر 2016

[29] تعديل “مستغرب” يُحمّل مصر 4.5 مليارات دولار إضافية للغاز الإسرائيلي/العربي الجديد 2 أكتوبر 2019

[30] أحمد منصور/ موقف إسرائيل من الانقلاب العسكرى/ بوابة الشروق الأربعاء 31 يوليه 2013

[31] صالح النعامي/ جنرال إسرائيلي: السيسي معجزة لإسرائيل/ “عربي 21” الثلاثاء، 09 يونيو 2015

[32] السيسي وإسرائيل: سجلّ اللقاءات السرية والتنسيق العسكري والانحياز للاحتلال/ العربي الجديد 6 يناير 2019   

المصدر: الشارع السياسي