بسم الله الرحمن الرحيم

" وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا ..." (آل عمران - 103)
  تعيش أمتنا محنا تتزايد وتيرتها وتشتد حدتها ، فتتقاذفها التحديات المستمرة وتقرع بابها الأزمات المتوالية ، وتطرق حصونها الهجمات التي تأتي تارة من خارجها تتربص بها وتسعى لإضعافها وصرفها عن منهجها ، وتأتي تارة أخرى من داخلها فتعيق تقدمها نحو أهدافها وتعرقل مسارها لاستئناف عطاءاتها وريادتها.
وبالرغم من شدة ما يصيبها  من مكر الماكرين وكيد الكائدين من خارجها عن طريق أعدائها ، فهي قادرة على التعافي سريعا ما إن تمكنت من حماية حصونها الداخلية ، فالتزمت نهج ربها وتحلت بمنهج نبيها ومكارم أخلاقه ، وتوحدت قوتها واستجمعت طاقتها واعتصمت بربها والتحمت صفوفها.
وإن كانت الأخرى فمالت عن الطريق وتنكبت عن منهج ربها وسنة نبيها ، حينها تصبح لقمة سائغة يلتهمها أعداؤها ويتكالبون عليها كما تتكالب الأكلة على قصعتها فيدب الضعف فيها ويستبد الانهيار في أركانها.
لقد كان منهج الإسلام واضحا جليا في تحصين الأمة من داخلها بالأخلاق الكريمة وتقويم اعوجاجها بالقدوة الحسنة على نهج إمامها صلى الله عيه وسلم ، فيقول الله تعالى : " لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" ( الأحزاب - 21)
وحري بمن تصدر للدعوة إلى الله وسعى لإعادة لحمة الأمة والتمكين لمنهج الإسلام ليكون واقعا معاشا ، أن يسير على خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهجه في التخلق بالقرآن والالتزام بآدابه وحدوده ، وفي هذه النقطة تحديدا يوجه الإمام البنا إخوانه بضرورة التمسك بالأخلاق قائلا : " وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم، أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين، وكرامة الأتقياء الصالحين."( رسالة بين الأمس واليوم ).
ويوجه الإمام البنا إخوانه أيضا إلى ضرورة مجاهدة النفس حتى تلتزم بأخلاق الإسلام ومبادئه قائلا : " ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، و إذا أخفقتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولا، و اذكروا أن الدنيا جميعاً تترقب جيلاً من الشباب الممتاز بالطهر الكامل، والخلق القوي الفاضل، فكونوا أنتم هذا الشباب ولا تيأسوا، و ضعوا نصب أعينكم قول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، و أوفوا إذا وعدتم، و أدوا الأمانة إذا اؤتمنتم، و احفظوا فروجكم، و غضوا أبصاركم، و كفوا أيديكم). ثم انظروا هل أنتم كذلك؟ و سيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" (مجلة الإخوان المسلمون- عدد 21 نوفمبر 1942م ).
 
المحن الكاشفة
وفي واقعنا المعاش - خاصة  في وقت المحن الكاشفة وإبان الأزمات الكبرى - نجد تنكبا من الكثيرين عن هذه الاخلاق الفاضلة وتلك المبادئ السامية التي تربى عليها كل المصلحين وتوخى الالتزام بها كل العاملين للإسلام " صِبْغَةَ ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ" (البقرة - 138)
 ونحن بين يدي تلك المحنة التي أسفرت عن نفسها عقب الانقلاب العسكري الغاشم ، كانت الأخلاق محل امتحان كبير واختبار شديد ، بعد أن تعرضت جماعة الإخوان ومحبوها لأزمات خانقة وضغوط فاقت الطاقة ومورست بحقهم كل الجرائم : "هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا " (الأحزاب - 11).
وقد كان من آثار هذه المحنة وما ترتب عليها من تباين في المنطلقات وافتراق عن مواقف مؤسسات الجماعة ، انتشار لكثير من السلوكيات الشائنة واستمراء لكثير من الممارسات المتعارضة مع أخلاق الدعاة والمصلحين، فوجدنا وسائل التواصل الاجتماعي تموج بالمخالفات الشرعية لتتحول إلى ساحة نزال يتراشق فيها كثيرمن الإخوان ويتباغض علي صفحاتها الدعاة ويتبادلون عبرها الاتهامات وتنتشر من خلالها الشائعات وتذاع الأكاذيب ، وتسوق عبر صفحاتها الأراجيف ، فغابت مشاعر الأخوة وتخلفت أخلاق العديد من المؤمنين ، وأصبح تجريح الأشخاص مستباحا عند البعض، ونقل الشائعات وتسويقها بلا روية أو تثبت سهلا يسيرا ، وبات السباب والقذف والاتهام بالباطل منتشرا بلا رقيب ولا حسيب ، ناهيك عما انتشر في كثير من المنتديات من الغيبة والنميمة وأحاديث الإفك... ولاحول ولا قوة إلا بالله .
لقد طوى النسيان كثير من هدي الإسلام وأخلاقه - وسط ركام المحنة وهمزات الشياطين - ، فنجد من أخذه الحماس في أتون الخلاف فنسي قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :ِ (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :”كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ”(سنن أبي داود :4971).
وطوى النسيان – وسط ركام المحنة وهمزات الشياطين – خطورة الشائعات وما تنطوي عليه من:
 غيبة حرمها الله تعالى بقوله {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(الحجرات:12).
ونقل للخبر بلا علم أو يقين أو تثبت أوعودة إلى المصادر الصحيحة للخبر للتأكد من صحة ما ورد فيه مصداقا لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات:6).
ونشر للأخبار والمعلومات المكذوبة بدلا من التزام الهدي الإسلامي مصداقا لقوله تعالى :{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}(النور:16).
واستسلام للشائعات وما يترتب عليها من الفتنة والوقيعة بين الإخوان التي ذكرها الله تعالى في قوله: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ)، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).
ومخالفة لما يتوجب على المؤمن من حسن الظن بأخيه مصداقا لقوله تعالى : (لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ) ( النور:12). وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الحجرات:12]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   قال: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
ومخالفة لهدي الإسلام في حفظ الأعراض والنهي عن رمي البرءاء بغير حق مصداقا لقوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا  وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النور-19) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ» (رواه أحمد )،  وما رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داوود من قوله صلى الله عليه وسلم : «بئس مطية الرجل زعموا».
 
كلمة أخيرة
واستشعارا بكل ما سبق من قيم إسلامية سامية فإن جماعة "الإخوان المسلمون" تهيب بالجميع أن يلتزموا خلق الإسلام وآدابه ويقفوا عند حدوده ، ويتخلقوا بخلقه في الخلاف كما في الوفاق ، وتدعو الجميع إلى التوقف عن نشر أى خلافات على مواقع التواصل الاجتماعى أو الإشارة إليها أو التعليق عليها.
وتؤكد الجماعة أن الخلاف القائم – وإن ظل قائما - لا يمكن بحال من الأحوال أن ينسي أحدنا حقوق إخوانه وما يتوجب عليه نحوهم من حسن الظن بهم وجميل الحديث إليهم وعنهم ، وأن يعلم أن نشر الخلافات والاستفاضة فيها لن يصب إلا في مصلحة أعداء هذه الدعوة المباركة ، ولنعمل جميعاً للإسلام ونتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
وليكن عهد وميثاق مع الله تعالى أن نلزم أنفسنا بهذا الميثاق وتلك المبادئ السامية وهذا النهج الرباني طمعا فيما عند الله وأملا في مرضاته وعملا بقوله تعالى :"وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ"
﴿ المائدة- 7﴾  ، وقوله تعالى : " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ " ﴿ الرعد - 20﴾.
وتعلن جماعة الإخوان أنها براء ممن لا يلتزمون هذه الأخلاق والآداب وإن زعموا أنهم داخل الصفوف.
و الله أكبر ولله الحمد
 جماعة "الإخوان المسلمون"
الخميس ٢٩ ذي الحجة ١٤٤٣ هـ الموافق ٢٨ يوليو ٢٠٢٢م