بعد نحو 5 سنوات من الصراع مع أهالي "الوراق"، أعلنت حكومة الانقلاب رسميا، الإثنين عن خطتها بحق أكبر الجزر النيلية بالبلاد، كاشفة عن تغيير اسمها إلى "حورس"، إله الشمس عند المصريين القدماء، ما أثار الجدل مجددا بشأن مصير آلاف المصريين من قاطني الجزيرة.

حكومة الانقلاب وفي بيان لها أكدت سيطرتها على 71 % من جزيرة "الوراق" وأن تلك النسبة في ملكية "هيئة المجتمعات العمرانية" (حكومية)، وذلك بعد صراع دام بين الأمن والأهالي على مدار سنوات.

قال عاصم الجزار وزير الإسكان بحكومة الانقلاب إن عدد المنازل التي تم نقل ملكيتها، أو جار نقل ملكيتها، بلغ نحو 2458 منزلا، وتم استلام أراضي الأوقاف ما عدا نحو فدان واحد، و32.5 فدانا من الأراضي أملاك الدولة، البالغ مساحتها 68 فدانا، ومتبقي استلام 35.5 فدانا.

البيان، أوضح أن الجزيرة ستتحول لمنطقة سياحية بها "برج أيقوني" ومجموعة أبراج سكنية وقاعة مؤتمرات، وفنادق 7 نجوم، ومنطقة أعمال تجارية، ومهبط لطائرات الهليكوبتر، وسيجري تنفيذ 94 برجا سكنيا، تضم 4092 وحدة سكنية.

"من الوراق إلى حورس"

وبحسب موقع شركة "cube consultants"، للإنشاءات عبر الإنترنت، فإن مخطط تطوير الجزيرة يضم "متنزه حدائق حورس" بمساحة 620 فدانا ويشمل ممشى ترفيهيا، ورياضيا، ومراكز تجارية، ومتحفا للفن المعماري الحديث.

وذلك إلى جانب منطقة "مارينا حورس" الترفيهية فوق 50 فدانا، وأبراج "مارينا حورس" التي تشمل منطقة اقتصادية ومنطقة أعمال وفنادق على 230 فدانا.

يضم "برج حورس" الأيقوني بمساحة 80 فدانا، قاعة مؤتمرات حورس، وفندق 7 نجوم، وقطاع أعمال تجارية، ومهبطا لطائرات الهليكوبتر.

المخطط يضم أيضا، قرية "حورس السكنية" فوق 200 فدان، منها 70 فدانا مشاريع إسكان، والباقي لإعادة توطين السكان الذين سيفضلون البقاء بالجزيرة.

"تحت الاحتلال"

أحد أهالي جزيرة الوراق المُعرض وعائلته للتهجير القسري منها، أكد أن "الأهالي يعيشون أسوأ أيام حياتهم، وأفزعنا خبر خطط البناء بالجزيرة، وزعم الحكومة أنها سيطرت على أغلب الأراضي، وأضحكنا الحديث عن تخصيص مبان للأهالي".

وقال لـ"عربي21"، رافضا ذكر اسمه: "الحقيقة هنا بالوراق على غير ما يروجه الإعلام"، مشيرا إلى "وجود حصار إعلامي، وحرب نفسية على أهالي الجزيرة".

وأضاف: "إننا فيها ومتمسكون بها ولن نغادرها، وكل هذا كذب".

وأكد أنه "لا توجد مبان جرى الاتفاق عليها لأهل الجزيرة، ولن يكون؛ لأن ما يجري مخطط وممنهج بالأساس لتهجير الأهالي".

وتابع: "والدليل هو أحدث ما يجري على أرض الجزيرة من هدم السلطات للمستشفى الوحيد بها، وقطع المياه عنا يوميا"، مبينا أنه "كل يوم يشتد حصارهم لنا".

وعن آخر مفاوضات المسئولين ووعودهم للأهالي، قال إنه "كلام مبهم، ولا يوجد أصلا مسئولون يتحدثون معنا، لأن طلبات الأهالي واحدة لا نغيرها، وهي: (لا بديل لنا عن الوراق)، وهو موقف لم يعجب المسئولين الذين لا يريدون أحدا من الأهالي بأرض الجزيرة".

وبشأن من يقود ملف الحديث والتفاوض معهم، وهل هي الحكومة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية التي آلت إليها ملكية أغلب الأراضي أم الأمن، أكد أن "الحديث في البداية كان مع قوات الجيش، وقوات الأمن دورها كان حصارنا وترهيبنا وتهديدنا مدة 5 سنوات".

ونبه إلى أن سيطرة الحكومة على نسبة 71 % من الجزيرة كلام خاطئ، موضحا أن "كل أهالي الجزيرة موجودون ببيوتهم ولا أحد منهم سيخرج منها ولو بالموت".

وبين أن "نسبة الأهالي على الجزيرة الآن كبيرة رغم أنهم تقريبا استولوا على نسبة 53 % من أراضي البلد بطرق تهديد أو ضغط أو سرقة"، مؤكدا أنه "لا أحد من الأهالي باع بإرادته، كما أنهم ركزوا على الملاك الأغراب عن الجزيرة لسهولة الضغط عليهم".

وأوضح أن "الأهالي تعبوا من كثرة المعاناة من الوضع الحالي، خاصة الضغوط الأمنية والحصار الذي يزيد يوميا، ووصل حد غلق المعديات الموصلة للجزيرة"، مشيرا إلى أننا لدينا "استعداد للموت ببيوتنا، ويقول الأهالي: (من المستحيل أن يكون هؤلاء مصريين، هذا احتلال)، لأن وضعنا بالضبط وضع فلسطين".

"حصار 5 سنوات"

وفي يونيو الماضي، وجه العشرات من أهالي "الوراق" رسالة استغاثة إلى المنظمات الحقوقية الدولية والمهتمين بملف حقوق الإنسان حملت عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي تدين جرائم قوات الأمن بحق الأهالي العزل.

وذلك على إثر اقتحام الأمن الجزيرة لإخلائها من ساكنيها، وسط غضب الأهالي الرافضين لمغادرة أراضيهم ومنازلهم، ما أدى إلى استخدام قوات الأمن الرصاص واستخدام الأهالي الحجارة.

وعلى مدار 5 سنوات حاولت السلطات إخلاء جزيرة "الوراق"، (1600 فدان)، الأكبر من حيث المساحة من بين 255 جزيرة نيلية، بالقوة من ساكنيها لإقامة مشروعات سكنية وأبراج سياحية بالتعاون مع الجيش.

واعتقلت قوات الأمن، عشرات الأهالي الذين حكم عليهم بأحكام قاسية بدعوى مواجهة السلطات، مع منع دخول مواد البناء للجزيرة، ومنع الأهالي من البناء عليها.

"نهب مصر وقهر شعبها"

وحول دلالات توقيت تنفيذ الحكومة مشروع جزيرة الوراق في ظل أزمة اقتصادية مصرية طاحنة، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبد العزيز، لـ"عربي21": "كل يوم يمر يثبت أن السيسي ونظامه عصابة احتلال عسكرية".

وأكد أنها "تستخدم سلاح الشعب لقهر الشعب وتشريده وإذلاله وسرقة ممتلكاته لصالح أعضاء العصابة وحلفائها من أنظمة الخليج التي ساهمت في تسلط السيسي على المصريين".

وأضاف: "التناقضات ليست غريبة على السيسي؛ يتحدثون عن المناخ وتطبيق استراتيجيات تراعي أبعاده بينما يحولون جزيرة الوراق لكتل خرسانية، ووعدوا بأنه لا إجراءات اقتصادية قاسية قبل إغناء الفقراء وها هم يذبحونهم بسيف الغلاء وإهدار الثروات بين الفساد ومشروعات الاستهلاك الإعلامي".

أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، قال: "نعم الاقتصاد يعاني بشدة نتيجة سياساتهم الفاسدة والفاشلة؛ وسرقتهم لجزيرة الوراق من أهلها وإهدار المليارات لبناء مشروعات عليها من أموال الشعب استمرار لهذه السياسات، ولو كان الأمر لا يتعلق بحقوق مغلوبين على أمرهم لكان الضرر أقل".

ويرى عبد العزيز، أن "إخراج مواطنين من ممتلكاتهم بالقهر دون تراض استمرار لسياسات قهر الشعب منذ مجزرة فض اعتصامي (رابعة والنهضة) 2013، واعتقال عشرات الآلاف وتعذيب وقتل الشعب في السجون وأقسام الشرطة".

"ومطاردة رجال الأعمال لسرقة شركاتهم، واحتكار الجيش للأنشطة الاقتصادية، وغياب الرقيب الشعبي على كل نشاط النظام الإجرامي، كلها أدلة على أن مصر تحكمها عصابة عسكرية تستغل الجيش وموارده لنهب مصر وقهر شعبها".

"مفارقات مثيرة"

الإعلان الحكومي عن خططها بجزيرة الوراق يحمل عدة مفارقات، وفق مراقبين.

الأول: أن مصر تسعى بقوة لإنجاح استضافتها مؤتمر المناخ العالمي في مدينة شرم الشيخ تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر المقبلين، وتتبنى مشروعات بيئية عديدة وزراعة ملايين الأشجار، وفي المقابل تعتدي على أكبر جزر نهر النيل وتحولها من محمية طبيعية إلى كتل خرسانية للأثرياء.

الثاني: أن الاقتصاد المصري يعاني بشدة وتسعى مصر للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، وتتخلص من العشرات من أصولها بالبيع والطرح في البورصة لمستثمرين أجانب، في محاولة للحصول على تمويل لسداد الديون واستيراد السلع الأساسية كالقمح والوقود.

الثالث: أن الحكومة وخلال السنوات الخمس الماضية قامت بإجبار أهالي الوراق على ترك منازلهم بالتهديد والسجن والاعتقال والقوة الأمنية التي تقتحم الجزيرة من آن لآخر، فيما يوحي البيان بأن الأهالي يتجهون إلى الاستلام الكامل عن حقهم في تملك أراضيهم وبيوتهم بالجزيرة، ودون توضيح المقابل لذلك.

"سفه وتدمير متعمد"

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل، قال  إن "التناقضات في موقف وتصرفات النظام المصري في هذا الملف مبنية على عدة افتراضات".

"أولا: أن النظام الدولي والمؤسسات الدولية مؤسسات لها معايير وضوابط مهنية وبالتالي غير منطقي أن تعقد قمة المناخ في مصر التي تدمر البيئة الطبيعية ليس فقط في الوراق، ولكن أيضا المأساة الحادثة في سيوة وساحل البحر المتوسط"، بحسب السياسي المصري.

واستدرك: "ولكن؛ عندما تكون المنظمات الدولية موجودة للدعم السياسي والمالي طبقا لمصالح الدول الكبرى والكيان الصهيوني ربما تصبح الصورة منطقية".

"ثانيا: الافتراض أن الحكومة والنظام لديهما من الرشد والحكمة ما يجعلها تعمل لخدمة الشعب ولذلك تطرح الأسئلة حول جدوى كل هذا العبث في ظل أزمة اقتصادية خانقة"، وفق قول عادل.

وتابع: "لكن عندما نرى الأمر بشكل مختلف وأن النظام السياسي لا يهتم بأي شكل بثروات الشعب وحقوقه، ويسعى فقط للحفاظ على السلطة والانعزال عن الشعب، ولا يهمه سحقه ماليا واقتصاديا ربما يصبح من الطبيعي رؤية هذا السفه والتدمير المتعمد".

ولفت ثالثا، إلى أنه "ليس من المستغرب استخدام القوة ضد الشعب لتحقيق أغراض الطبقة الحاكمة؛ فجزيرة وسط النيل بها مهبط للهليكوبتر وبلا كباري ولا وسيلة انتقال أخرى تصبح نقطة منعزلة لطبقة النبلاء".

وأكد أن "النظام اعتاد على سحق كل من يقف في طريقه، والشعب بعد سنوات الوعود المخملية استيقظ على كارثة سيعيش بها حتى ينقذ نفسه بنفسه إن أراد من المصير المؤلم الذي ينتظره، وأدرك أنه لا يمثل أي قيمة لمن قالوا له يوما: أنتم مش عارفين أن أنتم نور عنينا ولا إيه".

وختم بالقول: "لو نظرنا من هذه الوجهة ستصبح الأمور منطقية ومتناغمة ولا يوجد بها تناقض؛ شعب منزوع القوة تحت سيطرة سلطة لا تكترث بسحقه وتمتلك كل شيء".