قال رئيس حزب التكتل الديمقراطي في تونس، خليل الزاوية، إن "المشهد السياسي متأزم إلى أبعد مدى، ويتجه نحو المزيد من المخاطر الجمّة"، مؤكدا أن "الانتخابات التشريعية المقبلة ربما تكون بمثابة بداية النهاية لنظام الرئيس قيس سعيد، وأن الانفجار المجتمعي القادم سيكون أضخم مما شهدناه عام 2011".

وأوضح الزاوية، في حديث مع "عربي21"، إلى أن "قيس سعيد وحكومته عجزوا عن معالجة الأزمة الحالية، والوضع متوتر اجتماعيا وغير مستقر، وارتدادات هذا الوضع بدأت مكشوفة من خلال تعطل المفاوضات محليا ودوليا".

واستطرد الزاوية قائلا: "إشعال الرئيس لمعارك مختلفة على قاعدة الكل ضد الكل يُعدّ مؤشرا خطيرا للغاية يستوجب التوقف عنده قبل أن تنفلت الأمور إلى مسارات لا تُحمد عقباها".

وشدّد على أن "سعي قيس سعيد لحيازة كل السلطات وفق ما تضمنه الدستور الجديد، يكشف صدقية ما عبّرنا عنه في مناسبات عديدة من مخاوف الانزلاق نحو الحكم الاستبدادي؛ فخلافنا ليس مع شخص قيس سعيد، وإنما مع طبيعة الحكم والنظام الذي انطلق في إرسائه".

وأردف: "في الوقت الذي سعينا فيه مع العديد من الأحزاب والطيف الاجتماعي الواسع، لتثبيت ركائز النظام الديمقراطي الذي يقوم على الفصل بين السلط والشفافية والمراقبة والمساءلة وحرية التنظيم والتعبير والصحافة والإعلام.. يأتي الرئيس بنظام آخر يستفرد فيه بسنّ دستور يتراءى له أنه بمنزلة القرآن، ويجمع سلطة الأمن والدفاع والقضاء والبرلمان والحكومة تعيينا وتسييرا؛ فهذا لا علاقة له مطلقا بالأنظمة الديمقراطية".

غضب شعبي

واختلف الزاوية مع مَن يقولون إن المعارضة التونسية فشلت في التوحد إلى الآن، قائلا: "لست متفقا مع مقولة فشل المعارضة وإن كانت مشتتة لاعتبارات يطول شرحها، ولكني أعتقد أن المعارضة تجاوزت الأحزاب، وبات طيف واسع من الشعب يرفض هذا المسار الذي ينتهجه الرئيس".

وأكمل: "لقد نجحت المعارضة في إقناع قطاعات شعبية واسعة بخطورة إجراءات الرئيس، رغم الحصار والاعتداءات التي طالت عددا من أحزابها خلال اجتماعاتها التعبوية المعارضة للاستفتاء في الكشف عن مخاطر النظام المزعوم".

وتابع رئيس حزب التكتل الديمقراطي: "لعل تراجع عدد من أنصار قيس سعيد عن تأييد المشروع الذي قُدّم على أنه مشروع الخلاص من الأحزاب من خلال تجريمها وتلبيسها عناوين الأزمة وأسبابها فيه ما يدل على أن مشروع الرئيس دخيل على التونسيين".

قلب المعادلة

وأوضح الزاوية أن "المعارضة تسعى حاليا إلى تجميع قواها من خلال مجموعات ضغط مدنية رافضة لهذا المسار"، مشيرا إلى أنه "أمام المعارضة بكامل أطيافها فرصة للالتقاء حول المشترك الوطني، ويساعدها في ذلك الأوضاع المتأزمة على كل المستويات، وما تمتلكه من رصيد رمزي واعتباري قادر على قلب المعادلة".

وقال إن "طبيعة الشعب التونسي تمنح فرصة لرأس السلطة، وعندما تتأكد من عدم انسجام الخطاب الرسمي سرعان ما تتحول إلى معارضة له، ولنا في السنوات القليلة الماضية ما يؤكد هذه المقاربة؛ ففي 14 و17 يناير 2011 عمّت البلاد احتجاجات عارمة أنهت نظام زين العابدين بن علي، وفي عام 2013 أُقيمت اعتصامات ضخمة أنهت أو علّقت حكم حركة النهضة".

ونوّه إلى أن "الناخب التونسي قلّل من حظوظ النهضة التي تراجعت إلى مستويات دنيا من حيث عدد الناخبين؛ فبعدما حصلت على 1.5 مليون صوت في 2011، تراجعت إلى نحو مليون صوت في 2014، إلى أن وصل عدد ناخبيها إلى أقل من 500 ألف في 2019، إضافة إلى تراجع عدد نوابها في البرلمان وأعضائها في الحكومة. وفي الاستفتاء تراجع عدد المشاركين بشكل لافت مقابل ارتفاع نسبة عدد المقاطعين التي بلغت 75 في المائة".

وحول التشكيك في مصداقية الاستفتاء على الدستور، أضاف الزاوية: "لم نكن نحن مَن بادر بهذا التشكيك، بل الهيئة العليا للانتخابات هي التي كشفت منذ ليلة الاستفتاء عن عدد المشاركين قبل أن تتدارك ذلك بضغوط من القصر الرئاسي وتعود لترفع في العدد قبل أن تستتبع ذلك بجملة من الإعفاءات الواسعة شملت عددا من العاملين داخل إدارة الهيئة".

بداية النهاية للنظام

وأما بشأن احتمالية مشاركة المعارضة في الانتخابات التشريعية المقبلة، فقال رئيس حزب التكتل الديمقراطي: "المشاركة من عدمها مازالت محل نقاش وحوار بين القوى المُشكّلة لتنسيقية القوى الديمقراطية".

وفي سبتمبر 2021، أعلنت 4 أحزاب تونسية، هي "التيار الديمقراطي"، و"آفاق تونس"، و"الجمهوري"، و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، عن تشكيل تنسيقية رافضة لـ"التدابير الاستثنائية" التي اتخذها قيس سعيد، تحت اسم "تنسيقية القوى الديمقراطية"، محذرة من احتمال الانزلاق إلى فوضى وحرب أهلية وانهيار الدولة.

وواصل الزاوية حديثه بالقول: "الانتخابات البرلمانية المقبلة تتوقف على طبيعة النظام الانتخابي الذي يبدو جاهزا، وهو يتجه نحو نظام الأفراد وسحب الوكالة، وإن تم تطبيق هذا النظام فستكون بداية النهاية لنظام الحكم القائم".

احتدام الصراع

وشدّد على أن "الصراع المرتقب، والذي باتت مؤشراته تتضح أكثر فأكثر، سيحتدم حتى داخل أركان وأنصار النظام، وخاصة الذين ارتموا في أحضانه بصفة انتهازية، فضلا عن ذلك فإن التداخل بين صلاحيات المجالس الجهوية والإقليمية والمركزية سيساهم في احتدام هذا الصراع وخلق مناخ غير مستقر بالمرة".

ورفض مساعي تشكيل "حكومة الإنقاذ"، وقال: "نحن في الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء لم ندع إلى هذه الحكومة، وننظر إلى هذا المسار على أساس أنه خطوة نحو تأزيم الوضع أكثر، لا سيما أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لا تحتمل مزيدا من المعارك رغم توفر مسوغات الدعوة إلى ذلك".

وأكد أن "قطار العد التنازلي لشعبية قيس سعيد انطلق بالفعل نحو الهاوية، ويتضح ذلك من خلال الأزمات المتتالية والتراكمات السلبية التي جناها من خلال مشاريعه الوهمية؛ فحل البرلمان والهيئات، ودخل في معارك مع القضاء والإعلام والمنظمات والأحزاب، وما تلا ذلك من محاكمات واعتداءات وإقامات جبرية، بالإضافة إلى معاركه الأخرى مع المستثمرين المحليين والأجانب، وما تبع ذلك من رفض واسع لدستوره".

واعتبر الزاوية أن "كل هذه المؤشرات تقود إلى أن شعبية الرئيس في تآكل مستمر، وتقسيم المجتمع على ثنائية الملائكة والشياطين هي أيضا من بين المؤشرات والوقائع التي باتت تغذي عزلة الرئيس داخليا وخارجيا".

مفاوضات متعثرة

وذكر المعارض التونسي أن "المفاوضات بين الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) والحكومة لم تعد متوقفة على الطاقم الحكومي، لأن الرئيس يُعطل بين الحين والآخر هذه المفاوضات".

وزاد: "لعل آخر لقاء جمع بين رئيسي اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف ورئيسة الحكومة، نجلاء بودن، خلال الأسبوع الماضي، يوضح أبعاد دور الرئيس، خاصة في ظل تعطل المفاوضات من صندوق النقد الدولي الذي يشترط المضمون الاجتماعي كجواز سفر وكجسر لا يمكن المرور بعيدا عنه، وقد استدعى الرئيس عشية هذا اللقاء رئيسة الحكومة ورفض ضمنيا توجهها ورؤيتها".