د. محمود خليل

 

في رثاء فقيه العصر وإمام المجددين العلامة فضيلة الشيخ الدكتور: يوسف بن عبد الله القرضاوي الذي غادرنا في 26 سبتمبر 2022م. 

 

فَجِيْعَةُ اليُتْمِ وَالنَّكْبَاءِ وَالنُّوَبِ  **  أَنْ يَقْهَرَ الدَّهْرُ ظَهْرَ الدِّيْنِ وَالحَسَبِ

حَيْثُ الإِمَامُ الَّذِيْ يَأْتِي الزَّمَانُ بِهِ  **  فِي كُلِّ قَرْنٍ عَلَى جَمْرٍ مِنَ الرَّغَبِ

تَبْكِيْهِ تَكْبِيْرَةٌ دَوَّتْ بِمِئْذَنَةٍ     **    تَرْثِيْهِ تَهْلِيْلَةٌ، أَهْوَتْ عَلَى النُّصُبِ

أَيْقُوْنَةُ الفِقْهِ، فِي وَسَطِيَّةٍ شَرِبَتْ  **  مِنْ عَيْنِ خُلْدِ المُنَى فِي اللهِ لَمْ تَشِبِ

يَا”شَافِعِيَّ” النَّدَى فِي كُلِّ مُشْتَبِهٍ  **  وَ”سَرْخَسِيَّ” الوَرَى فِي كُلِّ مُقتصَدِ(1)

“شَمْسُ الأَئِمَّةِ” مَنْ فِي النَّاسِ يَلْحَقُهُ  **  إِذْ قَامَ “مَبْسُوْطُهُ” مِنْ جُبِّهِ العَطِبِ

يا”شَاطِبِيَّ” الدُّنَا فِي كُلِّ مُلْتَبِسٍ  **  يَا سُهْمَةَ الفَهْمِ ، عِنْدَ الفَوْزِ بِالأَرَبِ

“مُوَافَقَاتُ” الرِّضَا تَأْتِيْكَ مِنْ مَلَكٍ  **  مَعَ”اعْتِصَامِ” التُّقَى بِاللهِ فِي الأَدَبِ

سِيَاسَةُ الشَّرْعِ كَمْ أَعْلَيْتَ شَاهِدَهَا  **  حَتَّى تَجَلَّتْ لَنَا كَالْبَرْقِ وَالشُّهُبِ

وَكَمْ نَصَحْتَ الأُلَى زَاغُوْا وَمَا ارْتَدَعُوْا  **  وَكُنْتَ تَسْرِيْ بِهِمْ فِي اللهِ عَنْ كَثَبِ

تَوَدُّ لَوْ أَنَّهُمْ يَشْرُوْنَ أَنْفُسَهُمْ   **   لَكِنَّهُمْ أَعْرَضُوْا مِنْ دُوْنِ مَا سَبَبِ

يَا ” يُوْسُفَ  الحَقِّ”، إِنَّا فِي مَتَاهَتِنَا  **  نُصَارِعُ الوَهْمَ فِي دَوَّامَةِ اللَّعِبِ

وَنَضْرِبُ الرَّمْلَ، عَلَّ الرَّمْلَ يُخْبِرُنَا  **  عَنْ بَعْضِ سَوْءَاتِنَا فِي شَرِّ مُنْقَلَبِ

عَزَّ الرِّثَاءُ الَّذِيْ نَرْجُوْهُ مِنْ قَبَسٍ  **  فَكُلُّ أَقْوَالِنَا مِنْ تَالِفِ الحَطَبِ

يَا ابْنَ الجِهَادِ الَّذِيْ قَدْ مَاتَ مِنْ زَمَنٍ  **  إِذْ قَامَ مِنْ بَيْنِنَا أَلْفَا أَبِي لَهَبِ

وَعَرْبَدَتْ بَيْنَنَا تَوْلاَءُ تَافِهَةٌ    **     وَكُلُّ بَيْتٍ بِهِ حَمَّالَةُ الحَطَبِ

فَوَافِدُ القَوْمِ.. فِي الرَّمْضَاءِ تَقْتُلُهُ  **  قَوَاحِلُ الجَدْبِ، وَالأَرْزَاءِ ، وَالخُشُبِ

وَهَكَذَا أُمَّتِي فِي التِّيْهِ شَارِدَةٌ  **  مِنْ بَعْدِ مَا يُتِّمَتْ فِي مَهْمَهٍ خَرِبِ

وَقَامَ أَعْدَاؤُهَا مِنْ أَهْلِ جلْدَّتِهَا  **  وَمَزَّقُوْا أَصْلَهَا فِي الأَهْلِ وَالنَّسَبِ

وَهَتَّكُوْا سِتْرَهَا فِي أَلْفِ مَقْتَلَةٍ  **  وَأَطْفَأُوْا فَجْرَهَا بِالإِفْكِ وَالكَذِبِ

يَا حَاتِمَ العِلْمِ، مَنْ فِي النَّاسِ يُطْعِمُنَا  **  وَمَنْ يَمُوْنُ الدُّنَا وَالنَّاسَ مِنْ سَغَبِ

وَمَنْ بِعَهْدِ الأَسَى وَالقَحْطِ يَكْلَؤُنَا  **  وَعِنْدَ أَعْتَابِهِ نَطْوِيْ خُطَى التَّعَبِ

يَا سَابِقَ الرَّكْبِ وَالبَيْدَاءُ مُوْحِشَةٌ  **  يَا مُسْمِعَ الصُمَّ مِنْ عَزْمَاتِكَ العَجَبِ

يَسَّرْتَ دَرْبَ الهُدَى، أَدْنَيْتَهُ ذُلُلاً  **  بِكُلِّ حَرْفٍ بَدَا فِي القَوْلِ وَالكُتُبِ

بَيْنَ الحَلالِ الَّذِي جَلَّيْتَهُ سُبُلاً  **  وَسُقْتَ أَبْوَابَهُ هَتَّانَةَ السُّحُبِ

مَا ثَمَّ فِي فِقْهِنَا لِلدِّيْنِ مُعْضِلَةٌ  **  إِلاَّ وَيَسَّرْتَهَا ، شِرْبَاً لِمُحْتَلِبِ

مِنْ فِقْهِ فِقْهِ الرُّؤَى، تَرْنُوْ بِشِرْعَتِنَا  **  لأَوْلَوِيَّاتِنَا مِنْ سُتْرَةِ الحُجُبِ

فِقْهُ التَّرَاتُبِ أَنْتَ اليَوْمَ مُنْشِؤُهُ  **  أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِيْ يَعْلُوْ عَلَى الرُّتَبِ

يَا ابْنَ الجِرَاحِ الَّتِي أَفْرَاحُهَا ظَفَرٌ  **  بِالْحُسْنَيَيْنِ غَداً.. يَا نَفْسُ فَارْتَقِبِي

وَكُنْتَ صَدَّاحَهَا للهِ فِي شَمَمِّ  **  فِي رِحْلَةِ القَرْنِ ، فَوْقَ مَعَامِعِ الرِّيَبِ

لَسَوْفَ تَبْقَى الضُّحَى، وَالشَّمْسُ مَا سَطَعَتْ  **  وَأَنْتَ بَدْرُ الوَفَا .. فِي اللهِ .. لَمْ تَغِبِ

فَخَيْرُ عِلْمٍ بِهِ يُمْنَاكَ قَدْ سَبَقَتْ  **  وَخَيْرُ إِرْثٍ .. بِهِ .. بُشْرَاهُ مِنْ عَقِب

وَكُنْتَ نَجْمَ الهُدَى فِي كُلِّ نَازِلَةٍ  **  وَكُنْتَ لَيْثَ الشَّرَى فِي الزَّحْفِ وَالغَلَبِ

وَكُنْتَ نَسْرَ العُلا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ  **  وَكُنْتَ فَصْلَ القَضَا فِي كُلِّ مُنْشَعِبِ

وَكُنْتَ نِبْرَاسَهَا فِي فَجْرِ صَحْوَتِهَا  **  وَكُنْتَ دُسْتُوْرَهَا فِي العُجْمِ وَالعَرَبِ

وَكُنْتَ فِي رُشْدِهَا سَبَّاقَ خُطْوَتِهَا  **  وَكُنْتَ فِي بَعْثِهَا للهِ خَيْرَ أَبِ

وَكُنْتَ حَسَّانَهَا فِي عِزِّ نُصْرَتِهَا  **  وَكُنْتَ سلطانهَا فِي زَحْفِهَا اللّجِب

وَكُنْتَ فِي بَأْسِهَا، كَرَّارَ طَلْعَتِهَا  **  وَكُنْتَ رِئْبَالَهَا فِي كُلِّ مُصْطَخَبِ

“فِقْهُ الجِهَادِ” الَّذِي حَرَّرْتَ نَبْعَتَهُ  **  مَا بَيْنَ زَيْغِ الوَرَى أَوْ صَوْلَةِ الحَرِبِ

وَكَيْفَ كَانَ الهُدَى وَالنُّوْرُ مِعْدِنُهُ  **  فِي كُلِّ بَعْثٍ لَهُ فِي الدَّفْعِ وَالطَّلَبِ

“فِقْهُ الزَّكَاةِ” الَّتِي أَفْسَحْتَ سَاحَتَهَا  **  كَمَا “أَبُوْ يُوْسُفٍ” وَ”خَرَاجُهُ” الذَّهَبِي

“نُوْنِيَّةُ” الصَبْرِ، صُمُّ الصَّخْرِ تَحْفَظُهَا  **  وَكُلُّ ذِيْ نُفْرَةٍ للهِ مُحْتَسِبِ

ذُوْ النُّوْنِ قَدْ صَاغَهَا مِنْ وَقْدِ أَضْلُعِهِ  **  لِكُلِّ ذِيْ هِجْرَةٍ فِي اللهِ مُغْتَرِبِ

فَيَا دُهُوْرُ اسْمَعِي مَا كَانَ مِنْ سَفَهٍ  **  وَيَا جِبَالُ انْظُرِيْ مَا كَانَ مِنْ نَصَبِ

وَمَنْ قَضَى فَارِسَاً فِي صَدْرِ أُمَّتِهِ  **  وَمَنْ هَوَى سَافِلاً كالنَّعْلِ وَالذَّنَبِ

فَدَعْ رِعَاعَ الثَّرَى فِي وَحْلِ ذِلَّتِهِمْ  **  مِنْ كُلِّ وَغْدٍ غَوَى ، أَوْ كُلِّ مُنْقَلِبِ

تَمْضَي عَلَى سِيْرَةٍ فَيْحَاءَ عَاطِرَةٍ  **  “كَدَوْحَةِ الخَيْرِ” وَالزَّيْتُوْنِ وَالعِنَبِ

وَاذْهَبْ عَلَى بَيْعَةٍ للهِ مُرْتَضِياً  **  وَاهْنَأْ عَلَى رَفْرَفٍ فِي جَنْبِ خَيْرِ نَبِي

 

.....

- المصدر: جريدة الأمة، 16-10-2022

(1) السرخسي… الإمام أبو بكر محمد ابن أبي عليه شمس الأئمة.. صاحب كتاب المبسوط.. الذي أملاه وهو في السجن كان يملي تلاميذه.. وهم في أعلى الجب يكتبون مايملي عليهم.

كان سبب حبسه أن السلطان فرض مظلمة كبيرة على الرعية.. ثم ترك بعضها فمدحه القاضي.. فأنكر عليه شمس الأئمة فقال: لا يمدح إذا ترك جميعه.. فكيف يمدح بترك بعضه.. فحبسه السلطان.