مقدمة

(يبدو أن تهمة قلب نظام الحكم لن تترك المعارضين لأى نظام حكم لا يرتضيه الشعب في وطننا العزيز، فدائما ما يلجأ حكم الفرد سواء في العهد الملكي أو في ظل حكم العسكر لمصر ظلت تهمة العمل على قلب نظام الحكم يطلقها النظام ضد كل من يعترض قراراته أو يطالبه بالإصلاح)

وهو ما حدث في عهد الإمام البنا حيث كتبت إحدى الصحف خبرا مفاده أن الإخوان يفكرون بقلب نظام الحكم، وأخذت عنها صحيفة حكومية حيث زادت فيه وأسهبت؛ حتى ظن القارئ أنها حقيقة، وأن الإخوان على مشارف بقلب النظام الملكي وعزل الملك؛ ولذا فقد كتب الإمام البنا يوضح حقيقة من الذي انقلب على الحكم فعليا فقال:

    نشرت إحدى الصحف المعارضة خبرًا مؤداه.. القبض على شاب وجدت عنده أوراق تتضمن مهاجمة بعض البيوت المالية والإشارة إلى قلب الحكم، ثم قالت بعد ذلك: إن هذا الشاب من الإخوان المسلمين، وإن الإخوان المسلمين يريدون قلب نظام الحكم، وأن على الحكومة أن تأخذ للأمر أهبته وثقله، وعدته.

    وقد تبعتها فى هذا الاستعداء الصغير جريدة حكومية، فنشرت ما يستغرق صفحة كاملة إلا قليلاً من صفحاتها حول هذا المعنى.. ونحن بدورنا نريد أن ندل هؤلاء وغيرهم عن الذين يريدون قلب نظام الحكم بل الذين قلبوا نظام الحكم فى هذه الأمة فعلاً، وأصروا على ذلك بغير حق"، وكانوا بذلك سبب الويلات والنكبات التى أحاطت بهذا البلد الأسيف من الداخل والخارج.

    نظام الحكم الذى ارتضته مصر وأعلنته على رءوس الأشهاد وسجلته فى دستورها: هو النظام الديمقراطى.. والحكم الديمقراطى فى كل قواميس السياسة والسياسيين: "حكم الشعب بالشعب" ومهما اختلف السياسيون على الأشكال والألوان والوسائل التى يتحقق بها هذا الحكم فهم لم يختلفوا أبدًا على هذه الحقيقة وهى: أن لب الديمقراطيات الاعتراف بسلطة الشعب وحقه فى أن يحكم بالنظام الذى يختاره ويرضاه ولقد نص الدستور المصرى فى مادته التاسعة والأربعين بعد المائة على أن دين الدولة الرسمى الإسلام، وكان فى هذا صادقًا محقًا ومصورًا أدق تصوير لروح الشعب المصرى ومشاعره.

    ومعنى هذا أن الديمقراطية المصرية يجب أن ترتكز على تعاليم الإسلام وأن تستمد منها لتكون ديمقراطية صحيحة، ومن حسن الحظ أن روح الإسلام وتعاليمه لا تتعارض مع روح الديمقراطية الحديثة متى سلمت من الشهوات الحزبية والأهواء الاستعمارية... وإذا كان هذا النظام هو نظام الحكم فى مصر فمن هم الذين قلبوه فى الحقيقة ومازالوا مصرين على أن يظل النظام مقلوبًا إلى الآن؟!

    الذين فعلوا ذلك هم النحاس باشا، والنقراشي باشا وهيكل باشا، ومكرم باشا من الزعماء الحزبيين، وهم صدقى باشا وماهر باشا وسرى باشا وأمثالهم من الزعماء المستقلين الذين تولوا الحكم فى هذا الوطن وجعلوه دولة فيما بينهم وادعوا أن ذلك باسم الشعب، والشعب لا يقر لهم بذالك..!

    ليس لهذه الأحزاب. ولا لهؤلاء الزعماء برامج ولا مناهج يرضاها الشعب ويؤمن بها ويناضل عنها ويجاهد فى سبيلها ويميز بينها.. وكل ما يتقدمون به إليه فى صحفهم ورسائلهم وبياناتهم خطب العرش التى يؤلفونها موضوعات إنشائية ووعود إدارية لا تصور فلسفة ولا تمثل فكرة ولا تحمل دعوة ولا تضرب على وتر حى أو ميت من أوتار القلوب والنفوس. وهم جميعًا يهربون من حكم الإسلام وتعاليم الإسلام والشعب لا يريد إلا الإسلام.. ولا يرضى بحكم الله بديلا..

    فأما المسلمون: فلأن هذا دينهم وعقيدتهم وأما غير المسلمين: فلأن فى حكم الإسلام طمأنينتهم وحمايتهم. ومهما زعم هؤلاء الزعماء أو المتزعمون أنهم يمثلون الشعب بحكم انتخابات الأغلبية أو الأقلية فقد عرف القاصى والدانى ما هى الانتخابات فى مصر ولقد طارت بها الأمثال وسارت بذكرها الركبان بل هم أنفسهم قد أصدروا حكمهم عليها حاسمًا قاسيًا قاضيًا لا يدع مجالاً للشك ولا الارتياب.

    وإذن فالواقع المؤلم أن هؤلاء الزعماء تفرضهم الحوادث والظروف على هذا الشعب فرضًا، فيتداولون حكمه، وهم لا يمثلون إرادته، ولا يحققون غايته، ولا يطبقون النظام الذى يرضاه.. ونحن لهذا نتهمهم بأنهم هم الذين قلبوا نظام الحكم فى هذا الوطن شكلاً وموضوعًا مع التعمد وسبق الإصرار ونحيلهم إلى محكمة الرأى العام ليقول فيهم كلمته ويصدر عليهم حكمه وهو إن تأجل اليوم فالموعد به الغد. وإن غدًا لناظره قريب، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ "يوسف: 21".

المصدر

    جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (593)، السنة الثانية، 25 جمادى الأولى 1367ه - 5 أبريل 1948م، ص(1).