إن الإخلاص أهم ركن من أركان جميع الأعمال المتعبد بها لله؛ فالإخلاص سر بين العبد وربه، فيقع الإخلاص من الأعمال كمثل الرأس من الجسد فالعمل بلا إخلاص مردود وكان لغير الله، وما كان لغير الله أوكل لصاحبه.

قال العز بن عبد السلام : "الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي".

ويقول الدكتور القرضاوي وأساس إخلاص العمل: تجريد "النية" فيه لله تعالى.

وكان سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول -: «اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا».

وتناظر يومًا أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل – رضي الله عنهما – في قيام الليل، فقال أبو موسى: «أنا أقوم أول الليل وأنام آخره». فقال معاذ: «وأنا أنام أول الليل وأقوم آخره، فأحتسب نومتي وقومتي».

وقال الحسن البصري – رحمه الله: «رحم الله عبدًا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر».

وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله‏: ‏«ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص بأن يعافيك الله منهما»‏. ‏

5- وقال الإمام إبن الجوزي – رحمه الله، فى باب نور البصيرة، من (صيد الخاطر): «والصدق في الطلب منار أين وُجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يخلص».

قال أبو سليمان الداراني: «طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يُريد بها إلا الله تعالى».

وكان سفيان الثوري – رحمه الله – يقول عن سلفه من الأئمة والعلماء: «كانوا يتعلمون النية كما تتعلمون العمل».

قال الإمام ابن حزم – رحمه الله: «النية سر العبودية وروحها، وهي من الأعمال بمنـزلة الروح من الجسد» وقال الإمام أبو حامد الغزالي – رحمه الله: «إنما النية انبعاث القلب، وتجري مجرى الفتوح من الله تعالى، وليست النية داخلة تحت الاختيار، فقد تتيسر في بعض الأوقات، وقد تتعذر، وإنما تتيسر في الغالب لمن قلبه يميل إلى الدين دون الدنيا». وذكر فى الإحياء: «اعلم أن النية والإرادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد؛ وهو: حالة وصِفة للقلب».

 وقال أيضا فى فضل تعدد النية الصالحة وتكثيرها فى العمل الواحد: «إن الطاعة الواحدة يمكن ان ينوي بها خيرات كثيرة، فيكون له بكل نية ثواب، إذ كل واحدة منها حسنة، ثم تُضاعف كل حسنة عشر أمثالها. مثال ذلك القعود في المسجد، فإنه طاعة، ويمكن أن ينوي بها نيات كثيرة: منها أن ينوي بدخوله انتظار الصلاة، ومنها الاعتكاف وكف الجوارح، ومنها دفع الشواغل الصارفة عن الله تعالى بالانقطاع إلى المسجد، وإلى ذكر الله تعالى فيه، ونحو ذلك. فهذا طريق تكثير النيات، فقس على ذلك سائرالطاعات، إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة».

ثم قال: «فما من شيء من المباحات إلا ويحتمل نية أو نيات، تصير بها قربات، وينال بها معالي الدرجات، فما أعظم خسران من يغفل عنها ويتعاطاها تعاطي البهائم المهملة. ومثاله أن يتطيب، وينوي بالطيب اتباع السنة، واحترام المسجد، ودفع الروائح الكريهة التي تؤذي مخالطيه. ولا ينبغي أن يحتقر العبد الخطرات والخطوات واللحظات، فكل ذلك يُسأل عنه في القيامة، لم فعله؟ وما الذي قصد به؟».

وقال بعض السلف: «إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي وشربي ونومي ودخولي الخلاء، وكل ذلك مما يمكن أن يُقصد به التقرب إلى الله تعالى، لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب من مهمات الدين، فمن قصد من الكل التقوي على العبادة، ومن النكاح تحصين دينه، وتطييب قلب أهله، والتوصل إلى ولد يعبد الله بعده، أُثيب على ذلك كله، ولا تحتقر شيئًا من حركاتك وكلماتك، وحاسب نفسك قبل أن تُحاسب، وصحح نيتك قبل أن تفعل ما تفعله، وانظر في نيتك فيما تتركه أيضًا».

وقال بعضهم أيضا ‏: ‏«رب عمل صغير تُعظمه النيّة، ورب عمل كبير تُصغره النيّة‏».

وقال الإمام حسن البنا – رحمه الله – في الإخلاص وضرورته لدى الدعاة والمصلحين: «وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته، وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام :162. وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم: (الله غايتنا) و(الله اكبر ولله الحمد)».

وقال الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – فى قول الله تبارك وتعالي: ﴿قُلْ إنَّ صَلاتىِ ونُسُكىِ ومَحْياىَ ومَماتىِ للهِ رَبِّ العـٰلمينَ﴾. {الأنعام: 162}. «إنه التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب، وبكل حركة في الحياة. بالصلاة والاعتكاف، وبالحياة والممات. بالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، وبالممات وما وراءه.

إنها تسبيحة التوحيد المطلق، والعبودية الكاملة، تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات، وتخلصها لله وحده. في إسلام كامل لا يستبقي في النفس ولا في الحياة بقية لا يعبدها لله، ولا يحتجز دونه شيئًا في الضمير ولا في الواقع».

ويقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله -: «ألا ما أنفس الإخلاص وأغزر بركته، إنه يخالط القليل فينميه حتى يزن الجبال، ويخلو منه الكثير فلا يزن عند الله هباءة».

ويقول الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – في كتابه القيّم (مقومات رجل العقيدة): «والأخ العامل في حقل الدعوة يتعرض إلى مواقف وفتن من داخل الصف وخارجه، وهنا يكون الإخلاص لله له دوره الفعال في النجاة والتغلب عليها، والأخ المسلم المخلص لربه لا تفتر همته في بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق ولو لم تظهر له النتائج، وكلما خلصت النوايا من الأغراض الدنيوية؛ قوى الحب والتلاحم والتعاون والفداء بين الإخوان».

وختاماً: قال بعض أهل العلم فى هذا الباب‏: ‏«اطلب النية للعمل قبل العمل، وما دمت تنوي الخير فأنت بخير»‏. وقال بعضهم: «إخلاص ساعة، نجاة الأبد، ولكن ذلك عزيز». ولأن إخلاص النية أمر عزيز، قال يوسف بن أسباط : «تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد». وحينما سُئل سهل بن عبد الله التستري: أي شيء أشد على النفس؟ قال: «الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب».

نسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد في أعمالنا وأقوالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجه الكريم، وألا يجعل فيها للنفس ولا للشيطان حظاً ولا نصيباً.

والحمد لله رب العالمين