تشكك حركات سياسية وشخصيات سودانية في نيات الجناح العسكري في البلاد، عقب توقيع اتفاق مبدئي بين الجيش السوداني وقادة مدنيين من تيار مدني رغم الترحيب الواسع من قبل المجتمع الدولي.
وأمضى المكون العسكري، الإثنين، "اتفاقا إطاريا" مع قوى مدنية بقيادة مجموعة من الائتلاف الحاكم سابقا، تحالف إعلان الحرية والتغيير ، والمعروف بـ"قحت" في الأوساط المحلية.
وينص "الاتفاق السياسي الإطاري" على إبعاد الجيش عن السلطة وتشكيل حكومة مدنية كاملة خلال فترة انتقالية تستمر عامين.
والاتفاق الإطاري، شاركت في مشاوراته الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، والرباعية الدولية التي تضم كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.
ورحبت كل من الأمم المتحدة وواشنطن ولندن وبروكسل والرياض وأبوظبي وغيرها بالاتفاق السوداني الذي ينص على عملية سياسية على مرحلتين ترتكز على مسودة الدستور التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين أخيرا.
وبموجب الاتفاق، سيتفق الموقعون على رئيس وزراء مدني يتولى السلطة في البلاد لمرحلة انتقالية جديدة تستمر عامين.
ووعد البرهان خلال مراسم التوقيع وسط تصفيق حاد بأن "سيعود الجنود إلى ثكناتهم والأحزاب إلى الانتخابات"، فيما أقر نائبه قائد القوات شبه العسكرية، محمد حمدان دقلو، بأن الانقلاب كان "خطأ سياسيا".
معارضة الإسلاميين
وفي أول تعليق لها على توقيع "الاتفاق الإطاري" بين المدنيين والعسكريين، قالت الحركة الإسلامية السودانية، الثلاثاء، إن الارتهان للأجنبي والتضييق والتشفي والاستفزاز ستقود إلى مزالق خطيرة تهدد البلاد وأمن المنطقة.
ودعا الأمين العام للحركة، علي أحمد كرتي ، في بيان، إلى "تبني مصالحة وطنية تستوعب كل مكونات الطيف السياسي والمجتمعي بلا تحيز ولا استثناء سعيا لتحقيق المشتركات التي تقود الفترة الانتقالية لإصلاح شامل للحياة السياسية".
وأضاف كرتي: "الممارسة السياسية حق أصيل لكل أهل السودان بلا استثناء (..) والارتهان للأجنبي والتضييق والتشفي والاستفزاز سيقود إلى مزالق خطيرة تهدد وجود البلاد وأمن المنطقة".
وفي السياق، حذر محللون سودانيون ومسئولون من مخاطر الاتفاق المبرم بين الجناح المدني والعسكري في البلاد.
"خطوة رمزية.. لا غير"
وأفادت الباحثة السودانية خلود خير من مؤسسة "كونفلونس أدفيزوري" في الخرطوم، لوكالة فرانس برس بأن الاتفاق يحسن صورة البرهان لدى المجتمع الدولي.
واستطردت بالقول إنه: "لن يكون بالأمر السهل بالنسبة للمدنيين.. ويتعين عليهم القيام بعمل شاق وإقناع الرأي العام بالاتفاق".
وأضافت: "لا يوحي بالثقة وبأنه سيؤدي إلى تنفيذ الإصلاحات التي يطمح لها الشعب".
وفي السياق، أعرب ناشطون مؤيدون لمسار ديمقراطي في البلاد عن معارضتهم الشديدة للاتفاق، فيما خرجت حشود غاضبة الى الشارع، الاثنين، مرددين "الاتفاق خيانة".
وقال الكاتب الصحفي السوداني عثمان ميرغني: "إنها مجرد خطوة رمزية ينبغي تطويرها بشكل أكبر من أجل اتفاق أكثر واقعية.. وإلا فستكون خطوة لا جدوى منها".
ويحدد اتفاق الاثنين الخطوط العريضة لعملية انتقالية بقيادة مدنية دون التطرق إلى التفاصيل والمهل الزمنية، كما يتعهد بالمساءلة وإصلاح قطاع الأمن ويمنع الجيش من التدخل في شئون لا تتعلق بالمؤسسة العسكرية التي لديها مصالح تجارية واسعة النطاق في البلد.
كما التزم الموقعون على الاتفاق بوضع تفاصيل العدالة الانتقالية والمحاسبة والإصلاح الأمني "في غضون أسابيع".
وفي هذا الصدد، قال ميرغني إن "مثل هذه القضايا المعقدة قد تستغرق شهورا لتذليلها".
"لا ثقة.. وغضب المتمردين"
وقالت خير إن الاتفاق "رهن أيضا.. بثقة الرأي العام بالاتفاق والأطراف المعنيين"، مضيفة: "بصراحة الثقة غير موجودة".
وقوبل الاتفاق بمعارضة قوية من قادة التمرد العسكري السابقين الذين وقعوا قبل عامين اتفاق سلام تم التوصل إليه مع الحكومة الانتقالية التي لم تبق في السلطة سوى لفترة قصيرة.
واعتبر زعيم المتمردين السابق، والحاكم الحالي لمنطقة دارفور، ميني ميناوي، الاتفاق بأنه "غير شمولي"، بينما قال وزير المال والمعارض السابق جبريل ابراهيم إن الاتفاق "بعيد كل البعد عن وفاق وطني ولا يؤدي الى انتخابات حرة ونزيهة".
وأوضح ميرغني: "سيكون من الصعب المضي في صفقة شاملة دون الاتفاق مع الجماعات المسلحة وعلى الأخص تلك التابعة لإبراهيم وميناوي".
ويهدف الاتفاق الأخير، إلى حل الأزمة السودانية الممتدة منذ 25 أكتوبر 2021، منذ أن نفذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا في أكتوبر 2021، مما أدى إلى عرقلة نقل السلطات إلى المدنيين.
وحينها أقدم رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان على حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة محافظين.
وفي 21 أغسطس2019، بدأت السودان مرحلة انتقالية كان مقررا أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024 ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام جوبا عام 2020.
وجاء انقلاب البرهان بعد عامين ونصف من الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي دفعت بالجيش للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.