بقلم: د. ممدوح مصطفى
النبي ﷺ يضرب لنا المثل والقدوة في ذلك، فقد كان أقدر الناس على التعامل مع هذه المشاعر؛ بما منحه الله من حسن الخلق وطيب النفس حتى كان ﷺ أعمق الناس أثرًا في نفوس من عايشوه، بل في نفوس من سمعوا عنه دون أن يروه.
وهذا عروة بن مسعود الثقفي يصف لقريش ما رآه من حب الصحابة للنبي ﷺ فقال: «أيْ قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، ووالله ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمدٍ محمدا». وهكذا ينبغي أن يكون كلُّ داعيةٍ صاحب أثرٍ عميقٍ في نفوس من حوله حتى يستطيع أن يؤثر في سلوكهم وأخلاقهم وعباداتهم… إلخ.
وإسهامًا منَّا في مساعدة الأخ على أن يكون صاحب أثرٍ عميقٍ وفعالٍ فيمن حوله نقترح في السطور التالية بعض الوسائل التي نرجو أن تكون له عونًا في امتلاك نفوس من حوله وإمالة قلوبهم ومد جسور المودة والألفة والتواصل معهم:
1- ابتسامة صادقة ووجه بشوش:
فالابتسامة الصادقة والوجه البشوش يعبران عن عاطفةٍ جياشةٍ صادقةٍ داخل النفس، هذه العاطفة تحرك الوجدان وتهز المشاعر فترى أثرها نورا يضيء وجه صاحبها، حتى ليكاد وجهه ينطق بما في القلب من ودٍّ وحبٍّ للآخرين فتنجذب القلوب إلى هذا الوجه البسَّام وتشعر الأرواح بألفةٍ وودٍّ معه. فالابتسامة المشرقة على وجهٍ طلقٍ كفيلة بأن تفتح مغاليق النفوس وأن تنفذ إلى أعماق القلوب. وقد كان النبي ﷺ صاحب ابتسامة لا مثيل لها، حتى قال عنه عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: «ما رأيت أحدًا أَكثر تبسُّمًا مِن رسول الله ﷺ». رواه الترمذي بسند حسن. والابتسامة الصافية الصادقة لا تفتح لنا قلوب الناس فقط، ولكن تمنحنا أيضًا ثوابًا يضاف إلى ميزان حسناتنا كما أخبرنا بذلك النبي ﷺ حين قال: «تَبَسُّمكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدقة» رواه الترمذي
2- حُسن الهندام:
فجمال الهيئة وحسن الهندام وطيب الرائحة من الأمور التي تساعد الداعية على كسب قلوب الآخرين، لأنَّ النفس بطبيعتها تميل وتنجذب إلى كلِّ جميل، وفي هذا يقول النبي ﷺ: «إنَّ الله تعالى جميلٌ يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده…» رواه ابن حبان بسند صحيح. ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنَّه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: «إنِّي ما رأيت أحدًا أنظف ثوبًا ولا أشد تعهدًا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبًا وأشده بياضًا من أحمد بن حنبل».
3- بذل المعروف وقضاء الحاجات:
فبذل المعروف من أهم الوسائل التي يستطيع بها الداعية أن يأسر قلب من يدعوه. وعن دور بذل المعروف وقضاء الحاجات في كسب ود القلوب يقول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وبذل المعروف لأهله لا يفتح لنا قلوب الناس فقط، ولكن يمنحنا أيضًا الفرصة للفوز بعظيم أجر المولى سبحانه وتعالى، كما بيَّن ذلك النبي ﷺ حين قال: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه؛ ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام».
4- حسن الإنصات:
فحسن الإنصات يلبي حاجةً هامةً لمن يحيطون بالداعية، ألا وهي تطلُّعهم إلى من يستمع إليهم، وحسن الإنصات أيضًا يحمل في طياته رسالة قلبيَّة تعبر عن الاحترام والتقدير والمحبَّة للمتحدث. وهذا بدوره يمد جسور المودَّة والألفة بين القلوب ويعمّق المحبَّة بينها. ويضرب لنا أحد الصالحين المثل والقدوة في حسن الإنصات للآخرين والعناية بخطابهم بغض النظر عن محتواه فيقول: «إنَّ الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأنِّي لم أكن سمعته، وقد سمعته قبل أن يولد، فأريه أنِّي إنَّما سمعته الآن منه».
5- الكلام الطيِّب الليِّن:
فالكلام الطيِّب اللين من أعمق الوسائل أثرًا في إمالة قلوب الآخرين، وكسب ودها، ولذا نجد المولى عزَّ وجلَّ يوصينا بأن ننتقي أطيب الكلمات وأن نختار أجمل الألفاظ وأرق العبارات عند حديثنا مع الآخرين وذلك في قوله سبحانه تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن). ويدعونا النبي ﷺ إلى الالتزام بذلك التوجيه القرآني، بل ويرغبنا في التمسك به حين قال: «الكلمة الطيبة صدقة». البخاري.
6- تفقُّد الأحوال ومتابعتها:
ومن الأمور التي تدخل السرور على النفس، وتزيد الألفة بين القلوب أن يجد الإنسان من يتفقد أحواله ويسأله عنها ويتابع أخباره. ففي هذا تعبير عن جميل العناية والاهتمام به، ما يورث المحبَّة والودَّ بين هذين القلبين. وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يتابع أخبار أصحابه ويتفقد أحوالهم رغم ما يتحمله من أعباءٍ وتبعاتٍ عظام كما يحكي سيدنا جابر بن عبد الله فيقول: تزوجت امرأة في عهد رسول الله ﷺ، فلقيت النبي ﷺ فقال: «يا جابر تزوجت؟» قلت: نعم، قال: «بكر أم ثيب؟» قلت: ثيب، قال: «فهلا بكرًا تلاعبها؟» قلت: يا رسول الله إنَّ لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: «فذاك إذن». رواه مسلم.
7- المخالطة والمعايشة والتباسط:
كذلك من الأمور التي تنمي الألفة والمودَّة والحب بين القلوب أن يكون الداعية مخالطًا لمن يدعوه متباسطًا معه متواضعًا له، كما علَّمنا ذلك النبي ﷺ فيما يحكيه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه حين قال: إن كان النبي ﷺ ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لي صغير: «يا أبا عُمير، ما فعل النُّغَيْر». رواه البخاري، والنغير طائر صغير كالعصفور. ومن المجالات المتقرحة التي يمكن للداعية أن يخالط فيها من يدعوهم لتزداد الألفة بينهم: الاجتماع على الطعام، المشاركة في لعب رياضةٍ جماعيةٍ معًا، السفر معًا… إلخ.
8- تهادوا تحابوا:
للهدية أثرٌ عجيبٌ وعميقٌ في نفوس من نهاديهم، فبها يزول ما بين النفوس من جفاءٍ ووحشةٍ، وبها ترق القلوب، وتصفو النفوس، وتزداد المودَّة والألفة، ويعمق الحب، وتوثق الروابط؛ ولهذا يوصينا النبي ﷺ بأن يهادي بعضُنا بعضًا فقال: «تهادوا تحابوا». وفي عميق أثر الهدية في النفوس يقول الشاعر:
هَدايا الناسِ بَعضِهِمُ لِبَعضٍ .. تُوَلِّدُ في قُلوبِهِمُ الوِصالا
وَتودِعُ في الضَميرِ هَوىً وَوُدًّا .. وَتَكسوهُم إِذا حَضروا جَمالا
9- سلام يجلب المحبَّة:
إلقاء السلام من الوسائل التي تقرّب النفوس، وتزيد الألفة، وتشيع الحب والمودَّة كما علَّمنا ذلك النبي ﷺ حين قال: «أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم» رواه مسلم.
10- المناداة بأحب الأسماء:
فمناداة الإنسان بالاسم المحبَّب إليه يفتح قلبه ويشرح صدره ويدخل السرور على نفسه، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما تحدَّث عن الأمور التي تقرِّب النفوس وتمنحها حبًا متبادلًا: «وأن تناديه بأحب الأسماء إليه».
11- حسن الصلة بالله تعالى:
فحسن الصلة بالله تعالى من أهم وأعمق وأصدق الوسائل التي يمكن للداعية أن يستخدمها في كسب قلوب الآخرين؛ لأنَّ القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فمن أراد أن يكسب ودَّها فليتقرب إلى من بيده هذه القلوب، وفي هذا يقول النبي ﷺ: «إنَّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادى جبريل: إنَّ الله قد أحب فلانًا فأحِبَّه، فيُحِبُّه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إنَّ الله قد أحب فلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض» رواه البخاري.
عشرون طريقة تؤثر بها في الآخرين وتترك بها بصمة في من حولك:
بالطبع تريد أن تؤثر في الآخرين ويكون لك حضور عند الأهل والأصدقاء؟ ليس أحد يكره ذلك فالنفس بطبيعتها تميل إلى حب التميز وتميل إلى أن تكون مطلوبة مرغوبة فحين يلتف حولك الناس ينجذبون إلى شخصيتك ويحاولون أن يقلدونك ويسيروا على دربك فإنك تكون قد نجحت في التأثير عليهم وملكت شغاف قلوبهم وصاروا عجينة طيعة تشكلها بيدك كيفما تشاء. نعم هنيئا لك فأنت الفنان وهم الريشة والأقلام أسرد عليكم فيما يلي عشرين نقطة جمعها علماء النفس والتربية العاملين في الحقل الإسلامي وغيرهم وجعلوهم طريقك للتأثير الإيجابي في الآخرين! فأرهف السمع وأمعن النظر مدققا مركزا فيما هو آت:
– تعرف على الناس بادر أنت بذلك وقدم إليهم نفسك وركز على تخصصاتهم وهواياتهم فأبرزها في نفسك.
– احفظ الأسماء ما وجدت لذلك سبيلا ونادي على القوم بأحب الأسماء اليهم.
– ابتسم مهما كانت الظروف المحيطة من حولك فالابتسامة مرسالك الى القلوب.
– احرص على توزيع الاهتمام بمن حولك بنسب متساوية فلا تخص أحدا بابتسامة دون الآخر ولاتبد اهتماما بأحد دون سواه واشمل الجميع باهتمامك حتى في النظرات.
– أشعر الآخرين بالفخر والزهو لوجودك معهم وبينهم ولا تتضجر أو تلمح بأن وقتك ضيق ولولا كذا لاعتذرت وما شابه ذلك مما قد يفسر على أنه تعال منك تجاههم.
– كن مستمعا جيداً ودرب نفسك على ذلك فلا تقاطع واعلم أن أذانان ولسان واحد لتسمع ضعف ما تتكلم.
– تحمس لمستمعك واطلب منه الاستمرار حتى ولو كان حديثه منفرا تافها وعقب دائما بكلمات ودودة مثل (يا سلام فكرة رائعة .. كانت غايبة عني .. يا سلام اللهم أكثر من أمثالك. وهكذا).
– كن موسوعياً بالقضايا الشائكة من حولك التي هي مثار اهتمامات الآخرين وتذكر دائما قولهم (تعمق لتتعملق) ولا يكفيك القشور واهتم بالفحوى والمضمون وقدم تحليلا موجزا عند تناولك للقضايا.
– احرص على الإيجاز وإنفاذ المهام بسرعة فلا تكن أعمالك وأقوالك بالطويلة المملة ولا هي بالقصيرة المخلة فكما تعرف (خير الكلام ما قل ودل).
– كن مرحا وضمن حديثك وأفعالك القليل من المزاح البريء واحرص ألا تكذب أو تبالغ لتضحك الآخرين وتذكر قولهم اجعل من المزاح في كلامك قدر الملح في طعامك.
– تحدث دائما بلغة القوم وثقافتهم فكن فلاحا بين الفلاحين وأستاذا بين المثقفين ولاتتشدك فيما لا يفهمونه.
– تسامح دائما مع أصحاب الأفكار والعقائد الأخرى فإن لم يكونوا أهلا لذلك فأنت أهل له واشمل الجميع واستوعب الصغير والكبير ولا تنس القول البليغ: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم».
– كن كريما سخيا وأبذل المال بغير سفه وتودد الى القوم بالهدايا ولو المعنوية «تهادوا تحابوا” وكثير من الناس تأسر قلوبهم حين تشبع بطونهم.
– ناقش واسأل من حولك وبادر أنت باستدراج الناس الى الحوار فيما يهمهم لتصل إلى قلوبهم إذ تشعرهم باهتمامك بهم وبمشاكلهم دون أن يطلبوا ذلك.
– قدم تعليقا أو تحليلا موجزا عقب كل حديث تسمعه مهما كان موضوعه ولا تنسحب أو تترك فرصة حوار إلا وتشارك فيها بجميل فكرك وبليغ بيانك.
– استخدم لغة الأرقام ما أمكنك ذلك. (مثلا منطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة والتي بها 1000 مدرس و800 مهندس و140 رجل أعمال هل تستحق من المسئولين ذلك الإهمال؟. وما شابه ذلك).
– استخدم لغة الجسد والجوارح وكن أقرب في وقفتك إلى الإمالة بالرأس خفيفا لأسفل لتشعر من أمامك بالتواضع والاهتمام لسماعه وتجول بناظريك جيدا أثناء الحديث والاستماع وحرك اليدين وقطب الجبين عند الغضب وتهلل عند الفرح فذلك أدعى لأن تترك أثرا فيمن يشاهدك حتى ولو لم يتذكر نصائحك.
– كن طبيعيا والتزم شخصيتك التي جبلت عليها ولا تتقمص شخصية غيرها مهما بدت لك مثالية فأنت هكذا ولن تتغير لكن يمكنك تهذيب شخصيتك وتوجيهها فقط وكلما كنت بطبيعتك وتلقائيتك كلما كنت أدعى وأصدق في عيون الآخرين.
– كن أفضل مما يتوقعه الآخرون منك فإن ظنوك كذا فكن ضعف هذا الكذا أو تربيعه.
– قليل من المجاملة وتطييب الكلام يفيد كثيرا. جامل دون نفاق وأظهر مزايا القوم وتجنب التعرض لنقائصهم ومساوئهم وتذكر مجاملة الرسول الكريم لسيدنا أبي سفيان: «من دخل دار أبي سفيان.»
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم