بقلم ا/ أشرف الشربيني

لم يخرج المستعمر من بلادنا، إلا بعد تسليمها لأحد أهم أدواته، وهو (الاستبداد)، والذى استقوى بإشاعة الفساد وإضعاف المجتمع، فدولة ما بعد الإستعمار نشأت فى سياق إستعمارى خالص، تكرس التبعية وتحميها.

نشأ على إثر ذلك نوعان من التدافع، أحدهما (صراع على السلطة) داخل النخبة الحاكمة، والآخر تدافع من أجل (استقلال الدولة) وتحريرها من أسر التبعية، وهذا ما خاضه التيار الوطني، وجماعة الإخوان المسلمين فى القلب منه؛ ليبقى ميزان القوة فى مصر دائر بين طرفين: مستبدٌ يرعى الفساد ويهمش المجتمع، ووطنيٌّ يقاوم المستبد، بمكافحة الفساد وحماية المجتمع. بالتالي لم تكن العلاقة بين الإخوان والاستبداد، صراعٌ على السلطة- كما يصور البعض- إنما كانت نضالاً من أجل استقلال الدولة وحماية المجتمع.

إنطلقت رؤية الإخوان لنهضة الأمة من مرجعية إسلامية، تنحصر غايتها فى "تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة" (حسن البنا - رسالة المؤتمر الخامس)، دون انسحاب من الهمّ العام أو انعزال عنه.. يقول الإمام حسن البنا: "..اننا نهتم بشئون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام.. وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه.. وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية وإصلاح الأداة التنفيذية" (رسالة المؤتمر السادس).

فالإخوان يرون أن سيادة الأمة ضرورية لتحكيم الشريعة، والتى تحيا بإعلاء الحريات العامة والخاصة ومنها حرية الدعوة، فهم يقدمون صلاح الأمة على امتلاك السلطة، واستقامة النفس على دعوة المجتمع، وأداء الواجبات على المطالبة بالحقوق، يدعمون الطبقة المتوسطة، دون أن ينسوا الطبقات المهمشة، ويهتمون بتقوية المجتمع المدنى ومؤسساته، فالحرية عند الإخوان فريضة والتبعية جريمة والعمل على رفعة الأوطان واجب دينى ووطنى، كما يرون أن الإستبداد هو الوجه الآخر للإستعمار.. فالدولة القوية عند الإخوان يصنعها ويحميها شعب قوى. عبر عن ذلك الرئيس محمد مرسى فى ميدان التحرير حين قال: "الشعب هو مصدر السلطة.. التي تعلو على الجميع.. ولا مكان لأحد ولا لمؤسسة ولا لهيئة ولا لجهة فوق هذه الإرادة.. فهي التي تحكم وتقرر، وتعقد وتعزل..".

والحقيقة الواضحة هي أن الحُكَّام رَضِوا من الإخوان عدم صراعهم على السلطة، لكنهم أبَوا نضالهم من أجل الحرية، وأن تكون إرادة الأمة فوق إرادة السلطة.. ففي فترة الحكم الملكى، وقف الإخوان المسلمون أمام موجة التغريب العاتية، فحاربوا انتشار البغاء وشرب الخمور والتعامل بالربا، وأحيوا فى النفوس وازع الدين والأخلاق، وحاربوا الجهل والمرض، بإنشاء المدارس والمستشفيات، كما قاوموا المحتل الانجليزى في القناة، والمشروع الصهيونى بفلسطين.. فتم حلّ جماعتهم، وقتل مرشدهم، واعتقال الآلاف منهم!

فهل كان ذلك صراعاً على سلطة؟ أم حفاظاً على شعب وحماية للدولة؟!

وحين انفرد عبد الناصر بحكم البلاد بعد انقلاب يوليو 1952، ووَأَد الحرية ومكَّن للشيوعية، وأسال دماء المصريين بمعارك خاسرة، في اليمن وسيناء، بعدما جعل من الشعب (جماهير) تتحرك بإشارة الزعيم! كأنهم  منومين أو مسلوبي الإرادة!

حينها رفض الإخوان المسلمون أن يكونوا شهود زور على استبداده، فحلُّوا ضيوفاً فى أقبية السجون لعشرين عاماً، واهتزت أعواد المشانق بأجسادهم،

فهل كان ذلك صراعاً على سلطة؟ أم حفاظاً على شعب وحماية للدولة؟!

وعندما أبرم السادات (حكم من 1970-1981) إتفاقية مع العدو الصهيونى، رآها الإخوان المسلمون مساساً بسيادة الدولة واستقلالها، فرفضوها، فقام السادات باعتقالهم مع غيرهم من القوى الوطنية فى سبتمبر 1981.

فهل كان ذلك صراعاً على سلطة؟ أم حفاظاً على شعب وحماية للدولة؟!

وخلال ثلاثة عقود من حكم مبارك، توسع الإخوان المسلمون فى العمل الخيري، فأسسوا العديد من الجمعيات الخيرية، وبنوا المستشفيات والمدارس، وكانوا أول من أغاث المصريين فى كارثة زلزال عام 1992، وكارثة سقوط صخرة الدويقة فى عام 2008، كما أعادوا الحياة للعمل الطلابى والنقابى، فانتعشت بذلك الطبقة المتوسطة، ونزل الإخوان المسلمون العمل السياسى نواباً عن شعبهم.

فهل كان ذلك صراعاً على سلطة؟ أم حفاظاً على شعب وحماية للدولة؟!

فى كل ما مضى، كان الإخوان المسلمون الأقرب إلى شعبهم، والأسرع إلى إغاثته، والأنبل فى الدفاع عنه وعن مصالحه، ودفعوا ثمن ذلك محناً متلاحقة، لكنهم كانوا يخرجون من كل محنة أقوى مما دخلوا فيها.

ومن يتحدث اليوم عن ترك الإخوان للصراع على سلطة لم يصارعوا عليها يوماً، إنما يريد فى الحقيقة حرف بوصلة الجماعة عن ثوابتها الشرعية والوطنية، وعن نضالها طوال تسعة عقود ماضية، إما طمعاً فى هدنة متوهمة، لن تُمنح إلا على حساب حقوق شعبنا ومكتسباته، أو تأسيساً لـ(جماعة جديدة) يُمنح بها الانقلاب صكَ براءةٍ من جريمته في صيف 2013.