• لفلسطين مكانة خاصة في قلوب المسلمين
• أرض فلسطين وقف إسلامي
• الإخوان سطَّروا أعظم البطولات بفلسطين
تحظى (فلسطين) بمكانة خاصة عند كل العرب، ولها أهمية خاصة في قلوب المسلمين في كل أقطار الوطن العربي والإسلامي، فهي أولى القبلتين، وثاني الحرمين الشريفين، ومسرى النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، وهي أيضًا أرض الأنبياء ومهد الرسالات، ومنبع الحضارات، كما أنها موضع تقديس أهل الكتاب- من مسيحيين ويهود- ولهذا فهي تشكل جزءًا من عقيدة ووجدان المسلمين في شتى بقاع الأرض، وتعتبر أرضها وقفًا إسلاميًا على جميع أجيال المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل إلى قيام الساعة.
ولذلك فقد كانت لها مكانةٌ خاصةٌ عند المصريين على مرِّ التاريخ، فهبُّوا للدفاع عنها ضد كلِّ معتدٍ وغاصب، وقد اعتبرها المصريون تمثل جزءًا من أمن "مصر"، فهي تمثّل بوابة "مصر" الشرقية، فضلاً عما تمثّله من مكانة دينية وتاريخية بالنسبة لمصر وأبنائها.
ومن ثَمَّ فقد استشعر (الإخوان المسلمون) تلك الأهمية الدينية والتاريخية والحضارية لفلسطين، فكانت موضع اهتمامهم منذ وقت مبكر، واستشعروا خطورةَ قضيتها ومصيرها منذ أمد بعيد، فنبهوا إلى خطر الاستيطان اليهودي على أرضها، وتصدَّوا لمحاولات تهويدها والاستيلاء عليها، وخاضوا المعارك في سبيل الدفاع عنها ضد الصهاينة، وسطَّروا في ذلك أعظم البطولات، وقدموا في سبيلها أغلى التضحيات، وقد تجلَّى دورهم البطولي في أول مواجهة عربية ضد الصهاينة في حرب سنة (1367هـ = 1948م) .
الأسباب التي دفعت (الإخوان) إلى الاشتراك في الحرب:
هناك العديد من الأسباب التي دفعت الإخوان إلى الاشتراك في حرب (1367هـ = 1948م) كان من أبرزها ما يمثله اغتصاب فلسطين وإقامة دولة يهودية تشكل خطورةً ليس على "مصر" والبلاد العربية فحسب، وإنما على العالم الإسلامي بأسره؛ فإن قيام دولة يهودية على أرض "فلسطين" يؤثر على مركز "مصر" الاقتصادي، ويهدد استقلالها السياسي، كما أن "فلسطين" هي حجر الأساس للوحدة العربية الإسلامية؛ وذلك بسبب أهميتها الدينية والتاريخية وموقعها الاستراتيجي، فهي مركز اتصال بين الدول العربية في كُلٍّ من "آسيا" و"أفريقيا"، بالإضافة إلى الاعتبارات الدينية والأصول الشرعية التي تُعتبر من صُلب العقيدة وأصول الدين وتمام الإيمان، مثل رد العدوان اليهودي عن النفس والأهل والمال والوطن والدين، وإغاثة المظلومين من المؤمنين، والانتصار للمظلوم من الظالم.
الدخول في الحرب
قام المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ "حسن البنا" بقيادة العديد من المظاهرات في "الجامع الأزهر" بعد أن ألقى خطبةً دعا الجموعَ فيها إلى القيام بواجب الجهاد المقدَّس ضد اليهود، وطالب الحكومة الملَكَية بتوفير الأسلحة للمجاهدين، فأعلنت الحكومة فتح باب التطوع للجهاد.
وأقام الإخوان معسكرات التدريب للشباب الذين تقدموا للتطوع للجهاد، وبعد اكتمال التدريبات العسكرية، وصلت الكتيبة الأولى من المجاهدين بقيادة الشهيد "يوسف طلعت" إلى الأراضي الفلسطينية في شهر (ربيع الآخر 1367هـ = فبراير1948م)، وقد تتابعت كتائب المتطوعين من المجاهدين بعد ذلك إلى أرض "فلسطين".
وتحرَّكت كتائب المجاهدين من "البريج" إلى "بئر سبع" و"العوجة"، وهاجموا كثيرًا من المستعمرات اليهودية، ورغم قلة العتاد والأسلحة المتاحة، فقد كان للإخوان دورٌ بارزٌ في تلك الحرب، واستطاعوا أن يغنَموا الكثير من الأسلحة والذخيرة من العدو الصهيوني الذي تكبَّد الكثير من الخسائر وفقَد العديد من الجنود.
واستطاع الإخوان السيطرةَ على كثير من المستعمرات الصهيونية بمعاونة الجيش المصري بقيادة القائد "أحمد عبد العزيز"، وتمكَّنت قوات الإخوان من الوصول إلى مشارف "القدس" مع الجيوش العربية التي شاركت من "مصر" و"سوريا" و"الأردن" و"فلسطين" و"لبنان"، ومحاصرة أكثر من مائة ألف صهيوني، إلا أن الصهاينة استغاثوا بأوربا، وخاصةً "بريطانيا" و"الولايات المتحدة الأمريكية"؛ مما جعلهم يفرضون هدنةً على القادة العرب في (30 من رجب 1367 هـ = 29 من مايو 1948م)، وتوقف القتال بموجب تلك الهدنة، وكانت "أوربا" تهدف من وراء ذلك إلى إنقاذ اليهود من الهزيمة المحققة.
وفي أثناء تلك الهدنة التي فرضت حصارًا على المجاهدين العرب لم تنقطع الإمدادات عن قوات الصهاينة، واستطاعت العصابات الصهيونية اليهودية احتلال مواقع مهمة بهجمات غادرة، وعندما احتجَّت الدول العربية لدى مجلس الأمن اعتذر بأن الذين يقومون بهذه الأعمال عصابات متطرفة ليس لأحد سلطان عليها.
وقامت عصابات صهيونية بالهجوم على قوات الإخوان عند منطقة "العسلوج"، واستطاعوا السيطرة عليها لقلة جنود الإخوان بها؛ ونظرًا لأهمية تلك المنطقة التي كانت طريقًا لتموين الجيش المصري ومواصلاته، فقد تحركت فِرَقٌ من الجيش النظامي لاسترداد القرية، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك، فتعاون الجيش مع جماعة الإخوان التي استطاعت استرداد القرية باستخدام الأسلحة الخفيفة، وما لبث مجلس الأمن أن فرض هدنةً ثانيةً في 11 من رمضان 1367 هـ = 18 من يوليو 1948م لإنقاذ اليهود مرةً ثانيةً، وفي هذه الأثناء وصلت إلى اليهود إمداداتٌ من الأسلحة الثقيلة والطائرات الحديثة من "أوربا"؛ مما سهَّل لهم عملية الهجوم على الجيوش العربية مرةً أخرى، حتى اضطُّر الجيش المصري إلى التَّخَلِّي عن المناطق التي سيطر عليها، وترك وراءه خمسة آلاف جندي محاصَرين في "الفالوجا".
وقدم الإخوان مشروعًا طالبوا فيه بإعطائهم السلاح اللازم والسماح لهم بجلب بعض المجاهدين من"مصر"؛ حتى يمْكنهم إنقاذ الجيش المصري المحاصَر في "الفالوجا"، ومحاولة السيطرة على المستعمرات اليهودية، فوافقت القيادة العامة للجيش المصري، وواصل الإخوان عملياتهم حول المستعمرات، وقاموا بعمل العديد من الكمائن التي منعت اليهود من التنقل بين مستعمراتهم، واستطاعوا تدمير 15 مصفحة ودبابة في أسبوع واحد؛ مما ساعد الجيش المصري على الانسحاب من "الفالوجا" إلى مواقع جديدة.
وانتهز اليهود حالَ التمزق التي يعيشها العرب، وخاصةً "مصر"، فهاجموا الجيوش المصرية دون مراعاة للهدنة التي نادَوا بها من قبل، ونجحوا في احتلال العديد من المواقع، وتمكَّنوا من عزل القوت العربية عن بعضها في كثير من الأماكن.
أهم مصادر الدراسة:
1- أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين: حسين محمد أحمد حمودة. الناشر: الزهراء للإعلام العربي - القاهرة: (1405هـ = 1985م).
2- حقائق عن قضية فلسطين: محمد أمين الحسيني. الناشر: مكتب الهيئة العربية العليا لفلسطين- القاهرة: (1377هـ = 1957م).
3 - الطريق إلى بيت المقدس: د. "جمال عبد الهادي محمد". الناشر: دار التوزيع والنشر الإسلامية- القاهرة: (1422هـ = 2001م).
4 - فلسطين والضمير الإنساني: محمد علي علوبة. (كتاب الهلال) الناشر: دار الهلال- القاهرة: (1384هـ = 1964م).