أسماء السيد خليل صادق

حكى أحدُهم: «نشأتُ في بيتٍ مستقر، بين أب وأم متفاهمين، متعاونين، الزوج -أبي- يقوم بجميع واجباته تجاه زوجه –أمي- لذلك لم نرها يومًا غاضبة عليه، بل كانت دائمة الشكر له، مثنية على صفاته وأخلاقه، وكلاهما قريب من الله، يتواصيان دائمًا بالحق والصبر، لقد شربنا الحب في بيت أبي، وذقنا حلاوته، كنت أرى أبي يحب أمي، وأمي تحبه، وهما في حالة سلام دائم مع الجميع..».

ويستطرد: «إنني أجتهد دومًا في زرع المعاني التي تعلمتها من أبويَّ، وهي الحب والوفاء والبر وصلة الرحم وأشياء أخرى عظيمة، في نفوس أبنائي، إنني صرتُ مؤمنًا بأن البيوت السعيدة المستقرّة تنتج أفرادًا أسوياء صالحين، والعكس صحيح، فلو كان البيت ساحة لمشاحنات الزوج والزوجة، فإنما يدفع إلى المجتمع نفوسًا مشوهة وصدورًا مليئة بالحقد والكراهية».

حقوقٌ وواجباتٌ

معلومٌ أن البيوت المسلمة قوامها المودة والرحمة ما التزم طرفاها -الزوج والزوجة- بالحقوق والواجبات التي بين الشريكين، ويحدث النفور وتختفي الألفة إذا نسي أحدهما أو كلاهما هذه الحقوق وتلك الواجبات؛ حيث تتكاثر الهموم وتطغى المشكلات التي لا تجلب سوى الحزن والألم، ويصير بيت الزوجية حلبة للتعيير والتهكم، والهجر والإعراض.

ضماناتٌ تشريعية

والحياة الزوجية في الإسلام محاطة بضمانات تشريعية، تضمن -إن التزم بها الزوجان- عدم الاختلاف والفرقة، بل يظل بيتهما سعيدًا مستقرًّا، الزوجة فيه ملكة متوجة، من ثمّ فالزوجان مطالبان بالبعد عن نزغات العناد والإثارة، وحب التغلب على الآخر، والزوج -على الخصوص- مطالب بمراعاة فطرة المرأة واختلاف نشأتها ونظرتها للأمور، فيتغافلُ عن بعض ما يصدر منها، مقدرًا حسناتها ورصيدها لديه، يقول النبي ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة (أي: لا يبغضها ولا يضيقُ بها) إذا كره منها خلقًا رضي منها آخر» (رواه مسلم).

مظاهرُ النفور

وللنفور الزوجيِّ مظاهر عدة، أهمها:

– غياب مشاعر الحب، وانعدام التوافق النفسي، وانتصار كل طرف لذاته بتضخيم أخطاء الطرف الآخر.

– افتقاد الشعور بالأمن، وما يستتبعه من إهمال وعدم مصارحة.

– امتناع أحد الطرفين عن إعطاء الحقوق الشرعية للطرف الآخر.

– غياب القناعة، والاعتقاد بأن شريك الحياة ليس هو الشخص المطلوب.

– يبدأ كل طرف بالكيد للآخر، واستفزازه، وربما استخدم أحد الطرفين الأبناء في هذه المؤامرة، فينشؤوا عاقّين جاحدين.

– يسعى كل طرف لمحاولة تبرئة نفسه وتخطئة الآخر، فتُنشر أسرار البيت، وتزداد المشكلات، خصوصًا عندما يتدخل الأصدقاء والغرباء ممن في قلوبهم مرض، فيطمع في الزوجة مَنْ يطمع من الرجال، ويطمع في زوجها مَنْ تطمع من النساء.

– غالبًا يكون لكل طرف من الطرفين محرّضون، يوسوسون له بسوء معاشرة شريكه.

شبحان وليسا زوجين!

في هذا الجو غير الأسري، بل غير الآدمي، تُرتكب العديد من الأخطاء، ويقع الزوجان في العديد من الآثام، فتتساهل المرأة في الخروج بدون إذن الزوج، وتكثر الغيبة والنميمة، ويستهين الطرفان بالعبادة، ويتم إهمال الصغار، ويحاول كل طرف الإساءة إلى أهل الطرف الآخر، وبدلاً من استقبال البيت للضيوف والأهل وإكرامهم، يُهان كل من يطرق هذا «الوكر» الذي يسكنه شبحان هما الزوجان المتنافران.

إن الرجل بحاجة إلى الثقة، وإلى القبول، وإلى الإخلاص، وأن يظل دائمًا في بؤرة اهتمام الزوجة، بإبداء الاستحسان، والتشجيع، وهو أيضًا بحاجة إلى إشعاره بأنه مرغوب فيه، وأن امرأته له وحده، تسانده وتعضده، متسلحة باللطف والصبر والوفاء.

والمرأة بحاجة إلى الثناء عليها، ومعاملتها بحسن الخلق، وبحاجة إلى دعم ثقتها بنفسها، بحسن الاستماع إليها وإبداء الإعجاب بأقوالها وأفعالها، والاهتمام بها، والصبر عليها.

بيتُ النبوّة

لقد دفعت هذه الخصال الحميدة في خديجة رضي الله عنها النبي ﷺ إلى حبها وتقدير فضلها، والوفاء لها حتى بعد مماتها، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ إذا أُتي بالهدية قال: «اذهبوا بها إلى فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة» (رواه الطبراني)، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله ﷺ إذا ذكر خديجة أثنى فأحسن الثناء قالت: فغرتُ يومًا فقلت: ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيرًا منها، قال: «ما أبدلني الله خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس» (رواه أحمد).

المعاشرة باللطف والمعروف

إن على الزوجة طاعة زوجها في المعروف، وأن تكون صالحة متأدبة بآداب الدين، قائمة بشؤون بيتها وأولادها على الوجه الأكمل، ولها على زوجها حق المعاشرة باللطف، يقول النبي ﷺ: «شرُّ الناس الضيِّق على أهله»، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكون ضيقًا على أهله؟ قال: «الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفرَّ، فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته»، ولها حق الإنفاق من مال الزوج، وحق العيش عزيزة مصونة لا تُهان ولا تُجرح كرامتها.

مبادئ للتوافق الزوجيّ

نعود فنؤكد أن العلاقة الزوجية تقوم على عدد من الضوابط والقيم المعنوية والأخلاقية، وهي المودة والرحمة والثقة المتبادلة والتعاون في السراء والضراء، والعشرة بالمعروف والإحسان واحترام الكرامة البشرية، واعتبار كل من الزوجين جزءًا من الآخر مكملاً له، ومن ثم من الضروري تثقيف الشباب على تلك المبادئ لتكوين حياة زوجية ناجحة؛ بالتعاون على المسؤوليات الزوجية، والحرص على التفاهم وعدم التنازع، والاحترام المتبادل فلا يجوز الشتم والتقبيح ولا الخصام أو استخدام العنف، وأن يبقى الخلاف محصورًا بعيدًا عن الأطفال، فإن شذّ أحدهما فعلى الآخر تذكيره بتلك المعاني وأن يكون قدوة في الالتزام بالخلق الإسلامي القويم.

المصدر: المجتمع