ممدوح الولي

أشارت بيانات جهاز الإحصاء الحكومي إلى بلوغ معدلات ارتفاع الأسعار -التضخم- خلال الشهر الماضي، في الريف المصري الأكثر سكانًا 37.8% مقابل 35.7% في المدن، ليصل متوسط أسعار التضخم في أنحاء الجمهورية 36.8%.

وهي النسبة الأعلى في تاريخ التضخم منذ عام 1986 أي منذ 37 سنة، وهو ما يعني تجاوز معدلات التضخم العالية الارتفاع، التي تلت الاتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 2016 وإلى أن بلغ أقصاها 34.2%.

وداخل ريف المحافظات المصرية كان أعلى معدل لارتفاع الأسعار في ريف محافظة دمياط بنسبة 47%، يليها ريف كفر الشيخ 45.4%، وريف المنوفية 44.6%، أما أعلى تضخم في حضر المحافظات فكان في حضر الفيوم بنسبة 47.2%، يليه حضر دمياط 45.1%، وحضر محافظة مطروح الحدودية 43.4%.

وظل حديث المسئولين المصريين يرجعون تلك الارتفاعات السعرية للسلع إلى التضخم العالمي، وما تلاه من آثار الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه عندما نجد معدل التضخم في روسيا بالشهر الماضي 2.5% فقط، ومعدل التضخم في أوكرانيا 12.8% بالشهر نفسه، فإن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر.

وهو ما يكشفه مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة، الذي تراجع خلال الشهر الماضي بنسبة 23%، مقابل ما كان عليه في شهر مارس/آذار من العام الماضي عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أكده مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن البنك الدولي الذي انخفض في الشهر الماضي بنسبة 19%، عن الذروة التي بلغها في شهر مايو/أيار من العام الماضي.

هبوط عالمي وارتفاع محلي للسلع نفسها

ويزداد التناقض بين أرقام المؤشرات الفرعية لأسعار أنواع الغذاء، التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة ما بين قمة ذروتها في العام الماضي والشهر الماضى ، وما بين معدلات التضخم لتلك المجموعات السلعية نفسها في مصر، حيث تراجع مؤشر أسعار زيوت الطعام العالمي بنسبة 54% بينما زاد في مصر بنسبة 31%، وبينما انخفض مؤشر أسعار الحبوب العالمي بنسبة 27% نجد مؤشر الحبوب في مصر يرتفع بنسبة 59%.

وإذا كان مؤشر أسعار منتجات الألبان العالمي قد تراجع بنسبة 22% نجده في مصر قد زاد بنسبة 67%، وبينما انخفض مؤشر أسعار اللحوم العالمي بنسبة 6% نجده قد زاد في مصر بنسبة 92%، وكان المؤشر الوحيد الذي حدث به اتساق في الاتجاه بين العالم ومصر هو مؤشر أسعار السكر، الذي زاد عالميًا بنسبة 25% بينما بلغت نسبة زيادته في مصر 35.5%، رغم تصريح وزير التموين المصري قبل بضعة أشهر بأن نسبة الاكتفاء الذاتي من السكر بلغت 91% وفي طريقها للزيادة عن ذلك.

البرهان الثاني على براءة الأسعار العالمية من ارتفاع الأسعار في مصر مؤخرًا، يتأتى من خلال معدلات التضخم في أبرز الدول التي تستورد منها مصر، وتشير بيانات الواردات المصرية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي كآخر بيانات متاحة، إلى أن قائمة الدول العشر الأوائل بالواردات المصرية كانت: الصين تليها الولايات المتحدة ثم روسيا فالسعودية وألمانيا وإيطاليا والهند والكويت والبرازيل وتركيا.

تضخم صفري في الصين المورد الأكبر

وكانت معدلات التضخم في تلك البلدان حسب آخر بيانات منشورة بها أغلبها في الشهر الماضي، 0% في الصين بالشهر الماضي و3% في الولايات المتحدة و2.5% في روسيا بالشهر نفسه، و2.8% في السعودية و6.4% في ألمانيا والنسبة نفسها في إيطاليا، و4.8% في الهند، و3.7% في الكويت و3.2% في البرازيل و38.2% في تركيا.

وهو ما يشير إلى معدلات تضخم منخفضة في تلك الدول كلها عدا تركيا، لكن عوض ارتفاع التضخم في تركيا الانخفاض الذي لحق بسعر صرف الليرة التركية، منذ نهاية العام الماضي وحتى الحادي عشر من الشهر الحالي بنسبة 39%.

وبالتعرف إلى معدلات التضخم بالدول العشر الثانية الأعلى بالواردات المصرية وهي: الإمارات وإسرائيل وإسبانيا وإنجلترا وأوكرانيا وكوريا الجنوبية وفرنسا وبلجيكا والأرجنتين وهولندا، نجد معدلات التضخم تقل عن نسبة الـ5% بسبع دول منها، وأقل من 10% بإنجلترا، وأقل من 13% بأوكرانيا، وأكثر من ذلك بالأرجنتين، لكن الأرجنتين تحتل المركز التاسع عشر مما يعني انخفاض قيمة الواردات منها.

وعندما يقول البعض إن الركود ببعض تلك البلدان هو السبب، في انخفاض بمعدلات التضخم بها نتيجة ضعف الطلب على السلع والخدمات، فإن الأولى بمصر أن تكون هي المستفيدة من ذلك في ظل الانكماش المستمر بها، بشكل متواصل طوال الاثنين والثلاثين شهرًا الماضية وحتى الشهر الماضي.

وذلك حسب مؤشر مديري المشتريات بالقطاع الخاص غير النفطي، وهو المؤشر نفسه الذي يشير إلى عدم وجود انكماش بالكثير من الدول الموردة لمصر بالشهر الماضي، ومنها: الصين وروسيا والسعودية والهند وتركيا والإمارات وإسرائيل.

انخفاض الفائدة يقلل التكلفة للشركات

وتجئ تلك المعدلات المنخفضة للتضخم في تلك الدول الموردة لمصر رغم كون ثماني دول من العشرين الأوائل، تعاني من العجز بالميزان التجاري، وهي دول: الولايات المتحدة والهند وتركيا وإسرائيل وإسبانيا وإنجلترا وأوكرانيا وفرنسا.

عامل آخر أسهم في تقليل قيمة الواردات من تلك الدول، وهو انخفاض معدلات الفائدة بها، والذي يبلغ بمصر 18.25%، في حين بلغ 3.55% بالصين و3.5% بكوريا الجنوبية و4% بالكويت، مما يتيح للشركات الاقتراض بقيمة أقل تساعدها على المنافسة دوليًا، و4% بدول منطقة اليورو مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وهولندا.

و4.75% بإسرائيل و5% بإنجلترا و5.15% بالإمارات، و5.25% بالولايات المتحدة و5.75% بالسعودية و6.5% بالهند، و7.5% بروسيا، ولم تزد نسبة الفائدة عن 10% سوى في تركيا وأوكرانيا والأرجنتين.

مع الأخذ في الاعتبار أن الفائدة بغالبية تلك الدول موجبة أي تزيد عن معدل معدلات التضخم بها، عدا 5 دول من العشرين، أي أن المودع يحصل على عائد أعلى من معدل تآكل القيمة الشرائية للنقود لديه بسبب التضخم.

بعكس الموقف المصري الذي يعاني من وجود فائدة سلبية منذ فبراير من العام الماضي وحتى الآن، وهي النسبة التي بلغت سالب 22.75% في الشهر الماضي، كفرق بين معدل التضخم حسب البنك المركزي المصري البالغ 41% ونسبة الفائدة البالغة 18.25%.

الصومال وفلسطين أقل بمعدلات التضخم

أمر آخر يشير إلى عدم صحة التبرير بوجود عجز بالميزان التجاري المصري كسبب في ارتفاع معدلات التضخم المحلية، حيث نجد دولًا عربية فيها عجز تجاري مثل الأردن وفلسطين وتونس والمغرب وموريتانيا، ومع ذلك فقد كانت معدلات التضخم فيها أقل كثيرًا من مصر، حيث بلغ التضخم 2% بالأردن و3.9% بفلسطين والصومال 6.6% والمغرب 7.1% وموريتانيا 9.8% في مايو كآخر بيانات منشورة بها، وبتونس 9.3% في الشهر الماضي.

وتبقى العوامل المحلية هي الأكثر تأثيرًا في ارتفاع معدلات التضخم، وأبرزها: تراجع سعر صرف الجنيه، والقيود على الواردات مما يقلل المعروض من السلع في الأسواق، وزيادة أسعار المحروقات مما يرفع تكلفة الإنتاج ونقل السلع، واحتكار بعض الجهات لبعض السلع، وعشوائية التجارة الداخلية وتكرار حلقات التداول التي تحصل كل منها على هامش من الأرباح، وضعف الرقابة على الأسواق.

والعودة إلى التوسع في طبع النقود خلال أشهر مارس وإبريل ومايو الماضيين بقيمة إجمالية 156 مليار جنيه، وهو ما يخالف التوجه السابق للسياسة النقدية بتقليل السيولة في الأسواق، من خلال رفع سعر الفائدة، ورفع نسبة الاحتياطي الإلزامي من ودائع البنوك لدى البنك المركزي، وامتصاص البنك المركزي السيولة الفائضة بالبنوك أسبوعيًا من خلال آلية الودائع المربوطة، سواء بعائد ثابت أو بعائد متغير لمدة أطول.

------------------------------------

المصدر : الجزيرة مباشر