https://ikhwan.online/article/260192
الجمعة 17 جمادى الأولى 1445 هـ - 1 ديسمبر 2023 م - الساعة 04:00 م
إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون
زاد الداعية

الإحسان في حياة الداعية

الإحسان في حياة الداعية
الاثنين 11 سبتمبر 2023 12:35 مساء
بقلم: صبري محمد

إنّ دينَ الإسلام جاء لينظِّم حياةَ المسلم حتى تكون حياتُه حياةَ خير، وحياةً ينعَم بها في دنياه، ويسعَد بها يوم لقاء الله، دينُ الإسلام جاء ليرشِدَ المسلم إلى أن يكونَ مسلمًا حقًّا باعتقاده وقوله وعمله؛ ليكون عضوًا نافعًا في أمّته، وليسعد في نفسه، وليسعد به مجتمعُه المؤمن، بل تسعد به الخليقة كلّها.

ما الإحسان وما مكانته؟

الإحسانُ خلقٌ كريم وعمل من أفضل الأعمال، بل مرتبةُ الإحسان في الدّين هي أعلى المراتب، فللإسلام مراتبُه الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان، فالإحسان أعلى مراتِب الإيمان، أمر الله به فقال: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾ (البقرة)، ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ (القصص: من الآية 77)، جاء في القرآنِ بيانُ فضلِ المحسنين، وأنّ الله أحاطهم بعنايته وأيّدهم بنصره، فأخبر جلّ وعلا أنّه مع المحسنين: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)﴾ (النحل)، معيّةٌ خاصّة تقتضي هدايتَهم وعونَهم وأن يمدَّهم بنصرٍ منه وتأييد، وأيضًا جاء في القرآن بيانُ حال المحسنين، وأنّ الإحسانَ سببٌ ينقذ الله به العبدَ من المهالك، فيجعلُ له من كلّ همٍّ فرجًا، ومن كلّ ضيق مخرجًا، ومن كلّ بلاءٍ عافية، ويخلّص مِن مكر أعدائه، الإحسانُ خلقٌ يكتسِب أهلُه الثناءَ من الله ثم الثناءَ من عباده، وقال عن موسى وهارون: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)﴾ (الصافات).

مواضع الإحسان:

أيّها المسلم، إحسانُك في صلاتك أداءُ أركانِها وواجباتِها واستكمالُها بأداء سننِها، أداؤها في الوقتِ الذي أوجب الله عليك أن تؤدّيها فيه، أداؤها في المسجِد والجماعة، فكلّ هذا من إحسان العبادةِ لله: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾ (الذاريات).

إحسانُك في زكاتِك إخراجُها وإحصاؤها وإيصالُها إلى مستحقّيها؛ لتكونَ ممّن قال الله: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)﴾ (المعارج).

إحسانُك فيما بينك وبين عباد الله، فقد أوجب الله عليك الإحسان إلى الوالدين: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: من الآية 23)

بالإحسان للرّحم بصلتها كما أمرك الله به، ورغّبك بالإحسان إلى الجيران والإحسان إلى المساكين والإحسان إلى الأيتام والإحسان إلى الأرامل، فكلّ ذلك من المعروفِ الذي تنال ثوابَه يومَ قدومِك على الله. بَل أمرك نبيّك بالإحسان حتّى للبهائم، يقول: "دخلَت امرأة النارَ في هرّة؛ لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض" (رواه البخاري).

أحسِن إلى أولادِك بتربيتهم على الخير وبتوجيهِهم لطرقِ الهدى، وحملهم على الأخلاقِ الفاضلة، والنأيِ بهم عن كلّ الأعمال الرذيلة والرديئة، أحسِن إليهم بالإنفاق عليهم، أحسِن إليهم بتزويجهم وإحصانِهِم عمّا حرّم الله عليهم، أحسِن إلى الزّوجة بالإحسان إليها ومعاشرتِها بالمعروف، بل قد أمَر الله المسلمَ أن يكونَ إحسانه لامرأته حتّى في فراقها: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة)، الإحسان.. مثلاً الإحسان في التحية، من نماذج الإحسان الإحسان في التحية يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (النساء: من الآية 86).

 الصورة غير متاحة

 صبري محمد

  

هل تعلم؟

أن تعبد الله كأنك تراه، بأن يبلغ بك اليقين والإيمان بالله كأنك تشاهد الله عيانًا، ليس عندك تردد أو أي شك، بل كأن الله أمامك سبحانه وتعالى تراه عيانًا، فمن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ غاية الإحسان، تعبد الله كأنك تراه من كمال اليقين وكمال الإخلاص، كأنك ترى الله عيانًا، والله جلّ وعلا لا يُرى في الدنيا، وإنما يُرى في الآخرة، ولكن تراه بقلبك حتى كأنك تراه بعينيك، ولذلك يجازي أهل الإحسان بالآخرة بأن يروه سبحانه وتعالى، لما عبدوه وكأنهم يرونه في الدنيا، جازاهم الله بأن أفسح لهم المجال بأن يروه بأبصارهم في دار النعيم قال تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ (يونس: من الآية 26).

أحلى القصص عن الإحسان:

1- إتقان ذي القرنين: لم تُعرض علينا قصة ذي القرنين إلا لمقصد، وليس ذلك المقصد سوى تعليمنا قيمة الإحسان من خلال القصة ومقاصد أخرى لا تتعلق بموضوعنا من مثل تعبئة المسلم بالقوة- بعد تعبئه بقوة الإيمان- حتى ينتصر للمستضعفين، ذو القرنين هو مثال المهندس المسلم الذي يتقن عمله ويحسن فعله مسنودًا بالعلم والإخلاص معًا، ذو القرنين هو مثال المهندس الذي ينفع بعلمه الناس ويحمي المستضعفين.

2- صاحب العلم من الكتاب: هي كذلك قصة من قصص النبي سليمان مع ملكة سبأ بلقيس، مقصدها أن الإتقان كفيل بنجدة الحياة، إذا صحَّ أن الذي عنده علم من الكتاب هو بشر فإنه درس لنا لنمضي على درب الإحسان؛ لتقترب المسافات، وفي اقتراب المسافات دون ريب في أيامنا تعرف الناس على الإسلام واندياح لدعوته وظهور لها وتحقق لوعده سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (الفتح: من الآية 28) أين الحضارة الراهنة المتبرجة بسرعتها من حضارة الذي عنده علم من الكتاب.. عندما تخدم السرعة دعوة الإسلام تكون سرعة إسلامية، أما عندما تخدم انتشار الفساد فإنها سرعة جاهلية.. السرعة إذن قيمة محايدة.

3- موسى- عليه السلام- وابنتا شعيب عليه السلام قصة للاعتبار وعبرتها أن النبي ليس رجل دين لا حظ له من الدنيا، فهذا موسى عليه السلام رجل قوي يبادر إلى مغالبة جيش من الرجال الأقوياء الأشداء يتزاحمون فوق بئر أيهم يسقي رعيه قبل نضوب الماء.. يبادر إلى ذلك إنجادًا لامرأتين ليس لهما مَن يسقي لهما في مجتمع لا مكان فيه للضعيف.. يبادر لهما وهو لا يعرف عنهما شيئًا، بل وهو خائف جائع ظامئ ليس له مأوى وهو مطلوب في كل المعابر.

لو كان موسى ضعيف البنية لكان رجل آخرة والناس يحتاجون إلى رجل الدنيا بمثل حاجتهم إلى رجل الآخرة، فإذا كان رجل الآخرة هو رجل الدنيا فإن الإسلام يتقدم وينتصر.

الدرس المستفاد:

الإسلام دين القوة، القوة هي منبع الإحسان والإتقان، أما الضعيف فهو معرَّض إما إلى السحق تحت أحذية المتكبرين أو إلى التسول الذي لا يبقي في وجهه مزعة لحم، وعندها يتحول من فرط في قوته إلى دابة يحمل عليها المتاع الثقيل.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.