بقلم / عادل الأنصاري

تظل صفقة القرن والدفع بسكان غزة للنزوح إلى شمال سيناء تحت ضغط العمل العسكري المكثف والضربات الجوية التي تستهدف المدنيين، هي الخيار الراجح والمفضل لدى الاحتلال الصهيوني.
ويبقى على المحك الموقف المصري الرسمي عاملا محددا لمدى إمكانية الوصول بهذه الصفقة إلى النتيجة التي تسعى لها الولايات المتحدة ومعها حكومة الاحتلال، وما إذا كانت الفرصة مواتية خلال هذه المرحلة لتمرير الصفقة أم أن هناك من المستجدات داخل مصر ما يدفعها لحجب الصفقة وعرقلة تمريرها.؟
والواضح أن السلطة الحالية في مصر لا تمانع في الفكرة بل ربما تذهب التحليلات إلى ولوغ سلطة الانقلاب بمصر في تسريع وتيرة الديون، في إطار ما يمكن أن نطلق عليه "عملية إغراق ممنهج للدولة المصرية في الديون"، بما يكون عامل ضغط على الأجهزة الأمنية الممانعة للصفقة للرضوخ لها بديلا عن انهيار الدولة أو تعرضها إلى الإفلاس.
ونستعرض هنا عددا من المحددات التي نراها محفزة للسلطة الحالية في مصر للقبول بالصفقة وتمريرها وفي ذات الوقت الكوابح التي يمكن أن تعرقل الصفقة أو تقف عائقا أمام المرور بها في ظل واقع سياسي ومتغيرات إقليمية معقدة.


الكوابح المانعة والمعرقلة
ونبدأ الحديث عن أبرز الكوابح التي يمكنها أن تعرقل الصفقة أو تمنع تنفيذها ومن ذلك:
•  إدارك السلطة في مصر بأن انتقال المدنيين إلى سيناء أو جزء منها لا يعني قضاء تاما على المقاومة، رغم أن فكرة الصفقة تقوم على إفساح المجال للكيان المحتل بأن ينفرد بالمقاومة داخل غزة بعد انسحاب المدنيين إلى سيناء، ومع هذا تظل عملية إعادة التكوين والبناء للمقاومة في البيئة الجديدة "سيناء" ممكنة وقائمة وغير مستبعدة.
•  إذا وضعنا في الاعتبار أن عملية التهجير بالإكراه وتحت وقع الضربات الجوية المكثفة التي يروح ضحيتها عدد كبير من المدنيين، فإن هذا يعني احتفاظ الجيل الجديد بذات الدوافع التي تحفزه للمقاومة وإعادة تشكيل الجناح العسكري حال نجاح الاحتلال في تفكيكه.
•  انتقال مسؤولية التعاطي مع المقاومة من السلطة الفلسطينية إلى مصر، حيث ستكون مطالبة من الكيان المحتل ومن أمريكا والغرب باتخاذ خطوات عملية لكبح جماح المقاومة في طورها الجديد.
•  ووفقا للكاتب آدم توز في الفورين بوليسي فإن السلطة في مصر تنظر إلى حماس على أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، بما يجعل السلطة في مصر أمام ضرورة التعامل مع الحركة الفلسطينية داخل مصر في ذات الوقت الذي تترصد فيه لجماعة الإخوان المسلمين داخل مصر، وهي إشكالية تمثل ازدواجية لدى السلطة في مصر التي قبلت دخول الفلسطينيين أرضها.
 

المحفزات للتعاطي مع الصفقة
وإذا كان الحديث عن الكوابح يضع كثيرا من المشاكل أمام السلطة في مصر لقبول الفكرة إلا أن هناك كثيرا من المحفزات التي تدفع القاهرة للانخراط في الصفقة والقبول بها ومن ذلك:
•  الاستعداد الشخصي لدى عبد الفتاح السيسي لقبول الفكرة، نتيجة الجهود التي بذلها منذ سنوات بعيدة بعد الانقلاب العسكري عام 2013 م والتي كان من أبرزها تهجير مواطني سيناء في منطقة رفح الحدودية والشيخ زويد وتحويلها إلى منطقة خالية من السكان تحت زعم محاربة الإرهاب.
•  الارتفاع الكبير في حجم الديون على مصر، وهو- وفق محللين – ارتفاع ممنهج ومقصود من السيسي لدفع مؤسسات الدولة الأمنية لقبول فكرة الصفقة مقابل إسقاط الديون بديلا عن الدخول في حالة إفلاس.
•  الضغوط الأمريكية المتوقعة على مصر مدفوعة بمطالبات الاحتلال الصهيوني لوقف المساعدات العسكرية التي تتلقاها مصر حيث كانت تأخذ حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية من الولايات المتحدة كل عام، تم تقليصها إلى 235 مليون دولار هذا العام.
•  تزايد الضغوط أيضا من خلال صندوق النقد الدولي خاصة وأن مصر مدينة للصندوق بمبلغ 22 مليار دولار، ثم حصلت على ثلاثة مليارات أخرى في ديسمبر الماضي، ثم طلبت زيادتها إلى 5 مليارات دولار، وهو ما يجعلها تسعى لتنفيذ مطالب الصندوق.
•  استعداد دول نفطية قطعت شوطا واسعا في التطبيع مع الاحتلال لدفع فاتورة الصفقة وتصفير الديون عند الحاجة.
•  الصمت العربي الرسمي إزاء جرائم الاحتلال المستمرة وهو ما يدفعه إلى اتخاذ مزيد من الخطوات في اتجاه إنفاذ الصفقة.

-  وتظل الصفقة بين الكوابح والمحفزات تنتظر الفعل الفلسطيني ومعه كافة الضغوط العربية والإسلامية الشعبية على الأنظمة والتي بإمكانها أن تغلب أي من المسارين إما بحدوث تغيرات في أطراف المعركة مصحوبة بثبات أهل غزة على أرضهم، أو استمرار الضغوط على الفلسطينيين في ظل حالة من الهدوء الإقليمي والشعبي، مصحوبا بمحفزات مالية واسعة للسلطة في مصر يمكن أن تتحمل تبعتها بعض الدول النفطية.