قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ . وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ (التوبة: 14-15)

فلسطين.. بين الوعد الإلهي والوعد المكذوب

        لقد كانت فلسطينُ، ومازالت قضيةَ المسلمين اﻷولى، بل وقضيةَ الأحرار في العالم، فهي قضيةُ الحق أمام الباطل، والعدل ضد الطغيان، وقد اجتمعت لهذه القضية المركزية كل المقومات التي تجتمع عليها القلوب وتأتلف عليها الأمة، ويلتقي عليها أحرار العالم. فهي قضية احتلال شعب، واغتصاب حقوقه، وهي قضية إنسانية، وأخلاقية، وحقوقية. فضلاً عن كونها قضية عقدية وإيمانية إذ تستمد مكانتها من قدسيتها، فهي الأرض المباركة ومهبط الديانات ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، نطق بها الوعد الإلهي المكتوب في اللوح المحفوظ في خبرِ هذه الفئة من المحتلين المجرمين في سورة اﻹسراء فقال: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).

        ولقد كان من علامات البشارة التي تجلت في هذه المعركة أن الله قد جمع الصهاينة من شتات الأرض تحقيقاً لوعده (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً)، ووعد الله سبحانه وتعالى هو الصدق والحق، ولا يخلف سبحانه وتعالى وعدًا، ولا يظلم أحدًا، ولا يعجزه شيء، ومن علامات البشارة أيضا: إفسادهم وعلوهم في الأرض وكثرة قتلهم وظلمهم، ثم ظهور، وامتداد الصحوة الإسلامية والعودة إلى الله، وهاهم جنود وأبناء القسام وياسين يوجهون لهم الضربات ليسوؤوا وجوههم، وليردوا ظلمهم وبغيهم واستكبارهم. ومقاومة الاحتلال حقٌ مشروعٌ في كل الرسالات، وفي كل الأعراف والنظم، بل هو ضرورةُ واجبة.

        وفي مقابل الحق المبين، والذكر الحكيم الذي يؤيد الحق الفلسطيني في معركة التحرير والشرف، تروج الآلةُ الصهيونية، ومن ورائها المستعمر الغربي لرواياتٍ مكذوبة، وقصصٍ مشوهةٍ مدسوسة، ووعود مشؤومة لا تركن إلى دليل ولا يقوى لها برهان، إنما هي خرافات مزعومة ودعاوى باطلة. ففلسطين أرض الميعاد للرسل والأنبياء والمؤمنين بالله الذين يقيمون العدل ويعملون بالحق، لا لمن يقتل ويسرف في القتل، ولا ينصرف هذا الوعد على هذه العصابات الإجرامية اليوم، ولا ينطبق عليهم الى أعطى عهداً لل، في - بحول  مرادها قتصادية مع العدو لم ولكونها إلا قول الحق تبارك وتعالى (فخَلَفَ من بَعدِهِم خَلفٌ أضَاعوا الصلاةَ واتبعوا الشهواتِ فسوف يَلقَون غيا)، وقوله تعالي (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً).. (النساء: 155).

 

 فلسطين.. عند الإخوان المسلمين

        لقد كانت فلسطينُ في قلب جماعة الإخوان المسلمين ولا تزال، ترفدها بكل غالٍ وثمين، وتقدم لها أعز ماتملك، فهي تعتبرها قضية الأمة الأولى التي يتوجب على كل المسلمين التحرك لتحريرها، وإجلاء العدو الغاصب منها. ولقد بدأ اهتمام الإمام حسن البنا رحمه الله بقضية فلسطين مبكرا وقبل وقوع الاحتلال، حيث كتب في مجلة الفتح مقالاً - وكان وقتها طالباً في كلية دار العلوم في العشرين من عمره - نبه فيه إلى الخطر الصهيوني المحدق على فلسطين، بل وأرسل إلى فلسطين من يُقِيم الوضع على الأرض بعدما زادت حركة الهجرة اليهودية إلى هناك، فأعد له هذا المبعوثُ تقريراً عام 1936م كانت خلاصته "دولة الاحتلال قائمة، فقط ينقصها الإعلان"، فبدأ الإمامُ فوراً الاستعداد بتجهيز الفدائيين للذود عن فلسطين.

        وعلى مستوى المواقف العملية كانت الجماعة حاضرةً منذ بداية المشروع الصهيوني الاستيطاني حيث أرسلت الدعاة  والعلماء إلى فلسطين وإلى بلاد الشام والعراق، لتبصير المجتمع العربي والإسلامي بخطورة الاستعمار الاستيطاني الذي يخطط له الغرب بإنشاء كيان يستهدف كل أرض فلسطين، وسيناء، وأجزاءا واسعة من بلاد الشام، وقد انطلقت كتائبُ الإخوان المسلمين عام 1947م دفاعاً عن الأرض والعرض، لتضم الشهيد محمد فرغلي والأستاذ كامل الشريف واليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف، وعلى الجبهة السورية ضمت المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور مصطفى السباعي، وعلى جبهة الأردن تحولت شُعب الإخوان المسلمين إلى خلايا نحل يتسابق الناس إليها للتطوع. ولم يتوقف جهاد الإخوان المسلمين وانحيازهم لقضية فلسطين رغم إحكامِ الأعداءِ الحصار عليهم بخيانة الأنظمة العربية لهم، وسجن المجاهدين، واغتيال الإمام البنا، وحل الجماعة. واستمرت المسيرة لتفرز رجالاً تربوا على مائدة الإخوان، فكان الشيخ البطل المؤسس أحمد ياسين، والدكتور الرنتيسي، والدكتور عبد الله عزام، والرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، وكوكبة من آلاف الرجال والشهداء الذين قضوا ثابتين على الطريق غير مبدلين ولا مغيرين.

 

انحياز منهجي

        إن منطلق جماعة الإخوان المسلمين في التعامل مع قضية فلسطين يتسق مع مشروعها الحضاري الذي رسمه الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله. ويرتكز على بناء الفرد المسلم، والبيت المسلم، وإرشاد المجتمع، وتحرير الأوطان بتخليصها من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي، أو اقتصادي، أو روحي. ولذلك - ومن هذا المنطق - كان دأب جماعة الإخوان المسلمين دائما التصدي لكل مستعمرٍ محتل؛ فساندت الجماعة جهادَ الأفغان، ووقفت بجانب شعبِ البوسنة والهرسك، ومازالت باقية لمساندة حقِ كل شعبٍ يسعى إلى الاستقلال، والانعتاق من قيود الاحتلال. وكانت معارك التحرر من الاحتلال الأجنبي خطوة واجبة في المشروع الإسلامي لجماعة الإخوان المسلمين؛ معبرة بذلك عن هوية المجتمع المسلم، تتضامن، وتتشابك مع كافة المجتمعات الإسلامية لتعود أمة واحدة تبلغ العالمَ رسالةَ الإسلام الخالدة.

 

الشعوب مازالت القلب النابض

        لقد كان لمعركة الوعي التي قادتها القوى الحية للتعريف بالواجبات المنوطة بالأمة خلال هذه  المرحلة من الصراع ضد الاحتلال الصهيوني لأراضي المسلمين أثرٌ بالغٌ في الحراك الشعبي، ولا يفوتنا في هذا المقام التذكيرُ بالدور الذي قام به الأزهرُ الشريفُ من انحيازٍ واضحٍ للحق، بما ساهم في نشر الوعي الشعبي، ولعل استهداف العدو الصهيوني لمبنى جامعة الأزهر في غزة إشارة قوية إلى أهمية هذا الدور في إيقاظ الشعوب، وهو الدور الذي نأمل أن يتطور خلال هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصراع، ليقود الأزهرُ حراكاً شعبيا لإنقاذ إخواننا في غزة، بما يتسق مع مكانةِ مصرَ، ودورِها التاريخي، وواجباتها الشرعية وفقا لموقعها الجغرافي من الحدث باعتبارها أول من يقع عليها واجب النصرة والغوث. كما نشير في هذا السياق إلى تثمين الفتوى التي أصدرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوجوب الجهاد الذي أصبح فرض عين على الأمة، ذلك الواجب الذي لا يسقط عن المسلمين إلا بأدائه، وهو ما يحتاج من العلماء لمزيد من البلاغ والتبيين حتى يقف كل مسؤول على حدود مسؤوليته.

        لقد وجهت شعوبنا العربية والإسلامية صفعةً قويةً على وجه الكيان الصهيوني وأعوانه المتخاذلين المنبطحين، بعد أن خرجت لتعلن انحيازها الواضح والأكيد لقضية فلسطين ولتعلن بجلاء:

- أن الشعوب قد أفشلت بخروجها الهادر منذ الساعات الأولى الصفقات المشبوهة وعلى رأسها صفقة القرن مع العدو لتهجير أهل فلسطين الصامدين المرابطين على أرضهم، والذين يتصدون بكل قوة لمخططات الأعداء، ومحاولتهم تصفية القضية.

- وأن الرواية الصهيونية للمعركة، ومحاولات التدليس والكذب لا تثبت أمام الرواية الصحيحة بفضل الله ثم بجهد الشعوب التي نجحت في صناعة إعلام شعبي مؤثر.

- وأن الشعوب قد نجحت في معركة المقاطعة الاقتصادية من خلال صناعة الوعي، لتتحول المقاطعة إلى جزء من السلوك الشعبي اليومي.

- وأن الأمة مازالت حية، فقد كان الظهورُ المبهرُ للجماهير من كل حدب وصوب مفاجأةً للعدو، ولكل من أيده من أنظمة العالم بعد أن ظنوا أن الأمة قد ماتت، وأن المخططات الصهيونية قد اقتربت من تحقيق مرادها، وأن قضية فلسطين لم تعد من أولويات الشعوب. إلا أن الحقيقةَ المذهلة أكدت أن أمتنا مازالت تنبض فيها العروقُ، وتتقد فيها روحُ العقيدة الصادقة، وأنها تتعافى ليخرج المارد من مكمنه، ولنكون على مشارف النصر المبين - بحول الله -بعد أن تنجح الشعوب قريباً في إزالة هذه الطغمة الظالمة من الحكام المتخاذلين المتصهينين المنحازين للأعداء، لنطهر بلداننا منهم، وننعم بحياة كريمة تسودها قيم العدل والمساواة.

 

الطوفان يُفشِل الاستراتيجية الأمريكية

        لقد كان لطوفان اﻷقصى أثرٌ متسعُ المدى قويُ الأثرِ على داعمي الاحتلال خاصة الداعمِ الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية)، ليُفشِل استراتيجيته التي بدأت منذ سنوات، والتي تقوم على الانسحاب من المنطقة العربية للتفرغ لمواجهة الصين وروسيا، وعلى تكليف الأنظمة الوظيفية التابعة لها بقيادة الكيان الصهيوني بمواجهة الصحوةِ الإسلامية، ومنع نجاح أي مشروع للنهوض في المنطقة، وذلك بالانقلابات والقتل، والتهجير، والانخراط في المشروع الصهيوني القائم على إفقار الشعوب العربية، ونهب ثرواتها، وإثارة الفتن الداخلية بين مسلمين ومسيحيين تارةً، وبين مسلمين وعلمانيين تارةً أخرى، أو إثارة حساسيات طائفية، أو مذهبية، أو عرقية.

        لقد أفشل الطوفانُ الاستراتيجية اﻷمريكية، وضيق أمامها الخيارات، لتضطر للعودة إلى وحلِ المنطقة من جديد، وتعريضِ مستقبلِها ومصالحِها للخطر من القوى الدولية المنافسةِ لها، في ظل صعودٍ متزايدٍ في الغرب للتيارات الشعبيةِ الرافضةِ لهذا الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، واتساع دائرة المطالبة بإيقاف هذه الممارسات الإجرامية، من خلال مظاهراتٍ تندد بجرائم الحكومات الغربية في فلسطين.

        إن الدعمَ الذي تقدمه الأمة لشعب غزة قادرٌ بحول الله أن يتصدى لإفشال كافةِ المخططات التي يسعى الأعداء لتنفيذها، وعلى رأسها محاولات القضاء على المقاومة، وإعادة احتلال غزة، أو بسط سلطة الأنظمة العربية المتخاذلة عليها، حينها سينقلب السحرُ على الساحر، وتعود لأهل غزة ولكل أهل فلسطين من النهر إلى البحر دولتهم، وعاصمتها القدس الشريف، وتعانق الشعوبُ المقهورةُ حريتها وأملها في المستقبل، وعسى أن يكون قريبا.

 

مؤسسات الجماعة و نصرة الحق وواجب الوقت

- شارك الملفُ الحقوقيُ في تأسيس تحالفٍ حقوقيٍ وقانونيٍ دولي، ضم 40 منظمة حقوقية للتعريف بجرائم الاحتلال، وتم توجيه خطاباتٍ حقوقية إلى كل من المدعي العام للجنائية الدولية، وأعضاء البرلمان الأوربي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وشكوى جماعية للجنائية الدولية.

- نظم تلفزيون وطن مؤتمرا دوليا افتراضيا، شاركت فيه 65 شخصية من 40 دولة حول العالم، وتم بثه بالتنسيق مع 20 قناة فضائية صديقة، وتم عمل 150 تغطية، واستضافة أكثر من 400 متخصص، كما بثت القناة أكثر من 400 فعالية داعمة للمقاومة، وتم إنتاج 4 وثائقيات، وأكثر من 100 فاصل و30 فيديوجراف و50 برومو وتقرير حول الحدث.

- وقام مركز إنسان للدراسات الإعلامية بعمل 12 ملف معلوماتي حول الأحداث، و15 ملف تحليلي.

- ووجهت الجماعة - من خلال كلمة للقائم بأعمال المرشد العام - المسلمينَ، والإخوانَبالداخل والخارج للنفرة لمناصرة القضية، كما أصدرت الجماعة كلمات متلفزة للقائم بالأعمال ومتحدثي الخارج الدكتور طلعت فهمي والأستاذ علي حمد، كما قامت بتوجيه كافةمنافذها الإعلامية للتفاعل مع الحدث والاهتمام به.

- ونظمت الجماعة، وشاركت في عدد كبيرٍ من الفعاليات والندوات من أبرزها ندوة (فلسطين من وعد بلفور إلى طوفان الأقصى)،وندوة (لبيك يا أقصى)، وندوة (واجب الأمة نحو الأقصى).

 

والله أكبر ولله الحمد


أ. د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام
الإثنين
29 ربيع الآخر 1445 هجرية الموافق 13 نوفمبر 2023م


اضغط هنا لتحميل الرسالة PDF