رأفت مرة

عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، فجر 7 أكتوبر 2023م، ودقتها ونجاحها الذي أبهر العالم وزلزل الكيان الصهيوني، وحجم الإرهاب «الإسرائيلي» العنيف في قتل الفلسطينيين وتدمير قطاع غزة ومرافقه، وتحمل المجتمع الفلسطيني هذا الكم الهائل من الإرهاب، وتقديم أبناء غزة هذه التضحيات التي تفوق الوصف والتحمل البشري العادي؛ فتح الباب على سؤال كبير صار محل النقاش والاستفسار والبحث عند كل الجهات والقوى المتابعة: كيف نجحت حركة «حماس» في بناء هذه القاعدة الشعبية حولها؟ وكيف تمكنت من حشد تأييد ودعم مختلف شرائح المجتمع؟ وكيف يلتف الناس حول «حماس» ويثقون بها ويقدمون هذه التضحيات ويتحملون ويصبرون؟!

هذا سؤال مشروع، ومن الطبيعي أن يطرح في هذا الوقت، خاصة أن العالم يراقب «حماس» ويراقب قطاع غزة، وأن أي تطور أو فعل يجري في غزة مهما كان حجمه أو نوعه يحظى بالاهتمام.

سنحاول هنا الإجابة عن هذا السؤال الكبير بموضوعية.

أولاً: إن «حماس» حركة إسلامية تنطلق من الإسلام؛ عقيدة وفكراً، وأخلاقاً ومعاملات، وحرية للإنسان، فحركة «حماس» تنظر إلى فلسطين من زاوية دينية تعطي مكانة للقدس و«الأقصى» والأرض المباركة وقضية الإسراء والمعراج وفتوحات الصحابة الكرام.

ثم إن «حماس» تنطلق من الاستعداد والتضحية والصبر والنصر، من قيم إسلامية خالصة، ومعانٍ إيمانية، وتوكل على الله تعالى ومرضاته.

ثانياً: إن «حماس»، في الوقت نفسه، مشروع وطني ينظر إلى فلسطين كوطن وأرض محتلة، على أبناء هذا الوطن جميعاً التحرك لتحريره.

و«حماس» تحمل مشروعاً وطنياً وأهدافاً وطنية وقيماً وطنية ومنطلقات وطنية، تؤمن بتحرير الأرض وحرية الإنسان وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه.

ثالثاً: إن «حماس» استمرار للتاريخ الوطني الفلسطيني، واستكمال للمسيرة الوطنية الفلسطينية، التي مرت بمراحل كثيرة، من «وعد بلفور» عام 1917م، و«ثورة البراق» عام 1929م، و«ثورة الشيخ عز الدين القسام» عام 1935م، و«الإضراب الكبير» عام 1936م، ومقاومة الشعب الفلسطيني فترة «النكبة» عام 1948م، وانطلاق «الثورة الفلسطينية» عام 1965م.

بالتالي؛ فإن «حماس» اليوم تكمل هذا التاريخ المجيد مع الشعب الفلسطيني وتحمل أهداف الماضي والحاضر والمستقبل.

رابعاً: إن «حماس» نشأت بقرار فلسطيني من بيئة فلسطينية من رحم المجتمع ومن قلب الشعب، وهي وليدة المجتمع والمعاناة وبؤس النكبة، ومعاناة الفلسطينيين المقيمين في أرضهم، واللاجئين المشردين، هي صنيعة رجال هجروا من أرضهم عام 1948م، وعاشوا في بؤس في مراحل حكم الاحتلال الصهيوني، وعايشوا عنفه وإرهابه وظلمه وتعسفه.

خامساً: إن قيادات وكوادر وأبناء «حماس» هم من المجتمع الفلسطيني، يعيشون معه، يقيمون حيث يقيم، يصلون في المساجد، يدرسون في المدارس، يعملون في الأسواق والحرف، منازلهم مثل منازل جميع الفلسطينيين، حياتهم مثل حياة جميع الفلسطينيين، مستواهم الاجتماعي مثل المستوى الاجتماعي لجميع الفلسطينيين، عانوا قهر الاحتلال وظلمه، وشاركوا في كل مراحل النضال الوطني الفلسطيني، لكنهم ذهبوا باتجاه تشكيل حركة «حماس» نظراً للتطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها الساحة الفلسطينية، وطبيعة الصراع وما وصلت إليه القضية الفلسطينية.

سادساً: لقد لمس المجتمع الفلسطيني من «حماس» مستوى الصدق والأخلاق والفضيلة والتواضع والإنسانية، التي تمتع بها قيادات وعناصر الحركة، مثل الشيخ أحمد ياسين، ود.عبدالعزيز الرنتيسي، وقيادات الحركة الإسلامية في القدس والخليل ونابلس، ولمسوا صدق هؤلاء واقترابهم من الناس.

سابعاً: لقد عملت «حماس» على تأسيس مؤسسات دعوية واجتماعية وإنسانية وعلمية وتربوية ورياضية، رجالية ونسائية، خدمت الإنسان الفلسطيني، وخففت عنه الواقع الاجتماعي الصعب، وساعدته في تخطي معاناة صحية أو خدماتية أو تربوية، والأهم أن الإنسان الفلسطيني كان يلمس حجم اهتمام «حماس» به وسعيها للتخفيف عنه.

ثامناً: لقد شكل مشروع المقاومة الذي أطلقته «حماس» منذ بداياتها عنصر ثقة، حيث حمل هذا المشروع أهداف التحرير والحرية وإقامة الدولة وعودة اللاجئين، ثم شاهد المجتمع الفلسطيني كيف أن «منظمة التحرير الفلسطينية» تخلت عن هذه الأهداف ووقَّعت على «اتفاق أوسلو»، الذي تعهد بحماية الاحتلال والاعتراف به، وبينت التطورات لاحقاً أن «السلطة الفلسطينية» تحولت إلى أداة أمنية للاحتلال لإنهاء الأهداف الفلسطينية وتعزيز مصالح الاحتلال.

ثم شاهد الفلسطينيون كيف أن الاحتلال يعتقل ويغتال قيادات «حماس»، بينما قيادات فلسطينية أخرى تسهر مع مسؤولين أمنيين «إسرائيليين» في الملاهي في «تل أبيب» وتحصل على بطاقة «VIP».

تاسعاً: أجريت في الضفة وغزة عدة انتخابات، وكانت «حماس» تحصد غالبية شعبية، مثل الانتخابات البلدية عام 2005، والبرلمانية عام 2006م، وانتخابات النقابات والمهن والجامعات، وهذا دليل على ثقة الناس بـ«حماس» ومشروعها.

ثم إن المجتمع الفلسطيني لمس كيف أن العالم يتآمر لإلغاء نتائج الانتخابات؛ فقط لأن «حماس» كانت الفائزة.

عاشراً: إن قيادات «حماس» تعرضوا للاغتيال أو الاعتقال، وإن أبناء قادة «حماس» هم معتقلون أو شهداء أو في الخنادق أو المعارك في حالة التحام مع الاحتلال، وهم ليسوا في الفنادق أو المطاعم أو منشغلين بالاستثمارات المالية والانبطاح أمام الحاكم العسكري «الإسرائيلي» ليمرر لهم الصفقات.

حادي عشر: لا شك أن «حماس» استفادت شعبياً وبشكل كبير من ممارسات قيادة «منظمة التحرير الفلسطينية»، وقيادة «السلطة»، التي كانت تمارس الهيمنة على المؤسسات وعلى القرار، ويطغى عليها الفساد المالي، وتقمع الشعب، وتعتقل المقاومين، وتحمي العملاء والخونة، وتصف المقاومة بـ«الإرهاب»، وتتعاون أمنياً مع الاحتلال، وتنسحب حين تتقدم قوات الاحتلال، وتفرط بالقضية الفلسطينية والثوابت الوطنية، وترفض تمثيل «حماس» وقوى المقاومة في المؤسسات الفلسطينية، وتطلب هذه القيادات دعم الاحتلال وتسقط أخلاقياً ووطنياً، وتصمت عند الاعتداءات «الإسرائيلية» على القدس و«الأقصى» والمدن والقرى.

ثاني عشر: إن الشعب الفلسطيني والعالم شاهد صعود «كتائب القسام» وتراكم تجاربها وتفاني عناصرها وإبداع قياداتها وتضحياتهم منذ تأسيسها، حيث قدمت «كتائب القسام» منذ 35 عاماً نموذجاً في الأداء العسكري المقاوم الذي أذهل الاحتلال.

فقد طورت «القسام» أداءها من الرصاص إلى الصواريخ إلى عمليات التوغل والأسْر والتصنيع بمختلف الأنواع، وضربت الاحتلال في العمق وصولاً إلى «تل أبيب»، وسيَّرت الطائرات والبحرية وحررت الأسرى، وحطمت صورة الاحتلال الذي انسحب من غزة عام 2005م بفعل ضربات المقاومة.

وكان الإنسان الفلسطيني يراقب ويتابع ويقرأ التحولات والوقائع، وهو إنسان يتمتع بالوعي والحرية والاستقلالية، ووجد أن «حماس» حركة صادقة واعية مسؤولة محل ثقة بتحقيق تطلعاته وأهدافه.

طوال 35 عاماً، وجد الشعب الفلسطيني أن «حماس» ثابتة على نهجها صادقة في وعدها متمسكة بمبادئها مضحية من أجل حرية الشعب، تضرب الاحتلال بالعمق وتوقع فيه خسائر مذهلة صادمة.

لقد كانت عملية «طوفان الأقصى» أكبر وأهم عملية زلزلت الاحتلال، وأذهلت العالم وحكمت أسطورة العدو.

من هنا كان هذا الإرهاب «الإسرائيلي» للانتقام من المدنيين!

ومن هنا جاء الالتفاف الفلسطيني والعالمي حول «حماس».