عبد الله صالح
لا تستقيم الحياة أبدا مع وجود اليأس، والذي ييأس ويعرف الإحباط الطريق إلى قلبه يخسر المعركة ويفقد معنى الحياة، ورحم الله مصطفى كامل، ذلك الشاب الوطني الغيور المكافح صاحب مقولة "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة".
بينما يواصل المنحنى العام للبلاد طريق الهبوط على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتعليمية وغيرها، تتزايد تراكمات الإحباط وطبقات اليأس في القلوب من تغيير وجهة المنحنى ليعدل اتجاه سيره إلى الأعلى مرة أخرى، متى وكيف يحدث ذلك؟ وعلى يد من؟ لا يملك أحد جوابا دقيقا ولا تفصيليا عن هذه الأسئلة، فتزداد مساحة اليأس في القلوب مرة أخرى!
ولكن أول طريق التغيير يبدأ دائما بإزاحة اليأس عن النفوس، وبإيجاد مساحة للأمل تدفع للحركة والعمل، كلٌ حسب طاقته وقدر استطاعته، وينبغي على من اختار السير في طريق إصلاح بلاده أن لا يفقد الأمل أبدا، وأن يستمد أمله من الثقة في الله والتصديق بوعده، (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
من أهم دروس "طوفان الأقصى" أن نعيد تجديد الآمال في القلوب مرة أخرى، وألا ييأس الأحرار من إصلاح بلادهم وتمهيد الطريق أمام الأجيال القادمة، وأن يعلموا طبيعة طريق الإصلاح وأنه طريق طويل وصعب وغالبا يكون شاقا وداميا، وربما يمتد لأجيال وأجيال، وتاريخ الأمم والحضارات يخبرنا بذلك بكل وضوح، وأن من ييأس يخرج من مضمار السباق، ولا يكمل فيه إلا من تتمتع روحه بمعاني الأمل والطموح والتحدي والمغامرة، حتى وإن لم ينجح في تحقيق حلمه خلال حياته، فإنه يسلم الراية لمن يأتي بعده ليكمل الطريق من حيث انتهى هو، وليتعلم من أخطائه السابقة حتى لا تتكرر لاحقا.
وليس معنى ذلك أن نبني آمالا من الأحلام أو أن نبني قصورا من الأوهام، ولكن عاقبة اليأس والاستسلام مميتة ومدمرة على جميع المستويات، لا سيما وأن دائرة الفشل والفساد تتراكم يوما بعد يوم وتستفحل سنة بعد أخرى، بشكل يؤثر على كل تفاصيل حياة الجميع ولا تستثني أحدا، فوجب على الجميع أن يراجعوا أنفسهم وأن يتعلموا من أخطائهم، وأن لا يستسلموا لليأس أبدا.
إن ما يحدث في غزة الآن وعلى أرض فلسطين كلها هو إيذان بأن الأحوال تتغير والأيام تتبدل، وتجدد في الأذهان معنى أن هذه الدنيا لا تدوم على حال ودوام الحال فيها من المحال، والتفكير العملي يفرض علينا أسئلة من قبيل: ماذا فعلت أنت لتغيير واقعك على المستوى الشخصي والعام؟ وكيف يستعد الناس والحركات السياسية لأي تغييرات مرتقبة ولتحقيق الإصلاحات المطلوبة ومعالجة الفساد المتراكم؟ هذا إذا أرادت أن تكتب لنفسها المجد والشرف، أم أن الناس في بلادنا قد استهواهم العيش في استسلام وخمول؟
لا لليأس
من ييأس يخرج عن الطريق ويختار الانسحاب من المعركة، بينما لا يكمل طريق النضال إلا صاحب الأفق الواسع والقلب الطموح والصبر الجميل والقوة النفسية التي تدفعه لاستكمال الطريق حتى ولو كان وحده، حتى وإن ثبطه الناس وأحبطوه.
إن الاستسلام لليأس هو المعنى الحقيقي للهزيمة، نعم هناك أعداد غفيرة استسلمت بالفعل، ورفعت الرايات البيض، وساروا على المنهج الزغلولي "مافيش فايدة"، ولكل واحد منهم حجته ووجهة نظره، ولكنهم باستسلامهم قد أراحوا عقولهم واختاروا لأنفسهم عدم إكمال الطريق الذي بدءوه.
بينما في كل تجارب التاريخ المشابهة كان يتبقى ثلة قليلة لا تفقد الأمل، ولا تقعد عن العمل، وتكمل الطريق مهما كان الظلام حالكا ومهما كان الحمل ثقيلا، وهؤلاء في الغالب من يصلون لنهاية الطريق ويكتبون أغنية النصر بكفاحهم ودمائهم، واسألوا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنبياء الله كلهم عليهم الصلاة والسلام، وتعرفوا أيضا على سر بطولة نور الدين محمود، وعثمان بن أرطغرل، وعمر المختار، والشيخ أحمد ياسين، وأنه لو يئس هؤلاء واستسلموا لظروفهم الصعبة وواقعهم المر وتوقفوا في وسط الطريق لما غيروا التاريخ بإصرارهم وتمسكهم بالأمل ويقينهم في صدق وعد الله.
والحياة لا تخلو أبدا من العاملين الذين تمتلئ قلوبهم بالأمل والطموح ويستمدون من آمالهم طاقة للسير على الطريق الطويل الذي تسير عليه الدول والحضارات التي نجحت في نهاية الأمر في إقامة نهضة وحضارة.
الشجاعة صبر ساعة
لك أن تتخيل أن أنظمة الطغيان والاستبداد لا تيأس من تكرار ألاعيبها وترديد أكاذيبها وجرائمها، وهي تعلم أنها تكذب، وتعلم أن الناس تعلم أنها تكذب، ورغم ذلك لا تيأس من السير في طريق الخطأ، لأنها تعلم أنها إذا يئست واستسلمت (أيضا) فإن في ذلك نهايتها.
فمن يدعون أنهم من الأحرار ويدعون إلى الحرية أولى بهم أن لا ييأسوا من إحداث تغيير مهما كان الطريق طويلا ووعرا، وحتى لو لم يظهر أي بقعة ضوء في نهاية النفق، فالأحرى بهم أن لا يمكنوا اليأس من قلوبهم، لأنهم إذا استسلموا لليأس فهذا إشعار بنهايتهم وإعلان رسمي بهزيمتهم.
إن الشجاعة صبر ساعة، هذا إذا كانت المعركة فردية من قبيل معارك عنترة بن شداد وخصمه حين كانوا يعضون أصابع بعضهم، أما إذا كانت المعركة تدور حول إصلاح دولة وإقامة نهضة وتشييد حضارة فالتاريخ يقول إن عشر سنوات في مقاييس عمر الأمم تعد بمقدار ساعة أو بعض ساعة.