بقلم: محمد خير موسى
شهد محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني تصاعدًا في الساحة العربية والإسلامية، ورغم محاولات التبرير، يظل الرفض للتطبيع أساسًا أخلاقيًا وقانونيًا في دعم القضية الفلسطينية.
رفض التطبيع.. الواجب الأخلاقي والقانوني في دعم فلسطين
كلما أقدمت جهة سياسية أو نظام عربي أو إسلامي على إنشاء التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو إحياء تطبيع قديم وتمتينه وتقويته، وإخراجه من جدثه وإحيائه من رقاده؛ تتسارع التصريحات التي تحاول إلباس هذه الإجراءات التطبيعية ثوب مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته، ولا يفتأ المطبّعون يسوّغون تطبيعهم بأنه إنما جاء كرمى عيون فلسطين، ومن أجل خدمة قضية فلسطين العادلة، بل لا يفتؤون يردّدون أن هذا التطبيع والعلاقات المتميزة مع الكيان الصهيوني، هما البوابة العقلانية والمنطقية لاسترداد حقوق الشعب الفلسطيني وحماية المقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك.
هذه المنهجية التسويغية والترقيعية استخدمها الجميع في خطابهم التبريري للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأمام هذه المنهجية المتصاعدة في تبرير جريمة التطبيع؛ فإن من نافلة القول التأسيسي: إن التطبيع مع الكيان الصهيوني بأشكاله جميعها رجسٌ كلّه، وليس هناك تطبيع طاهر وتطبيع نجس، وليس هناك تطبيع أبيض وتطبيع أسود وتطبيع رمادي؛ فكل التطبيع سواء في أصل حرمته ومنافاته للحق وموادّة الصهاينة المغتصبين للأرض والمقدسات. وقضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك هي من أطهر قضايا المسلمين، بل من أطهر قضايا الإنسان الحرّ في عالم اليوم، ولا يمكن خدمة الطُّهر بالنَّجِس من الأفعال، ولا الانتصار للمقدّس من القضايا بالمُدنّس من السلوكيات، ولا يمكن محو ظلمة الاحتلال بسواد العلاقة معه.
إن نصرة قضية فلسطين، وتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه والعيش بحريّة وكرامة، وحماية المسجد الأقصى المبارك، لا يكون من خلال إقامة علاقات طبيعية مع العدوّ الذي هو أصل الدّاء وأسّ البلاء، وهذه العلاقات هي نوع من تزكية العدوان وتبييض وجه العدو الكالح، وهي خدمة حصرية للكيان الصهيوني ولا قيمة لكل الحديث عن المصالح التي يمكن تحصيلها من هكذا علاقات، فلا مصلحة معتبرة في مدّ اليد للكيان الصهيوني، وكل المصالح التي يتم الترويج لها ما هي إلا مصالح موهومة لا اعتبار لها.
ومن أبسط البديهيات التي لا تحتاج إلى برهنة، أن خدمة المظلوم تكون بتمتين العلاقات مع المظلوم، وإغلاق الأبواب في وجه الظالم وتعرية ظلمه؛ فمن أراد الانتصار لفلسطين فإن ذلك يكون من خلال دعم الشعب الفلسطيني الثابت في وجه العدوان، والمرابط على حقه والباذل روحَه في سبيل قضيته، وكذلك تقديم الدعم الحقيقي للقوى الفلسطينية الحيّة وفصائل المقاومة، التي أثبتت الوقائع أنها كانت السد الحقيقي في وجه مشروعات الكيان الصهيوني لتصفية قضية فلسطين.
كل العلاقات التطبيعية مع الكيان الصهيوني لم تمنع ولو اقتحامًا واحدًا للمسجد الأقصى المبارك، ولم تمنع كل سفارات الدول العربية والإسلامية الموجودة في الكيان الصهيوني مستوطنًا واحدًا من اقتحام المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المعتكفين والمرابطين فيه.
إن التذرّع بمصلحة الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى لأجل ممارسة التطبيع يتنافى مع أبسط مطالب هذا الشعب، الذي ما يزال منذ أكثر من سبعة عقود ينظر إلى أية محاولة تطبيعية مع العدوّ الصهيوني على أنها طعنةٌ في ظهره وخذلانٌ لتضحياته المستمرّة؛ والشعب الفلسطيني اليوم في مختلف أماكن وجوده، والمرابطون في الأقصى المبارك، يؤكّدون أن مصلحتهم تكمن في قطع كل أشكال التواصل مع هذا الكيان الغاصب المعتدي، وعدم منحه المشروعية في وجوده وعدوانه من خلال التطبيع.
إن قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني هو التعبير الأوضح عن دعم قضية فلسطين، وإن تعزيز علاقات الدول العربية والإسلامية مع القوى الحيّة الفاعلة والفصائل المقاومة في الساحة الفلسطينية ودعمها بالوسائل كلها، هو طريق نصرة فلسطين وحماية المقدسات والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك واسترداد حقّ الأمّة الإسلامية في فلسطين؛ أما ما عدا ذلك من أحاديث ترقيعية عن مصلحة فلسطين من التطبيع، وعن المصالح التي يتمّ تحصيلها من رجس التطبيع؛ فَيردّ عليها البيان الإلهي إذ يقول تعالى: "قل إِن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن تَرضَوْنها أَحبَّ إليكم من اللّه ورسوله وجهادٍ في سبِيله فتربَّصوا حتَّى يأتي اللّه بأمره واللّه لا يهدي القوم الفاسقين" [التوبة: 24].