تطل علينا ذكرى ثورة 25 يناير التي أصبحت روحًا ملهمة لكل أحرار العالم، والتى ستظل حاضرة فى وجدان شعب مصر العظيم، رغم محاولات الإنقلابيين اليائسة لطمس معالمها وتغييب قيمها والتخلص منها والتنكيل بأبطالها وإطفاء جذوتها.

ستظل يناير أيقونة للتحرر من الطغيان والفساد، بعدما أثبتت قدرة الأحرار والشرفاء على قيادة وعي الجماهير للتعبير عن إرادة الشعب، وجسدت مشهدًا خالدًا للوفاق الوطني حول خيار الحرية من أجل مستقبل أفضل، وتحقيق الاستقلال الوطني الشامل، وتمكين الجماهير من اختيار من يحكمها.

لقد كانت ثورة يناير مشروعًا وطنيًّا جامعًا التف حوله الشعب المصري بكل مكوناته وأطيافه، أودعوا فيه أحلامهم وعوّلوا عليه في نهضة بلادهم؛ لترى النور، وتعود لمصر مكانتها الرائدة، وتسترد قوتها التي استنزفها الاستبداد على مدار عقود.

وقد كان من المتوقع أن تجابه تلك الإرادة الشعبية مواجهة عاتية ممن يتربصون بمصر في الداخل والخارج لينقلبوا على التجربة الديمقراطية في 3 يوليو 2013، رغم سعي كل شرفاء مصر من كل التيارات، وفى القلب منهم جماعة "الإخوان المسلمون" لإفشال خطط الانقلاب الناعم على الثورة، ليكون خيار المستبدين الأخير هو تنفيذ انقلاب دموي غاشم.

إننا في هذه الذكرى لن ننسى الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم منذ انطلاقة ثورة يناير المباركة وحتى يومنا هذا من أجل تحرير شعبهم، ولن ننسى رجالًا صامدين ونساء صامدات خلف القضبان مازالوا يرفعون شعار يناير ويعضّون على مبادئهم بالنواجذ، وهم يكابدون العناء في سجون الانقلاب.

إن جماعة "الإخوان المسلمون"، وانطلاقًا من كونها هيئة إصلاحية شاملة؛ وفي ظلال هذه الذكرى تطرح اليوم وثيقة تحدد فيها معالم الرؤية السياسية للجماعة تضعها بين يدي الشعب المصري برموزه ومفكريه وجميع مكوناته.

وتجدد الجماعة في هذا الإطار التزامها بالعمل مع كل شركاء الوطن من أجل تحقيق مطالب الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، كما تجدد دعوتها إلى كل القوى الوطنية أن تتداعى من أجل التشاور والتعاون لبحث سبل إنقاذ الوطن الذي يعاني خلال هذه المرحلة الخطيرة من كوارث اقتصادية جعلت مصر على المحك ودفعت بها إلى حافة الهاوية، وسط جهود يبذلها الانقلاب لاستنزاف رصيد مصر التاريخي ومكانتها الرائدة على المستويين الإقليمي والعالمي.

إننا نؤكد أن الأسباب التي قامت من أجلها ثورة يناير مازالت حاضرة، بل وتزداد حضورًا في ظل ما آلت إليه الأحوال من انهيار اقتصادي وإغراق في تزوير إرادة الشعب وتدجين للأحزاب وبيع لأصول الدولة ومصادرة للحريات وتكميم للأفواه، وأصبح الناس اليوم  أمام الحقيقة المرة بعد أن تبخرت وعود الانقلاب ومعسول قوله الذي لم يعد ينطلي على أحد، وأدرك الجميع أن الانقلابيين ما وعدوا الناس إلا زخرف القول غرورًا، وأن وعودهم أصبحت كسراب بقيعة، وأن مصر كلها باتت تترقب استئناف المسيرة نحو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لتفرض إرادة الشعب من جديد؛ ليمتلك قراره ويستأنف آماله في بناء وطن حر كريم  {وما ذلك على الله بعزيز} وإن غدًا لناظره قريب.

والله أكبر ولله الحمد

أ. د. محمود حسين
القائم بعمل فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون"
الأربعاء، 12 رجب 1445 هـ - 24 يناير 2024 م