بقلم: د. نواف تكروري

يظن البعض أن معية الله ونصره ومدده وجنده لها صورة واحدة، وهي أن تنزل ملائكة ويرى المجاهدون رءوس الأعداء تتطاير ودباباتهم تنفجر قبل أن يصل إليها المجاهد، وذلك بفعل ملك من ملائكة الجبار يقصم ظهر الأعداء. أو أن يشهد الأعداء كما حصل في غير واقعة أنهم رأوا أشباحا ضخمة لا قبل لهم بها. وأنهم فروا من هذه القوى المخيفة، أو غير ذلك من صور المباشرة من مخلوق يستعمله الله تعالى في نصره لعباده المجاهدين.

وإن كنت لا أرى غرابة ولا امتناعا في حدوث أي من ذلك وأنه قد وقع ذلك وجاءت به النصوص حيث قال سبحانه: "إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان". (الأنفال: 12)

شهدت النصوص والتاريخ بأحداث كثيرة من ذلك، إلا أن الحقيقة أنه "وما يعلم جنود ربك إلا هو"، وما تدري كيف ينصر الله تعالى عباده فهو جل شانه الناصر. وكل هذه الأدوات من ملائكة وسلاح وغيرها إنما هي تطمين من الله لعباده. أما النصر والمدد فهو منه سبحانه قال جل شأنه، كما قال في سورة الأنفال "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (9) وما جعله الله إلا بشرىٰ ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم" وفي سورة آل عمران "وما جعله الله إلا بشرىٰ لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم (126) ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (127)".

فصور نصرة الله تعالى لعباده كثيرة فوق العد، وهي تأتي على غير تحديد وبحسب إرادته سبحانه في نصرة عباده، وقد كثرت هذه الصور في طوفان الأقصى حتى أن العالم كله في عجب من فعال المقاوميين الفلسطينيين، وحار الكافرون في أمر القلة الضعيفة التي ظهرت للعالم بهذه القوة، وزلزلت قوى طغاة العالم، وجعلت الكيان يترنح تحت ضرباتها المباركة.

وإن من صور الإمداد بالقوة، مباركة الله تعالى للمقاومين في سلاحهم.  بعد أن كان مقداره بسيطا وبعضه اكتشف وبعضه الآخر استولى الاحتلال عليه، فغدا هذا السلاح البسيط أقوى من أسلحة ودبابات الاحتلال التي تقدر بالمليارات. ورغم هذا الضعف كله  تجدهم يجددون دفاعاتهم ويطلقون الصواريخ على زخم اليوم الأول بلا ضعف ولا تراجع، أليس هذا من الإمداد والبركة؟ وأليس من البركة في سلاح المجاهدين أن يطلقوا قذيفة مضادة للأفراد أو الدروع مؤهلة لإيذاء جندي أو إثنين فتؤثر في سلاح العدو الذي جهزه ليعمل ضد المقاوميين، ويتحول هذا السلاح إلى عامل لصالحهم ضد معديه وكأن المقاومين قد غنموه وقاتلوا فيه دون أن يمسوه.

أليس من البركة في السلاح ومن إمداد الله عباده بأسباب القوة والاستمرار، أن الكيان الصهيوني له جسر جوي من الإمداد بالسلاح ويملك ترسانة من الأسلحة المتطورة ومع ذلك يستمر المقاومون ببسيط سلاحهم يصدون عدوانه ويعيقون حركته ويقضون مضجعه؟

أليس من بركة سلاح المقاومين أن تكون عبوة سعرها 300$ توقف زحف جموعهم المدججة بكل أنواع الأسلحة؟، أليس من بركة المجاهدين الذين لا يتجاوزون 50 ألف مجاهد أن يتصدوا لجيش متجدد تعداد قواته الاحتياطية 360 ألف مقاتل، وتعداد مقاتليه المنتظمين أكثر من 450 ألف، فتواجه هذه القلة جموع المعتدين ويتصدون لهم؟

لذلك أقول ونحن ندعو الله سبحانه أن يمد المقاومين بمدده لا داعي أن نحدد وجه المدد وآليته، يكفي أن يكون المدد من الله سبحانه، ولكن البعض يظن أن هذا المدد ينبغي أن ياتي على العدو فيمسحه بلا جهد منا ولا تضحيات، وقد يستبطئ بعضنا النصر ويستعظم التضحيات والله تعالى يقول "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين.

إن الله قادر أن يدمر هذا العدو وينتصر منه بكل أعداده وعتاده وإمداده، ولكن ذلك لا يظهر معه الصادق من الكاذب، والمجاهد من القاعد، والداعي من المدعو، ولذلك قال سبحانه (ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) فهي سنة الله الماضية أي "ليميز الله الذين آمنوا "، الذين لا تظهر معادنهم إلا عبر مختبرات الفداء والتضحية.  وليمحق الله الكافرين الذين لا بد أن يظنوا ويتوهموا قدرتهم، فيطغوا أكثر ليقع بهم القدر أوضح ما يكون.

وها هي الرسائل تأتي على معية الله تعالى لعباده في طوفان الأقصى بعد ما يقارب من أربعة شهور وهذه الفئة القليلة صابرة بمعية الله، مثخنة بالعدو بمدد الله، وستنتصر بإذن الله تعالى بعد البلاء ولكن الله يطيل أمدها لتكون لنا فرصة لمن أراد أن يلتحق وأن يدخل شريكا في ساحة الشرف والفداء ولتكون فرصة لمن مازال مترددا أن يري الله من نفسه إيمانا وخيرا وبذلا. "إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (محمد: 38).

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ