بالرغم من المخططات والجهود المبذولة من أعداء الأمة لإفساد الأجيال الجديدة وإبعاد الشباب عن طريق الهدى، إلا أن إقبال الناس رجالا ونساء على الدين والتدين مازال دفاقا، ومازال الخير عامرا في الأمة، إلا أن التدين في السنوات الأخيرة يتسم بالفردية والعزلة وعدم التفاعل مع الأحداث، ويرجع هذا في كثير من الأحوال إلى غياب الرموز والقادة والمصلحين عن قيادة جماهير الأمة وتعليمهم وتزكيتهم ورفع مستوى وعيهم.

أي أننا يمكننا أن نقول بشكل واضح إن جماهير الأمة في هذا الوقت في حاجة ماسة إلى رموز وقادة لقيادة المدّ الشبابي والشعبي المتدفق على الإسلام والباحث عمن يوجهه إلى السبيل الأقوم وإلىمن يوجه طاقاته وإمكاناته لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.

حتى لا يهلك الناس

هنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه القضية ليست هامشية، وليست من قبيل الترف الفكري، لأنه عندما تضيع الرموز أو تختفي عن الساحة فإن ذلك يهدد مجموع الأمة ويسمح لرموز المشاريع المضادة بالتوسع والتوغل بين الجماهير بنشر أفكارها السامة وتنفيذ مخططاتها التي تخدم أعداء الأمة.

عندما سُأل النبي صلى الله عليه وسلم: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث». فهذه نسبية واضحة بأن الخبث لا يكثر إلا في غياب الصالحين وندرة المصلحين، ولن يهلك الصالحون بمجرد كثرة الخبث بل بعدم وقوفهم أمام هذا الخبث بالإصلاح والتطهير والحدّ من انتشاره، وهذا منصوص عليه في الكتاب والسنة، وهو ما وقع للأنبياء من نجاة عند إهلاك أقوامهم.

إن كثرة الصالحين وانتشار الرموز وتكتّل النخب الإسلامية هو صمام أمان لهذه الأمة من الهلاك والذل والضياع وما حدث من خير في تاريخ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فليس وراءه إلا الصالحون من حكام وعلماء وقادة وأولياء.

قادة الأمة

كما أن كثرة ووفرة النخب والرموز العلمية والإيمانية والدعوية والثقافية هي من أهم أسباب نهضة المجتمعات ورقي الأمم والحضارات. كما أن قلة الرموز وانحسار القيادات والقدوات لهو من أبرزصفات القطيع والدواب. أما الإنسان الذي خلقه الله مكرماً على سائر مخلوقات الأرض فهو متطلع لمزيد من العقول والمبدعين والرموز والمفكرين يتتابعون جيلا بعد جيل.

نعلم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان خاتم الأنبياء والمرسلين، ومعنى ذلك أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يعد فيها أنبياء ولكنها استمرت وانتشرت في بقاع الأرض على أيدي العلماء والمصلحين والدعاة والمجاهدين وهم نخبة الأمة الذين كانوا ينقذونها في الشدائد، ويقودونها في أوقات التمكين. وكان وجود القدوات والرموز سببا من بقاء هذه الأمة واستمرار حياتها وتغلبها على كل الأعداء الذين حاربوها وأرادوا القضاء عليها.

وكما أن من أسباب خيرية القرن الأول هو توافر الرموز والعلماء والأبطال فيه بشكل واضح وجلي؛ فكان فيه جموع من السابقين إلى الخيرات تنشر العلم، وتفتح البلاد، وتهدي العباد، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، فكان ذلك سببا من أسباب صلاح جماهير الأمة ومتداد آثار الخير في ربوع العالمين.

من يروي عطش الأمة؟

إن الأمة الإسلامية هذه الأيام باتت عطشى إلى السبّاقين والمبادرين، وإلى العلماء المتقين، وإلى أهل الجرأة والشجاعة وإلى أهل البذل والعطاء، فمن يروي عطشها؟ ويقود إلى الخير جموعها؟

إن الواقع يقول إن الصالحين في هذه الأمة بالملايين، ولكنهم يفقتدون إلى الرموز التي تجمعهم وتوجههم إلى خير العمل وعمل الخير، وإن القدوات تحتاج إلى من يحركها ويوقظها وينبهها لخطورةدورها في هذه افترة من تاريخ أمتنا.

أفلا يخرج من ملايين الصالحين قدوات تجدد الحياة وتكسر القيود وتعيد إلى الحياة بهجتها ورونقها.

نعم إن هناك وعد من الله بحفظ الدين، ونصر أمة المؤمنين، ولا نشك في أن النخب الصالحة والرموزالمصلحة قادمة لا محالة، وبات ريحها الطيب ينتشر الآن من بين الدماء والأنقاض والجراح، ونرجوالله أن يكتب لنا ولأمتنا الخير وأن ييجعلنا ممن يختصهم بفضله ورحمته.

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً)