بقلم: محمد الجمل

يمرض أحدنا فيذهب للطبيب فيصف له دواء يكون في الغالب سببا في شفائه خلال يوم أو عدة أيام.
هذا هو الحال مع المرض العضوي حيث تكون وصفة الطبيب بمثابة العصا السحرية بالنسبة للمريض. وما يجوز أبدًا تعميم ذلك على سائر حياتنا وما قد يعترينا من مشكلات.
في إحدى المحاضرات وبينما كنت أتحدث عن دور الآباء والأمهات في تربية الأبناء إذ بأحد الحاضرين يطلب مني أن أقوم بعلاج المشكلات التي تحدثت عنها جميعاً، وشعرت وكأن الناس يظنون أنني أحمل عصا سحرية! 
ورغم حرصي الدائم على الإفادة في هذا المجال -قدر استطاعتي- إلا أن المؤكد أن طبيعة المشكلات التربوية بل طبيعة العملية التربوية كلها ليست كالمرض العضوي أبدًا، والمستشار التربوي ليس كالطبيب أبدًا.
إن التربية -أيها الأحباب الكرام- منظومة تشتمل على المربين من آباء وأمهات ومعلمين، كما تشتمل على الأطفال (محل التربية) وكذا المناخ المحيط بهم والمنهج المتبع معهم.
وهذه كلها عناصر لابد أن تُهيأ وتنضبط معاً انضباطاً تاماً كي تتحقق الثمرة المرجوة منها، لاسيما وأن السلوكيات الحسنة والسيئة مكتسبة وليست موروثة كما يعتقد البعض.
وعندما يكون الوالدان هما المعجم اللغوي الذي يتلقى الطفل منه لغته فهما أيمضا معجمه السلوكي  الذي يتلقى الطفل منه أفعاله وسلوكياته؛ حيث يتعلم بالتقليد أكثر مما يتعلم بالتوجيه المباشر.
فماذا يفعل المحاضر والمستشار التربوي إن افتقد الطفل القدوة فيمن يتعامل معه مباشرة؟!
وماذا لو رفض المربي - أو لم يستطع- أن يتوقف عن العصبية والغضب والصراخ والإهانة البدنية والمعنوية مع طفله؟!
وماذا لو لم يستطع التوقف عن السب والشتم والكذب أمام طفله؟!
وماذا يفعل المحاضر والمستشار التربوي مع آباء وأمهات دائمي الشجار أمام أبنائهم ؟!
وماذا لو أصر الوالدان على التعامل مع ابنهما على أنه تلميذ يذهب للمدرسة ثم يعود فينكب على الواجب المنزلي حتى منتصف الليل دون مراعاة لكونه إنسانًا؟ مع أن التربية ما هي إلا تنمية وتوازن لجميع جوانب الشخصية العقلية والروحية والبدنية والنفسية حتى لا يصبح ابنهما أستاذًا في الجامعة ولا يحسن التواصل مع طلابه أو حتى مع زملائه.
وماذا يفعل المحاضر التربوي مع آباء وأمهات منشغلين في عملهم عن تربية أطفالهم؟ وربما كان ذلك لظروف اضطرارية لكن حتماً ستكون له آثار سيئة.
إن بعض من يطلب العصا السحرية يشتكي مُرّ الشكوى من طفله الذي لم يتجاوز العام ونصف العام، وفي الوقت نفسه نكتشف خلال الحديث أن الأم تحمل في بطنها الطفل الثاني!
ولطالما كنا نصارح الآباء بأهمية تحقيق النجاح التربوي مع الأول حتى يأتي الثاني وأن هناك مدة زمنية لابد أن تكون بين الأبناء وبعضهم وإلا فسوف تتضاعف المشكلات.
إن التربية -أيها المربون الكرام- عملية شاقة تحتاج لوضع الأبناء في بؤرة شعور الآباء والأمهات.
وهي تحتاج إلى تغيير بعض الصفات التي اعتدناها سنين طويلة؛ لأنها لم تعد تصلح في وجود أطفال يرون ويقلدون.
 إن التربية تحتاج إلى جهد مشترك من الآباء والأمهات والمعلمين والمدربين والمشرفين.
كما تحتاج إلى قراءة واطلاع وإلى صبر وتحمل.
فنحن نصنع رجالاً نفخر بهم ويدعون لنا في حياتنا وبعد مماتنا ونثقِّل بهم في الآخرة موازيننا. 
إن العصا السحرية هي طلب المفلسين الكسالى الذين لا يريدون بذل الجهد لحصد الثمرة، وليتها كانت متاحة فنحصل عليها بأي ثمن لكن هيهات فهذا ضرب من الخيال. 
إذن ما علينا إلا التضحية من أجل أبنائنا بثمين الوقت لا ببقاياه، وبخالص الجهد لا بفتاته، مع اتباع إرشادات المتخصصين برحابة صدر. والدعاء الدائم لأبنائنا، وكذا احترامهم والابتسامة في وجوههم وعدم التضحية بهم إن بدا منهم سوء السلوك. 
ولا يمر يوم إلا ونعانقهم ونقبِّلهم ونحن نهمس في أذن كل منهم (أحبك كثيرًا).
فلا أحد يحمل عصا سحرية.