بقلم:أحمد أحمد جاد
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد ، فإن الله امرنا باليقظة والانتباه والتفكر والاعتبار ( فاعتبروا يا أولى الأبصار ) الحشر : 2 وحذرنا من الغفلة والإهمال وعدم الاهتمام بما أنزل ، لإن الغفلة تؤدى إلى الدمار والهلاك .. وما تأخر المسلمون عن ركب الحضارة وما سلبت مقدراتهم إلا بسبب الغفلة .
والمقصود بالغفلة المهلكة : هى التى تعترى الشخص المكلف كامل العاقل والإدراك الذى جاءه النذير وبلغته الحجة فلم يتعط ولم يعتبر وأهمل شرع الله ولم يبالى . ومن هنا فإننا نستبعد الجنون والنوم للحديث : رفع القلم عن ثلاثة " المجنون حتى يفيق وعن الصبى حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ " ونستبعد كذلك الخطأ والنسيان للحديث " إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان " وكذلك السفيه وذو الغفلة ، فالسفيه ضعيف الإدراك لا يحسن التصرفات ويبذر المال على غير ما يقضى به العقل وذو الغفلة لا يهتدى إلى التصرفات الرابحة بسبب بساطته وسلامة قلبه مما يؤدى إلى غبنه فى المعاملات المالية .
ونستبعد كذلك الغافل بسبب عدم بلوغه الإنذار وقيام الحجة عليه قال تعالى ( ذلك أن لم ........... غافلون ) قال ابن كثير : إنما اعذرنا بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، لئلا يُعاقب أحد بظلمه وهو لم تبلغه الدعوة .. وما عذبنا أحداً إلا بعد إرسال الرسل إليهم كما قال ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) الإسراء : 15 أى لم يكن يؤاخذهم غفلة فيقولوا : ماجاءنا بشير ولا نذير ولم يكن يهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر ، فيظلمهم بذلك والله غير ظلام لعبيده) .
وقال تعالى ( لتنذر قوما .............. فهم غافلون ) يس : 6 أى لتنذر يا محمد بهذا القرآن العرب الذين ما جاءهم رسول ولا كتاب لتطاول زمن الفترة عليهم فهم بسبب ذلك غافلون عن الهدى والإيمان يتخبطون فى ظلمات الشرك فهؤلاء لا يعذبهم الله لأنه سبحانه لا يعذب صاحب عذر .
والغفلة ضد اليقظة وقد عرفها ابن القيم بأنها : انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين .. فيالها من روعة وما أشد إعانتها على السلوك
التحذير من الغفلة
حذر الله تعالى عباده من الغفلة المهلكة بأساليب مختلفة ، منها : أنه حين كانوا فى عالم الذر ، أخذ عليهم العهد والميثاق على التوحيد وعدم الشرك ، كما حذرهم بأهوال يوم القيامة ويوم الحسرة حتى لا يفاجأوا بها ويقولوا : كنا عن هذا غافلين !
1-إن الله سبحانه لما خلق آدم مسح على ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ العهد والميثاق أنه ربهم وأن لا يشركوا به شيئاً ، فشهدوا بذلك ( وإذ أخذ .... بلى شهدنا ) الاعراف : 172 فأشهد كل واحد منهم ، وذلك حتى لا يقولوا يوم القيامة ( إنا كنا عن هذا غافلين ) من الآية السابقة وفى الصحيحين : " يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : لو أن لك ما فى الأرض من شئ أكنت تفتدى به ؛ فيقول : نعم ، فيقول : أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم : أن لا تشرك بى شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بى " فهذه الفطرة التى فطر الله الخلق عليها ، فكل مولود يولد على الفطرة .. إن العلم يقرر أن خلايا الوراثة تكمن فيها خصائص الذرية وهم بعد خلايا فى الأصلاب .. أما كيفيات المشهد وكيف أخذ العهد ، والإشهاد .. فهذا غيب نؤمن به .. فالتوحيد مركوز فى الفطرة .. وأقول : إن كل ذرة فى الإنسان ، فى دمه او مخه او عظمه .. تشهد بالوحدانية ..
2-وينبه الله عز وجل أن الساعة قد اقتربت والناس فى غفلة ، لا يستعدون لها ولا يعملون من أجلها ! ( اقترب للناس ..... يلعبون ) الأنبياء : 1 / 2 ويحذرهم من الإهمال واللامبالاة .. فالخطر آت يتهددهم ومع ذلك لم ينتبهوا ولم يسمعوا .. بل هم فى لهو يلعبون ( لاهية قلوبهم ) !!
إن الآيات تحدثهم عن مصارع المكذبين الغافلين وهم لاهون ، لايعتبرون ولا يتفظون ويتذكرون .. ثم يأتى الوعد الحق بخروج يأجوج ومأجوج ، من علامات الساعة .. فإذا هى شاخصة أبصارهم من هول ذلك اليوم .. لا تطرف العين من شدة الفزع ، ويندمون الآن !
( ياويلنا ... بل كنا ظالمين ) الأنبياء : 97 لم نكن فى غفلة ، بل كنا ظالمين مكذبين حيث حذرنا فلم نعتبر !! .. لقد جاءت المفاجأة وانتبهوا من الغفلة بعد فوات الأوان !
روى عامر بن ربيعه أنه نزل به رجل من العرب ، فأكرم عامر مثواه ، وكلم فيه رسول الله فجاءه الرجل فقال : أنى استقطعت من رسول الله وادياً فى العرب ، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك ، فقال عامر : لا حاجة لى فى قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا ( اقترب للناس ... غفلة معرضون ) الأنبياء : 1 / 2
3- وأنذر الله عباده من يوم الحسرة حيث لا تنفع الحسرات .. يوم يتحسر المسىء على إساءته ويتحسر المحسن على عدم استكثاره من الخيرات ... يقول تعالى ( وأنذرهم يوم ..... لا يؤمنون ) مريم : 39 والناس غافلون عن هذا الموقف العظيم .. يوم الحسرة يوم يرى أهل النار البيت الذى كان قد أعد لهم لو آمنوا ، فيقال لو آمنتم وعملتم الصالحات كان لكم هذا الذى ترونه فى الجنة ، فتأخذهم الحسرة وفى الصحيحين " يجاء يوم القيامة بالموت كأنه كبش أملح ... فيؤمر به فيذبح ويقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت ثم قرأ ( وأنذرهم يوم الحسرة ) وأشار بيده " أهل الدنيا فى غفلة الدنيا " " وفى رواية : " فيفرح أهل الجنة ... ويشهق أهل النار .... " وفى الصحيحين " إن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول فى هذا الرجل ؟ لمحمد صلى الله عليه وسلم فأماالمؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، فيراهما جميعاً .
وفى الصحيح " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار ، فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة
أسباب الغفلة والمهلكة
وأسباب الغفلة كثيرة نذكر منها :
1-عدم استخدام أدوات المعرفة : فقد وهب الله الإنسان نعمة السمع والبصر والفؤاد لكى يستخدمها فى طاعته لا معاصيه ، وفى معرفته سبحانه وفيما ينفع الإنسان فى الدنيا والآخرة ... فينظر ويتأمل ويتفكر ويعتبر .... وهى مناط المسئولية ( إن السمع والبصر .... مسئولاً ) الإسراء : 36 وقال ( بل الإنسان على ..... معاذيره ) القيامة 14 والذين لا يسمعون الحق ولا بيصرون الهدى ودلائل الإيمان ، فهم كالانعام التى لا تنتفع بالحواس إلا فى تحقيق منافعها الدنيوية ، بل هم أضل ... لأن الانعام تستجيب لراعيها وإن لم تفقه كلامه بخلاف الانسان الذى لم ينتفع بالنظر والتفكر والاعتبار ، ولا يسمع المواعظ النافعة والشرائع المنزلة التى جاءت بها الرسل وهم أضل لأن الانعام تدرك ما ينفعها وما يضرها بالفطرة التى أودعها الله فيها ... فهؤلاء حكم الله عليهم بالغفلة لما هم فيه من عدم التمييز الذى هو من شأن من له عقل وسمع وبصر ويقول تعالى ( أفلم بسيروا ...... فى الصدور ) الحج 46 قال بعض الحكماء أحى قلبك بالمواعظ ، ونوره بالفكر ، وصونه بالزهد ، وقوه باليقين وقرره بالفناء ، وبصره فجائع الدنيا ، وحذره صوله الدهر وفحش تقلب الايام ، واعرض عليه اخبار الماضين ، وما أصابهم ... وانظروا ما فعلوا وأين حلوا وعم اتقلبوا .
2- عدم الاعتبار بالايات : فإن الله تعالى يضرب الأمثال فى القرآن للاعتبار والتبصر ... فهذا فرعون وقومه ابتلاهم الله بآيات كثيرة ، فماذا حدث ؟ ( ولقد أخذنا .... يتذكرون ) الاعراف : 130 فلم يعتبروا وقالوا ( مهما تأتنا .... فما نحن لك بؤمنين ) الاعراف : 132 فأرسل الله عليهم الطوفان والجراد .... وغير ذلك مما يأتى على الأخضر واليابس فلما جهدهم هذا قالوا يا موسى ادع ربك يكشف عنا هذا العذاب ونؤمن بك ونرسل معك بنى إسرائيل ، فاستجاب الله لموسى ، فلم يؤمنوا ، قال تعالى ( فانتقمنا ...... غافلين ) الأعراف : 136 فغرقوا ً جميعاً بسبب تكذيبهم بالآيات والإعراض عنها وعدم مبالاتهم بها وتغافلهم عنها ، فمثل هؤلاء يصرف الله عنهم فهم آياته والايمان بها عقوبة لهم بسبب غفلتهم وكبرهم وتكذيبهم وإعرافهم ( سأصرف عن ....... غالفين ) الاعراف 146
ولما غرق فرعون وكان يدعى الألوهية أخرجه الله ببدنه ولولا ذلك لظن الناس انه لم يمت لانه إله !! وشاهده الناس فى مشهد الذل والمهانة ليكون زجراً لغيره ممن يدعى الألوهية .. وكذلك يفعل الله بكل ظالم متكبر ليكون عبرة لمن خلفه ( فاليوم.. .... لغافلون ) يونس : 92 وهذه عبرة تتكرر بأشكال مختلفة للظالمين الفراعين الذين يغفلون عن أيات الله ، فهل من مدّكر ؟ ! وصدق الله ( وتلك ...... العاملون ) العنكبوت : 43
3- استحباب الدنيا على الآخرة : ومن الغفلة ترجيح الدنيا على الآخرة وعدم الاهتمام بها والعمل من أجلها وإهمالها والإنشغال عنها واللامبالاة بها وهذا يؤدى إلى غضب الله تعالى وإلحاق العذاب بهم ( ذلك بأنهم ........ الغافلون ) النحل : 107 / 108 وقال تعالى ( إن الذين ......... غافلون ) يونس : 7
وفى الحديث " حبك الشىء يعمى ويصم ) ابو داود 5130 وأحمد 5 / 194 ، 6 / 45 واستحباب الدنيا على الاخرة يؤدى إلى التنافس والهلكة وهذا ما كان يخشاه النبى صلى الله عليه وسلم ففى الصحيحين " ..... فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكنى أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم " وفى رواية مسلم " .... وتهلككم كما أهلكتكم "
لقد تنافسوها حتى أصبح المال بيد قلة محتكرة مترفة مدخمة مبذرة لا ترعى الصالح العام فى حين الكثرة لا تجد قوت يومها .... أين وحدة المسلمين . الامة الواحدة ؟ . أين المشروع النووى الذى بدأت به مصر مع الهند ؟ .. لماذا أصبح المسلمون بأسهم بينهم ؟ . أعزه على المؤمنين أذله على الكافرين .. لماذا الغفلة التى حذرنا منها ربنا ؟ . وأين اليقظة والتفكير والاعتبار التى أمرنا بها أين وأين ؟ .. ولماذا ؟ هذه أسئلة حائرة .. تحتاج عمل حتى تنهض هذه الأمة من غفلتها .. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل .
(1) البخارى فى الطلاق باب 11 وأبو داود : حدود : 4398 والترمذى : 1423 وغيرهم .
(2) ابن ماجه : طلاق : 2045 صحيح .
(3) أبن كثير فى تفسير الآية .(4) مدارج السالكين : 94 .
(5)البخارى : رقاق : 6557 ومسلم : منافقين : 2805
(6) ابن كثير فى تفسيره .
(7) البخارى : 4730 ومسلم : 2849
(8) البخارى : جنائز : 1374 ومسلم : جنة 2870
(9) البخارى : جنائز : 1379
(10) ابن كثير فى تفسيره .
(11) جزء من حديث البخارى : رقاق : 6425 ومسلم : زهد : 2961