يواصل نظام الانقلاب بقيادة العميل الصهيوني عبد الفتاح السيسي التزام الصمت إزاء استمرار إثيوبيا في الاستيلاء على حصة مصر من مياه النيل عبر السد الكارثي الذي تم بناؤه للإضرار بكل سبل الحياة في البلاد.

ووصلت إثيوبيا إلى المنسوب النهائي للملء الخامس للسد، قبل الموعد المحدد في العاشر من سبتمبر المقبل، وسط تراجع إيرادات مصر من حصتها من مياه النيل لأكثر من 30%، إذ بدأ التعويض من بحيرة ناصر الاصطناعية، والمعروفة ببحيرة السد العالي.

ووفقا لمعلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن إثيوبيا انتهت من نحو 85% من الملء الخامس، فيما تضررت الحصة المصرية حتى الآن، وفقا لتقديرات رسمية، بنسبة تتراوح بين %20 إلى 30%. وعادة ما تتجه حكومة الانقلاب إلى اللجوء لمخزون بحيرة ناصر لتعويض العجز في الحصة المصرية، جراء عملية ملء السد الإثيوبي، على أمل تعويض الكميات المصروفة من بحيرة ناصر في مرحلة لاحقة عقب تجاوز صدمة النقص الحاد في الحصة المصرية.

وتنفذ أديس أبابا عملية الملء الخامس واستكمال عمليات البناء التي تجاوزت 95% بينما لا توجد أي اتصالات، سواء مباشرة أو غير مباشرة، بين القاهرة وأديس أبابا منذ الإعلان الرسمي عن فشل آخر جولات التفاوض.

تعتيم في ملف سد النهضة

وفي الوقت الذي لا تتناول فيه وسائل إعلام الانقلاب قضية سد النهضة، في ظل وقف جميع برامج الـ"توك شو" المصرية في القنوات التابعة لـ"الشركة المتحدة" المملوكة لجهاز المخابرات العامة، والتعتيم على الحديث عن منسوب المياه في بحيرة ناصر، اكتفى نظام الانقلاب بالإجراءات الرسمية. إجراءات مثل مخاطبة الاتحاد الأوروبي وواشنطن، من أجل الحصول على تعويضات مالية ومنح، تحت بند تعويض العجز المائي، والذي تسبب في أضرار على نطاق واسع، إذ احتج فلاحون في محافظات مختلفة، منها الفيوم، بسبب جفاف الأراضي لعدم وصول مياه الري.

وحول الوضع المائي لكل من مصر وإثيوبيا في ظل عملية استكمال ملء سد النهضة الإثيوبي، قال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مخزون بحيرة سد النهضة الإثيوبي، وصل إلى نحو 45 مليار م3، بزيادة قدرها نحو 4 مليارات م3 منذ بدء التخزين في 17 يوليو (الماضي)".

وأضاف أنه "من المتوقع أن يستمر التخزين حتى الأسبوع الثاني من سبتمبر المقبل، للوصول إلى منسوب 640 متراً فوق سطح البحر، بإجمالي تخزين 64 مليار م3"، لافتاً إلى أنه "قد يتم فتح بعض بوابات المفيض العلوية قبل اكتمال التخزين".

وحول الموقف المائي المصري، أكد شراقي أن "كل متر مكعب يخزّن في إثيوبيا، هو خصم من الإيراد المصري سيعود جزء منه في ما بعد مع تشغيل التوربينات"، لافتاً إلى أنه "يتم صرف الاستخدامات اليومية كاملة للمواطن المصري خلال فترة التخزين في السد الإثيوبي من بحيرة ناصر، بصرف النظر عن الوارد من إيراد النيل".

من جهته، قال أستاذ هندسة السدود المصري، محمد حافظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الماضي، جرت أحداث بهدف تنفيذ أحد أهم المخططات على الدولة المصرية، في ظل صمت إعلامي رسمي، وكأن ما يحدث لمقدرات الدولة المصرية المائية هو أمر يهم شعبا آخر غير المصري". وأوضح أن "أول هذه الأحداث، زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي (أبي أحمد) للسودان ولقاؤه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، حيث تشاورا حول السد".

وأضاف أنه "عقب هذا اللقاء تم توقيع اتفاقية بين الإمارات وجنوب السودان بهدف توفير 13 مليار دولار للاستثمار في القطاع الزراعي بجنوب السودان، وبعد توقيع اتفاقية القرض الضخم، أعلن برلمان جنوب السودان التصديق على اتفاقية عنتيبي"، وهي اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل مجتمعة. وتابع: "بعدها فتحت إثيوبيا أحد التوربينات العلوية بالكتلة الشرقية، بحيث يعمل بالتبادل مع أحد التوربينات المنخفضة، ليبدو الأمر وكأن هناك مزيداً من المياه في مجرى النيل الذاهب للسودان ومصر، ولكن في الواقع ليس هناك تغيير، إذ إن التوربين العلوي يعمل بالتبادل مع التوربين المنخفض".

أحداث مترابطة

ورأى حافظ أن "هناك خيطاً رفيعاً لكنه قوي يربط بين تلك الأحداث، وهو أن محادثات أبي أحمد مع البرهان، كانت تتضمن إخباره بنيّة دولة جنوب السودان التوقيع على اتفاقية عنتيبي، وعليه ألا يعترض على هذا الأمر، لأنه في كل الأحوال أي خسائر تقع نتيجة هذه الاتفاقية لن تمس مقدرات السودان المائية لكونها دولة ممر، وأن الدولة المصرية هي من ستتحمل كافة الخسائر".

وأشار حافظ إلى أن "دخول الإمارات بشكل قوي في اقتصاد جنوب السودان، كافٍ جداً لإقناع جوبا بالتصديق على اتفاقية عنتيبي، لكونها في نهاية الأمر ستصب في مصلحة مطلب إثيوبيا بالحصول على حصة مائية من النيل الأزرق عند موقع سد النهضة". وأوضح أن "هذا أمر ستستفيد منه الدولة الإثيوبية بشكل مباشر، عن طريق توكيل الصندوق الاستثماري بأبوظبي، في استثمار حصة إثيوبيا من المياه في مشاريع زراعية لزراعة قصب السكر، وتصدير السكر لدول العالم من أكبر مركز لزراعة وتصنيع السكر في المنطقة الحدودية بين سد السرج الإثيوبي وولايات شرق النيل الأزرق (في السودان) والتي خضعت أخيراً لمليشيات الدعم السريع".

وقال حافظ إنه "من باب الخداع، تم تشغيل أحد التوربينات العلوية لسد النهضة لمنع أي شكوى مصرية بشأن قلة تدفق النيل الأزرق وتأثير ذلك على بحيرة ناصر"، مشيراً إلى أن "إثيوبيا تساهم بقرابة 86% من تدفقات نهر النيل من حيث حجم المياه السطحية، بينما تساهم مصر بنسبة 0.0% في تدفقات النيل".

واعتبر أنه "من المفهوم أن كل دولة تستفيد من تدفقات النيل بنسبة تتناسب مع مساهمتها، وستتمكن إثيوبيا من البدء سريعاً في بناء السدود العلوية فوق سد النهضة، وتحويل النيل الأزرق والسوباط وعطبرة إلى أنهار داخلية محلية تماماً وليس أنهاراً دولية تتشاركها مع دول مثل السودان ومصر".

ولفت إلى أنه "على المدى القصير لن يتأثر السودان من حيث مياه الري والمياه الجوفية وتشغيل السدود، لكنه سيتأثر على المدى الطويل خصوصاً من حيث تشغيل السدود"، مبيناً أنه "غالباً ما تنخفض تصرفات سد النهضة كثيراً بسبب السدود العلوية، لكن التأثير سيكون غالباً في حدود كفاءة السدود السودانية".

وأشار إلى أنه "لربما أيضا تتأثر بعض المشاريع الزراعية مثل مشروع الجزيرة (وسط السودان، ويروى بنظام الري الانسيابي أي بالغمر)، ولكن بشكل عام وتحت أسوأ الظروف لن تصل معاناة السودان إلى 10% من معاناة الدولة المصرية على كافة مناحي الحياة".