السؤال: أنا رجل وقع شجار بيني وبين امرأة من جيراني، وأقسمت على المرأة بالله عز وجل ألا تدخل بيتي، وقلت لأهلي: لا تكلموها. وفي يوم من الأيام دخلت المرأة بيتي وانكبت على رأسي وسلمت عَلَيّ فما الحكم في القسم الذي أقسمته عليها؟

جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

هذه اليمين تسمى اليمين المنعقدة. فالأيمان في الشريعة ثلاثة أنواع:

يمين هي اليمين الغموس: وتلك هي التي يحلف المرء بها كاذبًا عارفًا كِذْب نفسه، فسميت اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم في الدنيا، وفي النار في الآخرة. كما تسمى اليمين الفاجرة وهي التي تَذرَ الديار بلاقع، وهي التي جاء فيها الوعيد: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 77).

ويمين ثانية تسمى اليمين اللغو: وهي التي جاء بها القرآن: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (البقرة: 225) كأن يقول الإنسان لصاحبه: تفضل فيقول: "لا والله" فيقول "لازم تتفضل"، ويدخل بعد أن قال "لا والله"، فهذه تسمى "اليمين اللغو"؛ لأنه لا يقصد فيها الحلف تمامًا، وكذلك إذا حلف على شيء يظنه كذلك فبان بخلاف قوله، "والله العظيم إن هذا الشيء الذي أراه من بعيد هو كذا"، فيتبين أنه بخلافه… ويتبين خطؤه، هذه أيضًا لغو لا يؤاخذ الله عليها.

واليمين الثالثة كالحالة التي معنا: هي اليمين المنعقدة: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} (المائدة: 89)، وهي الحلف على شيء في المستقبل، ألا يفعل كذا، أو أن يفعل كذا، حلف ألا يدخن مثلًا، أو ألا يدخل دار فلان، أو ألا يفعل الشيء الفلاني، أو أن يترك الشيء الفلاني، فهذه يمين منعقدة، ويجب أن يحافظ على يمينه فيها، وخاصة إذا كانت أمرًا خيرًا، حلف ألا يدخن، فيجب أن يستقيم على هذا الحلف ويجب ألا يدخن، أما إذا حلف على ما فيه شر كأن حلف ألا يصل رحمه، أو حلف ألا يتصدق على مسكين، أو حلف ألا يصلي جماعة؛ فيجب أن يحنث في يمينه، وأن يُكفِّر عن هذه اليمين.

الرجل الذي حلف ألا يكلم هذه المرأة، ثم دخلت المرأة وصالحته وقبلت رأسه وكلمها فعلًا، هذه اليمين في هذه الحالة يكون قد حنث بها، وعند الحنث تلزمه الكفارة، لا شيء يلزمه غير الكفارة… فقد قال تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 225).

فعلى الأخ السائل أن يطعم عشرة مساكين، يطعمهم وجبتين مشبعتين أو ما قيمته ذلك، والله تعالى يتقبل منه إن شاء الله.