رغم ترحيب تلاميذ المرحلة الثانوية والأهل بخطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية، إلا أنها كانت محط انتقاد بعض الخبراء الذين رأوا أن الهدف الأساسي منها هو تخفيض النفقات، وسط تساؤلات تتعلق بالمدرسين والتعليم بالإضافة إلى العلوم الإنسانية
رحب تلاميذ مقبلون على الصف الثالث ثانوي في مصر بخطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية. ويبدو أن تخفيض مواد المناهج الوارد في الخطة قد أرضى هؤلاء، لا سيما مع حذف مواد من المجموع النهائي لتكون ست مواد بدلاً من عشر كانت تضاف للمجموع بالنسبة للأقسام الثلاثة، وهي العلمي والرياضي والأدبي.
وتقرر أن تكون بعض المواد خارج نطاق المجموع الكلي للدرجات، بينما جرى دمج مواد أخرى لتشكل مادة شاملة واحدة، كدمج مادتي الكيمياء والفيزياء في الصف الأول ثانوي في مادة واحدة تحت مسمى علوم متكاملة. أما اللغة الأجنبية الثانية، فستكون مادة رسوب ونجاح لا تضاف إلى المجموع، مع تدريس البرمجة في المرحلة الثانوية في العام الدراسي 2026 - 2027.
تشبه الخطة بعضاً من خطابات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي أعرب فيها عن تبرمه من اتجاه التلاميذ للدراسة في كليات نظرية، ناصحاً المصريين بدراسة "البرمجة المربحة".
وأبدى مواطنون قلة ثقتهم في مزاعم الوزير الانقلابي قبل أسابيع (وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف)، بأن الخطة المعلنة جاءت بناء على حوار مجتمعي. "متى تمكن من عقد الحوار؟ ومن هم المشاركون؟"، يسأل المدرس في إحدى المدارس الخاصة رجب عبد العزيز. ويقول في حديثه لـ "العربي الجديد": "إذا كنا نحن (المعلمون) لم نسمع أصلاً أن أحداً سواء من المعلمين أو أولياء الأمور، وأنا معلم وولي أمر، جرت استشارته على أي مستوى، فمن هم المشاركون إذاً في الحوار"؟
وتهدف خطة إعادة الهيكلة إلى البحث عن تخفيض النفقات لا تطوير التعليم، برأي متابعين، إذ لا تكلف الدولة ميزانيات إضافية لبناء المزيد من المدارس للتغلب على كثافة التلاميذ في الفصول، بل توزع تلاميذ الإعدادي والثانوي معاً على نفس المدارس الموجودة لكن على فترات مختلفة. والتخفيض هو الهدف أيضاً من تقليل المواد الدراسية ودمجها، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض عدد المدرسين، وبالتالي توفير الرواتب والمكافآت.
ويبلغ عدد التلاميذ 25 مليوناً و657 ألفاً و984، بينما وصل عدد المدرسين إلى 922 ألفاً و628، بالإضافة إلى 61 ألفاً و512 مدرسة حكومية وخاصة، بإجمالي 556 ألفاً و888 فصلاً. ويقول مدرس اللغة العربية أحمد العباسي إن "وسط هذه الكثافة والأعداد، كان الحل في دمج مواد وحذف وتهميش أخرى".
ومهد الذراع الإعلامي تامر أمين للخطة بالقول إن سوق العمل الحالي لا يحتاج إلى تخصصات مثل التاريخ والفلسفة، بالقدر نفسه الذي يحتاج فيه إلى تخصصات علمية وتقنية. إلا أن هذه النظرة قوبلت بانتقادات من خبراء ومثقفين يرون أن تجاهل العلوم الإنسانية قد يؤدي إلى إنتاج جيل يفتقر إلى الوعي الثقافي والاجتماعي.
ويشير هؤلاء إلى أن هذه العلوم، وإن لم تكن ذات تطبيقات عملية مباشرة، فإنها تغذي العقل والوجدان وتساهم في تشكيل شخصية متكاملة قادرة على التعامل مع تعقيدات الحياة الحديثة.
طالت الانتقادات أيضاً شخص وزير التعليم الجديد بحكومة الانقلاب، الذي يُشار إليه بأنه من خلفية تفتقر إلى الكفاءة والتأهيل الأكاديمي المناسب، عدا عن اكتشاف أنه قدم شهادات بمؤهلات لم يحصل عليها، ما أثار شكوكاً حول قدرته على قيادة هذه التغييرات الجذرية.
واستند ترحيب طلاب وأولياء أمور بالهيكلة إلى أنها ستزيل عن كاهلهم أعباء دراسة مواد أكثر تتطلب دروساً خصوصية ترهق الأسر المصرية، كما أنها تتيح لهم فرصاً أكبر للتفوق في المواد الأساسية وتنمية قدراتهم الإبداعية. كما أن إلغاء احتساب درجات بعض المواد سيزيد من أهمية هذه المواد في حد ذاتها، ويشجع التلاميذ على دراستها باهتمام دون الخوف من تأثيرها على مجموعهم النهائي.
على الجانب الآخر، يرى معارضو الخطة أن إلغاء احتساب درجات بعض المواد سيؤدي إلى تهميشها وعدم الاهتمام بها من قبل التلاميذ والمدرسين، ما يؤثر عليها باعتبارها مكملاً للدراسات العلمية التطبيقية. بدوره، يسأل الخبير التربوي والتعليمي كمال مغيث عن الأهداف، ومن يضع أجندة التعليم؟ ويقول: "لم يعرف أحد من رشح الوزير الحالي لتولي أكبر وزارة حجماً في البلاد، ولم يعرف أحد المؤهلات والخبرات التي على أساسها اختير الوزير الجديد". يضيف: "عندما كثرت تساؤلات الناس، اضطر رئيس الوزراء إلى قول كلام لا معنى له، مشيراً إلى أن لا المؤهلات ولا الدكتوراه هي الأساس في اختيار الوزراء، من دون أن يقول لنا عن المعايير التي جاء الوزير الجديد على أساسها". ويوضح في منشور له على صفحته الشخصية على "فيسبوك": "طبعاً في المدة القليلة التى تولاها منذ نحو أربعين يوماً، أدرك مشكلة الثانوية العامة ولجان الغش الجماعي والمدارس التي بيعت من بابها وحصل جميع طلابها على أكثر من 95%... ومع هذا لم يُصدر قراراً واضحاً وصريحاً في كل هذا". يضيف: "أما أن يفاجئنا بعد أربعين يوماً من توليه الوزارة بهذا الانقلاب الخطير في مواد الثانوية العامة، بدمج مواد وإلغاء مواد أساسية كالفلسفة والمنطق وعلم النفس والجيولوجيا والبيئة واعتبار اللغة الأجنبية الثانية لا تضاف للمجموع، وطبعاً لأننا لا نعرف على أي أساس جاء الوزير، فلا يستطيع أحد أن يقول إنه من مدرسة العلوم البحتة أو العلوم المجردة في مواجهة أصحاب العلوم الفلسفية والإنسانية. هنا تصبح على الوزير الإجابة عن التساؤلات العشرة التالية:
1. ما هي اللجان أو المؤتمرات أو ورش العمل التي درست وناقشت واقترحت تلك المقترحات العجيبة؟ ومن هم الأساتذة والخبراء الذين أقروا هذا التعديلات؟
2. ما دور مركز المناهج والمواد التعليمية والمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية والمركز الوطني للتقويم والامتحانات، وأقسام المناهج في نحو سبعين كلية تربية فى مصر في هذا التغيير؟
3. ما هي نظم التعليم العربية أو الأجنبية التي ألغت الفلسفة والمنطق وعلم النفس من تعليمها؟
4. كيف نلغي الفلسفة والمنطق من الأدبي مع أننا في حاجة إلى أن يدرسهما طلاب العلمي، والعالم كله يتجه نحو تدريس المواد الإنسانية للتخصصات العلمية والرياضية؟
5. ما هو أثر مثل هذا القرار على أقسام الفلسفة وعلم النفس فى نحو سبعين كلية تربية وعشرات غيرها من كليات الآداب في مصر؟
6. هل يتخيل أن يكون هناك خريج من نظام التعليم المصري لم تمر عليه أسماء ومعاني سقراط وأفلاطون وأرسطو وهيجل وماركس وروسو والماركسية والليبرالية والبراجماتية والوجودية؟
7. ما هو أثر مثل هذا التعديل على نحو مائة وخمسين ألف معلم من معلمي تلك المواد الموجودين في المدارس الآن؟ هل سنعيد تأهيلهم ليسدوا العجز في العمال والفراشين والأعمال الكتابية، أم سنؤهلهم لسد العجز في مدرسي الابتدائي، أم هل سنسرحهم ونجبرهم على الاستقالة ونكون قد أرضينا البنك الدولي الذي يضغط لتقليص موظفي الحكومة؟
8. ما معنى ألا تضاف اللغة الثانية للمجموع في نظام يدفع فيه أولياء الأمور دماء قلبهم في الدروس الخصوصية لحصول أبنائهم على درجة واحدة؟
9. لماذا لا تأخذ مثل هذه القرارات وقتها من الدراسة والبحث والنقاش العلني من الأساتذة والخبراء ومستشاري المواد والمتخصصين؟ وما وجه العجلة في تنفيذها بدون دراسة ونقاش حر وعلني؟
10. لماذا لا نعطي تلك المقترحات فرصة التجريب في مدرستين أو ثلاث في كل محافظة وندرس نتائج تلك التجارب ونرى الفرص والمخاطر والسلبيات والإيجابيات ونقرر بعدها؟".
واختتم منشوره بالقول: "في النهاية، إذا لم تكن لدى الوزير أجوبة شافية عن كل ما ذكرته، أليس من حقنا أن نعرف من يضع لنا أجندة التعليم؟ وماذا يراد بالتعليم المصري من مثل هذا العبث"؟.