السؤال: هل يجوز للإنسان إذا كان موظَّفًا أن يضيع وقت العمل بقراءة الصحيفة، وبالحديث مع زميله أوقاتا قد تطول؟ وما حكم استخدام المال العام لأغراض شخصية، كاستخدام جهاز التصوير والهاتف والورق والأقلام وغيرها؟ نرجو بيان ذلك.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
الإنسان الذي يعمل بأجر لابد أن يؤدي عمله حتى يستحق أجره، فإذا أدى الإنسان العمل استحقَّ الأجر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أعطوا الأجيرَ أجرَه، قبل أن يجفَّ عرقه"(1). ويقول في الحديث القدسي الذي يحكيه عن رب العزة تبارك وتعالى: "قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة". من هؤلاء الثلاثة: "ورجل استأجر أجيرًا، فاستوفى منه، ولم يعطِهِ أجرَه"(2).
فقد ربطت هذه الأحاديث بين الأجر والعرق والأجر وإستيفاء ما طلب منه تأديته؛ ولذا فلا بد من أن يؤدي الموظف عمله على أتم وجه، ولا يجوز له أن يضيع العمل في الحكايات، ويضيع الوقت، تارة في شرب القهوة، وتارة يقرأ الجرائد، وتارة يتكلم مع زميله، وتارة يأتي له ضيف، ويضيع الوقت، فمعنى هذا أنك تأكل حرامًا، تأكل سحتا، لأنك لم تعط من الجهد والعرق ما يكافئ الأجر الذي تأخذه، فهذا عقد، والعقد شريعة المتعاقدين، الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1).
فلا بد أن يؤدي الموظف أو العامل العمل كما ينبغي، حتى يستحق الأجر المتفَق عليه بينه وبين صاحب العمل، أو بينه وبين الدولة إن كان موظفًا حكوميًّا، فالعملُ أمانة والعامل مؤتمن عليه، فيجب عليه أن يكون رقيب نفسه، وأمينًا على نفسه وعمله، وينبغي قبل ذلك ومعه أن يراقب الله، ويعلم أنه يراه، فلا يضيع حق العمل وأوقات العمل في هذه الأشياء، حتى العبادة، ينبغي ألا تضيع وقت العمل إلا وقت الفريضة، يصلي الظهر- مثلا- وينصرف إلى عمله.
شكا لي بعض أصحاب الأعمال أن العامل أو الموظف قد يقضي نصف ساعة أو ثلثي ساعة في صلاة الظهر، يضيع وقتا في الوضوء، ووقتا ليصلي السنن، ما هذا؟! يا أخي يكفي في العمل أن تؤدي الفرض، وحاول أن تذهب إلى العمل متوضئًا، وتصلي بوضوئك هذا فرض الظهر، ويمكن أن تمسح على الجورب، هذا يوفر عليك وقتًا طويلًا؛ لأن العمل أمانة، فإذا أداه المرء كما ينبغي شعر أنه يؤدي ما يستحق عليه الأجر، وإلا كأنه يأكل حراما، ويطعم أولاده من هذا الحرام.
وهناك بعض الناس يقوم الليل ويذهب إلى العمل نعسان؛ لأنه لم ينم الوقت الكافي، أو يصوم الاثنين والخميس، فيأتي العمل في هذين اليومين متعبًا، لا يستطيع أن يقوم بعمله كما ينبغي، وإذا كان موظفا يؤخر حاجات الناس وأعمالهم، يضيع حاجات الناس الواجب عليه قضاؤها بسبب صوم نافلة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"(3). فإذا كان الصيام لا يجوز في حضور الزوج إلا بأذنه، لحقه على زوجته، فما بالك بحقوق الناس؟! الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، هذا فقه ينبغي أن يعرفه المسلمون والمسلمات.
أما استخدام المال العام لأغراض شخصية فلا يجوز، إلا ما جرى به العرف، مثل أن يكلم زوجته في البيت يخبرها بمجيئه، أو بحاجة من الحاجات، فمثل هذا جرى به العرف، وقد يجري به العرف في بعض البلاد دون بعض، في الخليج يُتسامح في مثل هذا، في حدود معقولة يقرها العرف العام، أما ما لا يقبله العرف فالأصل فيه المنع وعدم الجواز؛ لأن الإسلام يشدد في المال العام؛ لأن آكله كأنما يأكل مال الدولة كلها، ومن يختلس منه وينهب منه كأنه يخون الدولة كلها، فلهذا شدد العلماء في المال العام، ما لم يشددوه في غيره.
.....
(1) رواه ابن ماجه في الرهون (2443)، عن ابن عمر، والبيهقي في الكبرى (6/ 200)، عن أبي هريرة، والطبراني في الصغير (1/ 43)، عن جابر، وصححه الألباني في الإرواء (1497).
(2) رواه البخاري في البيوع (2227)، وأحمد (8692)، وابن ماجه في الرهون (2442)، عن أبي هريرة.
(3) رواه البخاري في النكاح (5195)، وأحمد (9734)، والترمذي في الصوم (782)، عن أبي هريرة