إن المسلم يتقلب في حياته بين أزمان مختلفة تستدعي منه وقفة جادة للاغتنام من خيراتها، ومن ذلك مواسم الطاعات التي تهل علينا وتنتظر من يحسن استغلالها، للتقرب إلى الله والفوز برضاه، فالعبادة هي سبيل رياضة النفس وتهذيبها والسمو بها عن الأهواء والشهوات والشبهات، وإذا كان الحديث عن التدريب والاستعداد فليس هناك أفضل من شهر شعبان، للتدرب فيه على أكمل وجه والاستعداد للفوز بجوائز أعظم الشهور شهر رمضان، فمن أضاع شعبان ربما يفوته الكثير في رمضان لعدم تحصيله اللياقة المناسبة لاستقبال شهر الله الكريم.
وما من عمل يعمله ابن آدم في حياته إلا ويعد له العدة خاصة إذا كان يتعلق بأمور دنياه، فكيف يكون الحال بأمور الآخرة التي هى أولى وأهم، ودائمًا ما يكون في حياتنا المحفزات التي تدفعنا لفعل بعض الأعمال والإقدام عليها، ومن هذه الدوافع التي تجعلنا نحرص على اغتنام شهر شعبان في أداء المزيد من الطاعات والعبادات، هذه الأسباب التالية:
1- رفع الأعمال إلى الله
جعل الله سبحانه وتعالى شعبان بمثابة شهر الختام لأعمال السنة كلها، ولذلك ففيه تُرفع أعمال العام الفائتة إلى الله؛ كما جاء في الحديث: (... وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)، ولهذا فإن شهر شعبان يُعد الموسم الختامي لصحيفة أعمالك عن هذا العام، فتخيل أن الملائكة تصعد بحصاد عام كامل، لتعرض أعمالك فيه على رب العالمين.
2- إحياء مواسم الغفلة
أوضح النبي سبب إكثاره الصوم في شعبان عن غيره من الشهور ليبين للأمة من بعده حجم الغفلة التي تقع في هذا الشهر، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان)، حيث يهتم الناس بشهر رمضان لما به من الجوائز والفضائل، ويعظمون شهر رجب بسبب حرمته، فأراد النبي أن يبين فضل شهر شعبان حتى لا يغفل الناس عنه، ولو تأملت لوجدت أن معظم الناس يستعدون لشهر رمضان بالمسارعة لإنهاء أعمالهم الدنيوية في شهر شعبان للتفرغ للعبادة في رمضان، وبهذا الشكل يتحول شعبان إلى شهر دنيوي وهكذا تحدث الغفلة المقصودة.
3- سلامة الصدر
ففي هذا الشهر توجد ليلة عظيمة، ينظر فيها الله سبحانه وتعالى إلى عباده فيكرمهم بمغفرته، وتتنزل عليهم البركات والرحمات؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليطَّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحِن)، فهل يوجد عاقل يمكنه أن يفوت هذا الأجر العظيم الذي يمكنه الفوز به في شهر شعبان؟!
4- التهيئة قبل رمضان
كما هو معلوم فإن شهر شعبان هو شهر التأهيل التربوي والتدريب الرباني، حيث يجب على العبد أن يكون مستعدًا جاهزًا على الوجه الأمثل للطاعة في رمضان، ومن هذا المنطلق سجب عليه أن يعد نفسه في شهر شعبان، عبر القراءة والإطلاع ووضع الخطط والتجهيزات اللازمة لكل ما يخص شهر رمضان وسبل اغتنامه، لكي يستطيع جني ثمار الغرس الذي بدأ في شهر رجب والسقيا التي تمت في شهر شعبان، فينال الجائزة المنشودة مع ختام وتوديع شهر رمضان.