حازم عيّاد

تحتاج خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأربعة عناصر متضافرة لتصبح أمرا واقعا وحقيقة ناجزة.

أولها: انكسار المقاومة الفلسطينية وهزيمتها وخضوعها للإرادة الأمريكية.

ثانيها: انصياع الحاضنة الشعبية الفلسطينية في قطاع غزة لإرادة الاحتلال الصهيوني ولإرادة دونالد ترامب.

وثالثها: تعاون الدول العربية وعلى رأسها الأردن ومصر مع المشروع الامريكي.

وأخيرا، تمكن الولايات المتحدة من احتواء التداعيات الخطيرة لهذا المشروع على أمن المنطقة وعلى نفوذها المتجذر منذ أكثر من خمسة عقود في المنطقة تحت مسمى (السلام الأمريكي).

و بالنظر إلى العامل الأول فإن المقاومة الفلسطينية لم تنكسر ولم تهزم، وهو ما اتضح في بنود صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع الاحتلال الصهيوني، و تعزز في مشهد استعادة السيطرة والأمن على كامل أرجاء قطاع غزة، سيطرة امتزجت بمشهد تبادل الاسرى مع الاحتلال الصهيوني وعودة النازحين الى الشمال، فالمقاومة حاضرة في الميدان، وإزاحتها يتطلب العودة الى حرب غير مضمونة النتائج، فضلا عن كونها خيار مكلف بجعله عملية التهجير والابادة الجماعية عنوان للحرب.

العامل الثاني يتمثل بانصياع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة للإرادة الأمريكية، الأمر الذي بات واضحا أنه غير متيسر، فالفلسطينيون النازحون إلى الجنوب عادوا إلى الشمال خلال أيام ثلاثة يقارب تعدادهم نصف المليون إنسان، في عرض أحرج إدارة ترامب والدول الأوروبية التي سارع اتحادها لتفعيل دور المراقبين وأرسلهم إلى معبر رفح في حين علا صوت المنظمات الأممية في المحافل الدولية لإغاثة الشعب الفلسطيني على أرضه خلافا لإرادة ورغبة ترامب والمحيطين فيه من الموالين لحكومة اليمين الفاشي داخل الكيان الصهيوني,

العامل الثالث والمتمثل بتعاون الدول العربية من أجل استقبال المهجرين من قطاع غزة وتمويل عمليات توطينهم ونقلهم من أرضهم، فقد واجه انسدادا وفشلا برفض الأردن ومصر لهذه المقترحات، بل المسارعة إلى مؤسستها عبر اجتماع وزراء خارجية دول الخماسية الى جانب السلطة في رام الله والجامعة العربية في القاهرة للتأكيد على ضرورة دعم الفلسطينيين على أرضهم ورفض تهجيرهم، في مقابل الإعلان عن مؤتمر لاعادة الإعمار بإشراف مصري ودعم عربي سعودي اماراتي قطري، وتذكير بحل الدولتين عبر الاشارة الى التحالف الدولي الذي أنشأته السعودية قبل أشهر قليلة.

 

اجتماع القاهرة تفاعل معه ترمب سريعا لعلمه بأن دول الاعتدال العربي التي يعول عليها لتمرير مشروعه ورسم معالم سياسته في المنطقة تمثل الكتلة الصلبة التي تقف على رأس الرافضين لمشروع التهجير، الأمر الذي بدد أوهامه في الضغط على القاهرة وعمان.

 

وآخر هذه العوامل يتمثل بقدرة أمريكا وإدارتها الحالية على احتواء التداعيات الأمنية والجيوسياسية لخطوة التهجير على أمن الإقليم والنفوذ الأمريكي، فامريكا وإدارة ترمب ليست في وارد العودة للحرب وعزل نفسها واستنزاف طاقتها في الآن ذاته في مشروع لن يتحقق، إذ يمثل عنوان لفشلها السياسي والعسكري، وعنوان لإعاقة التقدم في علاقاتها مع دول المنطقة وعلى رأسها الشركاء في المملكة العربية السعودية التي أعادت طرح ملف علاقاتها مع إدارة ترامب من بوابة التحالف دولي لحل الدولتين.

 

بالنظر الى العناصر الأربعة يمكن القول: إن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها حركة المقاومة حماس والشعب الفلسطيني في قطاع غزة عائق أساسي وحائط صد أول و رئيسي للمشروع الترامبي، تعزز بموقف عربي في مركزه الأردن ومصر، ومن ورائه مجتمع عربي و دولي رفع الكلف على إدارة ترامب وهدد بنزف خطير للنفوذ الأمريكي في المنطقة.

فمشروع التهجير لن يضمد جراح أمريكا والكيان الصهيوني النازفة بعد طوفان الاقصى، بل سيعمق هذه الجراح ويطيل من أمد نزيف نفوذها في المنطقة، وهي خلاصة تفاعل العوامل الأربعة منفردة، فكيف الحال إن اجتمعت معا في المواجهة مع إدارة ترامب.؟

 

في الختام..إن الكلف المرتفعة يرجح أن تدفع إدارة ترمب للمراهنة على مفاوضات المرحلة الثانية، بتذخيرها بسلاح التجويع والحرمان من الإعمار لإضعاف المقاومة وإنجاز المهمة، وهو خيار مصيره الفشل، فما لم تفلح فيه أمريكا بالحرب والتدمير في قطاع غزة لن تفلح فيه بالمفاوضات ايضا.

المصدر: السبيل