مع وضع حرب طوفان الأقصى أوزارها بعد 470 يومًا من الأهوال والمجازر والمعارك الدامية والبطولية التي خاضتها المقاومة ضد العدوان الصهيوني، يكثر التساؤل حول ما إذا كانت الفاتورة التي دفعها الشعب الفلسطيني من دمه وحريته ومستقبل أبنائه شملت الكل الفلسطيني، أم أنها كانت من نصيب الشعب المظلوم دون قادة المقاومة الذين اتخذوا قرار هجوم السابع من أكتوبر 2023؟.

 

تأتي أهمية الإجابة عن هذا التساؤل للإسهام في الإجابة عما إذا كان متخذو القرار من قادة المقاومة لهم أجندتهم الخاصة البعيدة عن طموحات وأولويات الشعب الفلسطيني أم أنهم يُعبرون عنها ويستعدّون لدفع الثمن مع شعبهم سعيًا لتحقيق أهدافه وآماله؟.

 

إلى جانب التحليلات السياسية والعسكرية والتي تقيس النجاحات بالأهداف والنتائج، سواء على المستوى القريب أو البعيد، يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال معرفة ما إذا كان هؤلاء القادة قد دفعوا ثمن قراراتهم أم لا؟ وكم كانت تلك التضحيات وعلى أي مستوى؟، وفي هذا التقرير إشارة إلى أبرز من استشهدوا من قادة المقاومة خلال الحرب (فيمن أُعلن عن اغتيالهم أو ارتقائهم في معارك)، ليتسنى لكل متابعٍ معرفة أي طريق اختار هؤلاء؟: جني الثمار أم بذل الأرواح؟.

 

إسماعيل هنية

 

في صباح يوم 31 يوليو 2024 أعلنت حركة حماس اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في غارة على مقر إقامته في العاصمة طهران، وذلك خلال زيارته للعاصمة الإيرانية للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان.

 

أما عما بذله هنية بسبب موقعه القيادي في حركة حماس، فقد تعرض لمحاولات اغتيال سابقة، إذ جُرحت يده يوم 6 سبتمبر 2003 إثر غارة للعدو الصهيوني استهدفت بعض قياديي حماس من بينهم الشيخ ياسين، كما قصف الاحتلال منزله في قطاع غزة عدة مرات في حروبها على القطاع المحاصر سعيًا لاغتياله.

وخلال معركة طوفان الأقصى، كان لعائلة هنية نصيب كبير في الاستهداف الصهيوني؛ حيث صرح -عقب استشهاد أبنائه، أن شهداء عائلته بلغ عددهم 60 شهيدًا خلال الحرب، وقد استهدفت غارة للاحتلال منزلًا لعائلته، ما أسفر عن استشهاد 3 من أبنائه و4 من أحفاده، وذلك في صبيحة أول أيام عيد الفطر المبارك.

 

وعلّق هنية حينها، مؤكدًا أن استهداف أبناء القادة وعائلاتهم "سيجعل المقاومة أكثر تمسكًا بمبادئها وأرضها"، وقال: "من يظن أن استهداف أطفالي أثناء المفاوضات وقبل التوصل لاتفاق، سيجبر حماس على التراجع عن مطالبها، فهو واهم".

 

وفي الـ 25 من يونيو 2023 استشهد 10 أشخاص من عائلة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، بينهم شقيقته، في قصف صهيوني استهدف منزلهم في مخيم الشاطئ غرب غزة الليلة الماضية، في وقت أقر فيه الاحتلال بمسئوليته عن الغارة.

 

صالح العاروري

 

وفي الثاني من يناير 2024 أعلنت حركة حماس أن الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس مكتبها السياسي، وقائد الحركة في الضفة الغربية، اغتيل في هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية استهدف مبنى يضم مكتبًا لحماس في بيروت، مضيفة أن اثنين من قادة كتائب عز الدين القسام استشهدا أيضًا في الهجوم.

 

ولاعتباره أحد قادة المقاومة الفلسطينية تعرض العاروري للاعتقال عام 1992 في سجون الاحتلال، وحكم عليه بالسجن 15 عامًا بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام بالضفة، ثم أفرج عنه عام 2007، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله بعد 3 أشهر لمدة 3 سنوات حتّى عام 2010؛ حيث قررت المحكمة العليا الصهيونية الإفراج عنه وإبعاده خارج فلسطين.

 

وأدرج العاروري على القائمة الأمريكية لـ"الإرهابيين الدوليين" عام 2015، وعرضت وزارة الخارجية الأمريكية ما يبلغ 5 ملايين دولار عام 2018 مقابل من يدلي بمعلومات عنه عبر برنامجها "مكافآت من أجل العدالة".

 

وأثناء حرب طوفان الأقصى، هدم الاحتلال منزل العاروري يوم 31 أكتوبر 2023 بالمتفجرات في منطقة عارورة بالضفة الغربية المحتلة، وكان قبلها قد اعتقل 20 شخصًا في الـ 25 من الشهر نفسه من بينهم شقيق العاروري و9 من أبناء أخيه.

 

وفي لقاء مصور له مع قناة الميادين أثناء حرب طوفان الأقصى، قال العاروري: "الآجال والأعمار بيد الله وأنا عمري ما توقعت أن أبلغ هذا العمر أصلًا، والشهادة ولقاء الله هو الفوز العظيم الذي نتمنى ان تختم لنا به الحياة".

 

وفي لقاء مصور مع قناة الميادين، قال العاروري: "الآجال والأعمار بيد الله وأنا عمري ما توقعت أن أبلغ هذا العمر أصلا، والشهادة ولقاء الله هو الفوز العظيم الذي نتمنى ان تختم لنا به الحياة".

 

يحيى السنوار

 

وبتاريخ 17 أكتوبر 2024 استشهد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (الذي خلف الشهيد إسماعيل هنية)، في اشتباك مع قوات الاحتلال في حي تل السلطان بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة؛ وقد نعته الحركة في اليوم التالي لاستشهاده، مؤكدة أن "السنوار ارتقى مقبلا غير مدبر مشتبكًا في مقدمة الصفوف ويتنقل بين المواقع القتالية”.

 

ونقلت مصادر إعلامية صهيونية عن جيش الاحتلال قوله: "إن العملية التي استهدفت السنوار في مدينة رفح لم يكن مرتبا لها، وإنما حدثت مصادفة، حين رصدت قوة من الجيش 3 من عناصر القسام في أحد المباني وخاضت معهم اشتباكًا أدى إلى مقتلهم، ويعتقد أن أحدهم هو السنوار".

 

وكان السنوار قائدًا لحركة حماس في قطاع غزة قبل معركة طوفان الأقصى، وحتى استشهاد رئيس المكتب السياسي الأسبق إسماعيل هنية، ويُشار إليه أنه المسئول الأول عن اندلاع معركة طوفان الأقصى، وكان المطلوب الأول لدى الاحتلال الصهيوني طوال عام من الحرب، ورصد الصهاينة 400 ألف دولار لمن يدلي بأي معلومة عنه.

 

ويذكر أنه في 20 يناير 1988، اعتقل السنوار (عقب اعتقالات سابقة) وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين صهيونيين، وقتل 4 فلسطينيين يشتبه في عمالتهم مع الاحتلال، وصدرت في حقه 4 مؤبدات (مدتها 426 عاما)، وظل أسيرًا في سجون الاحتلال حتى أفرج عنه في عام 2011 ضمن صفقة وفاء الأحرار، بعد أن قضى 23 عامًا داخل الأسر.

 

وقد تعرض منزل السنوار للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية صهيونية في مايو 2021، وفي 6 ديسمبر 2023، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو محاصرة قوات جيش الاحتلال منزل السنوار لكن لم يتم الوصول إليه.

 

وكان مشهد استشهاد السنوار الذي بثه جيش الاحتلال بعد تصويره بطائرة مسيرة، مثيرًا للعدو والصديق؛ إذ إن جيش الاحتلال كان دائمًا ما يشيع عنه اختباءه داخل الأنفاق بعيدًا عن المواجهات مع الاحتلال، بينما أثبت استشهاده والتقارير التي خرجت نتيجة تحقيقات العدو نفسه لاحقًا أنه كان يقود معارك واشتباكات خلال شهور الحرب.

 

جميلة الشنطي

 

وفي 18 أكتوبر 2023 استشهدت القيادية في حركة حماس، وأول عضوة بالمكتب السياسي للحركة، جميلة الشنطي، وذلك في غارة جوية شنها الاحتلال الصهيوني على منزلها، لتصبح ثالثة أعضاء المكتب السياسي الذين استشهدوا مع بدء عملية طوفان الأقصى، إذ سبقها القياديان زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة.

 

وقد نجت الشنطي من محاولة اغتيال فاشلة بعد مرور 3 أيام على نجاحها بكسر حصار فرضه الاحتلال على عدد من المقاومين الفلسطينيين لجأوا إلى مسجد في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، وذلك بقيادتها مسيرة نسائية في الثالث من نوفمبر 2006.

 

استهدفت طائرات الاحتلال منزلها، مما أسفر عن استشهاد زوجة أخيها وشخصين كانا بالقرب من المنزل، بينما نجت هي بسبب عدم وجودها في الموقع المستهدف حينها.

 

كانت مجموعة من النماذج للقادة الذين تصدروا معركة طوفان الأقصى، وقد كانوا قبلها في صدارة من يدفعون ثمن مقاومتهم للاحتلال من أبنائهم وأموالهم وحرياتهم وأعمارهم، وعندما حانت المواجهة الكبرى في حرب الطوفان لم يتأخر هؤلاء القادة عن الصفوف الأولى للشهداء، هم وعائلاتهم، ليثبتوا أن وراء المقاومة بذل المهج والأرواح لا قطف الثمار والعيش بسلام، وأنهم بما يُقبلون عليه من قرارات المواجهة مع الاحتلال، إنما يسعون لتحرير الأرض والمقدسات الذي يستوجب بذل الغالي والنفيس.