حدد مدير مركز رؤية للدراسات الاستراتيجية، الدكتور أحمد العطاونة، ثلاثة سيناريوهات لسير الحرب الصهيونية على غزة، وسط تحديات داخلية وإقليمية ودولية معقدة، مشيدًا بأداء المقاومة الفلسطينية ميدانيًا وسياسيًا رغم العزلة الكبيرة التي تواجهها.
وأوضح العطاونة في مقابلة مع المركز الفلسطيني للإعلام أن السيناريو الأول، وهو المفضل لدى الفلسطينيين والمقاومة، يتمثل في التوصل إلى اتفاق شامل يتضمن وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، تدفق المساعدات، وضمان الإعمار، إلى جانب تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة قطاع غزة بالتوافق الفلسطيني-المصري وبرعاية جامعة الدول العربية، وذلك لحين إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتشكيل حكومة موحدة للضفة والقطاع.
أما السيناريو الثاني، فيقوم – وفق العطاونة- على استمرار الاحتلال الصهيوني في رفض أي صيغة لوقف إطلاق نار دائم، مما يعني إطالة أمد العدوان وتحوله إلى مقاومة مستمرة ضد احتلال جزئي غير قادر على فرض سيطرته الكاملة، مشيرًا إلى أن هذه الحالة قد تطول لعام أو أكثر، بحسب قوة المقاومة ومدى الضغوط الدولية.
وبخصوص السيناريو الثالث، أشار إلى أنه ضعيف الاحتمالية، ويتمثل في منح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الضوء الأخضر للاحتلال لتكثيف المجازر، بهدف تهجير داخلي واسع في غزة وفرض إدارة عسكرية إسرائيلية.
لكنه حذر من أن هذا الخيار يحمل مخاطر على الاحتلال، خصوصاً بما يتعلق بمصير الأسرى الصهاينة لدى المقاومة.
تقديرات بالتوصل إلى اتفاق
ورجّح العطاونة أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب خلال فترة من الأشهر، مشيرًا إلى أن السيناريوهات الأخرى معقدة وتحتاج إلى تدخل وضغوط دولية حقيقية لفرض حل مستدام.
وبيّن العطاونة أن إطالة أمد الحرب لا يرتبط فقط بنتنياهو، بل بطبيعة المنظومة الصهيونية بأكملها، التي تشمل أحزاباً يمينية متطرفة ومؤسسات أمنية وعسكرية منسجمة مع الحكومة.
وأوضح أن حكومة الاحتلال الحالية تتمتع باستقرار قوي بدعم 68 عضوًا في الكنيست، وتتبع خطة "الحسم النهائي" التي تهدف لإخضاع الفلسطينيين وإنهاء مشروعهم الوطني، مدعومة بضعف البيئة الإقليمية والدعم الأمريكي المطلق.
أداء المقاومة الفلسطينية
وأشاد العطاونة بأداء المقاومة الفلسطينية، معتبرًا أنها أبلت بلاءً حسنًا منذ اللحظة الأولى للحرب، حيث أثبتت قدرة عالية وإرادة صلبة في ميدان القتال رغم التدمير الشامل الذي لحق بالبنية التحتية لغزة، مؤكدًا استمرار المقاومة في بيت حانون ومناطق أخرى يفترض أنها دمرت منذ الأيام الأولى.
وعلى الصعيد السياسي، أوضح أن المقاومة قدّمت مبادرات سياسية ناضجة منذ بداية الحرب، تدعو إلى وقف إطلاق النار، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وفق القرارات الدولية، مشددًا على أن هذا الأداء السياسي جاء متناغمًا مع الأداء العسكري رغم محدودية الاستجابة الدولية.
ضعف الحراك الشعبي العربي والدولي
وانتقد العطاونة ضعف الحراك الشعبي العربي والإسلامي مقارنة بالحراك في الدول الغربية، مبينًا أن المجتمعات الغربية أظهرت ديناميكية أعلى في التعبير عن رفضها للعدوان على غزة، بينما تراجعت الفاعلية العربية بسبب قمع الحريات وعدم وجود ضغوط حقيقية على الحكومات.
وأكد أن تحركات الشارع، رغم أهميتها، لم ترتقِ إلى مستوى التأثير المطلوب على القرارات السياسية، متسائلًا عن عجز الدول العربية، رغم القمم والاجتماعات، عن إدخال الماء والدواء إلى غزة المحاصرة.
انهيار الأداء السياسي الفلسطيني الرسمي
وفي الشأن الداخلي الفلسطيني، عبّر العطاونة عن أسفه لما وصفه بـ"الانحدار والتفكك" الذي أصاب المؤسسة القيادية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن تعيين حسين الشيخ نائبًا لمحمود عباس يعكس حالة عجز وانفصال عن واقع الشعب الفلسطيني.
وأضاف أن هذا التغيير جاء استجابة للضغوط الدولية وليس بمبادرة وطنية، مؤكدًا أن هذه اللحظة الصعبة تتطلب من الحركة الوطنية الفلسطينية إعادة بناء مؤسساتها على أسس مقاومة وصمود.
معركة وجودية ضد المشروع الوطني الفلسطيني
وختم د. العطاونة حديثه بالتأكيد على أن ما يجري في غزة هو معركة وجودية تهدف إلى تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، داعيًا إلى وحدة وطنية حقيقية وإعادة بناء المؤسسات السياسية بما ينسجم مع تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.