تبحث حكومة الانقلاب مواجهة العجز المتزايد في تدبير مشروعات البنية الأساسية بقطاعات الكهرباء والنقل والزراعة المعطلة والمدرجة بموازنة 2025-2026، ببيع المزيد من الأصول العامة، لمستثمرين محليين وأجانب. توظف حكومة الانقلاب سلطتها في توجيه المدخرات الهائلة بالبنوك العامة، لإقراض شركات الكهرباء والنقل، مقابل ضمانات الأصول المملوكة لها بالمحافظات، مع التوسع في منح تلك الجهات سلطة بيع وتأجير الأصول، لمساعدتها في سداد الديون المتراكمة عليها، دون الاستعانة بالدعم المالي من موارد الموازنة العامة للدولة.

 

ووافقت لوزارة النقل على التفاوض مع بنوك محلية ودولية عدة، لتدبير نحو أربعة مليارات دولار خلال عام 2025، لاستكمال مشروعات مترو الأنفاق ومونوريل والقطار السريع والسكك الحديدية الكهربائية المتصلة بالعاصمة الإدارية الجديدة، المتأخر تنفيذها خلال العامين الماضيَين، بسبب نقص التمويل وتراكم الديون المستحقة للموردين ومقاولي التنفيذ.

 

وأسندت حكومة الانقلاب للشركة المصرية لنقل الكهرباء، التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة، تمويل مشروعات "الدلتا الجديدة" شمال غربي العاصمة، التي يقيمها جهاز مستقبل مصر التابع لوزارة الدفاع، والذراع الفنية والإدارية المكلَّفة من قائد الانقلاب لاستصلاح مليوني فدان، وإنشاء محطات المياه والكهرباء ومدّ الطرق في المشروع الزراعي.

 

وكلفت هيئات وشركات وزارات التموين والزراعة والتعمير، بالبحث عن مصادر تمويل لحساب جهاز مستقبل مصر، لتمويل إقامة مجمعات التصنيع الزراعي وصوامع الغلال ومدّ شبكات الري الحديثة، لعدم قدرتها على الاقتراض مباشرة من المصادر المحلية والأجنبية لتمويل "الدلتا الجديدة"، التي يتعارض تنفيذها مع اتفاق الحكومة مع صندوق النقد، على وضع سقف للاستثمارات الحكومية في حدود تريليون جنيه، والالتزام بخفض الدين العام المحلي والخارجي حتى عام 2027.

 

وألزمت حكومة الانقلاب البنك المركزي بالسماح للبنوك العامة الكبرى، البنك الأهلي ومصر والقاهرة، بتدبير قروض بقيمة 50 مليار جنيه، لتمويل شراء معدات محطات ومحولات وشبكات توزيع الكهرباء، لصالح الشركة المصرية لنقل الطاقة، تشمل تنفيذ محطتَي توليد بقدرة 350 ميجاوات وعدد من محطات المحولات، المقرَّر إنشاؤها خلال العام المالي 2025-2026.

القطاع الخاص وتوسع الديون

 

وقالت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الكهرباء إن الحكومة ستُدخِل القطاع الخاص في ملكية الأسهم والأصول بالشركة المصرية لنقل الكهرباء، خلال العام الجاري، عبر طرح أسهم الشركة الوحيدة من نوعها والمحتكرة لنقل الطاقة المولَّدة من محطات التوليد، والشركات الخاصة المنتجة للطاقة الشمسية والمتجدّدة، إلى شركات التوزيع والقطاعات الصناعية والإنتاجية التي تشتري الكهرباء على الجهود الفائقة العالية 220 و66 ألف فولت.

 

ووفقاً للمصدر، تخطط حكومة الانقلاب لإخراج الشركة المصرية لنقل الكهرباء من سلسلة ديون هائلة، أُحيطت بها خلال السنوات العشر الماضية، تزيد قيمتها عن مائتي مليار جنيه، ببيع جزء من أسهمها لشركات دولية متخصصة، لتدبير موارد ذاتية لتمويل مشروعات شبكات التوزيع والربط الكهربائي مع السعودية والسودان واليونان وإيطاليا، والحد من تزايد الدين المحلي الذي يضاعف ديون الشركة كل أربع سنوات، وفقاً لتقديرات مسؤولين بوزارة الكهرباء.

في سياق متصل، تُجري وزارة النقل مفاوضات مع شركات مصرية وأوروبية وتحالف يضم بنوكاً ألمانية وفرنسية لاستكمال قروض وتمويل المشروعات المدرجة حديثاً بموازنة 2025-2026، والمعطلة من ميزانية 2024-2025، وتشمل استكمال بناء المرحلة الأخيرة بمشروع خط مترو الأنفاق الثالث والمرحلة الأولى من الخط الرابع الذي يربط بين منطقة الأهرام بالجيزة وشرق القاهرة، وخط القطار السريع والمونوريل، بسبب الإجراءات التقشفية التي فرضها صندوق النقد الدولي على توجيه موارد الموازنة العامة، للإنفاق على مشروعات البنية الأساسية الكبرى، غير المدرة لعائد أو التي تدرّ عوائد مالية بعد فترات زمنية طويلة، مثل السكك الحديدية والطرق والكباري والمشروعات العقارية.

 

كلفت حكومة الانقلاب وزارات النقل والمالية والتنمية المحلية، بإجراء حصر شامل لتلك الأصول، خلال ثلاثة أشهر، تمهيداً لبدء بيع الأراضي والطرق المسجَّلة على جوانب خطوط الهيئة القومية للأنفاق، بالتوازي مع إحياء مشروع استغلال الأصول المسجَّلة على جوانب خطوط السكك الحديدية القديمة، لاستخدام عوائدها في تمويل مشروعات السكك الحديدية والمترو والمونوريل، التي تواجه صعوبة كبيرة في التنفيذ، بسبب ندرة السيولة، وعدم قدرتها على تدبير قروض محلية أو أجنبية لاستكمال المراحل المعطلة بالعام المالي الجاري 2024-2025، والمدرجة بموازنة 2025-2026.

مخالفة الالتزامات الدولية

 

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد خزيم أن توجّه الحكومة نحو تمويل مشروعات البنية الأساسية غير الربحية، بعيداً عن الموازنة العامة للدولة، محاولة التفافية من جانبها على الشروط التي وعدت صندوق النقد الدولي بالالتزام بها، عند توقيعها على اتفاق القرض الأخير بقيمة ثمانية مليارات دولار، الذي بلغنا مرحلته الرابعة حالياً، بعد أن تسبب في تعويم الجنيه، أفقده نحو 40% من قيمته في مارس 2024.

ويوضح خزيم أن إسناد الحكومة للهيئات والشركات العامة المنفذة لتلك المشروعات، مهمة الحصول على قروض من البنوك المحلية والخارجية بالدولار والجنيه، يعكس عدم اهتمامها بالتزايد الهائل في قيمة الديون التي أصبحت تستهلك 65% من الموارد المالية بالموازنة العامة، ومع علمها أن هذه المشروعات لا تحقق مكاسب، بل تزيد من الخسائر الفادحة بالمال العام، فإنها لا تهتم بدفع تلك الجهات إلى الإفلاس أو التخلص من الديون المتراكمة عليها بمئات المليارات، وفقاً للتقديرات الحالية، بالإسراع في بيع تلك الأصول، وغضّ النظر عن خطورة هذه البيوع على الأمن القومي للدولة أو ارتباط صفقات البيع بسلاسل فساد واسعة.

 

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الحكومة التي تعتدي على مبدأ وحدة الموازنة العامة، الذي يُمكِّن نواب الشعب والمواطنين من الرقابة على صرف المال العام، تواصل بهذه الطريقة تجزئة الموازنة العامة، لتصبح مقسَّمة بين موازنة للصرف على الرواتب والأجور للعاملين بالدولة، وأخرى للهيئات الاقتصادية، وثالثة للصناديق الخاصة غير الخاضعة للرقابة، ورابعة للهيئات التي تدير مشروعات مشتركة مع شركات الجيش والأجهزة السيادية، كهيئة المجتمعات العمرانية التي تستثمر في العاصمة الإدارية والعلمين، وشركات استصلاح الأراضي والطرق والإسكان الفاخر.